المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

تحول عثر: إشكاليات التحول الديمقراطي في مصر بعد عامين على ثورة 30 يونيو

الإثنين 06/يوليو/2015 - 11:27 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. يسرى العزباوى
قام الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال الفترة الماضية بالعديد من المنجزات، والتى استطاع من خلالها خلخلة العديد من المشكلات التى واجهت الدولة المصرية عقب ثورتى 25 يناير و30 يونيو، خاصة على صعيد الأمن القومى وملف السياسة الخارجية. أما على الصعيد الداخلي،
 فهناك بعض النجاحات الملحوظة، والتى يأتى على رأسها استعادة المصريين الثقة بينهم وبين النظام السياسى القائم، وإنجاز مشروع قناة السويس والذى سيرى النور بداية أغسطس المقبل. وعلى العكس، لا يستطيع أحد أن ينكر بأن هناك العديد من الملفات مازالت قيد الحل، أو ربما مؤجلة، وبحاجة إلى إستراتيجية ورؤية واضحة. وقد برز ذلك جليا فى عدد من الملفات، أو الإشكاليات التي بحاجة إلى البحث عن حلول ناجزة ونهائية، على النحو التالي:
لم تبذل السلطة جهودًا حقيقية لضبط سلوك الإعلام المنفلت، وإذ كانت هناك مبررات لعدم السيطرة على الإعلام الخاص، فلا يوجد أى مبرر للسكوت على الإعلام الرسمى

أولا- إجراء الانتخابات البرلمانية:
وهى الخطوة الثالثة من خريطة الطريق، وينتظرها العالم أجمع. وكانت هناك تأكيدات على إجرائها نهاية العام الماضي، تم تأجلت إلى بداية هذا العام ثم إلى نهايته. وخلال هذه الفترة كانت هناك عدة دعوات متتالية من الرئيس إلى التوحد فى قائمة وطنية واحدة، تحظى بدعمه شخصيًا، وهو ما يتنافى مع أسس وقواعد اللعبة الانتخابية الديمقراطية، والتى لابد أن تقف فيها السلطة التنفيذية على الحياد. وقد فشلت الحكومة تكرارًا ومرارًا فى إيجاد الإطار القانونى الناظم للعملية الانتخابية، وشاب ما تم وضعه من قوانين شبه عدم الدستورية، وهو ما يجعل وضع البرلمان المقبل على المحك، مثل قبله من البرلمانات السابقة. وفى هذا الإطار، تحاول السلطة التنفيذية الآن أن تحصن البرلمان المقبل عبر قانون يسن من أجل هذا الغرض، وهو ما يعد خطيئة سياسية كبرى، تصل فى فحواها إلى الإعلان الدستورى المكبل الذى أصدره الرئيس الأسبق محمد مرسي، وربما يؤدى إلى مزيد من الانقسامات السياسية فى المجتمع، ويشكك فى شرعية البرلمان المقبل.

ثانيا- إعادة تنظيم الإعلام المصري:
 حتى هذه اللحظات لم تبذل السلطة جهودًا حقيقية لتنظيم وضبط سلوك الإعلام المنفلت، وإذ كانت هناك مبررات لعدم السيطرة على الإعلام الخاص، فلا يوجد أى مبرر للسكوت على الإعلام الرسمى (الصحافة والتليفزيون) حيث عجزت الحكومة عن إعادة هيكلة وتصحيح الأوضاع المضطربة داخل المؤسسات الإعلامية الرسمية، وتركت المجلس الأعلى للصحافة، والذى فشل فشلاً منقطع النظير فى العمل على تطوير المؤسسات القومية إلى الحد الذى أصبح المجلس نفسه عبئًا على الجماعة الصحفية فى ظل سيطرة مجموعة إيديولوجية سياسية عليه، وعلى مجلس إدارات الصحف القومية التى تحولت إلى أحزاب سياسية أكثر منها مؤسسات مهنية تخدم بالأساس المواطن المصري، والتوجهات العامة للدولة، وهو ما وفر بيئة مناسبة لسحب البساط من وسائل الإعلام المصرية لصالح بعض الصحف والقنوات العربية والإقليمية، وأفقدت مصر أحد أهم مصادر القوة الناعمة.

ثالثا- احتواء الشباب الغاضب:
 إذ أن الخطوة التى اتخذها الرئيس بالإفراج عن مجموعة من الشباب بمناسبة شهر رمضان الكريم أثلجت صدر الكثيرين، ولكنها لا تكفى بالمرة، حيث خلت القائمة من أسماء بعض الشباب الذين لعبوا دورًا مهمًا فى إسقاط نظام جماعة الإخوان، التى مارس كل أنواع الاستبداد الدينى والسياسي، ومازال البعض يتطوق شوقًا للإفراج عن باقى الشباب المحبوس على ذمة قضايا متعلقة بانتهاكهم قانون التظاهر. يضاف إلى هذا غياب واضح لمسألة تمكين الشباب فى المواقع القيادية فى مؤسسات الدولة، وتفعيل دور من تم اختيارهم كمستشارين للوزراء. إن غياب إستراتيجية واضحة لتمكين الشباب يظل إحدى المعضلات الكبرى التى تواجه نظام ما بعد 30 يونيو، خاصة فى ظل تحول ثورة التوقعات لدى الشباب إلى ثورة إحباط قد تنفجر فى أى وقت لاحق.
تسود علاقة غير صحية تمامًا بين الدولة وبعض مؤسسات المجتمع المدنى منذ 25 يناير. وتتسم هذه العلاقة بما يعرف بأن هناك «تار بايت»
رابعا- طبيعة وشكل النظام السياسى الجديد:
 أن شكل النظام الجديد لم يتضح، أو يتبلور، بعد حيث لا يستطيع أحد أن يجيب إذ ما سئل حول ما هى الفلسفة السياسية أو الإطار العام الحاكم للتوجهات الرئيسة للنظام الجديد حتى الآن، أو على أقل تقدير، ما هى الرؤية الإستراتيجية الحاكمة لعمل مؤسسات الدولة المختلفة، وما هى الأدوات التى يعتمد عليها. وهو ما يؤكد الرئيس نفسه، بأنه يحتاج إلى خطط أو مقترحات بها أدوات تنفيذ، ونست السلطة التنفيذية أنه على النخبة تقديم مقترحات أو تصورات عامة لكيفية مواجهة المشكلات، وأن على السلطة التنفيذية أن تجد الطرق والسبل للتنفيذ.
وفى ظل حالة الضبابية السياسية التى يوجد فيه النظام، مازال الرئيس يعتمد على شعبيته وعلى الثقة بينه وبين الشعب فقط، ولكن الخوف كل الخوف من تآكل هذه الثقة مع تزايد حجم المشكلات اليومية للمواطن، بسبب فشل مؤسسات الدولة فى التعاطى الجيد مع الاحتياجات الأساسية للمواطن، وهو ما جعل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل يؤكد فى أحد حواراته التليفزيونية على ضرورة قيام الرئيس بثورة على نظامه، فى إشارة واضحة إلى حجم المعوقات والمشكلات التى مازالت بحاجة إلى حركة أسرع من الرئيس.
أضف إلى ما سبق، لا توجد معارضة واضحة المعالم، إذ ما تم استثناء جماعة الإخوان التى تقوم بأعمال إرهاب وليس أعمال معارضة، وهو ما يشكل عبئًا إضافيًا على النظام. خاصة وأن المعارضة هى جزء من النظام السياسى القائم، ولا تشكل قيدا على الحكومات، بل هى عامل مساعد، وذلك لأن إحدى الوظائف الأساسية التى تقوم بها المعارضة هى التقييم والتقويم والمسألة للسياسات القائمة وإيجاد بدائل لما يجب أن يكون. وبالتالي، فعلى الرئيس العمل على تشجيع وبلورة قوى المعارضة، وليس إلقاء تهم الخيانة والعمالة على كل من يختلف مع فى الرأى أو الرؤية.

خامسًا- محاربة الفساد السياسى والاقتصادى:
لا شك فى أن هناك علاقة قوية بين انتشار الفساد من ناحية وارتفاع مستوى الفقر ومستوى التطور الديمقراطي، فالدول غير الديمقراطية ذات النظم التسلطية هى الدول الأكثر فسادا والعكس صحيح. وفى هذا الإطار، فإن انتشار ظاهرة الفساد فى فترة ما قبل الثورات المصرية كان يعود إلى خلل هيكلى فى طبيعة العلاقات بين سلطات الدولة الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، فضلاً عن الخلل فى استقلالية الأجهزة الرقابية، وعدم التنسيق فيما بينها، وعدم كفاءتها المادية والبشرية وإلى التضارب التشريعى الذى نتج عنه تضارب المصالح، وهو ما جعل المشرع الدستورى يؤكد فى دستور 2014 فى مادته «218» على أن تلتزم الدولة بمكافحة الفساد وتلتزم الهيئات والأجهزة الرقابية بالتنسيق فيما بينها فى مكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، ولكن أيضًا فى ديباجة الدستور بضرورة غلق الباب أمام أى فساد وأى استبداد. وعلى الرغم من هذا لم تتحرك الدولة قيد أنملة فى تعرية ومواجهة الفساد الذى ارتكب فى العهود السابقة، بالرغم من تعهد الحكومة بالتحرك فى إعادة النظر فى تخصيص الأراضى الواقع على طريق مصر إسكندرية الصحراوى أو غيرها، إلا أن الجميع مازال ينظر إلى أن الحكومة مازالت يدها مرتعشة تجاه العديد من قضايا الفساد التى وقعت فى العهود السابقة.
أن الدولة ومؤسسة الرئاسة مازالت تفتقد البوصلة تجاه ضرورة تفعيل دور الأحزاب، كأحدى أدوات النظم السياسية الديمقراطية
سادسًا- العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني:
وهو أحد الملفات المهمة التى بحاجة إلى وضعها فى ترتيب متقدم على أجندة الرئيس، ولا تتحمل أيضًا أى تأجيل، حيث تسود علاقة غير صحية تمامًا بين أجهزة الدولة وبعض مؤسسات المجتمع المدنى منذ 25 يناير. وتتسم هذه العلاقة بما يعرف فى العامية المصرية بأن هناك «تار بايت» بين بعض أجهزة الدولة وبين مؤسسات العمل الأهلي، خاصة بعدما قامت جماعة الإخوان باستخدام العديد منها للسيطرة على الدولة المصرية. وهنا، نسجل أن على مؤسسات المجتمع المدنى دورًا مهمًا فى إعادة تصحيح الصورة الذهنية المغلوطة عنها من جانب، وكشف المنظمات المشبوهة من جانب ثان. وعلى الدولة ألا تضع البيض كله فى سلة واحدة، وذلك لأن قوة أى دولة فى العالم، تقاس بمدى قوة المجتمع المدني، كما بات على الدولة أن توفر البيئة والإطار القانونى الجيد لعمل هذه المؤسسات دون قيد أو شرط، مع ضرورة إحكام الرقابة وتنفيذ القانون على المخالف منها.

سابعا- تقوية الأحزاب السياسية:
 تبدو معظم الأحزاب والقوى السياسية فى مصر مفككة، وهو ما يزيد فى صعوبة التحديات التى تواجهها. وبالرغم من محاولات الرئيس تجميع الأحزاب فى قائمة واحدة، لتوحيد الصف الوطنى فى هذا المرحلة من عمر الدولة المصرية، وبالرغم من التقائه بقيادة الأحزاب أكثر من مرة، واحتوائه لأزمة حزب الوفد التى كادت تعصف به، إلا أن الدولة ومؤسسة الرئاسة مازالت تفتقد البوصلة تجاه ضرورة تفعيل دور الأحزاب، كأحدى أدوات النظم السياسية الديمقراطية. والجميع، بمن فيهم الحزبيون أنفسهم، يعرف ما آلت إليه الحياة الحزبية من غياب الأطر المؤسسية التنظيمية لعمل الأحزاب، ونخبوية وفردية الإدارة، والتشابه الكبير فى البرامج والأسماء، إلا أن هذا لا يعنى بالضرورة الهجوم عليها أو تهميش دورها.
وبناء عليه، فعلى الرئيس – شخصيًا - دور حتمى فى ضرورة تفعيل عمل الأحزاب، من خلال إعادة النظر فى قانون رقم (12) لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977، برفع القيود عن شروط تأسيس أو استمرار أى حزب سياسي، وإلغاء اللجنة القضائية التى تعطى التراخيص لقيام ونشأة الأحزاب السياسية على أن تقوم بوظائفها الهيئة الوطنية الدائمة للانتخابات، كما هو مأخوذ به فى العديد من الدول الديمقراطية.
إن رفع كفاءة الأداء فى الجهاز الإدارى للدولة هو إحدى القضايا الملحة التى تنتظر التحرك من الرئيس شخصيًا، وذلك بهدف تحقيق النهضة ورفع المعاناة عن المـواطنين
ثامنًا- ضرورة الحفاظ على تحالف 30 يونيو:
 والذى تكون من منابع فكرية وسياسية متنوعة، نحو اتجاه وهدف واحد، هو التخلص من حكم الإخوان. وظهر التحالف كاصطفاف وطنى بين فئات القوى السياسية والمجتمعية. إلا أنه بعد فترة قصيرة بدأت الشروخ واضحة المعالم، وذلك نتيجة عدة أسباب: أولها إعلاء المصالح الحزبية والشخصية عن المصالح القومية الوطنية التى شهدتها فترة ما قبل وبعد 30 يونيو، خاصة من بعض القيادات السياسية لهذا التحالف.  ثانيها بعض السياسات الخاطئة التى ارتكبت من قبل الأجهزة التنفيذية، مثل إصدار قانون التظاهر دون توافق وطنى حوله، واعتقال عدد من شباب الثورة.  ثالثها تأخر الانتخابات البرلمانية، وهو ما أدى إلى مزيد من الانقسام والصراع بين قوى هذا التحالف. رابعها سرعة عودة بعض رموز الحزب الوطنى، خاصة من رجال الأعمال، الذين يسعون لمحاولة السيطرة على النظام الجديد.

تاسعًا- تحقيق العدالة الاجتماعية وغياب الرؤية التنموية:
 حيث قامت الثورات المصرية بالأساس من أجل المطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وإذا كانت العدالة الانتقالية تسعى إلى النظر فى الماضى للتعرف على إساءة حقوق الإنسان، فإن التنمية تسعى إلى ذلك من خلال رؤية للمستقبل تهدف إلى بناء مجتمع الجودة. والمدخل الملائم لتحقيق العدالة الاجتماعية هو زيادة معدلات النمو الاقتصادي، وتحسين آليات توزيع الدخل بحيث تدخل كافة الشرائح الاجتماعية فى دائرة المستفيدين، ولا يعمل على تهميش الفئات التى لا تجد من يمثلها فى دوائر صنع القرار.

عاشرًا- إصلاح الجهاز الإداري للدولة:
 إن رفع كفاءة الأداء فى الجهاز الإدارى للدولة هو إحدى القضايا الملحة التى تنتظر التحرك من الرئيس، وذلك بهدف تدعيم قدرته على الوفـاء برسالته الأساسية لتحقيق النهضة التنموية المأمولة ورفع المعاناة عن المـواطنين عنـد التعامل مع أجهزة الدولة وغيرها، ولا يمكن بلوغ هذا الهدف إلا مـن خـلال معالجـة المشاكل التى تراكمت على الجهاز الإدارى، ووضع سياسات تحاصر المشـاكل، وضـع القواعد لمعالجة التفعيل بهدف تحديث نظم الإدارة الحكومية وصولا لرفع كفاءة الأداء.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟