المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. حمدي عبد الرحمن
د. حمدي عبد الرحمن

كيف تفكر أثيوبيا؟

الإثنين 21/يوليو/2014 - 10:41 ص

على الرغم من التقارب الحادث فى العلاقات المصرية الأثيوبية منذ انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى وتبنيه خطابا سياسيا مغايرا تجاه أثيوبيا فان الأمر يستدعى مزيدا من التروى والتدبر قبل إصدار الأحكام. ويبدو واضحاأن التاريخ بما يحمله من الأساطير والاعتقادات لا يزال موجها وحاكما للثقافة السائدة فى أثيوبيا . وعليه لا يمكن تجاوز الماضى والقفز عليه إن أرادت كل من مصر وأثيوبيا العبور إلى المستقبل وفتح صفحة جديدة فى مسيرة العلاقات بينهما.

ويلاحظ المتأمل للحوار المصرى الأثيوبى على مدى قرون عديدة أنه يزخر بالرسائل ذات الطابع الدينى والتهديدات المتبادلة التى كانت تعكس أجواء الشك وعدم الثقة بين الطرفين. اذ يرى الأثيوبيون أن النيل الأزرق أو «أبباي» باللغة الأمهرية - أبو الأنهار جميعا - هو نهر أثيوبى خالص. وقد ادعى البعض أن نهر جيحون الوارد ذكره فى الكتاب المقدس إنما هو ذلك النهر المحيط بأرض كوش فى كل من النوبة وأثيوبيا. يعنى ذلك أن ثمة توظيفا للمسيحية للادعاء بالحقوق الأثيوبية التاريخية فى نهر النيل.

ويمكن أن نشير فى هذا السياق إلى واقعة مشهورة فى تاريخ العلاقات المصرية الأثيوبية وتعبر بحق عن طبيعة الثقافة الجمعية السائدة فى البلدين. ففى منتصف القرن الخامس عشر الميلادى أرسل الامبراطور الأثيوبى زارا يعقوب خطاب تهديداً للسلطان المملوكى الظاهر سيف الدين جمقمق يذكره فيه بقدرته على تحويل مجرى النيل. يقول الامبراطور الأثيوبى :» ألا تعلم أن نهر النيل يأتى إليكم من بلدى وأنه بمقدورنا تحويل مجراه ووقف فيضانه الذى يروى بلدكم؟. لا شيء يمنعنا من ذلك غير الايمان بالله ورعاية أبنائه على الأرض». صحيح أن الامبراطور الأثيوبى عدل عن تهديده هذا وقبل بهدايا الترضية التى أرسلها له حاكم مصر ولكن دلالات الحدث تؤكد على مفردات الشك والتهديد المتبادل فى خطاب العلاقات المصرية الأثيوبية على مدى قرون طويلة.

على أن تحولا فارقا وقع فى العام 2007 والذى يمثل بداية الألفية الثالثة بالتقويم الأثيوبي، حيث أشار رئيس الوزراء الأثيوبى الراحل ميليس زيناوى فى خطاب الألفية الشهير إلى مشروع سد الألفية. عندئذ تحولت الأقوال إلى أفعال. ولم تلق أثيوبيا بالا للاعتراضات المصرية وراحت تحشد الجهود وراء هذا المشروع العملاق الذى أعيدت تسميته بعد ذلك ليصبح سد النهضة العظيم. وقد أستطاع زيناوى أن يجعل من هذا السد رمزا وطنيا من خلال حملات الاكتتاب الحماسية التى تم الترويج لها بين المواطنين فى الداخل والخارج بهدف توفير التمويل الذاتي، بالإضافة إلى الاستعانة بالخبرة الهندسية الايطالية وبعض المساعدات الصينية.

وعلى الرغم من رحيل رئيس الوزراء السابق ميليس زيناوى فى أغسطس 2012 إلا أنه ترك إرثا لا يمكن تجاهله أو التغاضى عنه. فأعمال البناء تسير على قدم وساق فى الوقت الذى لا تزال فيه المفاوضات المصرية الأثيوبية تراوح مكانها ولم تحقق بعد اختراقا يمكن التعويل عليه، أما الموقف السودانى فيتسم بالتذبذب والغموض فى غالب الأحيان. وهنا تأتى الاشكالية الثانية بعد أساطير التاريخ والادعاء الاثيوبى بملكية النهر. إنها ترتبط بآمال الحاضر والرغبة فى الصعود الاقليمى والدولي. لقد استطاع ميليس زيناوى أن يبنى صورة مشرقة لأثيوبيا من خلال ممارسة دور سياسى ودبلوماسى فاعل على المستويين الاقليمى والقارى ، وهو ما دفع بعض الأدبيات إلى وصف أثيوبيا بأنها «أسد أفريقيا» المنتظر. ولا يخفى أن تحولات المشهد الجيوستراتيجى الاقليمى ولا سيما انفصال جنوب السودان وتفتيت الصومال وانكفاء مصر على داخلها المضطرب قد ساعد أثيوبيا على بناء هذه الصورة حتى بات الجميع يتحدث عن أثيوبيا الصاعدة.

ومع ذلك فإن ميراث ميليس زيناوى يرتبط بثلاثة قيود كبرى تمثل حدودا للدور الأثيوبى على الصعيدين الإقليمى والدولي، وينبغى على المفاوض المصرى أن يأخذها بعين الإعتبار. يرتبط القيد الأول بنمط صنع القرار الراهن فى أثيوبيا حيث ترك زيناوى خليفته هيلا مريام ديسالين يحكم من خلال منظومة القيادة الجماعية. ونظرا لأن رئيس الوزراء الحالى ينحدر من جماعة عرقية محدودة فى جنوب أثيوبيا، كما أنه ينتمى إلى طائفة دينية بروتستانتية على عكس سائر أسلافه فإنه يميل إلى تبنى أسلوب توافقى فى اتخاذ القرار بحيث يرضى الجميع، وهو مايجعل عملية صنع القرار بطيئة ومعقدة.

أما القيد الثانى فإنه يتمثل فى تصاعد التوترات العرقية التى تشهدها أثيوبيا. فثمة اتجاه متزايد للتركيز على الهوية العرقية. وتذكر بعض الاحصاءات أن نحو ثلثى السكان الذين تقل أعمارعم عن (25)عاما قد ولدوا فى ظل نظام فيدرالى يميز ما بين الأورومو والأمهرة وغيرهما من القوميات. أما القيد الثالث فهو ذو طبيعة إقتصادية. فالسعى الأثيوبى لدعم الاستثمار فى مشروعات البنية التحتية ومنها سد النهضة العظيم قد لا يساعد فى عملية القضاء على مشكلات الفقر والبطالة التى تعانى منها البلاد. كما أن ارتفاع معدلات التضخم وتفشى الفساد فى المؤسسات الحكومية والخاصة لا يساعدان على تحقيق مفهوم «الدولة التنموية» التى تصبو إليها القيادة الأثيوبية الحالية.

 نحن إذنأمام اشكاليتين رئيسيتين لا بد من مواجهتهما لبناء علاقات مصرية أثيوبية على أسس صحيحة هذه المرة. إذ يتيعين علينا التعامل مع أساطير التاريخ وعدم واقعية الحاضر بما يشتمل عليه من تضخيم للذات وانكار الآخر. وتعد الرؤية الواقعية لطبيعة التحديات التى تواجه العلاقات المصرية الأثيوبية هى الأنسب للتعامل ولإعادة الروح لهذه العلاقات. ويمكن تصور ثلاثة مسارات للعمل والحركة فى المرحلة القادمة. أول هذه المسارات يتعلق باجراءات بناء الثقة المتبادلة من خلال التركيز على المداخل الثقافية والحضارية فى التأسيس لعلاقات جديدة تحظى بدعم وتأييد شعبى فى البلدين. ولعل تصحيح الصور الذهنية والقوالب الجامدة المتبادلة يقتضى دعم نمط الدبلوماسية الشعبية وتبادل الوفود مما يعنى كسب العقول والقلوب وتجاوز صفحات الماضى بمساوئه وسلبياته.  أما المسار الثانى فإنه يؤكد على منظور النفع المتبادل أو ما يسمى بالانجليزية win-win  والذى يعنى الندية والتكافؤ فى العلاقة بين البلدين. وعليه فمن غيرالمقبول مثلا الادعاء بأن النيل الأزرق هو نهر أثيوبى ولا حق للآخرين فيه، تماما مثل التمسك الحرفى بالحقوق التاريخية لمصر وعدم الإعتداد بالمصالح الأثيوبية. وهنا تصبح القاعدة هى التقسيم العادل والمنصف لمياه النيل وفقا لقاعدة لا ضرر ولا ضرار.

ويتعلق المسار الثالث بضرورة تبنى رؤية شمولية جديدة تتجاوز حدية ملف المياه لتفتح آفاق التعاون فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأجتماعية. ولعل ذلك يفضى إلى اشاعة أجواء من الثقة والتعاون بين البلدين. وأحسب أن التحديات الأمنية والاستراتيجية التى تشهدها مناطق الشمال والشرق الأفريقى تشكل دافعا لتعاون أعمق بين كل من مصر وأثيوبيا .ولاشك أن اعلان «مالابو» المشترك بين كل من مصر وأثيوبيا يشكل انطلاقة مهمة للبدء فى تنفيذ مسارات الحركة السابقة بهدف عبور البلدين نحو مستقبل أفضل حيث أنه يؤكد على محورية نهر النيل كمورد أساسى لحياة المصريين منذ آلاف السنين، فى نفس الوقت الذى يعترف فيه باحتياجات الشعب الأثيوبى التنموية. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟