المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

حقائق أربع: خلف العدوان الإسرائيلي على غزة

الخميس 24/يوليو/2014 - 10:43 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمد السعيد إدريس

السؤال المهم الذي يشغل الكثير من "الإسرائيليين" قبل العرب وقبل شرفاء وعقلاء العالم هو: لماذا تورطت "إسرائيل" في حرب بريّة مع قطاع غزة تبدو منذ الوهلة الأولى أنها منعدمة أي درجة أو أي نوع من أنواع توازن القوى؟ هل المسألة مسألة إدراك مسبق لفشل الحرب الجوية والبحرية ضد قطاع غزة في تحقيق أهداف العدوان؟ أم مسألة صراعات نفوذ بين رئيس الحكومة ومنافسيه داخل التحالف الحاكم وخاصة أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، ونفتالي بينيت زعيم حزب "البيت اليهودي"، أم أن المسألة أولاً وأخيرًا هي جنون القوة وغطرستها ومحاولة فرض معادلة جديدة للصراع على أنقاض أحداث "الربيع العربي".

من الصعب عزل الإجابات الصعبة لهذه التساؤلات عن أربع حقائق مهمة تبقى تمثل الخلفية الأهم لهذه الجولة من الصراع الصهيوني من الشعب الفلسطيني.

أولا: المكوّن الإدراكي للصراع

الحقيقة الأولى، المكون الإدراكي الصهيوني لجوهر الصراع في فلسطين باعتباره صراع شعبين على أرض واحدة، وأن إنهاء هذا الصراع لن يكون إلا عبر مشروع "شعب واحد لأرض واحدة"، أي أن الصراع في جوهره صراع بقاء ووجود أي من الشعبين المتصارعين على أرض فلسطين، إما أصحاب الأرض الحقيقيون وهم عرب فلسطين من مسلمين ومسيحيين ويهود، وإما هؤلاء الوافدون من المستعمرين الوافدين من كل أرجاء الأرض لإقامة دولة يهودية في فلسطين.

هذه الحقيقة أكدها الآباء المؤسسون للدولة الصهيونية، وجدد بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الحالي تجديدها في تبريره لحيوية وحتمية تحويل "إسرائيل" إلى "دولة يهودية" عندما أكد أن الصراع في جوهره ليس مجرد صراع على حدود أو قضايا فرعية، ولكنه صراع الدفاع عن الشعب اليهودي في "أرض إسرائيل". فهو يعتبر أن الإسرائيليين هم أصحاب الأرض الحقيقيون من خلال الاستناد إلى مقولات وأكاذيب منسوبة للتوراة، وأن عرب فلسطين هم الدخلاء.

هذه الرؤية للصراع التي تبرر كل الوحشية التي يخوض بها الإسرائيليون الحرب على قطاع غزة الآن، وبالذات تعمد استهداف المدنيين، يمكن التعرف على خلفياتها العقائدية من نصوص كتبها كبار مؤسسي ومنظري الدولة الصهيونية وعلى رأسهم جابوتنسكي، أحد أهم هؤلاء منظري التطرف الصهيوني (أوكراني الأصل) الذي كتب قبل قيام إسرائيل بنصف قرن تقريباً يقول إن: "السبيل الوحيدة الذي يجب أن يقوم به كيان لليهود في الأرض العربية هو القوة الكاسحة ولا سبيل غيرها". وفي تفصيله لهذه الرؤية أوضح أن "على اليهود أن يمتلكوا قوة تهزم أهل البلاد الأصليين (اعتراف مسبق بأن العرب هم أهل البلاد الأصليون على عكس الأدبيات الإسرائيلية الحديثة التي تروّج لأكذوبة أن اليهود هم أصحاب الأرض الحقيقيين)، بإقامة جدار حديدي يحميهم من مقاومة شعب فلسطين".

كان جابوتنسكي واعيًا بأن الشعب الفلسطيني سيقاوم موجات الغزو الاستيطاني اليهودي على أرضه، ومن هنا ابتدع فكرة "الجدار الحديدي" والتي تقول إنه "في نهاية المطاف سوف يستسلم الفلسطينيون والعرب بسبب قوة إسرائيل ويخضعون لها ولشروطها، وعندما يوقن الفلسطينيون والعرب أنهم ضعفاء ولا يمكنهم مقاومة إسرائيل، سوف يقبلون بالسلام الذي تفرضه عليهم".

نتنياهو قرر العدوان على غزة، وقرر مع وزارته المصغرة صاحبة قرار الحرب التورط في الغزو البري للقطاع أملاً في اجتثاث جذور المقاومة الكامنة داخل القطاع. 

إن إنهاء هذا الصراع لن يكون إلا عبر مشروع "شعب واحد لأرض واحدة" أي أن الصراع في جوهره صراع بقاء ووجود لأي من الشعبين المتصارعين على أرض فلسطين

ثانيا: فشل المفاوضات بين الطرفين

الحقيقة الثانية، أن هذه الجولة من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والتي تحمل اسم "الجرف الصامد" جاءت في أعقاب فشل جولة مفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية أشرف عليها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، الذي كان يطمح في إنجاح تسوية "حل الدولتين" انطلاقًا من قبول السلطة وجامعة الدول العربية (للأسف) لمبدأ "تبادل الأراضي" الذي يسمح لإسرائيل بعدم الانسحاب من مستعمراتها في القدس الشرقية والضفة الغربية والاحتفاظ بها مقابل تعويض الفلسطينيين بأراضٍ أخرى في صحراء النقب. فشل هذه الجولة التفاوضية كان سببه الأساسي أن بنيامين نتنياهو كان يخطط لإفشال فكرة أو مشروع "حل الدولتين" أي إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وكان يعد لفرض الدولة اليهودية الموسعة انطلاقًا من الأفكار التي كان أرساها مؤتمر عقد قبيل هذه الجولة التفاوضية كان عنوانه "دولة واحدة لشعب واحد"، أي أنه لا تقسيم للأرض إلى دولتين بل إن الأرض كلها هي دولة الشعب اليهودي ودولة كل يهودي يعيش في أي دولة أخرى في العالم من خلال إطلاق دعوة "المواطنة الإسرائيلية لكل يهوديي العالم". لذلك فإن العدوان الحالي على غزة جاء ليحقق بالحرب ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه بالتفاوض.

جاء العدوان الصهيوني بمثابة رد استباقي للحيلولة دون اندلاع انتفاضة ثالثة كانت مؤشراتها قد بدأت تتبلور داخل الضفة الغربية بسبب تراكمات العدوانية والغطرسة "الإسرائيلية" والرد على الع

ثالثا: الخوف من انتفاضة فلسطينية ثالثة

ثالثة هذه الحقائق، أن هذا العدوان جاء بمثابة رد استباقي للحيلولة دون اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة كانت مؤشراتها قد بدأت تتبلور داخل الضفة الغربية بسبب تراكمات العدوانية والغطرسة "الإسرائيلية" والرد على العجز الرسمي الفلسطيني والعربي.

كان اختطاف بعض النشطاء لثلاثة من المستوطنين اليهود في مدينة الخليل هو البداية لبلورة هذا الوعي الذي أخذ يتجذر بسبب الحملات التفتيشية المجنونة التي قامت بها قوات الأمن والجيش الإسرائيليان بحثًا عن المختطفين الثلاثة، الأمر الذي دفع الخاطفين لهؤلاء الثلاثة إلى قتلهم بعد أن وصلت الجرائم التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية المكلفة بالبحث عنهم إلى حد يفوق كل تصور، ووضعت نهاية مبكرة لأي أمل في مقايضة المخطوفين الثلاثة بأعداد من الأسرى الفلسطينيين بعد فشل جولة مفاوضات جون كيري الأخيرة في إجبار الإسرائيليين على الإفراج عن المزيد من الأسرى، وبعد قيام القوات الإسرائيلية باعتقال من سبق أن أفرج عنهم من الأسرى في صفقة الإفراج عن الجندي الإسرائيلي "شاليط"، وقبل عملية اختطاف هؤلاء المستوطنين الثلاثة كان المستوطنون الصهاينة قد اعتادوا الاعتداء على الفلسطينيين وممتلكاتهم ومزروعاتهم تحت سمع وبصر وحماية الجيش الإسرائيلي. ففي شهر يونيو الماضي، على سبيل المثال، نفذ المستوطنون 53 اعتداء شملت دهس فلسطينيين، والاعتداء على كثيرين، وهدم واقتلاع أشجار وحرق وإتلاف مزروعات، وتجريف أرض، وقد نتج عن هذه الاعتداءات إصابة 16 فلسطينيًا بجروح وكسور مختلفة. واكتملت الجرائم بقيام ستة من الشباب الإسرائيليين المنتمين إلى اليمين الديني المتطرف باختطاف شاب فلسطيني في القدس الشرقية يدعى محمد أبو خضير وتعذيبه وإعدامه حرقًا ثم التمثيل بجثته ببشاعة.

كان خروج مئات الآلاف من الفلسطينيين في تظاهرات حاشدة في كل أنحاء ومدن الضفة الغربية، وخاصة في جنازة محمد أبو خضير بالقدس الشرقية المحتلة مؤشرًا مهمًا للإسرائيليين يقول؛ إن المصالحة الفلسطينية بين السلطة وحركة "حماس" قد يهيئ لانفجارات لا تحمد عقباها تشمل الضفة وغزة معًا، بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الأمر الذي وفر كل الذرائع أمام الإسرائيليين لتوجيه ضربة استباقية تحول دون اكتمال هذا التطور، وتفجر انتفاضة ثالثة يمكن أن تغير من قواعد إدارة الصراع الحالية التي تعمل، بالمطلق، لصالح الكيان الصهيوني.

 

رابعًا: اختلال موازين القوي إقليميًا

أما الحقيقة الرابعة، فهي حقيقة واقع توازن القوى الإقليمي شديد الاختلال الذي يعمل في غير صالح العالم العربي في ظل "الواقع الخريفي" الذي يجتاح الآن عالم الربيع العربي وتداعياته، هذا الواقع وفّر للإسرائيليين الدوافع الكافية للتقدم لجني ثماره لصالح أمن ومستقبل الكيان الصهيوني، فالإسرائيليون يدركون أن ظروف الواقع العربي والإقليمي والدولي باتت مثالية لفرض أمر واقع جديد في فلسطين يضاهي الواقع العربي شديد الاختلال، ومع الدافع الإقليمي شديد التنافر خاصة بين العرب وإيران وتركيا في قضايا مهمة أبرزها الأزمة السورية، والتطورات المصرية والمستجدات العراقية، والدافع الدولي عميق الاستكانة والمهادنة. فهم أدركوا أن المحفزات التي تشجعهم على شن هذا العدوان محفزات غير مسبوقة، وأن العوائق تكاد لا تذكر، ولذلك فإن هذا هو أوان فرض مشروع الدولة اليهودية والتوسع في سياسة ضم الأراضي، وجعل أمر هذه الدولة اليهودية ضمن بنود ما يعتبرونه صفقة إقليمية تلوح في الأفق ربما يكون الاتفاق النووي الإيراني هو أبرز عناوينها.

فالواقع العربي الراهن أضحى مأساويًا ليس فقط من منظور اختلال موازين القوة العسكرية بين الجيوش العربية والجيش "الإسرائيلي" بعد تدمير الجيشين العراقي والسوري، وانشغال الجيش المصري في حربه ضد الإرهاب التكفيري، ولكنه مأساوي أيضًا نظرًا لأن التحديات الداخلية في الدول العربية باتت من القوة والخطورة بدرجة تفوق أي تحديات خارجية وخاصة التحدي "الإسرائيلي". فرهان "إسرائيل" على جعل حروب الشرق الأوسط داخل الدول، أي داخل كل دولة بدرجة تفوق الحروب بين الدول، وخاصة الحرب بين الدول العربية و"إسرائيل" تحقق بدرجة كبيرة، ولم تعد معظم الدول العربية، في ظل المخاطر والتحديات التي تواجهها في الداخل مهمومة أو معنية بالتحدي "الإسرائيلي" أو الخطر "الإسرائيلي" وأولوية القضية الفلسطينية، حيث تواجه دولاً عربية مهمة خطر التفكك والانقسام الداخلي، وما يحدث الآن في العراق وسوريا في ظل مشروع "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) مؤشر مهم على ما يمكن أن يحدث في المستقبل.

الانقسام الفلسطيني وصل إلى مداه، ومصالحة "الشاطئ" التي تحققت في غزة بين السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" وتشكيل حكومة وحدة فلسطينية لم تغير شيئًا له أهميته في واقع الانقسام الفلسطيني

الأخطر من ذلك هو؛ تلك التطورات التي أخذت تفرض نفسها على العالم العربي منذ الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وتفاقم النفوذ الإيراني في العراق في أعقاب الانسحاب العسكري الرسمي الأمريكي. فقد حدث انحراف وليس مجرد تحول في مفهوم "العدو" بالنسبة لدول عربية، وفرضت مفاهيم الشرق الأوسط الجديد (الأمريكي) نفسها بقوة على مفردات الخطاب السياسي لعدد من الدول العربية. ففي ظل تصاعد الخلاف بين دول عربية وإيران حول الأدوار الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، وما يتعلق بالجزر العربية الثلاث المحتلة من إيران (الجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى وطب الصغرى وأبو موسى) سعى "الإسرائيليون" إلى الاصطياد في المياه العكرة، واستغلال "العداوة" المتصاعدة بين هذه الدول العربية وإيران لطرح "إسرائيل" موازِنًا إقليميًا مناسبًا لهذه الدول في مواجهة إيران، بعد تراجع الوجود الأمريكي وفشل تركيا في أن تجعل نفسها موازِنًا إقليميًا في مواجهة إيران بسبب تعقد المصالح التركية بين إيران والعرب، وفي ظل تشكك دول عربية في إمكانية تأسيس بديل عربي قادر على موازنة الخطر الإيراني.

وجاء العامل الفلسطيني نفسه ليحفز "الإسرائيليين" على التحرك لاستثمار اختلال توازن القوى الإقليمي لصالح الكيان الصهيوني، والتحول المتصاعد في خريطة التحالفات والصراعات في المنطقة ليزيد من قوة الرهان "الإسرائيلي" على أن هذا الوقت هو وقت "جني ثمار" التفكك العربي والفلسطيني واختلالات توازن القوى. فالانقسام الفلسطيني وصل إلى مداه، ومصالحة "الشاطئ" التي تحققت في غزة بين السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" وتشكيل حكومة وحدة فلسطينية لم تغير شيئًا له أهميته في واقع الانقسام الذي يتجلى في غياب المشروع الوطني الفلسطيني، والانقسام حول تفاصيله بين معظم الفصائل الفلسطينية: هل هو تحرير فلسطين والعودة أم الاستقلال والعودة وتقرير المصير، أم إقامة دولة فلسطينية ضمن الأراضي المحتلة عام 1967، أم إقامة دولة واحدة لكل مواطنيها أو ثنائية القومية. غياب هذا المشروع انعكس على مواقف قيادة السلطة الفلسطينية من مشروع السلام وخيار السلام معدوم الأفق بعد انتهاء السقف الزمني لمشروع سلام أوسلو منذ مايو/ أيار 1999.

كل هذه التطورات لم تغب لحظة عن العقل الإستراتيجي "الإسرائيلي" تمامًا مثلما لم تغب لحظة عن هذا العقل أدق تفاصيل مفاوضات البرنامج النووي الإيراني التي تجرى الآن في فيينا بين إيران و"مجموعة دول 5+1" والتي يمكن أن تسفر عن حل طويل الأمد لأزمة البرنامج النووي الإيراني ضمن صفقة تفاهمات شاملة أمريكية – إيرانية، تنهي سياسة المواجهة والعقوبات الأمريكي ضد إيران، وتعطي لإيران دورًا مدعومًا من واشنطن في قضايا إقليمية تمتد من الخليج إلى العراق إلى سوريا إلى اليمن ولبنان. مثل هذه التفاهمات لا تغفل عنها "إسرائيل" وتريد أن تكون طرفًا، هي الأخرى، في هذه التفاهمات والمقايضات، التي تأمل أن تكون مقايضة البرنامج النووي الإيراني بتسوية ترضى عنها "إسرائيل" تحقق ما يتحدث عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما نفسه بخصوص الدولة اليهودية في فلسطين.

 

ما ورد في المقال الذي نشرته صحيفة "هآرتس" الصهيونية للرئيس الأمريكي باراك أوباما، تعليقًا على الحرب الإجرامية الحالية التي يشنها الجيش "الإسرائيلي" ضد قطاع غزة، يشجع "الإسرائيليين" على مثل هذا الرهان وهذه المقايضة، فقد استهل أوباما مقاله بتحليل الأزمة الجيوستراتيجية للأمن الوطني "الإسرائيلي" من حيث ضيق المساحة والإحاطة بأعداء قادرين على الوصول بصواريخهم إلى عمق الكيان الصهيوني (صواريخ حزب اللـه وحماس) وخشيته على "أولئك الذين يسكنون قرب الحدود الشمالية وللأولاد في سديروت"، وبعدها انطلق في تأكيد الالتزامات الأمريكية منذ عهد هاري ترومان إلى اليوم بـ "أمن إسرائيل ومواطني إسرائيل"، وأن التعاون بين البلدين في السنوات الخمس الأخيرة (سنوات حكم أوباما) هي اليوم "أقوى مما كانت دائمًا". تحدث أوباما في مقاله عن الحزن والألم اللذين يعتصرانه واللذين يشعر بهما على "الفتيان الإسرائيليين الثلاثة الذين اختطفوا وقتلوا على نحو جد مأساوي في شهر حزيران/ يونيو الماضي" ولم يتحدث بكلمة واحدة عن "الهولوكوست الفلسطيني" الذي ابتدأه "الإسرائيليون" للشعب الفلسطيني على أيدي ستة من شباب اليمين اليهودي المتطرف، ولم يعلق بكلمة على ما تردده الشرطة الإسرائيلية من توصيف للجريمة الوحشية، التي ارتكبها المجرمون الستة الذين أحرقوا الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير حيًا والتمثيل البشع بجثته، باعتبارها ارتكبت "بدوافع وطنية وليس بدوافع إجرامية" ما يجعل هؤلاء "يستحقون المكافأة وليس العقاب".

الإسرائيليون يدركون مغزى ما كتبه الرئيس الأمريكي، ويعرفون إلى أي مدى ستقف الإدارة الأمريكية وراءهم في حال شن عدوان على قطاع غزة هدفه تدمير كل مقومات القوة، وخاصة القوة الصاروخية، لدى فصائل المقاومة، وفرض واقع سياسي جديد يكون في مقدوره إرغام الفلسطينيين على القبول بما سبق أن رفضوه في جولة مفاوضات جون كيري الأخيرة الفاشلة.

وجاء كيري نفسه ليحمل البشرى لإسرائيل كي تواصل عدوانها بضراوة ضد قطاع غزة، وليحفز قادة الكيان على التورط في قرار الغزو البري للقطاع. ففي لقاء تليفزيوني مع محطة "أي. بي. سي" الأمريكية كان جون كيري حريصًا على إلقاء كل اللوم على حركة "حماس" فيما سمّاه بـ "النزاع" وليس "العدوان الإسرائيلي الغاشم" على قطاع غزة. في هذا اللقاء قال كيري: "عرض عليهم (حركة حماس) وقف إطلاق النار إلا أنهم رفضوه".

كيري الذي كان حريصًا على تصوير الجريمة على أنها مجرد "نزاع" بين حكومة "إسرائيل" وحركة "حماس"، وليس بين "إسرائيل" والشعب الفلسطيني كله ومعه كل فصائل المقاومة، لم يكتف بذلك لكنه زاد عليه بقوله: "إن الولايات المتحدة تعتقد أن إسرائيل من حقها الدفاع عن نفسها من الصواريخ التي تطلق من غزة والهجمات التي تشن عبر الأنفاق".

كيري وضع قواعد الصراع كالتالي: أن الحل يكون سياسيًا، وأن لإسرائيل أن تفرض شروطها، وإذا تذمر الفلسطينيون وعبروا عن غضبهم بعمليات فدائية، يعطيهم القانون الدولي الحق في القيام بها لتحرير وطنهم المحتل، ينكر عليهم جون كيري ذلك ويعتبرهم معتدين ويعطي لإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس. هذه الرؤية نابعة من إدراك أمريكي يفرض نفسه بقوة ينكر أن أرض فلسطين، وبالتحديد الضفة الغربية وقطاع غزة أرض محتلة، وينكر حق شعب الأرض المحتلة أن يدافع عن حقوقه، وهذا ما تعرفه إسرائيل، ولذلك أقدمت على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حي الشجاعية وأحياء أخرى في قطاع غزة وتتبع إستراتيجية الأرض المحروقة بعد أن أدركت فشل الغزو البري في تحقيق أهدافه وبعد أن وجدت أن عدوانها يتجه كما هي العادة إلى طريق مسدود.  

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟