المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ محمد مجاهد الزيات
د‏.‏ محمد مجاهد الزيات

التقديرات المصرية للعدوان على غزة

السبت 19/يوليو/2014 - 11:43 ص

تصاعد الهجوم الإسرائيلى على غزة على مدى الأيام العشرة الماضية، وأسفر هذا الهجوم عن استشهاد أكثر من مائتى فلسطينى وحوالى ألفى جريح مع تدمير المنازل والكثير من البنية الأساسية للحياة فى غزة،

وحتى نفهم أبعاد وأسباب هذا التطور ينبغى أن نستعيد المشهد السياسى للطرفين إسرائيل وكل من حماس والجهاد قبل بداية العمليات العسكرية وبعدها.

طوال الشهور الماضية كانت إسرائيل تعانى من عزلة دولية بسبب ممارستها ورفضها لأى جهود دولية للتسوية، وتزايدت الانتقادات الدولية خاصةً الموقف الأوروبى لها، وعلى الناحية الأخرى كانت حماس تواجه عزلة إقليمية واضحة خاصةً بعد سقوط حكم الإخوان فى مصر، والاتهامات المصرية بالتورط فى الشأن الداخلى المصري، ونجاح مصر فى تدمير الأنفاق التى كانت تُمثل اختراقاً للأمن القومى المصري، هذا بالإضافة إلى افتقادها لمساندة الأطراف الحليفة القديمة سوريا وحزب الله، بسبب موقفها من الثورة السورية، وتلاقى الموقف الإسرائيلى الرافض لحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، مع موقف حماس الرافض لتفعيل هذه الحكومة.

هذا هو المشهد السياسى قبل العمليات وجاء اختطاف المستوطنين الثلاثة وفشل عملية إخفائهم كما حدث سابقاً للجندى شاليط ثم قتلهم لتفتح الباب لعمليات عسكرية مارست فيها إسرائيل إرهاب الدولة الذى كانت تخطط له منذ شهور وتنتظر المبرر من حماس للقيام به، وأسفر حصاد هذه العمليات عن هذا الكم من الشهداء والجرحي، وتدمير البنية الأساسية المدنية والأمنية والعسكرية فى غزة، واغتيال مجموعات مهمة من القادة العسكريين فى كتائب القسام التابعة لحماس وسرايا القدس التابعة للجهاد، واستنزاف مخزون الفصيلين من الصواريخ.

صحيح أن صواريخ المقاومة أثارت الذعر والخوف لدى سكان إسرائيل إلا أن تل أبيب استثمرتها جيداً للإيحاء للعالم بأن المدنيين يتعرضون لإرهاب المنصات الفلسطينية، ونسى العالم ما يتعرض له المدنيون الفلسطينيون بل أنها سعت إلى الحصول على اعتراف العالم بمشروعية عملياتها العسكرية فى غزة بأبعادها المختلفة، وجاءت تصريحات خالد مشعل من الدوحة والتى بررت خطف المستوطنين فى اعتراف واضح بمسئولية حماس عن القيام بعملية إرهابية على هذا النحو، وحديثه عن انتظار نخوة الجيش المصرى لتثير الكثير من علامات الاستفهام حول هدف حماس ومن معها من فصائل المقاومة من إعطاء إسرائيل المبرر لهذه العمليات، وما هو الهدف الاستراتيجى من ذلك، وهل حققت حماس عائداً يتناسب مع حجم الخسائر البشرية والعسكرية، ولماذا فى هذا التوقيت؟

إن الهدف الإسرائيلى كان ولا يزال على المستوى العسكرى تحديد سقف لحجم ونوعية تسليح حماس والفصائل الأخرى لا يهدد الأمن الإسرائيلى وعندما يتم تجاوز ذلك السقف تتحرك إسرائيل لضرب هذا المخزون أو استنزافه وهو ما تم عدة مرات تتحقق خلالها الاستراتيجية الإسرائيلية بهذا الخصوص، وتواصل حماس والجهاد الحديث عن منجزاتها وتطوير الأسلحة والصواريخ، دون تحقيق إنجازات عسكرية تغير من التوازن القائم بين الطرفين، كما أن حديث مشعل عن الجيش المصرى يعكس فى جانب منه محاولة توريط مصر فى عملية لم تر مصر مبررا لدى حماس للقيام بها.

وطرحت مصر مبادراتها لوقف إطلاق النار بعد مشاورات مكثفة بين الطرفين وكذلك مع الأطراف الدولية المعنية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وذلك فى إطار الالتزامات العربية لمصر وحرصها على سلامة الشعب الفلسطيني، إلا أن حماس لم تقبل هذه المبادرة ولم تتجاوب حتى الآن مع الجهود المصرية، وراهنت على الموقف القطرى التى حاولت القيام بوساطة إلا أنها فشلت فى أن تبعد مصر عن هذا الملف، كما لم تتمكن تركيا من القيام بأى إنجازات بالرغم من مساندتها العلنية لحماس والتنظيم الدولى للإخوان ولا تزال تحتفظ بعلاقات جيدة ومتطورة مع إسرائيل حيث ارتفع حجم التبادل التجارى بين البلدين فى العام الأخير لأكثر من خمسة مليارات دولار، كما بدأت تركيا تستبدل مسار تجارتها التى كانت عبر سوريا إلى دول الخليج إلى موانئ إسرائيل ثم الأردن، وهناك ربط واضح بين المنظومة الرادارية فى الدرع الصاروخى الأمريكى الموجود فى كل من كورجيك فى ملاطبا فى تركيا وتلك الموجودة فى صحراء النقب بإسرائيل، ويتم تبادل المعلومات بين البلدين، هذه الازدواجية التى تمارسها كل من قطر وتركيا لم تسمح لهما بالقيام بدور على حساب الدور المصري، وحسنا فعلت القيادة المصرية التى لم تنجر لدعاوى التورط فى أزمة ترى أنها لم يكن لها مبرر.

 

من الضرورى عند اتخاذ أى مواقف مصرية بهذا الخصوص التأكيد على عدد من الثوابت التى تنطلق من الاعتبارات الخاصة بالأمن القومى المصري. وهى أن المواقف المصرية تجاه أى أزمة أو تطورات بين إسرائيل والفصائل تحكمها المصالح المصرية والقومية ومصالح الشعب الفلسطينى بعيدا عن المزايدات وأن تحقيق الاستقرار فى منطقة الجوار الحدودى الشرقية هدف استراتيجى لمصر، يتعين على الأطراف المختلفة مراعاته.

وأن قضية فتح معبر رفح، وإن كان يتم لأسباب إنسانية إلا أنه يحتاج إلى تقنين واضح حتى يسحب مبررات كل من حماس والتنظيم الدولى للإخوان للمزايدة على مصر، رغم قانونية الموقف المصرى واتساقه مع اتفاق المعابر، إلا أنه يمكن التعامل مع المعبر كأى منفذ مصرى يطبق عليه ما يطبق على تلك المنافذ، وأن المعيار الأساسى هنا أن تتاح الفرصة لحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية لتتولى كوادرها الإشراف على المعبر طبقاً للقوانين المصرية، حيث أنه من الواضح أن حماس سوف تسعى فى إطار مساومتها للتعامل مع المبادرة المصرية لتحقق مكسبا ذاتيا من خلال معبر رفح.

لقد استنزفت إسرائيل حماس الكثير من الإنجازات التى حققتها حماس خلال الأعوام الأخيرة خاصة إعادة اعتقال إسرائيل للأسرى المحررين فى صفقة شاليط والذى زايدت بها على الرئيس الفلسطيني، كما أن العمليات العسكرية والتى كشفت خلالها حماس عن وجود الصواريخ الإيرانية M.320 تؤكد عودة العلاقات بينها وبين إيران والتى تأثرت سلبياً خلال العامين الأخيرين بسبب الموقف من الثورة السورية، وهو ما يثير التساؤل حول الدور الإيرانى فيما شهدته غزة خلال الأيام الماضية، وهل استهدفت فى جانب منها امتلاك أوراق مساومة فى ملف المفاوضات الخاصة بالملف النووى الإيرانى والتى لا تزال تواجه صعوبات كبيرة، وهل استهدفت أيضاً التأكيد على الحضور الإقليمى لإيران فى مواجهة عودة مصر إلى دورها الإقليمى ومواجهة التحالف المصرى الخليجى كقوة مؤثرة تعيد للأوضاع الإقليمية توازنها.

إن ما حدث بين إسرائيل وحماس خلال الأيام الماضية هى جولة متكررة، وفى جميع هذه الجولات يكون التساؤل الإسرائيلى هو كم تبقى من الوقت لتنفيذ الأهداف الاستراتيجية، وفى كل مرة أيضاً يدفع المدنيون من الشعب الفلسطينى الثمن، صحيح أن العمليات العسكرية كشفت عن تطور ملحوظ فى القدرات العسكرية لحماس، ونجاحها فى تطوير أسلحة إلا أن مجمل هذه الإنجازات لم تهدد الأمن الإسرائيلى بصورة مؤثرة ومن المرجح أنها ستدفع إسرائيل إلى مزيد من التطوير لأنظمة الدفاع الجوى انتظاراً لجولة قادمة.

إن عودة مصر لممارسة دور إقليمى مؤثر وفعال يقتضى بداية، موقفا داخليا متماسكا وبناء داخليا قويا ولعل مصر وهى تستكمل خريطة المستقبل فى ظل تماسك داخلى واضح ونظرة متفائلة للمستقبل، تخطو أيضاً خطوات فى مجال استعادة دورها الإقليمى المفتقد، ولعل المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار فى غزة، تعتبر خطوة فى هذا الاتجاه، تستهدف التأكيد على أنها الطرف الأكثر قدرة على القيام بدور وساطة إيجابية، وتواجه محاولات إبعادها عن الإطار الإقليمي، فالإطار العربى سوف يبقى دائرة التأثر الأكثر أهمية للأمن القومى المصري، ومن المهم هنا إدراك كافة القوى السياسية المصرية لذلك والابتعاد قدر الإمكان عن المزايدات السياسية. نقلا عن الأهرام

> رئيس المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟