المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
حياة الحويك عطية
حياة الحويك عطية

مكافحة الإرهاب بالتنمية والتربية

الإثنين 18/أغسطس/2014 - 11:22 ص

إطلاق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمشروع القناة الجديدة وما سيرافقه من مشاريع تنموية هو في أحد وجوهه، بل وأبرزها، إطلاق مشروع لمكافحة الإرهاب على الأرض المصرية. درس لا بد أن تتعلمه جميع الأنظمة العربية، القادرة على الشروع الآن، والمطالبة به مع انتهاء أزماتها .

مضحك سعار "الإخوان" ضد المشروع بحجج تكشف نفسها، من ادعاء نسبة المشروع لمرسي، في حين أنه مشروع طرح منذ بداية التسعينات ولم يأخذ به مبارك، فظل في الدرج، إلى أن أخرجه عمرو موسى وطرحه في برنامجه الانتخابي . فاستله مرسي وطرحه مع فروق كبيرة وجذرية عن أصله وعما صار إليه في إعلان السيسي، خاصة فيما يتعلق ببند شق قناة جديدة . ولا يعيب أي حكم جديد أن يكون قد بحث عن حلول مستبعدة لدى النظام السابق، ويقوم بتطوير هذه الحلول بما ينسجم مع مصلحة البلاد. تطوير طال أموراً جذرية: الممول، المالك، الإدارة، المتحكم، المدة المحددة للتنفيذ، والرقعة الجغرافية .

ولعل صفة الممول والمالك هي أهم ما في التطوير الجديد، فعلى عكس ما كان عليه الأمر في مشروع مرسي حيث طرح تمويل المشروع عن طريق الشركات التي تتولى تنفيذ المشروع محلية كانت أم أجنبية، وسمح للأجانب بتمويل المشروع وشراء الأراضي على جانبي قناة السويس، ففي المشروع الحالي، المصريون وحدهم يمولون ويملكون الأسهم، كل بحسب قدرته، لا صندوق النقد الدولي وشروطه، ولا دولة أجنبية وشروطها، ولا ديون وفوائدها، والتنفيذ لشركات مصرية .

هو تطبيق لمبدأ السيادة ولنوع جديد من التأميم ينسجم وطبيعة المرحلة العالمية . فالسيادة والشراكة . مفهومان لا يندرجان في ثقافة "الإخوان"، حيث العبرة للتنظيم الدولي للإخوان وليس لسيادة شعب على ثرواته وقراراته . وانسجاماً، فإن السياسة الاقتصادية لهذا التنظيم، هي تطبيق "نيوليبرالية عولمية إسلامية"، يحكمها الأغنياء ويوهمون الفقراء بأنها ستنقذهم بعطايا ومنح ومساعدات: كيس دقيق، مواد غذائية، راتب عمالة رخيصة مؤقتة، جلباب وملابس أطفال . "صدقة ومعونة تشترى بها الأصوات ليقال إن الحكم شرعي وليتمكن بهذه الشرعية من تنفيذ مخططاته" . والرهان على أن يبقى التابع محتاجاً للصدقة والمساعدة، لا مالكاً لحقوقه كمواطن، منتج، شريك حر الخيار .

ومضحك أيضاً أن تنبري الصحف القطرية أو الممولة قطرياً لتسويق هذا السعار ضد مشروع السيسي .

فالمسألة أبعد من خصومة سياسية، إنما هي تتعلق بجوهرها في من يتملكه ومن يهيمن عليه .

مرسي عمل على تشكيل هيئة مستقلة تحت مسمى الهيئة العامة لتنمية محور قناة السويس، تابعة لرئيس الجمهورية وحده، حيث يعين هو مجلس إدارتها المكون من 14 عضواً، ولا يحق لأحد الاعتراض على أي من هذه التعيينات . مما كان يضمن أن يتمكن رئيس الجمهورية ومجلس إدارته (بإمرة المرشد طبعاً) من بيع المشروع لقطر أو تأجير ما لا يباع .

هذا ما يفسر أن تعيب أصوات صحيفة "العربي الجديد"، مثلاً، كون المؤسسة العسكرية هي من سيدير المشروع - إذاً، ليس رئيس الجمهورية وحده كما كان يريد مرسي والإخوان - علماً بأن ما أعلن هو أن هذه الإدارة ستكون لهيئة النقل والمواصلات الحالية ووزارة التخطيط وعدد من الوزارات الأخرى . تحت إشراف الجيش . ولعل النقطة الأخيرة، والأخطر، هي أن مشروع مرسي تحدث عن السويس دون تحديد، ما جعل الكثيرين في حينه يصرخون خوف الانجرار إلى التقسيم، ويبدو أن هذا ما تنبهت له الإدارة الجديدة فتحدث السيسي عن كل محافظة من محافظات القناة بشكل منفصل، بما يؤكد تبعيتها الإدارية للدولة .

حقائق ووقائع يمكن عدم التنبه لها، دون أن يقودنا ذلك إلى التصفيق والتهليل الغوغائي على طريقة بعض الإعلام المصري، الذي يجب أن تتوجه إليه أولاً سياسات السيسي الإصلاحية . ونعني بالإصلاحية الانسجام مع أمرين، الأول وسم تاريخ النظرية الإعلامية المصرية، ألا وهو مبدأ السيادة واحترام مصالحها . والثاني هو ما يجب أن يميز أي إعلام عصري: الحرفية، الموضوعية (على الأقل في الأداء) واحترام استراتيجيات علمية توضع بناء على دراسات الإرسال ومثلها دراسات التلقي . وإلا فإن الإعلام يتحول إلى ساحة ردات فعل عاطفية غرائزية، ووفاء بالتزامات غير وطنية، إن لم يكن تنفيذ أجندات مدسوسة ومدروسة . كما لا يجب أن يحصل في بلاد رائدة في هذا المجال، بلاد ما زال يحيا فيها محمد حسنين هيكل .

ما يجب التركيز عليه في مشروع السويس هو أمور مبدئية، لا تشكل فقط ترويجاً للمشروع ولصاحبه، وإنما أسس لتربية وطنية تقوم على احترام السيادة الوطنية، احترام قيمة العمل، بناء الكبرياء الذاتية القائمة على اعتبار سد حاجة الحياة تكون بفرصة العمل والتعلم والإنتاج . بناء الكبرياء الوطنية التي تقوم على أن مصر هي مصر بكل عظمة جغرافيتها وديمغرافيتها وتاريخها، وليست مجرد ثروة سيولة . لكن علينا أن نعترف بأن المواطن لن يسمع ذلك إلا إذا شعر بقيمته وفرصته، مالياً وعلمياً وسياسياً . وإلا فإن الإرهاب جاهز لتلقفه ولحشو كل هذه الفراغات ولو بوهم لا إنساني .

يبقى أن تتخيل لو أن المليارات التي صرفت على الاقتتال قد صرفت على التنمية، هل كان علينا الآن أن نواجه معركة الإرهاب والتكفير؟

قد لا نكون من المتحمسين لحكم الجيوش، ولكننا في هذه الفترة العصيبة نفضل ألف مرة جيشاً وطنياً على حكم لا يؤمن بالوطن ولا بالسيادة ولا بنتائجها . على أنه يبقى لهذه القوات المسلحة أن تدير الأمور بعيداً عن الفساد والاستبداد، كي تتحقق التنمية فعلاً، وعليها يمكن تحقق التوعية، كي يظل لدى الناس ما لا تكفر به . نقلا عن الخليج

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟