رسخت
ريادة الأعمال نفسها باعتبارها واحدة من الأولويات الرئيسة للسياسة الاقتصادية في
دول مجلس التعاون الخليجي. وتعطي الخبرة العالمية مبررا كافيا لهذا التركيز. وتشكل
المشاريع الصغيرة والمتوسطة عادة العمود الفقري للاقتصادات المتقدمة في العالم؛
المهيمنة من ناحية الأرقام، لأنها تسهم تقريبا بأكثر من 50 في المائة من الناتج
المحلي الإجمالي وفرص العمل، وفي كثير من الحالات أكثر من ذلك بكثير. على سبيل
المثال، توفر 53 في المائة من فرص العمل في الولايات المتحدة و78 في المائة من
الوظائف في ألمانيا، و60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الصين. هذه
الأرقام تسلط الضوء على إمكانات التنمية التي قد توفرها ريادة الأعمال لاقتصادات
دول مجلس التعاون الخليجي، التي هيمن النفط عليها لأجيال. وفي حين يفوق عدد
الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل حاسم الشركات الكبيرة أيضا في منطقة الخليج، يقل
أيضا مساهمة نواتجها المحلية الإجمالية عادة بقدر أقل بكثير من اقتصاد القاعدة
المتقدم، عادة لا يزيد على 30 في المائة. وعلى الرغم من مساهمتها الكبيرة في توفير
فرص العمل، فإن غالبية الوظائف التي تقدمها تكون عادة من نصيب الموظفين المغتربين
منخفضي التكلفة ومنخفضي الإنتاجية. ويرجع السبب وراء هذا جزئيا إلى أن التوزيع
القطاعي للشركات الصغيرة والمتوسطة بالخليج تميل بشدة نحو الأنشطة كثيفة العمالة
في مجالات مثل تجارة التجزئة وأنشطة من نوع التعاقد من الباطن، وخاصة في البناء.
وتكمن الإشكالية من منظور التنمية الاقتصادية، في أن هذا التركيز حتى الآن انضوى
على فوائد متواضعة من حيث تنويع الصادرات وكذا الابتكار.
وقد
أدت إمكانات امتلاك الشركات الصغيرة والمتوسطة لقيادة تطوير القطاع الخاص وخلق فرص
عمل جديدة مباشرة وغير مباشرة لعدد متزايد من المبادرات الحكومية التي تهدف إلى
تحفيز ريادة الأعمال. وكانت بعض المشاريع الرائدة، مثل بنك البحرين للتنمية، الذي
يعود إلى القرن العشرين (وتحديدا عام 1992) وكان ناجحا جدا في تمكين بدء المشاريع
الناشئة. ومما برهن على ذلك أن بنك البحرين للتنمية قدم بحلول عام 2013 منتجات
مالية وخدمات استشارية لأكثر من 12 ألف عميل ووفرت 17876 فرصة عمل خلال 5 سنوات.
وعلى العموم، كل دول مجلس التعاون الخليجي لديها الآن مجموعة من المؤسسات التي
تعرض الكثير من الأدوات المالية وغير المالية. ويبدو أنه من المعقول أن نفترض أن هذا
إلى جانب زيادة التوعية، كان من بين العوامل الدافعة إلى الزيادة حادة في تسجيلات
شركات جديدة من مختلف أنحاء المنطقة في السنوات الأخيرة.
والآن
وضع الأساس لاقتصاد ريادة الأعمال في منطقة الخليج، وأصبح استعراض مجموعة الأدوات
المستخدمة لدعم القطاع ملحا. إن هذا ضروري نظرا لمجموعة متزايدة من الأدلة التي
تشير إلى أن حجم المشاريع الصغيرة والمتوسطة تميل إلى أن تكون مرتبطة بشكل إيجابي
من خلال كثير من الخصائص التي ألهمت مختلف برامج الدعم للمشاريع الصغيرة
والمتوسطة، وتوظيف المواطنين في الوظائف الجيدة، والصادرات، والابتكار. وينبغي أن
يسلط مزيد من التركيز المعقول على «الجيل الثاني» من سياسات الشركات الصغيرة
والمتوسطة وبالتالي تمكين نمو الشركات الفردية. وما تتطلبه المنطقة هو شيء يشبه (Mittelstand)،
وهي الشركات الخاصة المتوسطة الحجم التي تعمل على ملء الفراغ النسبي القائم حاليا
بين وجود فائض في المؤسسات الصغيرة الدقيقة من جهة، وغالبا ما تكون مملوكة بشكل
جزئي للشركات القيادية الحكومية التي تهيمن على قطاعات مثل التصنيع من جهة أخرى.
ويعد التحدي الرئيس في إجراء هذا الانتقال هو تخلف الكثير من الأدوات والآليات
اللازمة لتمكين ودعم نمو الشركات. ويرجع السبب وراء هذا جزئيا إلى الأثر السلبي
الذي تركته الأزمة الاقتصادية العالمية على المشاريع الناشئة في المنطقة وقطاع
الملكية الخاصة. ولكنها أيضا تعكس الموارد المحدودة لحلول التمويل الموجهة للنمو
والدعم الإداري بشكل عام. وعلاوة على ذلك، جرى كبح رغبة المستثمرين في القطاع
الخاص لإتمام التمويل في هذا المجال من قبل مجموعة محدودة من الخيارات للخروج التي
يملكونها بشكل فعلي.
بدأت
الأمور تتغير نحو الأفضل على نحو مشجع. حيث ازدادت قدرة البنوك على تخصيص التمويل
لهذا القطاع بفضل عدد من برامج ضمانات تديره الحكومة. وهناك مجموعة من المنظمات
الاستثمارية بدأت تتشكل، مثل «تنمو» في البحرين، وتعرض التوجيه والدعم الإداري.
وظهرت عدة صناديق لمشاريع صغيرة ومتوسطة، بما في ذلك الهياكل الرائدة التي أدخلها
البنك الإسلامي للتنمية في المملكة العربية السعودية وتونس. ووقعت شركة تابعة
للبنك الإسلامي للتنمية (المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص) ومجلس التنمية
الاقتصادية هذا الشهر على مذكرة تفاهم حول مثل هذا الصندوق في البحرين، بهدف تعزيز
نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة في البحرين من خلال تقديم الدعم، والمنتجات
المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، والتدريب. كما أن عالم مستثمري الأسهم الخاصة في
المنطقة بدأ مرة أخرى في التوسع. وأخيرا، هناك عدد من البورصات الإقليمية سواء ما
جرى إطلاقها أو ما يخطط لإدخالها أسواق النمو بالنسبة للشركات التي لا تلبي معايير
الإدراج القياسية ومتطلبات الإبلاغ. كما تحسنت البيئة التمكينية العامة تحسنا
كبيرا بفضل الإصلاحات التنظيمية والجهود المبذولة لدعم تنمية الصادرات. وليس من
السهل ضمان الاستدامة، والنمو الطبيعي في شريحة ناشئة من الاقتصادات الإقليمية.
ولكن حتى إن سلمنا بأنه لا يوجد حلول سريعة، فمن الواضح أن الجهود السابقة الرامية
إلى تحفيز إنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة وضعت أساسا قويا للارتقاء بالتنمية
إلى المستوى التالي. إن العقبات التي تواجه رواد الأعمال في المنطقة أقل من أي وقت
مضى، ويمكنهم الاستفادة من مجموعة غير مسبوقة من الأدوات لبناء نجاحات مستقبلية.
وعلى الرغم من التقدم التدريجي، يبدو الآن أن متطلبات الدورة الافتراضية في مكانها
الصحيح. نقلا عن الشرق الأوسط
*
كبير الاقتصاديين في مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين.