المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

خصخصة الجهاد: اقتصادات "الفعل الجهادي" في الشرق الأوسط

السبت 30/أغسطس/2014 - 11:40 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمد عبد القادر خليل

أضحت قضية التمويل إحدى القضايا المركزية في فهم أبعاد تشابك عناصر ظاهرة "الجهاد" المسلح التي انتشرت في العديد من مناطق وساحات داخلية في الدول العربية، سواء كانت مصدِّرة للظاهرة أم مستقبلة لها، وبينما تتعدد أوجه الظاهرة وأبعادها الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية، فإن التركيز على الأبعاد الاقتصادية لا يعني إغفال مجمل محركاتها، وإنما محض سبر أغوار أحد المحددات الأساسية التي باتت تشكل دافعا لانتشارها وسببا له، فكما قال المؤرخ اليوناني ثوسايدايدس Thucydides "إن الحرب لا تتعلق بالأسلحة بقدر التمويل"، فالرغبة في توظيف المال لتحقيق نفوذ سياسي أو تحصيله أو تعبيرا عن افتقاده والحاجة إليه بسبب ضعف الأداء الاقتصادي للدولة أو غياب خدماتها قد يكون في حالات عديدة سببا لتجنيد واسع النطاق لعناصر جديدة في تنظيمات جهادية.

والجهاد المعني به في إطار كهذا ليس الحرب من أجل نصرة الدين أو تحت رايته الواحدة، وإنما بقصد توظيفه من جماعات متباينة التوجهات والأهداف ولكنها متشابهة التكتيكات والتحركات بهدف تحقيق أهداف خاصة بدولة أو جماعات تستخدم من أجلها المال كوسيلة، كما أنه على جانب آخر ليس قاصرا على دينا أو طائفة معينة، وإنما يشمل الجميع ليشكل ما يمكن اعتباره "سوقا خاصة" به تضمن تجارته التي راجت، خصوصا مع انتشار الصراعات الداخلية في المنطقة العربية وتنامي التدخلات الإقليمية والدولية لتأجيجها، وتدفق خطوط إمداد مالي لا تتوقف لتحقيق أهداف سياسية ومراكمة نفوذ في إطار صراع إقليمي، يشكل بذاته حاضنة مواتية لجني المال عبر "العمل الجهادي"، والذي بات يعبّر في عملياته وضرباته عن نمط تمويله وحجمه، فاستخدام القذائف والصواريخ وأحدث الأسلحة القتالية وسيارات الدفع الرباعي يعبر عن مصادره وإمكاناتها المادية الضخمة، فيما تجسد العبوات الناسفة البدائية والقنابل اليدوية والدرجات النارية، عن إمكانات تمويلية محدودة.

يعتبر التمويل أساس عمل التنظيمات الجهادية، فالجهاديون والمقاتلون الذين يتطوعون للقتال دائما يُستقطبون إلى تلك الأكثر تنظيما والأكثر تمويلا ودفعا وتسليحا

أولا: التمويل كمصدر وغاية

تتنوع مصادر التمويل بالنسبة للتنظيمات الجهادية وعلى رأسها تنظيم القاعدة، ما بين مصادر عائلية – قبائلية – عشائرية - شخصية ومصادر تمويلية إقليمية ودولية فضلا عن عوائد العديد من العمليات التي ارتبطت بفرض ضرائب على مناطق سيطرة ونفوذ في العديد من الدول، هذا إضافة إلى عمليات خطف رهائن وسيّاح لطلب فدية والسطو على بنوك ومؤسسات والاتجار بالمخدرات والبشر.

ويعتبر التمويل أساس عمل التنظيمات الجهادية، فالجهاديون والمقاتلون الذين يتطوعون للقتال دائما يُستقطبون إلى تلك الأكثر تنظيما والأكثر تمويلا ودفعا وتسليحا، فعلى سبيل المثال استطاعت "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروفة بـ "داعش" اجتياح المنظمات الأخرى في العراق وسوريا بسبب ما تتمتع به من امتيازات مالية وتسليحية، على نحو دفع العديد من عناصر الألوية والكتائب والجماعات الجهادية الأخرى كجماعة النصرة بالقتال تحت رايتها. وثمة من يشير إلى أن هذا الأمر انعكس على الأوضاع المالية الأكثر أريحية للمقاتلين المستقطبين من الشيشان وأفغانستان وباكستان وليبيا، وذلك بالمقارنة على سبيل المثال بمقاتلي الجيش السوري الحر.

وقد أشار وزير الخزانة الأمريكي السابق تيموثي جايتنر Timothy Geithner إلى أن أحد كبار قادة تنظيم القاعدة في أفغانستان قد صرح بأنه من دون التمويل الذي تحصل عليه التنظيمات الجهادية في أفغانستان يتوقف "الجهاد"، بما يدفع إلى تنويع وسائله وأدواته ومصادره. ووفق العديد من الاتجاهات فإن تنظيم القاعدة على سبيل المثال قد واجه أسوأ أزمة مالية في عام 2010، بما دفع إلى اللجوء إلى العديد من العمليات لتوفير الأموال اللازمة لإدارة تكاليف تشغيل التنظيم من حيث الأسلحة والوقود والرواتب. وقد حصل التنظيم على عشرات الملايين من الدولارات من خلال عمليات خطف الرهائن والحصول على فدى من العديد من الساحات وعلى رأسها البعض من الدول الأفريقية.

هذا وقد أشار العقيد جمال زعيدة، مدير مكتب التحقيقات بالدرك الوطني الجزائري إلى أن "متمردي القاعدة" يوفرون الحماية لقوافل المخدرات مقابل المال، وهم يعرفون المنطقة التي يعملون بها جيدا، وتستخدم الأموال التي يحصلون عليها من عمليات تهريب المخدرات في تجنيد مقاتلين جدد وتمويل العمليات الخاصة بالتنظيم.

كما يحصل العديد من التنظيمات على دعم في صور مباشرة وغير مباشرة من بعض الدول الإقليمية والدولية سواء أكان في صورة أموال أم أسلحة، وهذه التنظيمات في غالب الأحيان تكون مخترقة أمنيا من قبل الأجهزة الأمنية للدول التي تدعمها، وهى تعد في حالات كهذه واحدة من أدوات الصراع و"الحرب بالوكالة" بين الأطراف المختلفة مواقفها، ويبدو ذلك واضحا من الحروب الدائرة رحاها على ساحة الإقليم وداخل دوله، فثمة جماعات جهادية وحركات مقاومة بعضها يدعم من إيران وأخرى تدعم من دول عربية تسعى لإيجاد دور إقليمي لها، وبعضها يدعم من الطرفين معا، وذلك في محاولة لتحقيق المصالح الأمنية ودرأ المخاطر والتهديدات المحتملة.

وتستخدم المقاومة أو الجهاد كغطاء على العديد من الأعمال، فعملية تهريب السلع عبر الأنفاق بين مصر وغزة كانت تقوم بالأدوار الأساسية فيها عناصر من حركة حماس وبعض التيارات الجهادية لدى الطرفين التي تحصل على أموال ضخمة عبر عملية تهريب سلع مصرية مدعومة من قبل الحكومة المصرية إلى المواطنين في قطاع غزة لتباع بأضعاف أسعارها الرسمية.

وقد أشارت العديد من الاتجاهات إلى أن ثمة عمليات استقطاب واسعة للعديد من شباب بلدان "الربيع العربي"، خصوصا في كل من تونس وليبيا، للقتال في سوريا إلى جانب بعض التنظيمات الجهادية، وذلك مقابل أموال، وفيما قد لا يحصل بعض الأفراد الذين يقدمون على ذلك انطلاقا من وازع ديني على هذا المقابل، فإن الجماعات المسئولة عن هذه العملية والتي تضطلع بالمسئولية عن عمليات التجنيد والتدريب والتسليح والتهريب عبر الحدود، تحصل على المقابل المالي، ووفق بعض التقديرات يكون ذلك ما بين ثلاثة إلى خمسة آلاف دولار على "الرأس الواحدة"، حسب المصطلحات الدارجة في هذا السياق.

وتعمل العديد من الجمعيات الإسلامية المنتشرة في المنطقة العربية دورا بارزا في تمويل عمليات التجنيد والتهريب إلى مناطق الصراع القديمة كأفغانستان والشيشان وباكستان أو الجديدة كسوريا وليبيا. ويساعد في انتشار هذه الظاهرة بعض الجمعيات والمؤسسات الغربية بدعم نظيرتها في الدول العربية، والبعض منها لا يشترط أن تكون المنظمات المتلقية للأموال مسجلة على نحو قانوني ومن هذه المؤسسات على سبيل المثال مؤسسة CAIR الأمريكية، وهو ما يعتبره ريان ماورو مؤلف كتاب The many of Jihad، أحد أهم أسباب انتشار المنظمات الجهادية على مسرح عمليات الشرق الأوسط.

حصل تنظيم القاعدة على عشرات الملايين من الدولارات من خلال عمليات خطف الرهائن والحصول على فدى من العديد من الساحات وعلى رأسها البعض من الدول الأفريقية

ويعتبر ماورو أن جمعيات خيرية في بلدان إسلامية وغربية تقوم بتمويل هذه الأنشطة، وهذه الجمعيات تتلقى في بعض الأحيان إعفاءات وتسهيلات قانونية وإدارية ومالية، ويقوم العديد منها بدعم أنشطة جهادية على نحو مباشر أو غير مباشر، كما أن هناك أموالا هائلة تصل إلى هذه التنظيمات عبر جمع أموال زكاة التي ترسل من قبل أغنياء مسلمين يقيمون في الخارج سواء في بلدان عربية أو غربية. يضاف ذلك إلى العنصر المحوري في هذه العملية والتي تجعل الأموال تصل عبر ما يعرف بـ"الحوالة المالية" حيث أظهرت دراسة حديثة أن 85 في المائة من الأموال التي ترسل عبر الحوالة تكون مجهولة المصدر ولا يتم تتبعها.

وتقوم هذه العملية عبر نقل الأموال بواسطة الأيدي مباشرة، ففيما تحول الأموال إلى شخص موثوق به يعتبر بمثابة شريك في هذه "التجارة" الرائجة والمربحة مقابل عمولة كبرى، فإن شخص آخر يتبعه يدفع هذه الأموال إلى الجهة المطلوب إرسال الأموال إليها، وهذه العملية وفقRayan Mauro، يطلق عليها "نظام التحويل غير المرئي"، والذي يتكفل بنقل نحو ستة مليارات دولارات سنويا.

 

 

ثانيا: التمويل.. أنماطه وصوره

في عام 2010 وقبيل احتفالات مصر بذكرى نصر أكتوبر في إستاد القاهرة دعا عاصم عبد الماجد، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية (مصر) إلى بيعة جديدة للإسلام وكل المستضعفين في الأرض، وأعلن في مؤتمر جماهيري عقد في محافظة أسيوط بضرورة جمع نحو مليار جنيه تبرعات من الجماهير والمواطنين المصريين لإحياء "جهاد المال" لنصرة الشعب السوري، تحت اسم "مليار النصرة"، ولم يحدد إن كان المقصود بالنصرة "جماعة النصرة" في سوريا أم "النصرة" كمفهوم لمساعدة الشعب السوري عبر دعم عموم "المجاهدين" في سوريا، خصوصا المصريين منهم.

وقد جاء ذلك في سياق إعلانه عن توجه ممن وصفهم بـ"مجاهدي مصر" إلى الأراضي السورية "لنصرة إخوانهم في سوريا وإسقاط نظام بشار الأسد"، وقد ترافق حديث عبد الماجد مع حديث محمد شوقي الإسلامبولي وطالب رفاعى طه عن تجارب المجاهدين في باكستان والشيشان والبوسنة والهرسك واليمن وسوريا. ويبدو جليا من ذلك محورية قضية التمويل وثقافة جمع التبرعات التي لا يمكن تتبع مسار تحركها وإنفاقها.

يعكس ذلك ما كتبه الإعلامي جمال خاقشجي من أن ثمة من يجني الثروات من وراء "نصرة المجاهدين "وتجهيزهم للقتال في سوريا، وهى أموال تقع بين أيدي "إما متطرف مكفراتي أو آخر مرخص له بالمال"، مشيرا إلى أن البعض بات يستخدم هذه الأموال "للشهرة" و"الحظوة" وسط مناصريه، وفق ما أعلن عنه الإعلامي والناشط السوري هادي العبد اللـه من أن ثمة أموالا لم تعد تصل لسوريا لكونها "أموالا مشروطة" وتستهدف "الرياء والسمعة". ويعطي ذلك انطباعا مباشرا بأن الجهاد في بعض صوره تحول إلى "بزنس" له أطرافه وسماسرته وعرابينه التي تدفع لتدخل "الجيوب".

تفرض حركة الشباب في الصومال الضرائب على الفحم الصومالي وعلى حركة الموانئ في بعض المناطق وكذلك تسيطر على عملية تحصيل أموال الزكاة

يرتبط ذلك بخلق "الحافز المادي المستتر"، وفق "لعبة قديمة" وظفتها حتى الجيوش العتيدة، فعلى سبيل المثال بعد الحرب الأمريكية في فيتنام تم إلغاء التجنيد الإجباري، وأصبح التجنيد محض وظيفة تعاقدية بين الجيش والجندي الذي يعمل مقابل عائد مادي مجزي، وهو ما سعت إلى "خصخصته" وجعله "قطاع خاص" العديد من الشركات العالمية التي عملت في مجال الأمن بعد ذلك، فقد أنشأت ما يمكن اعتباره "جيوشا خاصة" من "مقاتلين مرتزقة" تخوض بهم حروبا وصراعات دامية في مقابل الأموال.

 وقد تأسست على ذلك مبادرة الجنرال ديفيد بترايوس في العراق لتشكيل قوات الصحوات في "الدليل" الذي أصدره عام 2006، والذي بموجبه اختير في عام 2007 قائدا عاما للقوات الأمريكية في العراق، وذلك لتنفيذ مقترحاته القائمة على خلق حافز مادي لدى بعض العناصر السابقة في الجيش العراقي وبعض "المتمردين" وعناصر "المقاومة" العراقية السنية لعزلها واستقطابها بعيدا عن التيارات الجهادية عبر تشكيل "صحوات العراق"، وهى الخطة التي أعاد تشغيلها وتوظيفها رئيس الوزراء العراقي نور المالكي عبر تشكيله ما عرف بـ"مجالس الإسناد" من العناصر الشيعية لإحكام سيطرته على المعادلة الأمنية في العراق.

هذا على الرغم من أن حالة السيولة على الحدود المشتركة بين دول الإقليم كانت قد خلقت مشكلات أمنية وسياسية بين الحكومة العراقية ونظيرتها السورية، بما دفع المالكي إلى توجيه اتهامات إلى نظام بشار الأسد بالوقوف وراء "المجاهدين" أو ما سمّاهم "قوى الإرهاب" التي تنتشر في الساحة العراقية، ومع ذلك فإن سوريا ذاتها باتت تعاني من ذات الإشكالية ولكن على نحو معكوس، فقد غدت دول الجوار داعم رئيس لحركة "المجاهدين" حيال الأراضي السورية، إذ باتت تعاني دول مثل تركيا من انتشار "ثقافة الجهاد" حيث يتم تجنيد مواطنين تترواح أعمارهم بين 18 و30 عاما للقتال في سوريا، ومعظمهم من محافظات آديامان وبينغول وباتمان وأورفا وديار بكر وتبليس، في تنظيمات جهادية كالنصرة و"داعش" وأحرار الشام، وكذلك في تنظيمات متطرفة مؤيدة للأسد.

وقد بدا واضحا أن بعض الدول التي دعمت عناصر جهادية هي الأخرى أضحت تعاني من خطورته، فالإفراج عن الطيارين التركيين في لبنان لم يتم إلا بعد قيام قطر بدفع فدية وصلت حسب تقديرات إلى ثلاثة ملايين دولار، وهو ما يوضح انتشار "تجارة الفدية" داخل العديد من دول المنطقة. وقد علق على ذلك ريتشارد باريت والذي تولى رئاسة لجنة تابعة للأمم المتحدة تتولى مراقبة شؤون تنظيم القاعدة وحركة طالبان (مارس2004- يناير 2013)، بقوله "إذا تم احتساب الأمر على أساس تلقى فدية تصل في بعض الحالات لثلاثة ملايين دولار لكل رهينة فهذا يعني تحصيل مبالغ هائلة للتنظيمات الجهادية". وتشير بعض الاتجاهات إلى أن ثمة عصابات مسلحة تعمل على خطف الرهائن ثم تقوم بتسليمهم إلى تيارات جهادية إسلامية حتى تضمن تلقي فدية كبرى، وتتراوح مطالب هذه التيارات المتشددة بين مطالب جهادية معلنة وطلبات مالية خاصة.

عملية تجنيد المواطنين ودفعهم للقتال في ساحات الصراع الإقليمي لم تعد قاصرة على دولة دون غيرها وإنما تمتد إلى دول عديدة كمصر وليبيا وتونس، وفي هذا الإطار تشير بلقيس مشري، نائبة رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، إلى أن هناك مجموعة من الشباب خاصة في الجنوب التونسي أصبحوا بين ليلة وضحاها جهاديين وأصبحت لديهم أموال طائلة وسيارات دفع رباعي مجهزة للسير في الصحراء ويقومون بتزوير جوازات السفر واستقطاب الشباب العاطل وإجراء "عمليات غسيل مخ" لهؤلاء بقصد تسفيرهم عبر تركيا وليبيا إلى سوريا باسم "الجهاد"، مشيرة إلى أن هناك العديد من الجمعيات التونسية التي تقوم بهذا الأمر أيضا.

وقد ترتبت على ذلك مشكلات من قبيل استخدام الأطفال في هذه الصراعات وتحويلهم إلى "مجاهدين" خصوصا في سوريا، ويعاني من ذلك العديد من العائلات التركية والتونسية، كما أفضى ذلك إلى انتشار "تجارة الموتي" حيث لا يمكن لعائلات القتلى من هؤلاء استعادة جثث ذويهم إلا مقابل دفع أموال ضخمة، هذا إضافة إلى انتشار تجارة الأعضاء البشرية التي باتت "تصدر" من ساحات المعارك إلى العديد من الدول المجاورة. كما تداخل مع ذلك فرض النفوذ والسيطرة، ففي سوريا على سبيل المثال تتحكم "داعش" في الأمور الاقتصادية في المناطق التي تسطير عليها، هذا فيما تفرض طالبان ضرائب على المحاصيل الزراعية والتي تشمل تجارة "الخشخاش" في بعض مناطق أفغانستان، فيما حركة الشباب في الصومال تفرض الضرائب على الفحم الصومالي وعلى حركة الموانئ في بعض المناطق، وكذلك تسيطر على عملية تحصيل أموال الزكاة.

ومع ذلك فإن الإشكاليات التي تتعلق بقضية "التمويل" بالنسبة للحركات الجهادية أو التيارات المتشددة لا ترتبط بدول العالم الإسلامي وحسب، فأخيرا أضحت تعاني دولة مثل أفريقيا الوسطى من ذات الإشكالية، إذا باتت تفرض التيارات المسيحية المتشددة دفع أموال وفدى لعدم استهداف العوائل المسلمة. وقد كشف تقرير لوكالة الاستخبارات الأمريكية CIA أن تنظيم القاعدة لجأ إلى نقل مركز عملياته لمنطقة القرن الأفريقي بعد أن تصاعدت الملاحقات الأمنية ضد عناصره التي كانت تنشط في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان، وتشير تقديرات أخرى إلى أن التنظيم بات يستعيض عن بعض مصادر التمويل عبر استخدام أموال تجارة المخدرات في دول منطقة الصحراء الكبرى وكذلك في دول مثل أفغانستان وموريتانيا ومالي والنيجر وتجارة النفط في دول مثل سوريا وليبيا.

هذه المعطيات جميعها يؤكد أن اقتصادات "الفعل الجهادي" أضحت أكثر تشابكا وتعقيدا، وأن "الفعل الجهادي" ذاته غدا مرتبط على نحو مباشر بقضية التمويل سواء كأداة أو حافز وأن القائمين عليه، وإن تنوعت أيديولوجياتهم أو طوائفهم أو ديانتهم، فإن ثمة أبعاد أخرى لمواقف الكثير منهم، والأمر في ذلك يتعدى التنظيمات الجهادية كمجموعات أو أفراد، وإنما يصل إلى دول رئيسية في النظام الدولي يمكن أن تسمي بـ"الدول الجهادية" التي توظف "العمل الجهادي" لتحقيق غايتها وأهدافها السياسية والأمنية، ليتم بعد ذلك ملاحقة هؤلاء عالميا بدعاوى مختلفة ونوازع عدة أبرزها الحرب الكونية على الإرهاب.

 

هذا المقال جزء من دراسة نشرت في العدد التاسع من مجلة أفاق سياسية

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟