حينما
شن العدو الصهيوني المحتل عدوانه على قطاع غزة في نهاية عام 2008 ومطلع عام 2009
في عملية عرفت باسم الرصاص المصبوب، والتي كانت تمثل أعنف عملية على القطاع منذ
احتلاله عام 1967، كان عدد ضحايا هجومها في اليوم الأول أكثر من 200 فلسطيني وجرح
أكثر من 700 آخرين، وهو ما حدا بالفلسطينيين تسمية الأحداث الدموية في ذلك اليوم
باسم مجزرة السبت الأسود، وقد أسفرت تلك العملية عن استشهاد أكثر من 1500 شهيد
معظمهم من الأطفال والنساء وجرح أكثر من 5 آلاف جريح، وتدمير عشرات الآلاف من
المنازل وجميع المقار والمؤسسات الحكومية والأمنية عبر قصف جوي وبحري مكثف واجتياح
بري، حينها لم تكن معظم وسائل الإعلام الغربية تصور ما يجري على أرض الواقع إلا
بأن إسرائيل هي ضحية صواريخ حماس والجهاد الآتية من غزة، وأن كل ما تفعله هو حقها
في اتخاذ التدابير المدروسة للدفاع عن نفسها وعن شعبها من الإرهاب الفلسطيني
المزعوم، وعلى رغم أن العديد من تلك الوسائل كانت تعرض وتبث بعض التقارير والصور
المرعبة على شاشاتها، فهي لم تكن تستخدم ألفاظاً أو تعبيرات الإدانة لإسرائيل، أو
تعتبرها وحشية وجريمة حرب، بل كانت تستعرض وجهة النظر الإسرائيلية بشكل أحادي مضلل
للتنديد بالإرهاب الفلسطيني، وفي المقابل كانت الإدانة من نزر يسير من المثقفين
والإعلاميين الغربيين تجاه المجازر الوحشية التي يرتكبها العدوان الإسرائيلي في حق
الشعب الفلسطيني ينظر إليها بريبة واندهاش واستغراب، ويتعرض أصحابها إلى حملات
وهجمات انتقاديه من العديد من الجهات واللوبيات اليهودية، ومن الأمثلة على ذلك ما
تعرضت إليه الكاتبة والشاعرة الأميركية أليس وولكر الحائزة على جائزة بوليترز
الأميركية الرفيعة، من هجوم في ذلك الحين، بعد أن اعتبرت في مقابلة لها مع مجلة
«فورين بوليسي» أن دولة إسرائيل هي أعظم دولة إرهابية، وعبرت عن حزنها لأن أميركا
تدفع مالاً كثيراً من ضرائب المواطنين للأسلحة التي تستخدمها إسرائيل في صناعة هذا
الدمار على الأرض.
ولكن
واقع الحال تجاه أحداث غزة 2014 يشي بتحول في الغرب، فحجم التعاطف الشعبي العالمي
مع القضية الفلسطينية في الغرب قد تضاعف بشكل غير مسبوق، وبدأنا نلحظ نوع تحول
نسبي إلى الأفضل للإعلام الغربي في تعاطيه مع ما يجري في غزة وفي عدم انحيازه إلى
إسرائيل، ورأينا حشوداً بعشرات الآلاف تخرج في أميركا ودول أوروبية من أجل التضامن
مع حق الشعب الفلسطيني والتنديد بالمجازر الإسرائيلية والمطالبة برفع الحصار عن
غزة، وهو ما يثير التساؤل تجاه هذا التحول في التعاطف العالمي غير المسبوق مع
الشعب الفلسطيني في غزة وتلك الإدانة من الرأي العام للجرائم الإسرائيلية والتنديد
بوحشية هجومهم وقتلهم للمدنيين والأطفال والنساء بشكل لم نعهده من قبلُ، ليست القسوة
والبشاعة في القتل والإجرام التي خلفت حتى الآن ما يزيد على أكثر من 1700 شهيد
وأكثر من 8500 جريح ومصاب، هما الداعي والمبرر لذلك التحول، فالوحشية والإجرام
الإسرائيلي هما القاسم المشترك في كل هجوم وعدوان إسرائيلي عبر مختلف الحكومات
والعهود، ولكن ثمة متغير طرأ بقوة في المشهد وهو ما يتعلق بدور الإعلام الجديد
ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي في نقل صور قتل الأطفال وسفك دماء المدنيين وهدم
المنازل والمستشفيات، فلأول مرة تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً بهذا
الحجم في توثيق عمليات القتل والتفجير وكشف الحقائق من خلال عيون المدنيين الذين
يعيشون وينقلون تلك الجرائم من قلب المعركة، الإعلام الجديد وبضخه المتواصل لكميات
كبيرة من الصور والمعلومات برز كشاهد ورقيب يفضح ويرصد عن كثب كل تلك الحقائق
للرأي العالمي الذي كان مغيباً عنها أعواماً طويلة، وبشكل لم يعد يسمح للقنوات
العالمية بتجاهل تلك الحقائق على أرض الواقع، فرأينا مراسلي تلك القنوات والعديد
من الكتاب ينقلون على الشاشات ويكتبون في الصحف قصصاً واقعية مؤثرة عن تلك
الجرائم.
فإذا
كانت إسرائيل قد تفاجأت هذه المرة بتقنيات حربية جديدة من طرف حركة حماس وبصواريخ
أكثر دقة في ضرب الأهداف وبحجم تدميري أكبر إلى أبعد مدى في الأراضي الإسرائيلية،
فمما لا يقل مفاجأة عن ذلك هو الدور الكبير الذي أسهمت به شبكات التواصل الاجتماعي
في صناعة رأي عام في كشف وفضح الجرائم الإسرائيلية، ولذلك حذر وزير الخارجية
البريطاني فيليب هاموند إسرائيل من أن ينقلب الرأي العام الغربي ضدها بسبب تزايد
عدد الضحايا المدنيين في قطاع غزة، وأن على صانعي القرار في تل أبيب أن يلتفتوا
إلى الرأي العام في الدول الغربية، فيمكن لنا أن نقول بكل ثقة إن إسرائيل قد خسرت
الحرب الإعلامية هذه المرة وخسرت معها الكثير. نقلا عن الحياة
*
كاتب سعودي.