المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمود جمال عبد العال
محمود جمال عبد العال

الدوافع والتفاعلات .. عودة سياسات الشارع وأثرها على العملية السياسية في العراق

الأربعاء 16/أكتوبر/2019 - 05:35 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تعتبر أدبيات العلوم السياسية أن الاحتجاجات رغم أنها نموذج معبر لحالة الديمقراطية المباشرة عن طريق نزول الجماهير بأجسادها للتعبير عن مطالبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا أنها تبرز حالة من عدم الاستقرار داخل النظام القائم نظرًا لوجود اختلالات هيكلية بمؤسساته والميكانيزمات التي تعمل خلالها هذه المؤسسات. ونشطت تظاهرات العراقيين هذه الأيام بعد شعورهم بضعف حكومة "عادل عبد المهدي" وعجز النظام ككل في الوفاء بمتطلباتهم المعيشية المتمثلة في مكافحة الفقر والفساد، وتوفير الخدمات كالكهرباء والماء، وتوفير فرص العمل. وغلب على هذه المظاهرات غياب النخب السياسية التقليدية والمرجعيات الدينية إلى جانب تركيز المحتجين على المطالب المتعلقة بأحوالهم المعيشية.

أسباب الاحتجاجات

                دائمًا ما يُمثل عودة العراقيين إلى توظيف سياسات الشارع (التظاهرات) ورقة رابحة للضغط على منظومة الحكم والنخب السياسية للتغيير والإصلاح. ونجحت هذه الاستراتيجية في الضغط على حكومة نوري المالكي (2006-2014) الذي كان متمسكًا إلى أبعد حد باستكمال فترته في رئاسة الحكومة رغم الفشل الأمني والاقتصادي الذي أودى إلى إسقاط الجيش العراقي وتمكن تنظيم الدولة الإسلامية من السيطرة على مناطق كبيرة من البلاد. وسنعرض فيما يلي أسباب تجدد التظاهرات مرة أخرى ضد حكومة عادل عبد المهدي.

1.      انتشار الفساد: يعتبر المحللون أن الفساد والطائفية والإرهاب دمروا مشروع العراق في مرحلة ما بعد صدام حسين. وتُعد فترة المالكي أكثر الحقب فسادًا في تاريخ العراق. ويرى المحتجون أن حكومة "عبد المهدي" فشلت في مكافحة الفساد؛ حيث أعلن عبد المهدي تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد فور الإعلان عن تشكيلة حكومته، ولكن لم يستطع هذا المجلس تقديم أي شيء في هذه القضية، وهو ما اعتبره البعض أن العراق يحكمها مجموعة من المافيات. ورأى البعض عدم دعم الأحزاب التقليدية، والمرجعية الدينية لهذه الاحتجاجات بسبب تورط النخبة السياسية والدينية في قضايا الفساد. وكاستجابة للضغوط والمظاهرات الأخيرة أعلن المجلس الأعلى لمكافحة الفساد إحالة ملفات 9 من كبار المسؤولين إلى القضاء(1). وقد أعلن مكتب الرئيس العراقي "برهم صالح" في جلسته في 14 أكتوبر/تشرين الأول عن إحالة جميع ملفات قضايا الفساد، للمحاكم دون إبطاء أو تأخير، كما توصل الاجتماع إلى تشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق والتوصل إلى حقيقة ما حدث في التظاهرات خاصة أحداث قنص القوات الأمنية وقتل المتظاهرين واقتحام القنوات الإعلامية وذلك كاستجابة للمهلة التي منحها آية الله "السيستاني" للحكومة لإعلام الرأي العام العراقي بحقيقة ما حدث.

2.      تزايد معدلات الفقر: رغم أن العراق تمتلك رابع أكبر احتياطي نفطي في العالم إلا أن شعبها يعاني من فقرٍ مدقع؛ حيث يعيش أكثر من 22.5% من السكان يعيشون على أقل من 1.90 دولار وفق تقارير البنك الدولي لعام 2014(2)، وقد ساءت بالفعل هذه النسبة خاصة بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء من العراق وتدمير البنية التحتية العراقية كمحطات المياه والكهرباء والطرق والكباري إضافة إلى ارتفاع تكلفة إعادة بناء الجيش العراقي.  وقد مثل الفقراء والعاطلون وقود هذه التظاهرات وهو ما انتبهت له الحكومة المركزية؛ حيث استوعبت المظاهرات بالعديد من القرارات السياسية والاقتصادية التي تعزز من المطالب الاجتماعية ودعم الطبقات الفقيرة مثل دعم العاطلين عن العمل بمنح، وتوفير التدريب المهني للعاجزين عن العمل، وتسهيل قروض الإسكان وتوزيع عدد كبير من الأراضي والوحدات السكنية للفئات الأكثر احتياجًا.

3.      النفوذ الإيراني: رفع المتظاهرون العراقيون شعارات ضد الوجود الإيراني في بلادهم؛ حيث تم تفعيل هاشتاجات مناهضة لإيران على مواقع التواصل الاجتماعي مثل " طرد إيران مطلب عراقي". واتهم المتظاهرون إيران والميليشيات العسكرية التي تقف خلفها مثل الحشد الشعبي بقتل المتظاهرين وقنص ضباط أمن والعمل على إلصاق طابع العنف بالاحتجاجات. وقد رصدت قناة العربية تصريحات لمسؤولين سابقين بميليشيا الحشد الشعبي يؤكد على العلاقة الوثيقة بين إيران والميليشيات العسكرية في العراق، وأشار المصدر إلى وجود قناصين أعلى أسطح المباني، ووجود كشوفات بأسماء الناشطين والصحفيين لاعتقالهم في أي وقت وهو ما جعل البعض يفر إلى إقليم كردستان العراق.(3)

4.      ضعف الخدمات: تعاني البنية التحتية العراقية من حالات التدمير الذي أحدثته ميليشيات تنظيم الدولة الإسلامية. ويُعد تدمير البنية التحتية المتعلقة بالكهرباء والمياه والطرق أحد أهم بواعث تجدد احتجاجات الشعب العراقي سواء في المناطق الجنوبية التي يسيطر الشيعة على أغلبيتها أو المناطق الغربية السنية.

5.      ارتفاع معدلات البطالة: بجانب الفقراء، يُمثل العاطلون وقودًا إضافيًا للموجة الاحتجاجية؛ حيث تصل نسبة البطالة بين الشباب العراقي إلى 25% إضافة إلى وجود 1.8 مليون نازح لا مأوى لهم، ويقدر البنك الدولي كلفة إعادة البناء بـ 90 مليار دولار خلال خمس سنوات.(4)

 

 

التفاعلات مع الاحتجاجات

1.      الحكومة العراقية: مثلت الاحتجاجات سخطًا على النخبة السياسية الحاكمة، ولكن قوبلت تحركات المتظاهرين بالعنف والرصاص والقمع الشديد الذي أدى إلى مقتل أكثر من 200، وإصابة حوالي 6000 وهو ما كان يُنذر بدخول البلاد إلى موجة جديدة من عدم الاستقرار لولا تعاطي الحكومة بجدية في القرارات ورفض الأحزاب والمرجعية دعمها بشكل واضح. واتخذت الحكومة العراقية 17 قرارًا وإجراءً يغلب عليهم الاقتصادي والاجتماعي لامتصاص غضب الجماهير واحتواء الاحتجاجات مثل فتح باب التقديم على الأراضي السكنية، واستكمال توزيع 17 ألف قطعة سكنية للمستحقين من ذوي الدخل المحدود في محافظة البصرة، والعمل على بناء 100 ألف وحدة سكنية، وتكليف المحافظين بتشكيل لجان لفرز أسماء العائلات الأكثر حاجة في محافظاتهم من أجل شمولهم بتوزيع الأراضي السكنية، ومنح مكافآت للعاطلين والمحتاجين للعمل لمدة معينة(5). إلى جانب القرارات الاقتصادية، أعلن مكتب رئيس الجمهورية العراقية عن توصل اجتماع الرئاسات الثلاث (مجلس الوزراء، ورئاسة الجمهورية، ومجلس النواب) الإفراج عن جميع المعتقلين الذين تم القبض عليهم على إثر الاحتجاجات الأخيرة.

2.      المرجعيات الدينية: رغم دعوة الزعيم الشيعي "مقتدى الصدر" للحكومة العراقية للاستجابة لمطالب المحتجين والتجهيز لانتخابات مبكرة إلا أنه لم يدعو أنصاره للمشاركة في الاحتجاجات. ودعا الصدر أنصار كتلته لمقاطعة جلسات البرلمان(6). ويعتبر البعض أن هذا الموقف ما هو إلا إثبات وجود للصدر بهدف ضمان استمرار تصدره للساحة. أما عن موقف آية الله "علي السيستاني" فلم يدعم الاحتجاجات صراحة، ولكنه عمل على مسك العصا من المنتصف من خلال الدعوة إلى احترام حق المتظاهرين في الاحتجاج السلمي والعمل على حمايتهم وتنفيذ مطالبهم. وقال في خطبة الجمعة: "نأمل أن يغلب العقل والمنطق ومصلحة البلد عند من هم في مواقع المسؤولية وبيدهم القرار". وحمَّل السيستاني حكومة "عبد المهدي" مسؤولية غزارة الدماء في صفوف المتظاهرين. وحدد السيستاني مدة أسبوعين للوصول إلى نتائج شفافة حول هذه الدماء، وبالتالي تسارع حكومة عبد المهدي الزمن للوصول إلى نتائج شفافة إرضاءً للمرجعية الدينية في النجف. وقد صوت مجلس النواب على إدخال تعديل وزاري على حكومة "عبد المهدي" فيما يتصل بحقائب التربية والصحة والصناعة والتجارة والهجرة.

3.      الميليشيات العسكرية: اتهم المحتجون إيران بدعم ميليشيا الحشد الشعبي بقتل المتظاهرين وقنص قوات الأمن إضافة إلى اقتحام العديد من القنوات التلفزيونية مثل مكتب قناة العربية ببغداد. وكذلك تجاوز الميليشيا دورها الأمني لتمارس ضغطًا سياسيًا على الحكومة مثل الضغط على الحكومة لإقالة "عبد الوهاب الساعدي" نائب رئيس المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب، والذي يعتبره العراقيون واحدًا من أبطال الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.

ختامًا؛ ظهرت الاحتجاجات العراقية بصبغة عفوية عابرة للأيديولوجيات والطوائف والأحزاب والعشائر وهو ما هدد إيران وميليشياتها التي عملت على إلصاق طابع العنف بهذه الاحتجاجات تمهيدًا لقمعها خاصة أن المحتجين رفعوا شعارات مناهضة لطهران مثل هاشتاجات "طرد إيران مطلب عراقي"، و"إيران برة برة، بغداد تبقى حرة".  وقيام عدد من المتظاهرين بحرق العلم الإيراني متهمين طهران بدعم الميليشيات لإضعاف الدولة وتقويض دورها في حفظ الأمن.

الهوامش

1.             Streets of fury Iraq’s government seems powerless to halt protests in the Shia heartland, The Economist,  https://econ.st/2M9fv83

2.       الفقر في العالم العربي.. أرقام صادمة، الحرة، https://arbne.ws/2BnMgI1

3.       فظاعات تظهر في احتجاجات العراق.. واتهام لعصابات إيرانية، العربية، https://bit.ly/2ISAv0I

4.       ارتفاع عدد قتلى الاحتجاجات في العراق إلى 156 وإصابة أكثر من 4 آلاف شخص، سي ان ان، https://cnn.it/2OMEj7L

5.       العراق.. مجلس الوزراء يصدر 17 قرارا لاحتواء الغضب، روسيا اليوم، https://bit.ly/2Bfta7p

6.      مظاهرات العراق: الصدر يدعو الحكومة للاستقالة والتحضير لانتخابات مبكرة بإشراف أممي، بي بي سي، https://bbc.in/2VbnmoH

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟