المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

من الثورة الإدارية إلى الخريف الرأسمالي

الأحد 01/يونيو/2014 - 10:45 ص
نهاية الصراع الإيديولوجي
يمكن القول إن القرن العشرين الذي سادته الحرب الإيديولوجية الضارية بين الماركسية والرأسمالية قد انتهى في الواقع نهاية درامية حين انهارت إمبراطورية الاتحاد السوفياتي، وكان ذلك في حد ذاته إيذاناً بنهاية الحرب الباردة – على الصعيد السياسي - التي اندلعت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 بين الاتحاد السوفياتي من ناحية والولايات المتحدة الأميركية من جانب آخر.
انهيار الاتحاد السوفياتي ترتب عليه انهيار الماركسية، والتي كانت هي العقيدة الرسمية للدولة وبقاء الرأسمالية المنتصرة بمفردها في الساحة. وهذا هو الذي أدى بالمفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما إلى أن يصدر كتابه الشهير «نهاية التاريخ» والذي احتفل فيه – على المستوى الفلسفي - بالانتصار المدوي للرأسمالية.
ولا شك في أن هذه الواقعة التاريخية الفريدة وهي انهيار الإمبراطورية السوفياتية هو الذي فتح الباب مع قدوم عصر العولمة أمام ازدهار مذهب الليبرالية الجديدة الذي يدعو إلى تصفية القطاع العام وخصخصة كل المؤسسات الاقتصادية الإنتاجية، وحتى الأنشطة الخدمية المختلفة في ظل مجموعة من المبادئ المقدسة، والتي تتمثل في فتح كافة أسواق الدول أمام الرأسمال العالمي بغير حدود أو قيود بالإضافة إلى التأكيد على المبدأ الحاكم في الرأسمالية كنظام اقتصادي وهو عدم تدخل الدولة بتاتاً في الاقتصاد.
غير أن نهاية الحرب الباردة أدت إلى نتيجة أخرى على صعيد النظام الدولي وهو تحوله من نظام ثنائي القطبية يدور فيه الصراع بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، إلى نظام أحادي القطبية تنفرد فيه أميركا بحكم العالم باعتبارها أصبحت إمبراطورية لا رادّ لقرارتها في السلم والحرب على السواء!

2
غروب الامبراطورية ونهاية الرأسمالية!
من مفارقات التاريخ أنه في الوقت الذي يشهد العالم عملية الغروب الطويلة التي تمر بها الإمبراطورية الأميركية نتيجة مغامراتها العسكرية الحمقاء في فيتنام وأفغانستان والعراق وغيرها من مناطق العالم التي شهدت التدخل الأميركي الفظ، ونظراً الى تدهور قوتها الاقتصادية في مواجهة الصعود الخرافي للصين كقوة اقتصادية عملاقة ودولة كبرى يزداد وزنها الدولي كل يوم، إذا بالرأسمالية باعتبارها المذهب الاقتصادي الذي تدين به الولايات المتحدة بل وتروج له وتحرسه وتصد عنه الهجمات تنهار بالتدريج!
وقد تكون الإشارة الرمزية لهذا الانهيار هي الأزمة المالية الكبرى التي ضربت اقتصاد الولايات المتحدة في عام 2008، والتي اضطرت أوباما الى أن يضخ تريليونات عدة من الدولارات لكي ينقذ الشركات والبنوك الأميركية الكبرى ويمنعها من الانهيار الكامل، والذي كان يعني في الواقع إشهار الدولة الأميركية للإفلاس! وهكذا خالف الرئيس الأميركي مخالفة صارخة إحدى قواعد الرأسمالية الراسخة وهي عدم تدخل الدولة في الاقتصاد.
ويمكن القول إن الرأسمالية منذ نشأتها ووجهت بانتقادات شتى، سواء تعلقت بنقد كل الأسس التي قامت عليها، أو تفنيد بعض النتائج التي يمكن أن تترتب عليها، وكانت هناك انتقادات جذرية تهدف إلى إحلال مذهب اقتصادي آخر محلها في مجال الإنتاج والتنظيم الاجتماعي.
وسعى بعض أصحاب هذه الانتقادات إلى أنه ليس هناك من سبيل للقضاء على الرأسمالية إلا بالثورة الاشتراكية، في حين أن هناك اتجاهات نقدية أخرى أكثر اعتدالاً ذهبت إلى أن التغيرات البنيوية والإصلاحات السياسية يمكن أن تقّوم من إعوجاج الرأسمالية. وهناك أخيراً من رأوا ميزات كبرى في الرأسمالية، إلا أنها تحتاج إلى نوع من الضبط الاجتماعي من خلال التنظيمات الحكومية مثل حركة السوق الاجتماعي.
وأياً كان الأمر وبعيداً من هذه الخريطة المعقدة لأنصار الرأسمالية وخصومها، فإنه يمكن القول إن الرأسمالية مرت – ولا شك في ذلك - بلحظات ازدهار حقيقية في بعض الفترات التاريخية.
ويرجع بعض المفكرين هذا الازدهار إلى أنه في مرحلة تاريخية ما حدثت «ثورة إدارية» في مجال إدارة الأصول الرأسمالية. وذلك لأنه – كما قرر المفكر الأميركي جيمس بيرنهام في كتابه الشهير «الثورة الإدارية» الذي نشر في الأربعينات، انفصلت الملكية عن الإدارة ونشأت طبقة المديرين المحترفين الذين يتقاضون مرتبات كبيرة جعلتهم يستثمرون أجزاء منها في شراء الأسهم، وهكذا انضموا بالتدريج إلى فئة المالكين والتي أصبحت مع الزمن فئة عريضة بحكم النصيب الذي تحصل عليه من الأرباح الرأسمالية، مع أنها تمثل أقلية بين السكان.
ولا شك في أن الرأسمالية وفق تعبير إنست مندل استطاعت تجديد نفسها في الفترة بعد الحرب العالمية الثانية حين شهدت العديد من الدول الغربية صعود دولة «الرعاية الاجتماعية» welfare state والتي حققت العديد من المزايا للعاملين عموماً في مجال التعليم والصحة والتأمينات الاجتماعية.
غير ان أحد كبار المفكرين الاقتصاديين وهو الدكتور توماس بيكيتي وهو عالم اقتصاد فرنسي نشر عام 2013 بالفرنسية كتاباً أثار ضجة عالمية وعنوانه «رأس المال في القرن الحادي والعشرين». وترجمت جامعة هارفارد هذا الكتاب إلى اللغة الإنكليزية وباعت منه ألوف النسخ.
واعتبر الكتاب بمثابة ثورة علمية في علم الاقتصاد، لأنه كشف عن قانون علمي خطير في مجال عدم المساواة. لأنه اكتشف بعد دراسة 300 سنة من تطور الدخل في البلاد الرأسمالية وفي 23 دولة أن الاتجاه الحتمي في الرأسمالية المعاصرة هو أن عوائد رأس المال سواء من الملكية أو الأسهم والسندات والإيجارات وغيرها أصبحت أكبر من معدل النمو. ومعنى ذلك بكل بساطة أن قلة من السكان قد لا تزيد على 1 في المئة ستتحكم في الثروة الوطنية، ليس ذلك فحسب بل وستتحكم في القرارات السياسية، وبالتالي تدير شؤون الدول لتحقيق مصالحها الطبقية الضيقة على حساب مصالح ملايين السكان.
والنتيجة السياسية الخطيرة لهذا التطور الحتمي هي تحول النظام الديموقراطي الذي يقوم على التعددية وتداول السلطة إلى نظام «أوليغاركي» بمعنى «حكم القلة» أي تحكم طبقة قليلة العدد للغاية في الشأن الإنساني لملايين البشر!
بعبارة موجزة نحن أمام عمليتين تاريخيتين ستحددان مصير المجتمع الإنساني في العقود القادمة. العملية الأولى هي الغروب الطويل لإمبراطورية الولايات المتحدة ما يعني الانتقال التدريجي من النظام الدولي الأحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب يأخذ في الاعتبار الصعود المستمر لدول مثل الصين والهند والبرازيل، ومن ناحية أخرى انهيار النظام الديموقراطي بحكم هيمنة القلة على مجمل الفضاء السياسي بحكم الثروة الفاحشة التي تتراكم في خزائن أعضائها نتيجة للقانون الذي اكتشفه توماس بيكيتي، وهو أن عوائد رأس المال بصوره المختلفة ستزيد على معدلات النمو الاقتصادي، وهكذا سيشهد العالم خلال عقود قليلة نظاماً دولياً متعدد الأقطاب من ناحية، ورأسمالية صاعدة من ناحية أخرى ستؤدي إلى القضاء على الديموقراطية.
ترى ما هي حدود تدخل الدولة في الاقتصاد خصوصاً بعد الأزمة المالية الأميركية؟ وهل ستجرؤ الحكومات الرأسمالية على فرض ضرائب على عوائد الملكية بما يخفف إلى حد كبير من ظاهرة عدم المساواة المتصاعدة في شكل يهدد السلم الاجتماعي؟ هذه هي المعضلة التي يعكف المفكرون الاقتصاديون على حلها في الوقت الراهن!

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟