المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ عبد المنعم المشاط
د‏.‏ عبد المنعم المشاط

مصر فى عيون الغرب: القضاء والإعلام والسلطة

الإثنين 12/مايو/2014 - 11:15 ص
سافرت إلى الولايات المتحدة ودول أوروبية أخري، والتقيت بالعديد من القيادات السياسية والإعلامية والمتخصصين فى شئون الشرق الأوسط، وعلى عكس ما حدث عام 2011، 
حيث حضرت، فى نيويورك، مؤتمرًا حول التغييرات الاستراتيجية فى الوطن العربى بعد الثورات العربية، واستمع إليّ الحضور بشغف ورحبوا بمفهوم الثورة وعلمية انطباقه على الثورات التونسية والمصرية والليبية مع التحفظ على مدى ملاءمته فى حالتى اليمن وسوريا؛ فقد أصر الجميع على إثارة تساؤلات جدية حول الحالة المصرية، وما إذا كانت الثورة لا تزال قائمة ومستمرة وما هى مؤشرات ذلك، أم نحن بصدد ردة عنيفة عنها، لا نقول ثورة مضادة، ولكن إعادة إحياء المؤسسات ذاتها بصورة جديدة، أثاروا تساؤلات من نوع أحكام المحاكم المصرية بشأن النشطاء السياسيين من ناحية، والأحكام الجماعية المتعلقة بمئات الإخوان، والتى تقضى بإعدام العشرات وتحويل أوراق العديد منهم إلى المفتى من جانب محكمة المنيا، أثاروا تساؤلات حول دور الإعلام المصرى فى هذه المرحلة وعلاقته بالسلطة السياسية، وما إذا كان يمكن أن يطلق عليه «إعلام» أم ماذا؟ 
وقبل تحليل أبعاد تلك التساؤلات، علينا أن نشير إلى عدة أبعاد أدت إلى تشويه الصورة القومية لمصر لدى الغرب؛ فأولاً- نجح الإخوان والتنظيم الدولى ومناصروهم فى نقل صورة مشوهة عن مصر فى العالم، واستثمر الإخوان ومناصروهم الموارد المالية الوفيرة فى هذا الأمر، واستطاعوا من خلال الإعلام المدفوع أن ينقلوا الصورة التى يرونها عن مصر إلى الخارج، ليس فقط للمسئولين وصناع القرار، ولكن أيضًا للرأى العام، وثانيًا- هناك قرارات وسياسات داخلية صدرت ولم تخدم أى غرض قومي، ولم تصدر فى التوقيت المناسب ولا بالطريق الملائم، ولم تحقق أية أهداف، ولكنها أضافت إلى البعد السابق وعضددته مثل قانون تنظيم التظاهر، والذى لم يمنع أو حتى يحد من المظاهرات، وثالثًا- محاكمة بعض رموز الثورة بحجة خرق قانون تنظيم التظاهر وإيداعهم السجن دون وجود جرائم أخرى يحاكمون عليها، ورابعًا- قيام الإعلام بما يمكن أن يطلق عليه ذبح الشخصية Character Annihilation، وبصرف النظر عما إذا كانت تعد هذه إحدى وظائف الإعلام؛ فإن الحكم على أى شخص لابد أن يكون عبر السلطة القضائية، وليس بطريق الإعلام، وقد تخصص الإعلام المصرى مؤخرًا فى ذلك، سواء بما يطلق عليه التسريبات التليفزيونية أو عرض ملفات أمنية تتعلق بالمعارضين السياسيين، والذى لا يعلمه الإعلاميون الذين يقومون بذلك، وربما يعلمون، أن كل ما يقال فى برامجهم يترجم إلى اللغات الأجنبية، ويعاد عرض ملخص له فى الإعلام الغربى بصورة تدين المرحلة بأكملها، وأخيرًا، لابد أن نسجل الفشل الذريع للدولة المصرية ومؤسساتها فى تقديم أى خطاب عاقل ومنطقى للرأى العام الدولي، فالبعثات الدبلوماسية التى ألقى عليها هذا العبء ليست لديها القدرة أو الإمكانية للقيام بهذا الدور، كما أن الدبلوماسية الشعبية التى نسمع عنها لا نعلم عن خطتها الإعلامية والحركية شيئًا، كما لا نعلم مدى قدرتها على التواصل مع الرأى العام الغربي، وما إذا كانت لديها أجندة خاصة بها أم أنها تعلى من المصلحة الوطنية.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الملايين من المصريين الذين خرجوا فى 30 يونيو ضد الحكم الثيولوجى السلطوى قاموا بثورة كاملة مكملة لثورة 25 يناير ومطالبة بنفس أهدافها؛ فالثورة مستمرة طالما لم تتحقق الأهداف الوطنية حتى الآن، صحيح أن هناك قوى عديدة، تتبع النظامين السابق والأسبق، تحاول جاهدةً إعادة توفيق الأوضاع والمؤسسات بصورة تعيد المصالح ذاتها والترابطات القديمة، بيد أن ذلك لن يحدث فى العهد الجديد، فالشعب المصرى الذى لفظ نظامين فى أقل من ثلاث سنوات لن يرضخ لأى نظام سلطوى آخر، وهو، وإن كان يسعى إلى الاستقرار من أجل التقدم؛ فإنه لن يرضى بسلطة غير دستورية أو فوق القانون، ويقينى أن الرئيس القادم سيكرس جهدًا ووقتًا لإصلاح المؤسسات العامة بصورة تيسر بناء مصر المعاصرة، ويقينى كذلك أنه سيركز على المرأة والشباب فى القيام بذلك.
أما القضاء؛ فقد تراوحت مشاهدة الغرب له ما بين البطء الشديد والإسراع العجيب فى إصدار الأحكام، ولا شك أن كل نظام قضائى يعكس طبيعة وثقافة المجتمع محل النظر، فالنظام القضائى الأمريكي، والذى يقوم على مفهوم المحلفين Juries الذين يختارون بصورة عشوائية ويصدرون الأحكام وهم غير متخصصين، قد لا يروق للمصريين أو غيرهم، ولكنه نظام ناجح ويعتد به هناك، كما أن نظام القضاء المصري، والذى يستنير برأى المفتى قبل صدور أحكام الإعدام، لا يروق للأمريكيين أو غيرهم، ولكنه يتسق وطبيعة وثقافة المجتمع المصري، وهكذا، تتباين الآراء خصوصًا حين تتعلق الأحكام بالسياسيين أو الشخصيات العامة ويعتقد أن للأحكام مسحة سياسية أو نكهة انتقامية، ويبدو أنه بالنسبة للغرب، وفى تلك القضايا بالذات؛ فإن عدم نشر الأحكام للرأى العام يوجد انطباعات سلبية خصوصًا إذا كانت الأحكام جماعية، وفى تقديري، أننا لم نشرح للعالم نظامنا القضائي، وصار الغرب نتيجة لذلك أكثر قناعة بعدم وجود نظام قضائى مستقل فى الدول العربية، وهذه تهمة ستظل معنا إلى أن يتواصل القضاة المصريون الذين يتحدثون لغات الغرب بنظرائهم لشرح النظام القضائى المصري، كما أرى أهمية نشر تفاصيل الأحكام للرأى العام، وقد يكون من المفيد أن تصدر السلطة القضائية نشرة خاصة فى صورة صحيفة أو مجلة متخصصة لنشر الأحكام وتفاصيلها.
وفيما يتصل بالإعلام؛ فحدث ولا حرج، خصوصًا فيما يتصل بالبرامج الحوارية، والتى هى أقرب إلى حلقات التسلية لربات البيوت Soap Opera، والتى تذاع أثناء النهار؛ فالذى نشاهده لا يتصل بالإعلام ومهنيته؛ فقد تحول المذيع من إعلامى محايد مجادل إلى صاحب رأي، ومن ثم، تسقط عنه المصداقية، كما أنه ليس من حق الإعلامى القيام بذبح الشخصيات العامة على الهواء، فإن توافرت لديه الوثائق ضد أى منها يلزم تقديمها إلى النائب العام، أليس المتهم بريئًا إلى أن تثبت إدانته؟ وقد يكون من العسير على الإعلامي، وللكاميرات والشاشات بريقها، أن يلزم الحياد والموضوعية، وإن كان هذا هو الفارق بين الإعلامى المحترف والإعلامى المدعي.
إن التعامل مع الغرب والدول الأجنبية يتطلب خطابًا إعلاميًا وسياسيًا من الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى يعكس حرب مصر ضد الإرهاب، لقد آن الأوان لكى تقوم السلطة المؤقتة فى البلاد بالاستعانة بالخبراء والمتخصصين لشرح وجهة النظر المصرية والتفاعل مع قادة الرأى وصناع القرار فى الخارج وعدم الركون إلى الاعتقاد الخاطئ بأن مصر لا تحتاج إلى أحد، إن تأجيل ذلك لما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يضر بالمصالح القومية المصرية ضررًا بالغًا، بينما التفاعل والتشبيك مع العالم الخارجى يعين المصريين فى مشروعهم لبناء مصر المعاصرة. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟