المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

مواقف متناقضة: الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة 2014

الثلاثاء 19/أغسطس/2014 - 11:56 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
إنجي مهدي (*)

يشهد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أزمة جديدة بعدما دخلت المواجهة الإسرائيلية– الفلسطينية مرحلة من التصعيد إلى درجة شن عدوان شامل على قطاع غزة، بعد حادثة قتل ثلاثة من المستوطنين الإسرائيليين في منطقة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، وتحميل حركة حماس مسئولية هذه العملية.

وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، أن العملية العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي يطلق عليها "الجرف الصامد" لن تنتهي قبل تحقيق عدد من الأهداف: أولها، القضاء على الأنفاق التي تهدف إلى قتل المواطنين الإسرائيليين من رجال ونساء وشيوخ. ثانيا، تجريد قطاع غزة من السلاح الذي يجب أن يكون جزءا من أية تسوية تحت إشراف الأسرة الدولية. ثالثا، عدم إتاحة الفرصة أمام دخول الأموال والإسمنت والحديد لبناء الأنفاق في قطاع غزة.

وقد اختلفت المواقف الدولية في تقييمها للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ما بين التنديد والتحذير من سقوط مزيد من الخسائر. وفي إطار رصد المواقف الدولية تجاه الحرب، سيتم التطرق لموقف الولايات المتحدة الرسمي والشعبي بقدر من التفصيل، نظرا لمحورية الدور الأمريكي في المنطقة، وفي معادلة الصراع العربي الإسرائيلي بالأساس. يلي ذلك تحليل للمواقف الدولية الأخرى. 

تبنى مجلس النواب الأمريكي مشروع قرار رقم 657 يؤيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ويستنكر إطلاق الصواريخ من قطاع غزة دون مبرر.

أولا- موقف الولايات المتحدة الأمريكية

على صعيد الولايات المتحدة الأمريكية، أصدر الرئيس باراك أوباما بيانا عن إسقاط الطائرة الماليزية في أوكرانيا، وتطرق فيه إلى الشأن الفلسطيني، مؤكدا بأن إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها ضد هجمات الصواريخ والأنفاق من حماس. وقد ألحقت إسرائيل بالفعل نتيجة لعملياتها، أضرارا كبيرة بالبنية التحتية لحماس "الإرهابية" في غزة. وأشار الرئيس الأمريكي أن لدى الولايات المتحدة مخاوف جدية حول ارتفاع عدد القتلى المدنيين الفلسطينيين والخسائر في الأرواح الإسرائيلية. وهذا ما يستدعي أن يكون تركيز الولايات المتحدة والمجتمع الدولي للتوصل إلى وقف إطلاق النار الذي ينهي القتال، والذي يمكن أن يوقف قتل المدنيين الأبرياء، سواء في غزة أو في إسرائيل. وبناء على ما سبق، يعمل وزير الخارجية جون كيري، مع الحلفاء والشركاء للضغط من أجل وقف فوري للأعمال العدائية على أساس العودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر 2012 بين إسرائيل وحماس في غزة، مؤكدا بأن العمل لن يكون سهلا لتحقيق هدف وقف الأعمال العدائية لتجنب المزيد من القتلى المدنيين.

ووفقا لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، "تعيش إسرائيل تحت حصار منظمة إرهابية تعمل على بناء الأنفاق لتهريب الأصفاد والمخدرات مهدئة الأعصاب، والتي تستخدم لاختطاف المواطنين الإسرائيليين وأخذهم كرهائن، فضلا عن تجهيز وشراء صواريخ لاستخدامها ضد إسرائيل، وهو ما لا يمكن السكوت عنه. ولهذا تدعم الولايات المتحدة المبادرة المصرية بشأن وقف إطلاق النار، ثم يتم العمل من جديد على حل الأمور العالقة لوضع حد عادل لهذا الصراع".

وقد أكدت مستشار الأمن القومي للولايات المتحدة سوزان رايس، على طبيعة العلاقة العميقة الممتدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في لقائها بجمعية القادة اليهود الوطنية بنادي الصحافة الوطنية بواشنطن، قائلة: "لقد أوضح نظام القبة الحديدية من جديد حقيقة أن الولايات المتحدة موجودة دائما لحماية إسرائيل. لقد كانت دائما للدولتين علاقة خاصة جدا، منذ قام الرئيس ترومان بجعل أمريكا أول دولة في العالم تقوم بالاعتراف بدولة إسرائيل في مايو عام 1948، بعد 11 دقيقة فقط من إعلان ديفيد بن جوريون استقلال إسرائيل. "إن بذور الصداقة التي زرعت في ذلك اليوم نمت لتصبح كشجرة البلوط، قوية ودائمة".

وعلى جانب الكونجرس الأمريكي، فقد قدم مجلساه النواب والشيوخ دعما واضحا للحرب الإسرائيلية، فقد اتخذ مجلس النواب الأمريكي قرارا ـ غير ملزم التصويت ـ يدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ويدين حركة حماس، حيث تبنى مشروع قرار رقم 657 « يؤيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ويستنكر إطلاق الصواريخ من قطاع غزة دون مبرر». ويتضمن القرار تعديلا طرحه النائب الجمهوري إدوارد روس يسلط الضوء على دور إيران في دعم حماس. وهو ما يتفق مع مزاعم الحكومة الإسرائيلية، وقد يكون مقدمة لمزيد من الضغوط على الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بمفاوضات البرنامج النووي الإيراني.

وقد أقر مجلس الشيوخ يوم 18 يوليو بالإجماع القرار (498S.498)، الذي عرضه عدد من الأعضاء أبرزهم السيناتور ليندسي جراهام العضو الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا، في دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية. حيث صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي مساء الخميس 18 يوليو لدعم الغزو الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة. لم يلق القرار أي صوت معارض - لم يشر إلى مئات من المدنيين الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال، الذين قتلوا من قبل إسرائيل في الأيام العشرة الماضية. ومن بين نصوص القرار- والتي تتفق كثيرا مع حيثيات قرار مجلس النواب السابق الإشارة إليه ما يلي:

"انطلاقا من شعور مجلس الشيوخ بشأن دعم الولايات المتحدة لدولة إسرائيل لأنها تدافع عن نفسها ضد الهجمات الصاروخية غير المبررة من منظمة حماس الإرهابية. في حين أن حماس هي منظمة إرهابية وفقا لتصنيف الولايات المتحدة الأمريكية، ويدعو ميثاقها إلى تدمير دولة إسرائيل؛ وفي حين لا تزال حماس ترفض المبادئ الأساسية للجنة الرباعية في الشرق الأوسط (الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وروسيا)، والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ونبذ العنف، وقبول الاتفاقات الإسرائيلية الفلسطينية السابقة؛ وفي حين قد قتلت حماس مئات من الإسرائيليين وعشرات من الأمريكيين في الهجمات الصاروخية والتفجيرات الانتحارية؛ ومنذ انسحاب إسرائيل من غزة في عام 2005، قد أطلقت حماس وغيرها من الجماعات الإرهابية آلاف الصواريخ على إسرائيل؛ حتى دخلت حماس في ترتيب الحكم في ظل وحدة وطنية مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية؛وفي حين أن حكومة الوحدة تشكل إطارا للموافقة على أعمال عدائية ضد إسرائيل، مما قد يسهم في تصور زائف من الشرعية لحماس، وفي حين، أنه منذ يونيو عام 2014، أطلقت حماس ما يقرب من 300 صاروخا على إسرائيل؛ وفي حين تبلغ ترسانة أسلحة حماس ما يقرب من12000 من الصواريخ التي تختلف في المدى؛ وفي حين يتم استهداف المدنيين الإسرائيليين الأبرياء دون تمييز بسبب الهجمات الصاروخية التي تشنها حماس؛ وفي حين يعيش 5 مليون من الإسرائيليين حاليا تحت تهديد الهجمات الصاروخية من غزة، لذلك، إن مجلس الشيوخ -(1) يؤكد مجددا دعمه لحق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها وضمان بقاء دولة إسرائيل؛(2) يدين إطلاق الصواريخ على إسرائيل غير المبرر؛(3) يدعو حماس أن توقف فورا جميع الصواريخ وغيرها من الهجمات ضد إسرائيل؛(4) يدعو رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بحل ترتيب حكم الوحدة وطنية مع حماس وإدانة الهجمات على إسرائيل".

أظهرت استطلاعات الرأي حقيقة أن الشعب الأمريكي في غالبيته العظمى ما زال متعاطفا مع إسرائيل أكثر من تعاطفه مع الفلسطينيين.

وقد دعا وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيجل في 30 يوليو 2014، لوقف إطلاق النار الإنساني الذي من شأنه أن يؤدي إلى نهاية دائمة للقتال في غزة، وكذلك دعا إلى نزع سلاح حماس. ووفقا للسكرتير الصحفي للبنتاجون: "دعا هيجل لوقف إطلاق النار، وأعرب عن قلقه إزاء ارتفاع عدد القتلى المدنيين الفلسطينيين، فضلا عن الخسائر في الأرواح الإسرائيلية خلال مكالمة هاتفية مع وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعالون. كما أكد هيجل دعم الولايات المتحدة لأمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن النفس، وقال "إن أي عملية لحل الأزمة في غزة بطريقة دائمة وذات مغزى يجب أن تؤدي إلى نزع سلاح حماس وجميع الجماعات الإرهابية. وقد قدم الوزير يعلون الشكر لهاجل عن تأييده للدفاع عن إسرائيل، ولا سيما نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ" .

واستمرت الولايات المتحدة تقدم عرضها للعب دور وساطة بين إسرائيل وحماس للتوصل إلى وقف لإطلاق النار _من أجل إنهاء إطلاق الصواريخ من غزة _ انطلاقا من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، داعية الطرفين إلى الامتناع عن المس بالمدنيين. ووفقا لبيان الخارجية الأمريكية، توجه بالفعل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى منطقة الشرق الأوسط، في رحلة تبدأ بالقاهرة 21 يوليو ثم القدس ورام الله وتل أبيب ثم باريس، للتباحث مع مسئولين مصريين ومسئولين آخرين كبار بشأن الوضع في غزة من أجل تحقيق وقف لإطلاق النار بأسرع ما يمكن يعيد وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نوفمبر 2012". وأضاف البيان أن الولايات المتحدة "تعمل لدعم مبادرة مصر للتوصل لهذه النتيجة ويسافر الوزير كيري إلى المنطقة في إطار هذه الجهود". وقد قدمت الولايات المتحدة 47 مليون دولار للمساعدة في معالجة الوضع الإنساني في غزة. وتشمل هذه المساعدة: مساهمة أولية بقيمة 15 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) استجابة لنداء الوكالة للمساعدة العاجلة لغزة بقيمة 60 مليون دولار، و3,5 مليون دولار كمساعدات إغاثة لحالات الطوارئ من خلال مكتب الوكالة الأمريكية للمساعدات في الكوارث الخارجية التابع لمكتب المعونة الأمريكية. كما تشمل المساعدات 10 ملايين دولار من خلال USAID، والتي تم تحويلها من التمويل الثنائي القائم لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة، بالإضافة إلى 18,5 مليون دولار متمثل بتمويل ثنائي جديد من خلال برنامج المعونة كمساعدات إغاثة إنسانية وطوارئ.

وقد استمرت جهود الوساطة الأمريكية حتى تم التوصل إلى هدنة إنسانية غير مشروطة تبدأ حيز التنفيذ صباح الجمعة الأول من أغسطس _أعلنتها واشنطن والأمم المتحدة في غزة، بموافقة إسرائيل والفصائل الفلسطينية_ لوقف إطلاق النار تم الإعلان عنها يوم الخميس31 من يوليو. ويحث الاتفاق جميع الأطراف على ضبط النفس حتى يبدأ وقف إطلاق النار الإنساني في الساعة 8:00 صباحا بالتوقيت المحلي من يوم الجمعة 1 أغسطس، 2014، والتقيد التام بالتزاماتها، على اعتبار أن السبيل الوحيد المستدام لمعالجة المخاوف الأمنية الإسرائيلية، وتمكين الفلسطينيين في غزة أن يعيشوا حياة طبيعية من خلال اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار. وتحث الولايات المتحدة الوفود الإسرائيلية والفلسطينية لبدء المفاوضات فورا في القاهرة، بناء على دعوة من مصر، بهدف التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم. وأكدت الولايات المتحدة أنها تقف على أهبة الاستعداد لدعم الاختتام الناجح لهذه المفاوضات، والعمل مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر والأمم المتحدة، وغيرها من الشركاء في المنطقة.

          وعلى المستوى غير الرسمي، فقد أظهرت استطلاعات الرأي حقيقة أن الشعب الأمريكي في غالبيته العظمى ما زال متعاطفا مع إسرائيل أكثر من تعاطفه مع الفلسطينيين، فقد أشار استطلاع رأي قومي للولايات المتحدة من خلال مركز بيو Pew المعروف خلال الفترة 24-27 من يوليو 2014 على عدد 1500 أمريكي بالغ، أن40% من الأمريكيين يحملون حماس مسئولية الوضع الحالي المتدهور، بينما صوت 19% إلى أن إسرائيل هي السبب، في حين أن 14% يرون أن كلا الطرفين مسئول. وانتهى التقرير إلى أن هناك انقسامًا حزبيًّا بشأن التطورات في الشرق الأوسط، حيث بلغ عدد الجمهوريين الذين يعتقدون في مسئولية حماس عن الحرب 60%، بينما انقسم الديمقراطيون ما بين 29% يجدون حماس المسئول الأول، و26% يعتبر إسرائيل السبب، وأكد 18% مسئولية كلا الطرفين. وفيما يتعلق بتناسب الرد العسكري الإسرائيلي من عدمه، أكد 46% من الجمهوريين التناسب وأن الرد العسكري في إطار المقبول، بينما اعتبر 19% منهم بأن هناك المزيد ليتم عمله، و16% يرونه يمثل تجاوزا. وعلى الجانب الديمقراطي، أكد 35% تجاوز الإسرائيليين، في الوقت الذي يرى فيه 31% من الأصوات ملاءمة الرد العسكري الإسرائيلي، وأكد 9% بأن هناك المزيد على إسرائيل أن تقوم به.

وعلى المستوى الحزبي، أشار استطلاع رأى آخر لنفس المركز البحثي Pew أن تعاطف الشعب الأمريكي يزداد لصالح إسرائيل على حساب فلسطين، فوفقا لاستطلاع للرأي تم إجراؤه في الفترة 8-14 يوليو على 1805 من البالغين، بلغت نسبة تعاطف الأمريكيين مع إسرائيل 51%، بينما تعاطف 14% مع الفلسطينيين، و3% تعاطف مع الطرفين، و15% لم يبد تعاطفا مع أي منهما.

وفي سياق متصل، أجرت مؤسسة جالوب   GALLUPاستطلاعا للرأي، أظهرت نتائجه أن دعم الأمريكيين لإسرائيل أثناء الحرب قد بلغ 42%، بينما أظهر 39% أن تصرفات إسرائيل غير مبررة، والبقية 19% لم يقرروا. وعلى صعيد آخر، رأى 70% من الأمريكيين أن تصرفات حماس خلال الصراع الدائر غير مبررة، في الوقت الذي أيد فيه 11% من المشاركين في الاستطلاع تصرفات حماس.

لاقى الموقف الفرنسي الداعم للقصف الإسرائيلي على غزة انتقادات حادة جاءت من بعض الدول العربية، وكذلك من أحزاب سياسية فرنسية خاصة من أقصى اليسار
ثانيا: قراءة في المواقف الدولية
وبالنظر إلى موقف الأمم المتحدة، ورغم مطالبتها المستمرة بوقف إطلاق النار بشكل فوري وغير مشروط، لكن لم يتم الالتفاف من أي من طرفي الصراع لهذه المطالب_ وما كانت لتتم الموافقة على الهدنة الإنسانية لولا دعم الولايات المتحدة _ وهو ما أضاف مزيدا من الإحباط والفشل لدور المؤسسة الدولية المنوط بها أساسا التوسط لحل المشكلات. لا يتعلق الأمر بالطبع بتقصير في الجهود الدبلوماسية_ الجهود التي تأتي نتيجة لتأخير صدور أي موقف من مجلس الأمن، المكلف بالأساس بحفظ السلم والأمن الدوليين_ وبالتطبيق على الحرب على غزة، فقد قام الأمين العام بان كي مون بجولة لمنطقة الشرق الأوسط بداية من 19 يوليو، للتشاور مع الفاعلين الإقليميين والدوليين لإنهاء العنف وإيجاد مخرج للنزاع، وانتهت المساعي الدبلوماسية بمشاركة الأمين العام في الدعوة إلى تطبيق هدنة إنسانية _السابق الإشارة إليها_ لمدة سبعة أيام بين غزة وإسرائيل تمتد إلى ما بعد عيد الفطر، وقد جاءت الدعوة في مؤتمر صحفي مشترك في القاهرة جمع الأمين العام مع وزيري الخارجية الأمريكي والمصري والأمين العام لجامعة الدول العربية. 
لكن يظل السبب الرئيسي في أن الأمم المتحدة تبدو عقيمة هو، أن الدول الأعضاء غير متعاونة على الإطلاق مع بعضها البعض، بحيث أصبحت الأمم المتحدة عبارة عن كتلة من الأجزاء، وعندما تعمل هذه الأجزاء ضد بعضها بعضا فإن النتيجة الحتمية ستكون الجمود والعجز. 
وفي هذا السياق، فمن المهم التفريق بين وكالات الأمم المتحدة مثل مكتب تنسيق الشئون الإنسانية في الأمم المتحدة، الذي يقدم مساعدات ويخفف من المعاناة، وبين منظمات الأمم المتحدة مثل مجلس الأمن الذي يعرقل باستمرار هذه الجهود جراء الانقسامات الدبلوماسية، وتكفي الإشارة هنا إلى منح حق النقض "الفيتو" للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو ما يمثل وصفة للجمود بشكل واضح، فمنذ انتهاء الحرب الباردة استخدمت الولايات المتحدة الفيتو14مرة لحماية حلفائها كإسرائيل، كذلك فعلت روسيا11مرة _لصالح روسيا أخيرا _ فضلا عن عدد من مشاريع القرار التي لا تصل حتى إلى مرحلة التصويت، بسبب التهديد باستخدام الفيتو. 
وبالنظر إلى الموقف الأوربي، فلا يوجد اختلاف يذكر بين موقف الاتحاد الأوربي، والدول الأوربية على حدة. ووفقا لبيان الاتحاد في اجتماع القمة ببروكسل في 18 يوليو، "فإن المجلس الأوربي يتابع بقلق بالغ استمرار العنف في إسرائيل وقطاع غزة ويدين إطلاق الصواريخ من غزة على إسرائيل والاستهداف العشوائي للمدنيين.  وشدد القادة والرؤساء على أن إسرائيل لها الحق في حماية سكانها من الصواريخ التي تُقذف من غزة، مضيفين "ولكن عند قيامها بذلك يجب أن تتصرف بشكل متناسب وضمان حماية المدنيين في جميع الأوقات".
ورغم دعوة المجلس الأوربي كلا الجانبين لتهدئة الوضع، ووضع حد للعنف ولمعاناة السكان المدنيين ولاسيما من خلال السماح بالوصول للمساعدات الإنسانية والعودة إلى التهدئة، فإنه لم يقدم أي مقترحات عملية.  واكتفى المجلس بالترحيب بـ"الجهود الجارية من قبل الشركاء الإقليميين وعلى وجه الخصوص المبادرة التي أطلقتها مصر لتطبيق وقف إطلاق النار. ولم يتردد المجلس الأوربي في دعوة حماس للموافقة على هذه المبادرة.  وقد قدمت دولتا فرنسا وألمانيا عدة مقترحات مدعومة من كاثرين أشتون تقضى بمساهمة أوربية مباشرة من أجل تأمين فتح المعابر ورفع الحصار عن غزة.  وسيتم التشاور مع كل الأطراف الفاعلة في مصر ورام اللـه وتل أبيب، قبل صياغة الخطة الأوربية المتكاملة.
وعن مواقف الدول الأوربية منفردة، فقد عكست البيانات الرسمية لتلك الدول نقاط الانطلاق الرئيسية المتفق عليها، وهي كالتالي:
حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بكل الأشكال.
تحميل حماس_ تم استخدام مصطلح الجماعات المسلحة في بعض البيانات_ مسئولية تفاقم الأوضاع بسبب إطلاقها الصواريخ على المدن الإسرائيلية، و"ترويع الأبرياء".
شجب العمليات العسكرية المستمرة على غزة.
وبناء على ذلك، قدمت هذه البيانات الرسمية عددا من الاقتراحات لمواجهة الأزمة، كالتالي:
على الطرفين احترام الهدنة الموقعة عام 2012، والاستمرار في المفاوضات للوصول إلى تسوية سلمية نهائية.
التعبير عن القلق من تصاعد العنف في المنطقة، والذي يمكن أن يخرج عن نطاق السيطرة، وهو ما لا يصب في مصلحة أي من طرفي النزاع.
الدعوة إلى ضبط النفس، والابتعاد عن العمليات العسكرية.
دعم جهود الوساطة المصرية، والتعويل كثيرا على الدور المصري في احتواء الأزمة.
تقديم مساعدات استثنائية للسلطة الفلسطينية كالحالة الفرنسية في24  يوليو، بقيمة 15  مليون دولار لدعم ميزانيتها، وفي ظل الحاجة للإغاثة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية _ستخصص لحالات الطوارئ المتعلقة بالميزانية وبالشئون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية.
وعلى المستوى الشعبي، فقد تعالت الأصوات للتنديد بالعدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، حيث تحركت المسيرات في عدد من دول العالم رافضة للحرب بالولايات المتحدة وبريطانيا والسويد وكندا وإسبانيا وفرنسا والدنمارك.

ذهب الرئيس البوليفي اليساري إيفو موراليس إلى تصنيف إسرائيل في خطاب ألقاه في الثلاثين من يوليو على أنها "دولة إرهابية.

وبناء على ما سبق، ومع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، واستهدافها المدنيين والمساكن والمدارس، واجهت الحكومة الإسرائيلية انتقادات حادة من عدة حكومات ومؤسسات دولية. وصدرت بعض هذه الانتقادات من حكومات دول تتمتع بعلاقات صداقة وطيدة معها. ففي أستراليا، وصفت وزيرة الخارجية الأسترالية جولي بيشوب قصف مدارس تابعة للأمم المتحدة بالعمل "غير المبرر ". وفي المملكة المتحدة، قدمت الوزيرة البريطانية سيدة وارسي _أول وزيرة مسلمة_استقالتها الثلاثاء احتجاجا على سياسة الحكومة البريطانية تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة.  كما أعلن متحدث باسم الحكومة البريطانية، أن الحكومة تعيد النظر في صفقة أسلحة لإسرائيل تبلغ قيمتها ثمانية مليارات جنيه إسترليني.

 وقد أثار العدوان الإسرائيلي على غزة عددا من القضايا على صعيد الداخل السياسي لكل من المملكة المتحدة وفرنسا. فعلى مستوى المشهد السياسي البريطاني، لاسيما في ما يخص مواقف قطبي السياسة البريطانية، وهما حزب "العمال" المعارض، وحزب "المحافظين" الحاكم، قد أحدثت الأزمة انقساما كبيرا بين الطرفين. ففي حين اتخذ حزب "العمال"_ ممثلا فى رئيس الحزب إد ميليباند_ موقفًا متشددًا ضد إسرائيل، خصص وزير الخارجية البريطاني الجديد، فيليب هاموند، المنتمي إلى حزب "المحافظين"، أول رحلاته الخارجية لزيارة إسرائيل، للتعبير عن دعمه لقراراتها. ويشير تقرير للفاينانشيال تايمز إلى أنه كان من المتوقع أن تشهد سياسة حزب هاموند تحولاً في الموقف، بعد خروج وزير الخارجية السابق، ويليام هيج، من الوزارة، إلا أن هاموند، وخلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، قال إن بلاده "تساند بشدة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها"، وعلى الرغم من تحذيره من فقدان إسرائيل لتأييد الناخب الغربي، ولكنه شدد على دعمها وتأييدها، ما جعل نتانياهو يحييّه على "ثباته الأخلاقي".

ووفقا للتقرير، فإن توجه قيادة حزب "المحافظين" قد تغيّر بعد هيج، الذي كانت علاقته مع الحكومة الإسرائيلية يشوبها التوتر. واستدّلت الصحيفة على ذلك ببيان رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، أمام مجلس العموم، الذي استخدم عبارات واضحة للتعبير عن موقف حزبه، وحمّل المسئولية الكاملة لحركة "حماس" عن العدوان الإسرائيلي؛ إذ إنه حين سئل عمّا إذا كان يعتبر التوغل الإسرائيلي في غزة جريمة حرب، أجاب " ما يعدّ جريمة حرب بالتأكيد هو إطلاق هجمات صاروخية غير مبررة في انتهاك لسيادة الدولة الأخرى".

وقد لاقى الموقف الفرنسي الداعم للقصف الإسرائيلي على غزة انتقادات حادة جاءت من بعض الدول العربية، وكذلك من أحزاب سياسية فرنسية خاصة من أقصى اليسار التي نددت بتغيير الموقف الفرنسي التقليدي "المتوازن "بين مساندة أمن إسرائيل والدعوة لحق المصير للفلسطينيين. وهو موقف تقليدي للدبلوماسية الفرنسية منذ أن أسس الجنرال ديجول ما يعرف بـ "السياسة العربية" لفرنسا وإن تم تعديلها في بعض جوانبها من قبل الرئيسيْن فرنسوا ميتران ونيكولا ساركوزي اللذين تحيّزا نوعًا ما لمصلحة إسرائيل على الرغم من دعوتهما لمساندة دولة مستقلة للفلسطينيين.

ويمكن تبرير ذلك لأسباب تتعلق بالشأن الداخلي الفرنسي، فقد حتمت الأزمة الاقتصادية إعادة صياغة الأولويات الإستراتيجية والتفتح على الاستثمارات الخارجية وفي مقدمتها الإسرائيلية، وقد فتحت زيارة فرنسوا هولاند الأخيرة لإسرائيل ملفات اقتصادية عدة لبناية أكبر مفاعل كهربائي في إسرائيل وتأهيل شبكة السكك الحديدة الإسرائيلية.  وتم الاتفاق على خطة "دعم التنمية" التي بموجبها تستخدم فرنسا أنموذج التطور الاقتصادي الإسرائيلي الذي برهن على فاعليته في خلق الثروات.

وكذلك يمكن التعويل على التوازنات الجديدة في المنطقة في ظل إعادة انتشار القوات الأمريكية وفسح المجال لفرنسا، بالتعاون مع الولايات المتحدة، لأخذ المبادرة في سلامة المنطقة. من ذلك التعاون في ملف الإرهاب بأفريقيا والمناورات العسكرية المشتركة في الخليج، في ظل تغير الأوضاع في المنطقة بعد التدخل الفرنسي في مالي ثم في جمهورية أفريقيا الوسطى، وما آلت إليه الانتفاضة السورية والوضع المتدهور في ليبيا، مما دعّم الموقف الإستراتيجي الفرنسي.

تظل كتلة الدول المعارضة للعملية العسكرية الإسرائيلية، كروسيا والصين وإندونيسيا، والتي أكدت البيانات الرسمية لها على ضرورة وقف عاجل للمواجهة العسكرية من إسرائيل لاستهدافها مدنيين، أقل مما قام به عدد من دول أمريكا اللاتينية، حيث أعلنت خمس دول هي:  البرازيل والإكوادور وبيرو وتشيلي والسلفادور استدعاء سفرائها من إسرائيل احتجاجا على سياسة هذه الأخيرة في قطاع غزة .

وذهب الرئيس البوليفي اليساري إيفو موراليس إلى أبعد من ذلك، حيث صنف إسرائيل في خطاب ألقاه في الثلاثين من يوليو على أنها "دولة إرهابية".

الخاتمة

وحتى كتابة هذه السطور، يمكن القول؛ لقد شهدت الأزمة انفراجا بإعلان إسرائيل سحب قواتها من قطاع غزة إلى "مواقع دفاعية" خارج القطاع، مع بدء سريان الهدنة المصرية المؤقتة الجديدة بينها وبين الفصائل الفلسطينية المسلحة بقيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة _على أمل أن ترسل إسرائيل والفلسطينيون وفدين للقاهرة للتفاوض بأسرع ما يمكن بشأن هدنة طويلة الأمد في الصراع العسكري بين الجانبين.  وقد أكد المتحدث العسكري الإسرائيلي الجنرال موتي الموز لراديو الجيش الإسرائيلي، انسحاب " كل الجنود من القطاع، مع استكمال مهمة هدم الأنفاق" .

ولكن هل كان الدور الدولي عاملا في إنهاء الأزمة؟ أم أن القرار يتعلق بطرفي الصراع، وإسرائيل بالأساس؟

للإجابة عن هذا التساؤل لابد من تحليل مكاسب كلا الطرفين، وفي هذا السياق، قال زبيجنيو بريجنسكي: "إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يعزل إسرائيل ويعرض مستقبلها على المدى الطويل للخطر، من خلال مهاجمته لقطاع غزة، وأن إستراتيجية "نتانياهو" بشن حرب خاطفة على غزة لنزع سلاح حماس لن تفلح ولن تؤتي ثمارها.  وأوضح قائلا "أعتقد أنه، نتانياهو، ارتكب خطأ خطيرا جدا برفض قبول مشاركة حماس مع القيادة الفلسطينية في حكومة الوحدة، وهى القيادة المعروف عنها أنها المسئولة عن التفاوض لأجل التوصل إلى حل سلمي مع إسرائيل، ولقد كانت هذه الحكومة بالفعل خيارا حقيقيا".

وحول الموقف الأمريكي قال "بريجنسكي " إن نتانياهو خاطر بمستقبل إسرائيل على المدى الطويل، وأعتقد أننا يجب أن نجعل من الواضح جدا أننا غير راضين تماما عن مسار العمل ولا ندعمه، وقد يلزم هذا الولايات المتحدة وبقية المجتمع الدولي لاتخاذ بعض الخطوات لإضفاء الشرعية على الطموحات الفلسطينية، وربما داخل الأمم المتحدة نفسها".

إن مهمة الولايات المتحدة خلال الأزمة جاءت فقط للتخفيف من وقع العملية العسكرية الإسرائيلية، أو إيصال الصورة بشكل يحقق مصالح حليفتها إسرائيل على حساب القانون الدولي، أكثر منها مساعي حثيثة لإنهاء العنف ووضع حد للتصعيد العسكري المستمر لهذا الصراع.

لم تكن مقاصد الحرب كاشفة، بقدر ما عكس التصعيد العسكري غير المبرر موقف الحكومة الإسرائيلية من أمرين:  الأول، الإخفاق في إقناع المجتمع الدولي برفض حكومة الوفاق الفلسطينية، والثاني أن المجتمع الدولي حملها مسئولية فشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وإلى حدٍّ ما فإن الولايات المتحدة خرجت عن موقفها المعتاد بتوجيه اللوم حصرا للفلسطينيين بتحميل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي مسئولية عدم نجاح الجهود التي قادها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على مدى  9 أشهر للتوصل إلى اتفاق فلسطيني  إسرائيلي.

وعلى الطرف الآخر، فإن حماس لم يبق لديها ما تخسره بعد أن صار الحصار عسكريا وسياسيا _  ولهذا جاء بحثها عن المصالحة للخروج من عزلتها _ بعد أن خسرت دعم إيران بسبب رفضها دعم نظام رئيس النظام السوري بشار الأسد، وخسرت حلفاءها الإخوان المسلمين في مصر منذ يوليو  2013.

وفي ضوء ما سبق، تريد حماس إنهاء سبعة أعوام من الحصار على قطاع غزة، لكن دون خطة طويلة الأمد لسكان غزة الذين يعيشون ظروف البؤس لا أمل لهم ولا مستقبل في ظل تخاذل المجتمع الدولي.

(*) مدرس العلوم السياسية – بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة

هذه جزء مقال نشر في العدد التاسع من مجلة آفاق سياسية

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟