المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
عبد السلام الوايل
عبد السلام الوايل

تحديات «داعش» (2/1)

الإثنين 14/يوليو/2014 - 11:10 ص

الطور الجديد الذي دخلته السلفية الجهادية، طور «داعش» والخلافة، يفرض على الدولة العربية الوطنية تحديات غير مسبوقة. تحديات تختلف عن تلك التي مثلتها الظاهرة الجهادية في طوريها السابقين، والذي سيجري تبيانهما. وأكثر دولة عربية معنية بهذا التحدي المملكة العربية السعودية، لظروف النشأة وأساس شرعية الدولة. في هذه المقالة، سأتبع بعض أعمال خبراء الظاهرة الجهادية في التفريق بين طورين: الجهاد ضد العدو القريب، ثم الجهاد ضد العدو البعيد. وسأضيف طوراً ثالثاً هو طور جهاد تكوين الدولة. ثم سأستعرض التحديات الجديدة مع دخولنا هذا الطور للدولة العربية الحديثة، مطبقاً على السعودية كحالة، ومقدماً ما أرى أنه قد يساهم في الاستجابة لهذه التحديات.

طور العدو القريب: بدأت الظاهرة الجهادية المعاصرة بتنظيمات مصرية من قبيل «تنظيم الكلية الفنية العسكرية» و«الجماعة الإسلامية» و«جماعة الجهاد». قامت هذه التنظيمات في ستينات القرن الماضي، كرد فعل من طلاب ثانوية عامة على ما اعتبروه القصور في الرؤية لدى تنظيم «الإخوان» الذين اضطهدتهم الأنظمة الحاكمة في مصر، وبدأت ممارسة أجنداتها في العقود اللاحقة. تمثل رؤية هذه التنظيمات طابع الطور الأول من الظاهرة الجهادية، والتي يمكن التعبير عنها، أي الرؤية، بالتالي: سبب محن المسلمين وتقهقرهم هو تسلط أنظمة حاكمة كفرية على رقابهم وخلل عام في عقائد الناس. وأن حل هذه المعضلة يكمن في الجهاد ضد هذه الأنظمة وإسقاطها وإقامة نظم إسلامية بديلة، أو مقارعة «العدو القريب». و«العدو القريب» هو الأنظمة الحاكمة في البلدان الإسلامية فيما «العدو البعيد» هو الغرب.

طور العدو البعيد: مع الجهاد الأفغاني نشأت ظاهرة الجهاد العابر لحدود الدولة الوطنية، بتجمع مجاهدين من مجتمعات مختلفة في مكان واحد من أجل الجهاد، وهو ما تكرر في البوسنة والشيشان. تمخض عن هذا التطور في المسيرة الجهادية الانتقال إلى طور الجهاد العولمي، الذي توّج بإعلان «الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين» العام 1998، والتي تطورت بعد عامين من جبهة لتصبح جماعة واحدة باسم «جماعة قاعدة الجهاد»، والتي صارت تعرف بـ «القاعدة». تختلف رؤية هذا الطور عما قبله بتحويل المقارعة من «العدو القريب» إلى «العدو البعيد». المحاججة التي شيّد على أساسها هذا الطور سهلة: لا يمكن هزيمة «العدو القريب» بسبب دعم «العدو البعيد» له. لا يمكن التغلب على العدو القريب إلا بتخلي العدو البعيد عنه. ولن يتخلى العدو البعيد إلا عبر إيصاله إلى نتيجة أن تدخله في بلاد المسلمين مضر له وأن من الأسلم لهذا الغرب ترك المسلمين وشأنهم. للوصول إلى هذه النتيجة لا بد من هزيمة الغرب نفسه، وليس المقصود بهزيمته هنا السيطرة عليه واحتلاله، بل حمله على التخلي عن السيطرة على المسلمين من خلال استنزافه في معارك وحروب وإلحاق خسائر به تجعله يترك المسلمين وشأنهم. ولأن قيادة الغرب في عالم اليوم بيد أميركا، فلا بد من التركيز عليها بالجهاد.

بسبب أن فارق القوة بين المسلمين وأميركا يميل بشكل واضح لمصلحة الأخيرة، فقد طور «القاعدة» استراتيجية شكّلت عالم «الحرب على الإرهاب» الذي صبغ الفترة من أيلول (سبتمبر) 2001 إلى اليوم. تقوم الاستراتيجية على استدراج أميركا عبر توجيه ضربات مدوية لها. ضربات لا تترك خياراً للأميركان إلا القدوم بقضّهم وقضيضهم لاحتلال بلاد إسلامية. سيؤدي احتلال الجيوش الغربية «الصليبية» لدار المسلمين إلى نتيجتين. أولاً: إحياء روح الجهاد لدى المسلمين، الذين سيستفزهم عودة الجيوش «الصليبية» لاحتلال بلاد المسلمين. ثانياً: توريط أميركا ومعها الغرب في وحول حروب العصابات. لذا، سيصل الأميركان في النهاية إلى النتيجة المتوخاة، وهي ترك المسلمين وشأنهم، ما يخلي بين المسلمين والأنظمة «المرتدة الكافرة»، أو العدو القريب، ليسهل إسقاطها وإقامة دولة الإسلام. وكما نعرف، فإن الرد على هجمات سبتمبر 2001 كان تماماً كما توخى «القاعدة»: احتلال بلدين إسلاميين أفغانستان والعراق. «القاعدة» طبعاً كان يأمل بأن يمضي الأميركان إلى أبعد من ذلك. مع الاحتلالين بدأت استراتيجية القاعدة تحقق بعض وعودها. وطبعاً ساهمت عولمة وسائل التواصل في تفعيل أكثر لهذه الاستراتيجية فكانت الجهادية العالمية أكثر نجاعة من قبل.

لكن الوضع العراقي، والثورة السورية لاحقاً، كانا بيدراً جاء بحصاد مختلف عن حسابات حقل «القاعدة». فبدلاً من التركيز على الجيوش الغازية، طوّر الزرقاوي في العراق استراتيجية تتقصّد قوى محلية في الأساس، وعلى رأسها الشيعة، موقعاً تفجيرات تقتل مواطنين عراقيين بالمئات في التفجير الواحد. استخدم الزرقاوي «القاعدة» لمصلحته. لم يكن منظور الزرقاوي وتنظيمه التركيز على الأميركان بل على إفشال نموذجهم الموعود للديموقراطية عبر تقصّد «عملاء» أميركا من «الروافض» والسنة.

مضى الزرقاوي في تنفيذ رؤيته غير عابئ بتحفظات قادة «القاعدة»، وكذا سار على دربه القادة من بعده خليفتاه أبو عمر وأبو بكر البغداديان. بتعبير آخر، الحال العراقية أنتجت «انحرافاً» عن استراتيجية «القاعدة» بتقصدها المفاصلة مع مكون محلي والاكتفاء برحيل «العدو البعيد» عن الأرض، عوض توريطه أكثر فأكثر حتى يترك المنطقة وشأنها. اتضح أن هدف «الجهاد» في العراق تحريره من الأميركان وإقامة دولة للسنة فيه، بدلاً من عده حلبة لاستدراج «العدو البعيد». هذا كسر كبير في استراتيجية «القاعدة». هذا هو الطور الثالث من الظاهرة الجهادية. أحد تمظهرات هذا الطور «عرقنة» الجهاد، بدلاً من الحفاظ على طابعه العولمي. وربما لهذا السبب، لجأ خليفة الزرقاوي، أبوحمزة المهاجر المصري الجنسية، في خطوة مفاجئة لتنصيب قائد عراقي للتنظيم الجهادي، الذي كان اسمه في ذاك الوقت «مجلس شورى المجاهدين»، هو أبو عمر البغدادي. سيطرة العناصر العراقية على مقاليد الظاهرة الجهادية في العراق وإعلان دولة العراق الإسلامية، والتي اضطر ابن لادن لمباركتها، كانا نكسة في استراتيجية «القاعدة». ومن الملاحظ أنه منذ نشوئه وخلال 10 أعوام من مسيرته، دخلت «داعش» عناصر عراقية مدفوعة بالحميّة وشعور الاضطهاد ومشاعر وطنية وغيرة. بعض هذه العناصر، نشأت على أيديولوجيا علمانية قومية شديدة الاعتزاز بالعراق، هي أيديولوجيا «البعث». هذا المزيج من العناصر البشرية والتطورات في ساحة العراق صار يطبخ «داعش» باتجاه مختلف تماماً عما خطط له «القاعدة» من استراتيجيات. إذ كان للعناصر العراقية الجهادية أجندة مختلفة عما للقاعدة: طرد المحتل والمفاصلة مع «المرتدين والمنافقين»، أي القوى السنية التي لا تقبل بالتبعية لهم والشيعة، وإقامة دولة سلفية. فمثلها مثل القاعدة، تشكل السلفية - الجهادية جوهر خطاب «داعش». أضفت الثورة السورية بعداً على هذا المنظور وأعادت بعث الحيوية في جسد «داعش»، إذ أحيت الجاذبية الجهادية العولمية لتنظيم دولة العراق، بإعلان نفسه دولة عابرة لحدود سايكس - بيكو بين العراق وسورية. يجدر ملاحظة أن حرص «داعش» على المفاصلة مع العدو القريب يختلف عن الطور الأول، بكون البعد العولمي أحد مكوناته، لكن هذه الاستمالة لم تترافق بتكرار النموذج الأفغاني والبوسني والشيشاني، إذ يتقاسم مسلمون من جنسيات مختلفة تصدر المشهد الجهادي.

في حال «داعش»، ترحيب بالمجاهدين لكن تحت قيادة أهل البلد، بل حتى رفاق الزرقاوي من غير العراقيين أبعدوا عن مواقع القيادة مع إعلان الدولة. إذاً، عودة من استراتيجية مفاصلة «العدو البعيد» إلى استراتيجية مفاصلة «العدو القريب»، لكن بمسحة عولمية هذه المرة تسمح باستقطاب مجاهدين من كل مكان.

 نقلاً عن الحياة

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟