المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. سلوى العنترى
د. سلوى العنترى

مصيدة الديون الخارجية

الأحد 19/يونيو/2016 - 12:11 م

أعلن البنك المركزى مؤخرا أن إجمالى الدين الخارجى لمصر قد بلغ نحو 53.4 مليار دولار فى نهاية مارس 2016، بما يعنى أنه قد ارتفع بأكثر من 5.3 مليار دولار خلال مدة لا تتجاوز تسعة أشهر. وعلى الرغم أن هذه الأرقام قد أثارت هلع المواطن العادي، إلا أن الحكومة ترى على العكس أن الدين الخارجى لمصر يقع فى حدود آمنة تماما، وأن هناك مجالا كبيرا للتوسع فى الاقتراض من الخارج.

التوجه الذى تعكسه وثائق الموازنة العامة للدولة على مدى ثلاث سنوات هو السعى لتخفيض تكلفة القروض الحكومية من خلال تنويع مصادر التمويل، بما فى ذلك الاقتراض من الخارج، باعتبار أن أسعار الفائدة على النقد الأجنبى أقل كثيرا من سعر الفائدة على الجنيه المصري. وثائق الموازنة العامة خلال العامين الماضيين كانت تؤكد أن الحكومة عندما طرحت سندات للاقتراض من أسواق المال الدولية قد فتحت الباب لقطاعات الدولة المختلفة للجوء لتلك الأسواق كمصدر للتمويل. يعنى باختصار الحكومة تتبنى سياسة الاقتراض من الخارج وتشجع قطاعات الدولة المختلفة على أن تحذو حذوها!

طبعا تتساءل وأتساءل معك كيف تضع الحكومة يدها فى المياه الباردة وهى تكرس هذا التوجه للتوسع فى الاقتراض الخارجي. إلا أن الحكومة من جانبها ترى أن الدين الخارجى لمصر يخص جهات عديدة منها البنك المركزى المصرى والبنوك المختلفة وسائر القطاعات الأخري. وحيث أن نصيب الحكومة من إجمالى الدين الخارجى هو فى الواقع أقل من 46%، كما يمثل نحو 7.6% فقط من الناتج المحلى الإجمالي، فلا يوجد إذن أى مبرر للقلق. لكن الحقيقة أن هناك ألف مبرر للقلق. الديون الخارجية لمصر، بغض النظر عن الجهة المقترضة، تمثل التزاما يتعين سداده خصما من موارد مصر من النقد الأجنبي. ومادامت أن هذه الموارد محدودة وغير مستقرة فإن خدمة القروض الخارجية تمثل عبئا على حصيلتنا من النقد الأجنبي، وضغطا على سعر صرف الجنيه. الجهات المقترضة ستلجأ بالضرورة إلى الجهاز المصرفى لتدبير النقد الأجنبى اللازم لها حين يحل موعد سداد الفوائد والأقساط. وإذا كانت موارد البنوك لا تسمح ستلجأ الجهات المقترضة إلى السوق السوداء لتغطية احتياجاتها. باختصار أيا ما كانت الجهة المقترضة فإن الأثر على موارد مصر من النقد الأجنبى وقت السداد لن يتغير. وزارة المالية والحكومة كلها تعلم أن بيانات الدين الخارجى فى كل الدنيا تتحدث عن إجمالى الالتزامات الخارجية للدولة ومدى ما تمثله من عبء على ناتجها المحلي، وتتحدث عن مدفوعات الفوائد والأقساط وما تمثله من عبء على حصيلة الدولة من النقد الأجنبي. بيانات الدين الخارجى فى كل الدنيا تفحص مدى قدرة الدولة ككل، وليس الحكومة فقط، على مواجهة التزاماتها الخارجية.

طبعا هناك اقتصاديون ينبرون للتنظير للحكومة ويؤكدون صحة التوجه الحالى للتوسع فى القروض الخارجية. أعجب ما يطرحونه فى هذا الصدد هو أن نسبة الدين الخارجى للناتج المحلى الإجمالى فى مصر أقل كثيرا من المتوسط السائد فى منطقة الشرق الأوسط! بجد.. كيف تواتيهم الجرأة على هذه المقارنة؟ كيف نقارن الوضع فى مصر مع دول الخليج التى تملك احتياطيات دولية ضخمة بالنقد الأجنبى واستثمارات مالية وأصولا هائلة فى الخارج؟ كيف تواتيهم الجرأة على إجراء هذه المقارنة ونحن »نلصم« فى احتياطياتنا الدولية كى ترتفع قدرتها على تغطية وارداتنا السلعية لعدد مأمون من الشهور؟ كيف تواتيهم الجرأة على المقارنة ونحن نعلم مدى هشاشة هذه الاحتياطيات أصلا والتى يتمثل الجزء الأكبر منها فى ودائع يتعين علينا ردها لأصحابها فى آجال محددة؟ كيف تواتيهم الجرأة على المقارنة وقد أصبحت ديوننا الخارجية قصيرة الأجل، أى الديون التى تمثل التزامات حالة يتعين مواجهتها، تعادل أكثر من 41% من تلك الاحتياطيات الهشة؟

ارتفاع الدين العام مشكلة كبيرة بالطبع، إلا أنه لا يمكن التعامل مع مخاطر الدين المحلى والدين الخارجى على قدم المساواة. اليابان مثلا تعانى من ارتفاع الدين العام الذى تتجاوز نسبته 260% من الناتج المحلى الإجمالي. إلا أن الدين الخارجى لا يمثل أكثر من 7% من إجمالى ذلك الدين العام. ويقابل هذا الدين الخارجى احتياطيات دولية ضخمة واستثمارات وأصول مملوكة للبنوك والشركات اليابانية فى الخارج تغطى أضعاف أضعاف الدين الخارجي. على النقيض من ذلك نجد أنه عندما احتدمت أزمة الدين الحكومى لليونان منذ سنوات قليلة لم تكن المشكلة أن الدين العام يشكل أكثر من 140% من الناتج المحلى الإجمالي. المشكلة الحقيقية هى أن 61% من ذلك الدين كان مستحقا للبنوك الأجنبية وأسواق المال الدولية، وأن اليونان لم تكن تملك الموارد اللازمة لدفع فوائد وأقساط هذا الدين.

التوسع فى المديونية الخارجية ثم العجز عن السداد فى بداية التسعينيات هو الذى دفع بنا إلى طلب إعادة الجدولة من الدول الدائنة وأوقعنا تحت شروط صندوق النقد الدولي، التى أسفرت عن تفكيك بنية مصر الإنتاجية وتحويلنا إلى دولة مستوردة لكل شيء ومعتمدة تماما على الخارج. يجب ألا نقع مجددا فى تلك المصيدة. التعامل مع الاقتراض الخارجى يجب أن يكون بميزان حساس يأخذ فى الاعتبار قدرتنا على السداد بما يتطلبه ذلك من طول أجل القروض وانخفاض التكلفة، وتوجيه التمويل إلى المشروعات التى تدعم قدرتنا على النمو و توليد عائد يكفل سداد المديونية. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟