المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد خالد الأزعر
محمد خالد الأزعر

الإسرائيليون وبدعة البديل الآسيوي

الخميس 17/يوليو/2014 - 11:06 ص

نفهم من مطالعة التقاليد والتجارب التاريخية، أنه حين تأنس الكيانات الاستيطانية في نفسها شيئاً من الفتوة والقدرة الذاتية على الإقلاع والتحليق في الفضاءات الاقليمية والدولية، فإنها قد تسعى الى التمرد على الدول أو القوى الأم المنشئة أو الراعية أو الحامية لها. ونحسب أن الكيان الاستيطاني الصهيوني ليس بدعاً من هذه الحقيقة. هناك ارهاصات تنذر بأن إسرائيل تتحرق إلى تحويل صلتها بعالم الغرب بعامة، الشق الأوروبي منه بخاصة، من حالة التابع المطيع، إلى طور الشريك الصغير، تمهيداً للانعتاق والتعامل على قاعدة من الندية الكاملة. عطفاً على هذه التعميمات، نعتقد أن بعض الاسرائيليين يبالغ كثيراً حين يتصور أن دولتهم تملك في المستقبل ترف التوجه شرقاً شطر الفضاء الآسيوي الفسيح، عوضاً عن الارتماء التاريخي في أحضان الغرب الأوروبي.

فالعلاقات متعددة المجالات بين إسرائيل والقوى الآسيوية، لا سيما دول وسط القارة فضلاً عن الصناعيين الكبار الأربعة، اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية، أمر قائم بالفعل منذ عقود، وإن كانت هناك شواهد على تنامي هذه العلاقات خلال العقدين الأخيرين. غير أن بناء وشائج للتفاعل والتواصل بين اسرائيل وهذه القوى، بالمفهوم الاستراتيجي الشديد الخصوصية، كالذي يغلف صلة إسرائيل بعالم الغرب على جانبي الأطلسي، قضية فيها نظر. فالصهيونية وكيانها السياسي منتجات أوروبية. ولم يكن الآسيويون في أي من مراحل تاريخهم العريق أصحاب نزعات عنصرية، كالتي نبتت ونمت في رحم أوروبا، وتناسلت عنها نظريات التفوق العرقي ورسالة تمدين الآخرين وشعب الله اليهودي المختار على غرار الجنس الآري المتميز. ومن نافلة القول إنه ما كان للفكرة الصهيونية أن تتجسد في دولة، من دون المدد الغربي متعدد الأشكال. ولنتذكر أن آباء الصهيونية الأولين، بمن فيهم تيودور هرتزل، لم يلتفتوا كثيراً إلى الآسيويين.

وجاء في قرارات مؤتمر بازل لعام 1897 الذي منح الصهيونية بُعدها التنظيمي الحركي، بأن الهدف هو انشاء دولة يضمنها القانون العام. ولم يكن المقصود بهذا الضامن سوى الدول الغربية الكبرى فقط لا غير. إلى ذلك، كانت الإغراءات المعروضة من الصهيونية وعرابيها كثمن لهذا الضمان، موجهة أيضاً إلى هذه الدول. فالكيان الصهيوني المأمول «... سيكون حصناً للغرب في قلب الشرق البربري». ولهذا فشلت المساعي الصهيونية التي رمت ذات حين إلى استمالة قادة التحرر الآسيوي العظام، بانتزاع تصريحات أو رسائل أو مقولات تعطف على الصهيونية أو تنتصر لأهدافها. هذا ما حدث مع المهاتما غاندي وماو تسي تونغ وجواهر لال نهرو وهوشي منه وسوكارنو، وغيرهم. الصهيونية وإسرائيل هما في أصلهما وفصلهما الفكري والحركي الوظيفي من سقط متاع الحضارة الأوروبية. وقد قصدتا بعدوانهما على فلسطين شعباً آسيوياً، يقع في خاصرة آسيا وعلى تخومها الغربية ويصح النظر إليه كأحد ممراتها إلى أوروبا وأفريقيا. ولأن هذا العدوان جاء في أواخر عصر السيطرة الغربية الأوروبية على النظام الدولي، ومواكباً لمرحلة المد التحرري الآسيوي ضد هذه السيطرة، فقد كان من الصعب على الآسيويين هضم التغذية الاسترجاعية للاستعمار التي يعنيها المشروع الصهيوني عموماً.

وعزز من هذه الصعوبة مكانة الآسيويين في كل من منظومتي القوى الاشتراكية وعدم الانحياز، اللتين ناصبتا هذا المشروع العداء، لانحيازه بفجاجة للمعسكر الغربى. مع ذلك، فإن الاسرائيليين لم يملوا ولا فقدوا الرجاء في محاولة اختراق الجدار الآسيوي. وقد أطمعهم في نجاح هذا التوجه أخيراً، أفول نجم المعسكر الاشتراكي وشحوب دور مجموعة عدم الانحياز، وتقاطر مئات آلاف اليهود من وسط آسيا إلى إسرائيل، الذين اتخذت الأخيرة منهم جسراً للتواصل وتشبيك العلاقات متعددة الأبعاد مع أوطانهم الأم. هذا علاوة على تصدع حاجز العداء والصد العربي والفلسطيني لإسرائيل.

والحق أن اسرائيل حققت بالفعل انجازات ملموسة في هذا الإطار، إذ ارتفعت معدلات التبادل التجاري والتعاون الاستثماري والتقني والمالي، بل والعسكري والاستخباري أيضاً، بينها وبين كثير من القوى الآسيوية. وبلغ زهو الاسرائيليين بهذه الفتوحات حداً جرَّأ بعضهم، مثل موشي أرينز وزير الدفاع الأسبق، على الدعوة إلى ضرورة التحول إلى آسيا كقبلة أولى لإسرائيل عوضاً عن أوروبا «ذات التراث الحزين مع اليهود». هناك من يروج لهذه الانعطافة الفارقة، بحسبها وصفة نموذجية لمزيد من التحرك دولياً بمعزل نسبي عن سطوة الغرب، الشق الأوروبي منه بالذات.

وفي سبيل ذلك لا يتورع أصحاب هذه البدعة عن التذكير بالتواريخ السوداء للأوروبيين في اضطهاد اليهود. وهذه لعمرك من مساخر التاريخ الانتهازي للصهيونية. فالأصل أن أوروبا لم تصب غضبها وعنصريتها على اليهود وحدهم من دون كثير من الخلق، ومع ذلك فإن الأوروبيين هم أكثر من تحمل أوزاراً أخلاقية وسياسية وحقوقية واقتصادية، لأجل قيام اسرائيل وتثبيت وجودها عنوة في بلاد العرب.

القصد، أننا إزاء طموح إسرائيلي بازغ للإفلات من ولاية البيت الأوروبي الحاضن، بما يحاكي تقريباً ما جرى مع الأميركتين وأستراليا والأفريكانز في أفريقيا من قبل. غير أن هذه الرغبة الإسرائيلية شيء والقدرة على تطبيقها شيء آخر. فإسرائيل لا تستحوذ على القدرات ولا تعيش في كنف المحددات والشروط والمعطيات، التي سمحت لهذه النماذج بالخروج عن الطاعة الأوروبية. والأهم أنها لا تستطيع الزعم بوجود وظيفة لها لدى الآسيويين، تتساوى مع، أو تغنيها عن الوظيفة التي صنعت لأجلها بالنسبة الى الأوروبيين. وهي ما زالت تستعمر أرضاً وشعباً آسيويين. علينا أن نذكر أصدقاءنا وشركاءنا القاريين بهذ الحقائق. نقلا عن الحياة

* كاتب فلسطيني

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟