المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد الرميحي
محمد الرميحي

السياسة الأمريكية عضلات بلا عقل

الأحد 10/أغسطس/2014 - 11:10 ص

نحن فى المنطقة العربية فى حيرة فى السنوات الاخيرة من جراء تذبذب السياسية الامريكية الخارجية تجاه قضايانا كما نفهم نحن تلك السياسة، ويقوم كثيرون منا، صباحا ومساء، بلوم وربما بتقريع السياسة الأمريكية لانها لم تفعل هذا او لم تقم بذلك.

هذا الموقف منا مبنى على فهم خاطئ للتطورات العالمية وعلى فهم اكثر من خاطئ على مجريات وعوامل التأثير فى السياسة الامريكية. لسنا وحدنا، اليوم فى بعض مؤسسات التفكير الاستراتيجية الامريكية يعاد النظر فى مجمل السياسة الخارجية الامريكية منذ مطلع القرن الحالى على الاقل، تقول بعض تلك الدراسات ان (لا العضلات (البوشية) نفعت كثيرا، كما الفشل فى افغانستان و العراق، ولا الابتسامات (الاوبامية) كما الفشل فى سوريا واليمن، قد نفعت المطلوب مسار ثالث بين العضلات والابتسامات! قاعدته الاساس فهم اعمق لثقافة الشعوب وتطلعاتها، بعيدا عن التمسح بـ( المبادئ) الامريكية التى تقال، و متحررة من الضغوط السياسية الداخلية.

المسار الثالث لم يتبلور بعد، الا ان مساهمة عربية،ولو متواضعة واجبة الآن ، من اجل البحث عن مسار ثالث، فلا يمكن التغاضى عن االمصالح المشتركة مع الولايات المتحدة من جهة، كما لا يمكن الركون الى مرئيتها عن طريق (الجلوس بحجرها) من جهة ثانية. احدى مشكلات السياسة الخارجية هى انها ترغب ( فى أكل التفاحة والاحتفاظ بها فى نفس الوقت) وهو عمل مستحيل انسانيا.

كيف بمكن تفسير هذا التذبذب ، ارى بعضا منه مسطرا فى ما كتبته السيدة هيلارى كلينتون بصفتها وزير الخارجية الامريكية فى الفترةالاولى لادارة السيد باراك أوباما ( 2008 – 2012) فى كتابها الاخير المعنون (الخيارات الصعبة) ما يهمنا ما قالته السيدة كلينتون حول موضوعات الشرق الاوسط الملتهبة، التى شهدت فتراتها فى الادارة ، اشد الاحداث التهابا وسخونه.

منذ البداية فى حديث السيدة كلينتون الذى استغرق القسمين ( الثالث) افغانستان و باكستان، والخامس الذى تناول الشرق الاوسط والربيع العربى ، نجد ان الموضوع (الاسرائيلى ) هو الطاغى على الموضوعات الاخرى، ربما ان السيدة كلينتون لا ترغب فى التقاعد المبكر،وتريد ان تترك انطباعا للقارئ الامريكى ونخبته اليهودية على وجه التحديد، انها ما زالت وسوف تظل على العهد فى دعم اسرائيل، قلت ربما لتلكم الاسباب اسهبت فى تاريخ اهتمامها بالامن الاسرائيلي، وحياة المواطن هناك، بل وباعجابها المبكر بمسار اسرائيل الاقتصادى والعلمي، ذلك على كل حال حقها فى التنويه بما تعتقد، الا انها من جهة اخرى تشير الى العلاقة الصعبة بين رئيس الوزراء الاسرائيلى (بنيامين نيتانياهو) وبين رئيسها ( باراك اوباما) انهما لم يكونا على نفس الخط، على عكس العلاقة بين قيادات سابقة امريكية واسرائيلية، وهو امر يأخذنا الى ( الاحتفاظ بالتفاحة واكلها فى نفس الوقت) فعلى الرغم من الخلاف فى التكتيكات، لا تجرؤ ادارة اوباما الا وتسير فى الخط الداعم لاسرائيل، رغم كل الاختلافات، وهى فى نفس الوقت ترغب فى الاحتفاظ بصداقة العرب.

فى الربيع العربى واحداثه تسهب السيدة هيلارى فى الحديث عن الوضع ( السياسى الآسن) قبل عام 2010 وانها تذكر القارئ بخطاب ألقته قبل الاحداث التى انطلقت من تونس فى اواخر ذلك العام ، كانت تحذر فيه من الجمود الذى اصاب المؤسسات السياسية، وان معظم دول الشرق الاوسط تحكم تحت (قوانين الطوارئ) الامر الذى لايمكن ان يستمر، كما تذكر اعجابها بخطاب كوندليزا رايس فى القاهرة عام 2005 التى توقعت فيه ان ينفك التحالف مع دول ( شمولية) جرى التسامح معها من اجل استمرار الاستقرار، هى بحد ذاتها اصبحت مصدرا لعدم الاستقرار! .

اكثر ما يثير من حيرة الموقف الامريكى تجاه الاحداث التى كانت تسير فى يناير 2011 فى ميدان التحرير فى القاهرة وما جرى فى كواليس البيت الابيض، التى من الواضح انه كان فاقد الخطة الاستراتيجية وقد تعاطى مع الاحداث بتغيرات اللحظة.

فى مفاوضات 2012 التى رعتها هيلارى كلينتون كوزيرة للخارجية فى القاهرة مع الرئيس المصرى الاسبق، كان الوقت كما تقول مسلطا على الاحداث ، لان موعد (عيد الشكر) ازف، وكذلك الموعد المسموح به لاستراحة الطيارين، كانت تريد الانتهاء من المشكلة (التوافق على الهدنة) حتى تتمكن من السفر! ذلك ما قالته وهو يشير إلى ان اولويات السيدة الوزيرة فى مكان آخر!.

لا تخبئ السيدة كلينتون امتعاضها من دول الخليج فى مذكراتها، هى فقط تساير ( التفاحة للاكل و ايضا للامساك فى اليد) تقول ان المرآة فى دول الخليج ليس لها حقوق، وان الوضع فى حقوق الانسان ايضا غير ملائم،وتضرب لذلك امثلة فى تدخلاتها العديدة ، كما تبدى الكثير من عدم الرضا عن مساعدة كل من الامارات والمملكة السعودية دولة البحرين على استتباب الامن الداخلي، تقول ان القوات السعودية دخلت الى البحرين دون استشارتها، وانها بمجرد ان بدأت الامور بالاضطراب فى البحرين، ارسلت السيد (جفرى فلتمن) مساعدها الى المنامة لمتابعة الامر والوصول الى (تسوية) ولكن فلتمن فوجئ بدخول قوات عسكرية من المملكة و قوات شرطية من الامارات. فى صورة اخرى من (التفاحة) تحدث عن مشاورات مع وزير الخارجية الاماراتى الشيخ عبد الله بن زايد، الذى كانت تحتج عنده بسبب موقف الامارات تجاه البحرين، وتطلب فى نفس الوقت مساعدة الامارات فى الجهد الدولى المبذول لحماية الشعب الليبى من اعتداء واسع يحضر له معمر القذافي، قال لها الشيخ عبد الله ،كما تنقل، انت تعترضين على مساعدتنا لجار قريب ، وتطلبين التعاون للتدخل فى مكان آخر! تكتب السيدة كلينتون، ما كان امامى الا ان اتحدث للصحافة بتصريح ينم عن البعد عن التدخل فى البحرين! مرة اخرى نرى كيف كان التصرف من السيدة الوزيرة عندما تكون فى حاجة الى دعم سياسى او مساعدة على الارض!.

أحاديث السيدة الوزيرة كثيرة وبها تفاصيل سوف يطلع عليها القارئ العربى عند ترجمة الكتاب الضخم البالغ عدد صفحاته بالاتجليزية 635 صفحة. الا ان المهم فى الموضوع كله، ان هناك اضطرابا شديدا فى رسم السياسة الامريكية تجاه الشرق الاوسط، إما بسبب نقص فى المعلومات ،او نقص فى الارادة او فهم ساذج للتطورات السياسية الحادثة،وهى بذلك تركت وراءها سلسلة من الازمات، قد تكون مدمرة لمستقبل العلاقات ان لم يذهب الجميع الى التفكير المختلف، وهذا ما بدا اليوم فى بعض اوساط (جماعات التفكير) ونحن ايضا نحتاج الى ذلك.

نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟