حين أرسل صديقه عبدالله
غل إلى قصر تشان كايا الرئاسي في 28/8/2007، كان زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس
الوزراء التركي السابق رجب طيب أردوغان، قد وضع هذا القصر نصب عينيه. وهو حقق حلمه
بفوزه في أول انتخابات رئاسيّة مباشرة، ومن الجولة الأولى، بنسبة 51,85 في المئة
في مواجهة أكمل الدين إحسان أوغلو (المرشّح التوافقي لـ14 حزباً معارضاً، منها
«الشعب الجمهوري» الأتاتوركي، وحزب «الحركة القوميّة» اليميني المتطرّف وجماعة فتح
الله غولن، و «حزب السعادة» المتبقّي من
«حزب الرفاه» الإسلامي المنحلّ عام 1997)، وصلاح الدين دميرتاش (مرشّح «حزب الشعوب
الديموقراطي» الموالي للعمال الكردستاني). وقد حصل أوغلو على 38 في المئة ودميرتاش
على 9,75 في المئة تقريباً، وغدا أردوغان الرئيس التركي الثاني عشر.
من شرفة مقر حزبه في
أنقرة، وأثناء خطاب فوزه بالرئاسة، كرر أردوغان ما يوازي المبدأ الأتاتوركي:
«تركيا، شعب واحد، علم واحد، دولة واحدة»، مع استدراكه بالتأكيد على التنوّع
القومي والديني والطائفي، وحديثه عن الإنجازات الاقتصاديّة التي حققها. ولم ينسَ
أردوغان مطالبة خصومه في المعارضة بـ «بمراجعة أنفسهم»، فـ»من يحاول
تهديد الأمن القومي في البلاد، سيجدنا بالمرصاد»، موجّهاً كلامه لحليفه السابق،
الداعية الإسلامي غولن، الذي يتهمه أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم بأنه شكل
«كياناً موازيّاً» للدولة ضمن مؤسسات الدولة التركيّة، وأنه وراء تشويه سمعة الحكومة
وأردوغان، في ما عُرفَ بفضيحة الفساد الكبرى التي هزّت تركيا وطاولت وزراء
ومسؤولين كباراً في الحكومة، ووصلت إلى أردوغان ونجله بلال أيضاً.
غالب الظنّ أن أردوغان
سيسعى إلى تغيير منصب رئاسة الجمهوريّة، بحيث لا يبقى فخريّاً، وذلك عبر إجراء
تعديلات دستوريّة الهدف منها توسيع صلاحيّات تمكّنه من السيطرة على السلطة
التنفيذيّة، فيتحوّل النظام السياسي في تركيا إمّا إلى نظام رئاسي كامل، تدمج فيه
صلاحيّات رئيس الوزارة بصلاحيّات رئيس الجمهوريّة، أو نظام شبه رئاسي، يصبح فيه
منصب رئيس الوزارة تحصيل حاصل وخاضعاً لإرادة رئيس الجمهوريّة، تماماً كما في
سورية ومصر وبلدان عربيّة تحكمها نظم شموليّة!. ويبرر رموز وأقطاب وإعلام حزب
العدالة والتنمية توسيع صلاحيّات رئيس الجمهوريّة بالقول: ليس من المعقول أن يكون
الرئيس منتخباً من الشعب، في شكل مباشر، ويحصل على نسبة عالية من الأصوات، ويكون
منصبه تشريفيّاً وفخريّاً؟!.
المهم في الأمر أن
أردوغان وحزبه، منذ 2002 ولغاية 2014 فازا في 9 انتخابات برلمانيّة ومحليّة،
ورئاسيّة أيضاً. وهو يحضّر نفسه للفوز في الانتخابات البرلمانيّة التي ستشهدها
تركيا العام المقبل. ما يعني أنه، وبعد التعديلات التي سيجريها على صلاحيّات رئيس
الجمهوريّة، سيبقى في هذا المنصب لدورتين، لغاية 2024، ويكون بذلك مرّ مئة عام على
تأسيس الجمهوريّة التركيّة.
والسؤال هنا: إذا كانت
تركيا العلمانيّة (الأتاتوركيّة) قد شهدت كل هذه التغييرات السياسيّة والاقتصاديّة
والدستوريّة، مع بقاء الإسلاميين في صدارة الحكم وإدارة البلاد من 2002 ولغاية
2014، فماذا سيكون عليه حال تركيا عام 2023؟!. وهل سيبقى هنالك شيء اسمه علمانيّة
أو معارضة علمانيّة فيها؟!.
أحد الرابحين في
الانتخابات الرئاسيّة هو زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، الأسير في
سجن جزيرة إميرالي منذ 1999. وأتى ترشيح الكردستاني لصلاح الدين دميرتاش، كي لا
يُفهم أن العمال الكردستاني يقف مع أردوغان أو مع خصمه، وأن له خياره الخاص،
ولاستعراض القوّة الجماهيريّة، كنوع من الاختبار والتحضير للانتخابات البرلمانيّة
عام 2015، والإشارة إلى أن مشروع حل القضيّة الكرديّة سيحظى بدعم شعبي وبرلماني
كبيرين.
لكن في الأصل، كان أوجلان
والكردستاني مع انتخاب أردوغان. وتفيد المؤشّرات بأن أوجلان وأردوغان سيمضيان في
المساعي السلميّة، مهما بلغ حجم الممانعة الموجودة داخل أجهزة الدولة أو الحزب
الحاكم أو المعارضة، وحتّى ضمن الكردستاني نفسه. وغالب الظنّ، ستشهد عام 2015 نقلة
نوعيّة في إطار حل القضيّة الكرديّة ونزع سلاح الكردستاني، وربما الإفراج عن
أوجلان، بمرسوم جمهوري، أو أقلّه، إخراجه من السجن، ووضعه تحت الإقامة الجبريّة،
تمهيداً لإطلاق سراحه لاحقاً. وهذا من دون نسيان أن ما حققه الأكراد من مكاسب في
زمن حكم أردوغان، كان يُعدّ حلماً بعيد المنال في الخمسينات وحتى في التسعينات.
أمّا الخاسر الأكبر
فالحليف السابق لأردوغان، و»عدوّه» اللدود الحالي، فتح الله غولن، الذي ألمح
أردوغان في خطاب فوزه برئاسة الجمهوريّة إلى أن الله لم يستجب لدعاء غولن عليه.
ذلك أن الأخير كان يعتبر نفسه أنه هو من صنع أردوغان، ودعم حزبه طيلة 12 سنة، وأن
بمقدوره إسقاط حزب العدالة والتنمية وزعيمه!. وفشل غولن في ضرب شعبيّة أردوغان،
عبر مؤسساته الإعلاميّة، ودعمهِ منافسه أوغلو. وغالب الظنّ أن غولن سيصبح ملاحقاً
ومطارداً من قبل تركيا، بشكل قانوني، بحيث تقدّم أنقرة طلباً رسميّاً إلى
الانتربول، وإلى حلفائها في الناتو، يقضي بتسليمه بوصفه زعيم منظمة إرهابيّة.
تماماً، كما كان حال زعيم العمال الكردستاني، نهاية 1998، حيث مارست تركيا ضغوطاً
شديدة على سورية كي تطرد أوجلان، وبدأت ملاحقته في اليونان وروسيا وإيطاليا... حتى
اختطفته بمساعدة أميركيّة وإسرائيليّة، وبتورّط سوري ومصري، من العاصمة الكينيّة
نيروبي في 15/2/1999.
في مطلق الأحوال، بتولّي
أردوغان رئاسة تركيا، وقياساً بحجم الإنجازات التي حققها لبلده، اقتصاديّاً
وسياسيّاً، إقليميّاً ودوليّاً، وما سيحققه لاحقاً على هذه المستويات، ليس من
المبالغة القول إن دوره يتجاوز دور مصطفى كمال أتاتورك، إن لم يكن يوازيه. وعليه،
نحن إزاء ولادة نسخة ثانية من الجمهوريّة التركيّة، بالتوازي مع ولادة أتاتورك
جديد، وربما عودتها نحو الأسلمة والمحافظة والعثمنة، بقيادة أتاتورك إسلامي
وعثماني معاصر. فهل ستكشف التجربة التركيّة أن الأردوغانية هي الوجه الآخر
للكمالية، لجهة الاستبداد والتفرّد وعبادة الزعيم، أم أن أتاتورك الجديد، سيكون
منفتحاً على التنوّع والاختلاف، ويقطع مع ذهنيّة وثقافة الاستبداد التي أسسها
ورسّخها أتاتورك الأوّل؟!. نقلا عن الحياة
* كاتب كردي