المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
روجر كوهين
روجر كوهين

الازدواجية حول أميركا

الأحد 24/أغسطس/2014 - 10:55 ص

  اتسمت المواقف في أوروبا حول أميركا التي تعيد تجميع نفسها اليوم بازدواجية شديدة. ويسيطر هذه الأيام على مناقشات الأوروبيين الحديث عن آخر حلقات مسلسل «هاوس أوف كاردز» أو «هوملاند» أو «ماد مين». وقال لي دبلوماسي فرنسي، إن كل اجتماع حضره في البيت الأبيض خلال جولته في واشنطن كان ينتهي بسؤال أحد الحاضرين ما إن كان يمكن مشاهدة مسلسل «ويست وينغ». وكان يجد ذلك محرجًا.

ويشتكي الأوروبيون من المعلومات الشخصية المخزونة في ثغرات الضرائب والتي استغلتها مواقع مثل «أمازون» و«فيسبوك» و«غوغل» و«تويتر». وكما أورد زميلي مارك سكوت، يسيطر موقع «غوغل» حاليًا على 85 في المائة من نسبة البحث في أكبر الاقتصادات الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، بينما تبلغ حصته في السوق الأميركية نحو 67 في المائة. وتشغل الشركات الفنية الأميركية سبعة من أصل 10 مواقع هي الأكثر زيارة في أوروبا. ويفوق الإدمان على سيطرة العلامات التجارية الأميركية على الإنترنت في العالم، الغضب بسبب ممارسات وكالة الأمن الوطني. وقد تدل جاذبية منطقة وادي السيليكون على أن الولايات المتحدة لا تزال أمة شابة تماثل روما في قمة قوتها. إن قوة أميركا الناعمة حية وبخير. كما أن مقدرة أميركا على إعادة الاختراع وإمكانية اكتفائها الذاتي من الطاقة التي تبدو قريبة وتركيبتها السكانية الجيدة، وكذلك سيطرتها على الخيال العالمي، كل ذلك يدل على القوة.

لكن التغيرات الجيواستراتيجية خلال العام الماضي تشير إلى عكس ذلك: إن الولايات المتحدة هي روما الإمبريالية عام 376 ميلادية مع الكثير من الأعداء العنيفين، حيث شلت المصالح الضيقة السياسة، وتسليم جزء من الأمن القومي الأميركي إلى مقاولين عسكريين خاصين، موقع للأخطاء في الاقتصاد بدل الإنتاجية والضعف الظاهر لقائد يتحدث عن حدود ما يمكن للولايات المتحدة أن تفعله.

وليست الازدواجية بغريبة على أوروبا، وبالطبع يقول الكثير من الأميركيين الآن بالنظر لما في العالم من مشكلات، إننا قمنا بنصيبنا خلال العقود الماضية من السلام الأميركي، وإن كانت الصين والهند تصعدان الآن فلتتحملا مسؤولية الأمن العالمي كما تسلمت أميركا ذلك من بريطانيا عام 1945.

أوباما عملي وحكيم.. ويبدو أنه يناسب هذه الروح الأميركية، وقد لا يكون يدير الانحطاط، ولكنه بالتأكيد يقاوم الانطلاق، فهو ليس متخذ قرار، بل كابح.

إذن لماذا لا يحظى أسلوب أوباما نحو العالم بالشعبية؟ ففي أحدث استطلاع قامت به «نيويورك تايمز» ووكالة أنباء «سي بي إس» عبر 58 في المائة من الأميركيين عن عدم رضاهم عن أسلوب أوباما في السياسة الخارجية وهي الأعلى خلال فترة رئاسته. ويبدو أن هناك ازدواجية غريبة، فالأميركيون يريدون عودة القوات الأميركية ويريدون إعطاء أولوية الاستثمار للوظائف الداخلية والتعليم والصحة والرعاية والبنية التحتية. لكن يبدو أن الكثيرين يرون أن أوباما لا يعطي الأميركيين قيمتهم الحقيقية. فهم يريدون رئيسًا يقود وليس مجرد قناة لعواطفهم. فالأميركيون باعتبارهم مواطني أمة تمثل فكرة، متفائلون بطبعهم.

قد يكون صحيحًا أنه ليست هناك نتيجة جيدة في سوريا، وبالتأكيد لن تكون هناك نتيجة سهلة. وقد يكون فلاديمير بوتين ضم شبه جزيرة القرم لأنه قادر على ذلك. لكن الأميركيين لا يزالون لا يريدون الرسالة. إن من الحكمة الانسحاب وترك العالم يقوم بأسوأ ما يمكن. وقد شهدت القطبية الثنائية الأميركية مؤخرًا تجربة مريرة.

ليس من السهل قراءة هذا العالم ثنائي القطبية (الأوروبي والأميركي) وصعود {الجهاديين} وتصميم الصينيين. الأمر في غاية البساطة، وربما من الخطأ القول إن الولايات المتحدة في انحطاط. لكن السلام الأميركي في انحطاط. فاستعداد أميركا لاستخدام قوتها من أجل استقرار العالم، على الرغم من القصف الحالي لـ«داعش»، يتضاءل. ولذلك السبب فالعالم أكثر خطورة مما كان عليه لفترة طويلة. وخلق ضعف مصداقية أميركا في ظل إدارة أوباما فراغًا لا يمكن لقوة مغناطيسية ناعمة أن تملأه، وأصبح أوباما الكابح تصحيحًا كبيرًا لبوش متخذ القرار. أوباما وسطي مهني، لكنه بالغ في ذلك، وبذلك خيب آمال الأمة وشجع الأعداء وخيب آمال الحلفاء وخلق الشكوك حول قوة أميركا التي ثبت أن من السهل استغلالها. نقلا عن الشرق الأوسط

 

* خدمة «نيويورك تايمز»

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟