المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. عبد العليم محمد
د. عبد العليم محمد

تحديات التحول الديمقراطى

السبت 06/سبتمبر/2014 - 11:07 ص

يخطئ من يتصور أن الديموقراطية وصفة جاهزة للتطبيق يمكن بقرار تطبيقها والسير فى الطريق إلى الديمقراطية، والواقع أن طريق الديمقراطية طويل ويتطلب السير فيه معاناة من نوع خاص، إذ لا يكفى مثلاً وجود نخبة تؤمن بالديمقراطية، وتكافح من أجلها وإن كان هذا شرطاً ضرورياً لها، كما أنه لا يكفى تبادل السلطة وتداولها، وإن كان ذلك جزءا لا يتجزأ من الديمقراطية وبداية لتطبيقها، غير أنه قد لحق بهذه الشروط آليات ومبادئ أخرى تتعلق بالحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان والمواطنة والمساواة.

إن الشعوب والمجتمعات المتقدمة عرفت الطريق إلى الديمقراطية باعتبارها ضرورة وآلية لا غنى عنها لوقف الصراعات والحروب التى استمرت عقوداً طويلة بين أصحاب المذاهب الدينية المسيحية المختلفة وسقوط آلاف الضحايا من جراء هذه الصراعات، لقد وصلت هذه المجتمعات ونتيجة لهذه الصراعات إلى مرحلة توازن حرج للقوى ينصرف مدلوله إلى قدرة أى من الأطراف المتصارعة على إلحاق الأذى بالآخر بنفس الدرجة التى يتمكن فيها الآخر من إلحاق الأذى بخصومه، وهذا التوازن الدقيق والحرج للقوى هو الذى قاد شعوب هذه المجتمعات وقادتها لاكتشاف الديمقراطية وتداول السلطة وتبنى آليات سلمية لحل الصراعات وحلول وسطى لتناقض المصالح والتطلعات.

يضاف إلى ذلك القدرة على التعلم من خلال التجارب والصراعات واستخلاص الدروس والعبر منها، أى اكتساب هذه الشعوب للبصيرة السياسية وإدراك مخاطر الصراعات على تقدم هذه المجتمعات وتطورها ومن ثم إدراك وظيفة الديمقراطية وآلياتها فى حل هذه الصراعات والتعايش بين أطرافها بمصالحهم المتناقضة وتطلعاتهم التى اكتسبت المشروعية من خلال توازنات القوى فى المجتمع.

إن توازن القوى الحرج والتعلم هى شروط جوهرية لتبنى الديمقراطية بالإضافة إلى وجود النخبة المؤمنة والمناضلة من أجل الديمقراطية وتداول السلطة.

 

فى مصر والعالم العربى وبالرغم من الثورات التى رفعت شعار الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية فإن استشراف مستقبل الديمقراطية لا يزال فى رحم الغيب، فليس ثمة توازن حرج للقوى يجبر كل الأطراف على الإيمان بالديمقراطية وتبادل السلطة، قبل 30 يونيو كان هذا التوازن مفقوداً بين الإخوان والتيار الإسلامى وبين القوى المدنية، ففى الوقت الذى حظى فيه الإخوان والتيار الإسلامى ببناء تنظيمى وشبكة عنكبوتية من الجمعيات الأهلية والخيرية والمدنية التى امتدت إلى القرى والمناطق المهمشة والتى أفضى بها انسحاب الدولة التدريجى من كفالة التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية إلى الترحيب بحفاوة بإعانات الإخوان التى يقدمونها لجمهور الفقراء، فى هذا الوقت كان ضعف القوى المدنية ظاهراً للغاية حيث لم تتمكن هذه القوى من الامتداد والتشعب فى أعماق الوادى والدلتا لتسويق نظرتها السياسية وتقديم المعونة للمعوزين والفقراء وتجنيد وحشد الأنصار والكوادر، ومن ثم لم تعبأ قوى الإسلام السياسى بضرورة المشاركة فى السلطة من قبل هذه القوى ولم تكترث باحتجاجاتهم والتى لم يتوقع الإخوان أن تصل إلى ما وصلت إليه والتى عزز منها تدخل الجيش لتأييد المطالب الشعبية فى إسقاط حكم الإخوان، وهكذا ظهر الجيش باعتباره القوة المعادلة لقوة الإخوان بل تفوقها عدداً وعدة وتنظيماً وقدرة على مساندة المجتمع.

طريق التحول الديمقراطى فى مصر مرهون بنمو قوى سياسية مدنية بمقدورها الاستحواذ على المجال العام والتجذر فيه وعدم الاكتفاء بالوجود الحضرى فى المدن الكبرى والعواصم والوصول إلى القواعد الجماهيرية فى الريف والمدينة والمناطق المهمشة، ما دون ذلك ستظل الأمور على ما هى عليه أى سيظل للجيش اليد العليا فى إدارة شئون البلاد والعباد وهذا الوضع مستساغ شعبياً على الأقل فى الوقت الراهن حتى إشعار آخر.

لقد أفضى الحكم التسلطى الذى دام لعدة عقود فى مصر وغيرها من البلدان العربية إلى افتقاد وجود طبقة من السياسيين المدنيين الذين اكتسبوا شرعية وجودهم من خلال قواعد جماهيرية راسخة وبنى مؤسسية وحزبية قوية وقادرة على بلورة خطاب سياسى يخاطب الجماهير ويجد فيه الجمهور مطالبه وتطلعاته ويرى فيه صورة المستقبل الذى ينشده المواطنون، لقد جعل الحكم التسلطى من ممارسة السياسة ممارسة محفوفة بالمخاطر، مخاطر الملاحقة والمتابعة والعقاب لمن يتجاوز ما يسمى الخطوط الحمراء أى نقد الرئيس والسلطة وكشف طبيعة انحيازاتهما للأغنياء والفاسدين ورجال الأعمال والطبقات الطفيلية التى جمعت الأموال دون سند من القانون ودون إضافة إنتاجية صافية للناتج القومي، حمل الحكم التسلطى المواطنين على العزوف عن الشأن العام والمشاركة فيه واعتباره مصدراً للمخاطر وتنغيص الحياة، وبحثت الأغلبية منهم عن طريق الخلاص الفردى والقبول بالأمر الواقع باعتباره أخف الأضرار.

لقد حرص الحكم التسلطى على تقزيم الأحزاب ومصادرة علاقتها بالواقع والجمهور وحال بينها وبين الاتصال المباشر بالجمهور وتأسيس بنى تنظيمية وسياسية قادرة على الحياة ومخاطبة المواطنين فى مواقع عملهم ودوائر إقامتهم وأصبحت هذه الأحزاب مجرد كيانات بيروقراطية تقبع فى المدن والمراكز الحضرية دون حياة سياسية فاعلة وصحية تفتح الباب للحوار والمشاركة فى صياغة التوجهات الأساسية للدولة والحاكم، إن جانباً كبيراً من المسئولية فى ذلك يقع على عاتق الدولة التسلطية والنخبة القائمة عليها فهى التى وضعت القيود والحواجز وقننت التشريعات المقيدة لنشأة الأحزاب وتطورها.

على الدولة الآن يقع العبء الأكبر فى تشجيع بناء حياة حزبية وتعددية سياسية تفتح الطريق لإعادة بناء طبقة سياسية مدنية قادرة على تولى شئون الحكم لدى اجتيازها الانتخابات، ويقع على الدولة مسئولية بناء مجتمع مدنى قوى وقادر كجزء أساسى من هذه التعددية وكذلك احترام حقوق الإنسان والمواطن المصرى الذى يعرف أين ومتى وكيف يثور على حكامه ويضعهم فى المكان اللائق بهم إذا لم يحترموا تطلعاته المشروعة نحو حياة ديمقراطية وتعددية وإذا لم يحترموا وعيه وقدراته على تغيير مجرى الأمور. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟