المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د . يوسف الحسن
د . يوسف الحسن

كيف تظل مصر “ولعاً خليجياً”؟

الأربعاء 13/أغسطس/2014 - 10:56 ص

عائد منذ أيام من مصر، أبحث وأتفاعل وأطرح أسئلة الراهن والمستقبل، ساعات طوال من الحوار والانصات لنخب وطلائع مصرية، يناط بها الفعل التنويري وصياغة الرأي العام، أسألهم عن دورنا كمثقفين وأدباء وناشطين عرب، لمساعدة مصر الجديدة، وعن كيفية جعل العقبات رافعات للنهوض، وعن مخاطر انزواء مصر عربياً، وتداعيات عزلتها على نفسها، أنصتنا لهم وهم يتساءلون عن مدى جدية بعض العرب، في دعم مصر الجديدة، وعن المعيار الذي يقاس به منسوب الدعم . يبحثون هم أيضاً عن إجابات غير عابرة، لا تعنيهم القراءات السطحية، ولا متعهدي الواجهات الإعلامية الدعائية .

سمعتهم يقولون، من غير مواربة، إن مصر مصاب كبرياؤها بجرح بليغ، فاعذروها إذا هي استدعت من تاريخها حكاية أدهم الشرقاوي، وبحثت عمَّن يجسد أحلامها في رمز أو بطل منقذ، هذا هو الواقع، رغم كلفة اختراع البطل، وهذه ضرورة تاريخية ووجدانية، قلت، وقال معي عرب آخرون: "لكن المهم، هو أن لا يجري "توثين" البطل، فهو يخطئ ويصيب" .

تحدثنا عن دور مصر الجديدة في الاقليم، وهو موضع انشغال حقيقي لدى دوائر منظومة الأمن القومي في الجزيرة العربية والخليج، وهناك جهود ينبغي أن تبذلها نخبنا في المنطقة، وفي الوقت نفسه، مطلوب من النخب السياسية والثقافية والدينية والإعلامية في مصر الجديدة، تقديم مصر في صورة أفضل إلى الشعوب العربية، تستعيد فيها ثقة هذه الشعوب، وحماسها لدور مصري وازن ومؤثر في قضايا الأمة العربية، وعلى رأسها قضية فلسطين، وقضايا التفتيت والتكفير والفتنة .

وكم كان مقلقاً ارتفاع صوت إعلام فضائي منفلت، يؤذي جهود مصر ودورها، ويسحب بغباء، من الأرصدة السياسية لمصر الجديدة، إعلام غير مهني، مغرور بذواته، وطول لسانه، يتسلى بإهانة شعب عربي هنا أو هناك، وبلغة هابطة سوقية .

نعرف أن معظم الأنظمة العربية، فقدت ثقتها في القدرة على تحقيق إنجاز ملموس في تسوية الصراع العربي - "الإسرائيلي"، وندرك أن هناك فوضى جغرافية، واحتراباً أهلياً في أكثر من مكان، وأزمات داخلية مستعصية، تنخر في مكونات النظام العربي، بما فيه منظومة مجلس التعاون الخليجي، ونعرف أيضاً، أن خطايا "جماعة الإخوان" في مصر، من بين أسباب ابتعاد بعض قطاعات الرأي العام المصري عن التطورات الأخيرة للقضية الفلسطينية، ونفهم أن مثل هذا "الرأي"، يعود بين مرحلة وأخرى، لا يختفي، وإنما قد يتراجع، وفقاً لخطاب إعلامي سياسي سائد، وعلى وقع سمات المرحلة، عرفنا ذلك في نهاية عهد السادات، وفي أزمنة الخوف الأمني والضغوط الاقتصادية، وحينما يرتفع منسوب الخطاب الانعزالي، يرتبك الرأي العام، ويتراجع لصالح الشأن المصري الداخلي، ويبدو اليوم أن التناقض الرئيسي الأول مع "جماعة الإخوان"، أربك الرأي العام، فتردد في المشاركة بتظاهرات احتجاجية ضد العدوان "الإسرائيلي" على غزة، بسبب الخوف من عودة الجماعة الإخوانية، واستغلالها هذه التظاهرات، فضلاً عن الربط بين "حماس" وهذه الجماعة الإرهابية، ومن أسف فإن سادة الإعلام الفضائي، فاتهم - عن جهالة - الكشف عن حقيقة أن معركة الجماعة الإخوانية، والجماعات الجهادية الأخرى، وجيوش "الإمارة" و"الخلافة"، هي معركتها مع النظام العربي ودوله الوطنية وسلم مجتمعاتها الأهلي، ولا تتضمن معركة مع "إسرائيل" كقوة احتلال، ولا مع الغرب ولا الشرق .

قلنا لمحاورينا، إن مصر لا يمكن أن تستقيل من مسؤولية ما يجري على حدودها، ولا يمكن إلا أن تكون حاضرة في المشهد السياسي في الشام والخليج والمغرب العربي وحوض النيل .

قالوا، نعم . . تدرك مصر خطورة التهديدات التي يمر بها الإقليم، وهذه الفوضى التي لا تبدو لها نهاية، وهي فوضى تهدد مصر أيضاً . . وربما مصر الآن هي "جائزتها" الكبرى .

وأضافوا "إن معركة مصر مع جماعات الإخوان وتوابعها، هي معركة مضاعفة، خاصة أن هناك محوراً عربياً وإقليمياً يساند هذه الجماعات المتوحشة، ويعمل على إضعاف وإنهاك وإشغال مصر، ومفاقمة مشاكلها الأمنية، وأزماتها الاقتصادية" .

وقلنا لمحاورينا إننا ندرك أن أمام مصر الجديدة طريقاً طويلاً، وعقبات كأداء، لكن هذا المحور المعادي لمصر الجديدة، ليس أقل إرباكاً وإرهاقاً من مصر، ويحمل في ثنايا حركته وتحالفاته أزمات حادة واثقالاً سياسية، وخيبات أمل وهزائم في الروح والضمير . . والجميع لديه متاعب ويواجه ارتباكات بنيوية، ولا شك أن أعباءً كثيرة ستترتب على دور مصر الجديد، دورها الفاعل والمتفاعل مع محيطها، ومصر وحدها هي التي سترتب خياراتها وحركتها، ولا أحد في الإقليم العربي، من المحيط إلى الخليج، استطاع خلال عزلة مصر الفعلية، طوال العقود الأربعة الماضية، ملء الفراغ في ظل غياب مصر .

دول الجزيرة العربية والخليج العربي، في العقود الأربعة الماضية، لم تعط بالغ اهتمام لتنمية رثَّة كانت تجري في مصر، ولا إلى رخاوة الدولة المصرية، في دورها الاجتماعي، وغيابها عن مفاصل أهلية ومجتمعية وسياسية . ولم تفكر كثيراً بالدور المصري الموازن في إقليم الخليج، في وقت كانت فيه إيران تسعى على قدم وساق، لفتح مواقع إقليمية في الجسم العربي وتحصينها .

اليوم، من الضروري، بل الواجب، أن تسترد مصر دورها العربي الفاعل والمنتج، وأن نساعدها كعرب، في القيام بهذا الدور، بدءاً من عونها في الخروج الآمن من أزماتها الداخلية، الاقتصادية والسياسية، من غير منة ولا حسابات ربح أو اقتناص فرص، والعمل على توسيع أطر وخطوط التشبيك الرسمي والمجتمعي والأهلي، الديني والمدني . . إلخ، حتى تستعيد مصر هيبة الدولة والقانون، وسمة التحضر والعطاء الثقافي والعلمي والتنويري فضلاً عن الدور الوازن والفاعل .

ومن أسف، فإن أصواتاً إعلامية خليجية لا تدرك مدى أهمية أن لا تترنح فكرة العروبة في وجدان الشعب المصري ومخيلته، فتخرج علينا بمقالات وأطروحات، تصغَّر فيها مصر، وتقول: "انقضى زمن مركزية الدور المصري"، وهو عنوان لمقال كتبه إعلامي وأكاديمي خليجي مؤخراً .

مصر، لم تخط بعد خطوتها الأولى نحو النهوض والقيام بهذا الدور المركزي، ورغم ذلك، فإن هناك من لا يرى في مصر إلا ما يطفو على السطح، وهو الأخف والأهش، ويتجاهل ما تملكه من "الاحتياطي" الهائل، ما أن يُستدعى، سيحقق المعجزات .

المهم . . أن تظل مصر "ولعاً خليجياً"، على حد قول الصديق والخبير الفرنسي في الإسلام الحركي جيل كيبيل، وأن لا تصاب بوصلتنا الاستراتيجية (والأخلاقية) بعطب، وأن يبقى وَعْيُنا مستيقظاً، ليحمينا من أوهام "تضخم الذات"، ويحفزنا لعدم التخلي عن دور الشاهد، ويحول دون الركون إلى البطالة السياسية أو بطالة التكفير أو السكوت عن الظلم وتشويه الدين والقتل الحرام . أو التردد في مواجهة الردة السلفية التكفيرية المتوحشة .

بعد أن جرى تدمير العراق وسوريا . . لم يبق إلا مصر . . تفتح أمامنا طريقاً آمناً إلى مستقبل مأمول . نقلا عن الخليج

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟