المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
بكر صدقي
بكر صدقي

أردوغان «الجديد»: أي تغيير وأية تحديات؟

الأحد 17/أغسطس/2014 - 12:10 م

لا يقبل أردوغان في سلطته الفردية المطلقة شركاء. هذا ما مارسه طوال السنوات الـ11 في رئاسة الوزراء، وهذا ما يحتمل أن يمارسه بعدما وصل إلى سدرة منتهاه على كرسي الرئاسة في قصر تشانكايا في أنقرة. ما يعزز هذا الانطباع الشائع في تركيا هو المناورة التي قام بها لإبعاد عبدالله غل عن الحياة السياسية بعد انتهاء ولاية الأخير في رئاسة الجمهورية. ففي الوقت الذي كان غل يعلن أمام الصحافيين نيته العودة إلى صفوف حزب العدالة والتنمية، كان أردوغان يتخذ قراره بعقد مؤتمر للحزب، في 27 آب (أغسطس) الجاري، لانتخاب خلف له في رئاسة الحزب، في حين سيسلم غل السلطة لأردوغان ويغادر قصر الرئاسة في اليوم التالي لعقد المؤتمر. أي أن الهدف من توقيت المؤتمر هو استبعاد غل من رئاسة الحزب، وهذه عتبة ضرورية نحو رئاسة الحكومة بعد الانتخابات العامة التي ستجرى العام المقبل.

فمشروع أردوغان الذي يسميه «تركيا الجديدة» يقوم أساساً على نقل كامل السلطة التي كان يمارسها في رئاسة الوزراء إلى رئاسة الجمهورية. الدستور الحالي لا يتيح له ذلك، ولا بد من تعديلات كبيرة فيه تنقل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. الغالبية البرلمانية التي يملكها حزب العدالة والتنمية غير كافية لإجراء هذه التعديلات، ولا بد من انتظار نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة.

في غضون ذلك يبحث الرئيس المنتخب عن شخص مخلص له في رئاسة الحزب، يكون رئيس وزراء مطواعاً ينفذ ما يقرره الرئيس. وتتردد أسماء وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو ونائب رئيس الحزب محمد علي شاهين ونائب رئيس الوزراء بولند آرنج لخلافة أردوغان في قيادة الحزب ورئاسة الحكومة، مع رجحان كفة الترشيحات لمصلحة أولهم. ولم يجد أردوغان حرجاً في إعلان نيته ترؤس جلسات مجلس الوزراء في صورة متواترة، «ربما كل شهر» كما قال، وهذا من صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور الحالي، على رغم أن أحداً من رؤساء الجمهورية السابقين لم يمارس هذا الحق، بمن فيهم واضع الدستور الجنرال الانقلابي كنعان إيفرين نفسه. وهذا دفع الصحافيين المعارضين إلى القول إن أردوغان سيتفوق على إيفرين في التفرد بالسلطة.

لكن هذه المناورة ضد عبدالله غل تنطوي على اخطار محتملة في ما يتعلق بمستقبل حزب العدالة والتنمية. فللمرة الأولى سيخوض الحزب الانتخابات المقبلة بلا أردوغان وبلا غل، أهم شخصيتين من القادة المؤسسين للحزب. وحتى لو مارس أردوغان نوعاً من «القيادة من الخلف» للحزب، أي باستخدام نفوذه الشخصي على أركانه بعد مغادرته الإجبارية لصفوفه، فهذا لن يكون كافياً ولن يعوّض كاريزما أردوغان لدى القاعدة الاجتماعية. لنتذكر أنه فاز بنسبة 52 في المئة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية، متفوقاً بذلك على النسب المئوية التي كان الحزب يحصل عليها في الانتخابات البرلمانية والبلدية.

هناك من المحللين، في ضفتي الموالاة والمعارضة، من يتـــوقعون مصـــــيراً للحزب يشــــبه مصير حزب «الوطن الأم» الذي تلاشـــى بعدما غادره رئيسه تورغوت أوزال إلى رئاسة الجمــــهورية. بل إن محمد دنغير مير فرات، وهو من القادة المــؤسسين للحزب، توقع انشقاقات فيه، في غضون أشهر قليلة.

إلى ذلك، يواجه أردوغان تحديات داخلية وخارجية كبيرة مع بداية ولايته الجديدة. ففي الداخل ما زال صراعه مستمراً ضد جماعة فتح الله غولن التي توعد، في حملته الانتخابية، باستئصالها. ومن المحتمل أن لا تستسلم له صاغرة، بل ستعمل بكل ما تملك من طاقة لضربه من تحت الحزام كما فعلت في قضية الفساد التي لم يقل فيها القضاء كلمته بعد. صحيح أن الدستور يمنح رئيس الجمهورية حصانة ضد أي اتهامات بالفساد، لكن حزبه سيتأثر بلا شك، وكذا اعتبار أردوغان وسلطته المعنوية.

يبقى التحدي الداخلي الأهم هو الحل السلمي للمشكلة الكردية التي طالما تلكأ في القيام بالتزاماته في إطاره. والآن لم يعد لديه ما يتذرع به، بخاصة بعدما أعلن شريكه المفاوض عبدالله أوجلان نفاد صبره تجاه تلاعب أردوغان بالمسار السلمي. فحزب العمال الكردستاني الذي ازداد وزنه المؤثر في المعادلات الاقليمية، في العراق وسورية، سيشكل التحدي الأكبر لأردوغان في السياستين الداخلية والخارجية.

أما صعـــود تنظيم «داعش» وإعلانه دولة «الخلافة» الممتدة من الموصل إلى أطراف حلب، فيشكل خطراً جدياً على تركيا ومكانتها الاقليـــمية والدولية. تنظيم أبي بكر البغدادي الذي تُتهــم أنقرة بأنها دعمــته سابقاً في مواجهة الخطر الكردي (خطر نشوء كيان كردي في شمال سورية وشمالها الشرقي) بات هو نفسه خطراً على تركيا قد يدفعها إلى الاستعانة بقوات الحماية الشعبية التابعة للفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، إضافة إلى بيشمركة الكيان الفيديرالي في شمال العراق، لمواجهة قوات البغدادي الزاحفة شمالاً نحو الحدود التركية مع سورية والعراق.

هذا يقتضي مراجعة شاملة للسياسة الخارجية التركية. أليس هذا ما قد يؤدي إلى ترحيل داوود أوغلو المحتمل إلى رئاسة الحكومة تعبيراً متأخراً عن انتهاء صلاحية فلسفته «صفر مشكلات» في السياسة الخارجية، ليحل محله رئيس جهاز الاستخبارات القومي هاكان فيدان المسؤول عن الملف السوري؟

أما جوهرة تاج أردوغان في عهده المديد، عنيت بها الانجاز الاقتصادي الباهر، فهي ايضاً تواجه أخطاراً كبيرة: بوادر ركود وتراجع حجم الاستثمارات الخارجية وتضخم نقدي يمضي قدماً منذ بداية التورط التركي الكبير بالمشكلة السورية، إضافة إلى العبء الذي يشكله وجود مليون ونصف مليون من اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، واندلاع مواجهات متواترة، في الأشهر الأخيرة، بين أتراك ولاجئين سوريين. وأخيراً وليس آخراً، يواجه أردوغان انتقادات حادة من الحكومات الأوروبية في صدد انتهاكاته لمبدأ فصل السلطات ولحرية التعبير. نقلا عن الحياة

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟