المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د.محمد حافظ دياب
د.محمد حافظ دياب

من هم الايزيديون؟

الخميس 04/سبتمبر/2014 - 11:28 ص

مؤخراً تواتر الحديث عن الطائفة الايزيدية أو اليزيدية فى العراف، مع قيام تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بالاستيلاء على مناطق إقامتهم هناك، وذبحهم لمئات من رجالهم، دفن بعضهم أحياء، واحتجاز نسائهم كإيماء يمكن بيعهن، بذريعة أنهم ليسوا أهل كتاب، ومن ثم وجب شن "حرب مقدسة" عليهم، لأنهم ليسوا بذميين، على أساس أن وضع الذمى، وهو من الرعايا غير المسلمين فى الدولة الإسلامية، محتجز فقط لأهل الكتاب، فيما الايزيديون لا يمتلكون كتاباً مقدساً، شأن الذميين من أتباع الديانات الأخرى.

ويشار هنا أن موطن الايزيديين الأصلى فى منطقة كردستان العراق، ويبلغ عددهم هناك قرابة مليون شخص، يعيشون بالقرن من مدينة الموصل فى منطقة جبال "سنجار" أو"شنكال" الواقعة غرب محافظة "نينوى" فى الشمال، وعبر الوديان الكردية المنعزلة. كما توجد مجموعات صغيرة منهم، تتوزع بين تركيا وسوريا وإيران، وجورجيا وأرمينيا حول جبال القوقاز، وفى ألمانيا وبعض من الدول الأوروبية الأخرى.

أما بالنسبة لأصل تسميتهم، فالبادئ أنها تنحدر من الكلمة الفارسية "ايزيد" بمعنى الملاك، أو "يزيدان" بمعنى الله، وهو ما جعل تسميتهم تتراوح بين "الايزيديين" و"اليزيديين".

وهم يعرفون فى أرمينيا بعبدة الشمس، بينما يرى المسلمون أنهم عبدة إبليس، وإن كان هناك من يرى أنهم من بقايا قبائل يهودية مفقودة، وأخرون يحسبونهم من الآشوريين، أو من الحيثيين الذين كانوا يحتلون المنطقة قبل الغزو الآشورى.

ورغم ذلك، يجوز القول أن الإسلام وحده هو الذى أحدث تأثيراً جلياً فى شخصية الايزيدى راهناً، بسبب من روابط أحدثتها عوامل القرب، فيما العنصر الإيرانى هو الذى لعب الدور الأهم فى النظام العقائدى للايزيدية، إلى الدرجة التى قد تغرى بالحديث عن هذا النظام كصيغة كردية زرادشنية، على حين يرى باحثون أن الايزيدية أقدم من الزرادشتية، بل والهندوسية.

أما الايزيديون، فيقولون أن عقيدتهم قد تأسست فى مدينة "يزد" الإيرانية مطلع الألفية الثانية قبل الميلاد، على يد شخص يدعى مالك ميران، الذى يعتبرونه الجدّ الثانى بعد آدم، ويرون أنفسهم لا مجرد أتباع فحسب لدين مستقل تماماً عن الأديان الأخرى، بل أيضاً على أنهم عنصر لا نظير له، خلق من النور لا من التراب شأن بقية البشر، ويبرهنوا على سمو نبالتهم وتمييز أنفسهم عن بقية العالم بأنهم انحدروا من آدم وحده، دون ارتباط بحواء، على عكس أتباع الديانات الأخرى، ممن انحدروا من الزوجين آدم وحواء.

ونتيجة لعزلتهم الجغرافية والدينية، يمثل الايزيديون اليوم طائفة عرقية بحكم موقعهم، منفصلة تماماً عن الأكراد، الذين يشاركونهم اللغة الواحدة، وإن تحدث البعض منهم بعربية معنعنة.

ورغم المحاولات الدائبة لا دخالهم إلى الإسلام، لا يزال الايزيديون يتمسكون باستقلاليتهم الدينية، وإن بدت عقيدتهم ليست بعيدة تماماً عن الأديان السماوية الثلاثة "الإسلام والمسيحية واليهودية"، ناهينا عن تطعيمها بأفكار من الأديان الفارسية القديمة "الزرادشتية والمانوية"، ما يشى أننا بازاء منطقة "معتقدية" معقدة، يلتئم فى إهابها ما قبل التاريخى بالتاريخى، الأصيل بالدخيل، الطريف والتاليد على اختلاف المرجعية والرموز وأسلوب التداول. فالمقيمون منهم مع المسيحيين يؤمنون بنبوة أحد حواريين المسيح، ويشاركونهم بعض الطقوس مثل التعمد بالماء، وتناول القربان من قطع الخبز، وشرب الخمر الطقوس، وزيارة الكنائس، وعدم ممارسة عملية الختان.

والمقيمون منهم مع المسلمين، يشاركوهم الاحتفال بالمولد النبوى، ويحيوهم بصيام ثلاثة أيام فى شهر رمضان، ويعترفون بالإمام المسلم "عدى بن مسافر" نبيا لهم، ويحتفلون معهم بمولد الإمام الحسن البصرى، ويمارسون مثلهم الختان، كما أنهم تأثروا بفكرة المخلص ونزول المهدى المنتظر، الذى سيملأ الأرض عدلا فى نهاية الزمان من الشيعة.

وفى نفس الوقت، يقدس الايزيديون معبوداً يسمى "الطاووس الملاك"، ويذهبون للصلاة عليه فى معبدهم "لالش"، وكاهناً كلدانيا هو "لوسيفرن"، وعبر هذا الخط الواصل بين الديانات، يقيمون عبادتهم الغامضة.

والايزيديون يكرهون الكلمة المكتوبة، ويتباهون بأميهم وبأنهم "شعب الكلمة المنطوقة" ويرون أن فهم أصحاب الديانات الأخرى قد غمض، لأن لديهم كثير جداً من الكتب، أكثر ما ينبغى.

فقوة الكلمة المنطقة لديهم، لها تأثير طاغ على الأشياء والكائنات، لدرجة أنهم يعتقدون أن الكلمات يمكن أن تقتل أو تشل الفرد، عندما يتم النطق بها بطريقة معينة وفى يوم محدد هو يوم الأربعاء.

ولدى عديد من الباحثين، لا يدق تماثل هذه الشفاهية، لدى الايزيديين، مع مصطلح ما قبل الكتابى، اعتباراً من طرحه الشفاهى نظاماً معيارياً أول، بوصفه انحرافاً عن النظام المعيارى الكتابى، أى من وجهة نظر الكتابيين، وليس عبر وضعه فى سياقه التاريخى.

تتواتر هذه الشفاهية لديهم، على أية حال، بواسطة الرواية الشفاهية التى يتم تناقلها عبر أجيالهم، يزيدها تواصلها مع معتقدات طقسية يحرصون عليها، لعل من أبرزها تحريمهم الزواج من أصحاب الديانات الأخرى، حتى لا تتهجن شفاهيتهم مع غيرها. كما أنهم يحرمون التبول والبصق على الأرض أو النار أو الماء أو حتى فى الهواء، لكونها تشكل العناصر المقدسة للكون، وهى عناصر شفاهية يحرم المساس بها أو التدوين عليها.

الايزيديون، اذن، شفاهيون، لاكتاب مقدس لديهم، ولكن هل يمكن أن يمثل ذلك مسوغاً لداعش أن تعمل فيهم الذبح والسبى؟.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟