المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

فرص التحالف الإقليمي- الدولي ضد "داعش" والعقبة السورية

السبت 13/سبتمبر/2014 - 11:35 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمد السعيد إدريس

تلوح في الأفق هذه الأيام ملامح إقليمية ودولية لتأسيس تحالف لمحاربة الإرهاب وعلى الأخص تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) من منطلق تفعيل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2170. النظام السوري وإيران يتحركان من ناحية في هذا الاتجاه، وهناك مسعى غربي آخر يضم مصر والسعودية والإمارات يرمي إلى تأسيس هذا التحالف ضمن إيجاد حل لعقبة الدور السوري، وفي الوقت نفسه تتحرك أوربا بقوة اندفاع أكبر نحو تأسيس هذا التحالف ضمن إدراك جاد للخطر عبر عنه بوضوح وصراحة شديدة كل من ديفيد كاميرون رئيس الحكومة البريطانية، ولوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسية ومن بعده الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، لكن بقيَ الموقف الأمريكي غامضًا وملتبسًا.

ديفيد كاميرون أكد في مقال نشرته صحيفة ديلي تلجراف البريطانية استعداد الغربيين للتعاون مع إيران لمواجهة "داعش" موضحًا أن "ثمة ضرورة لأن تتعاون بريطانيا مع دول مثل السعودية وقطر ومصر وتركيا وحتى مع إيران لمواجهة قطر التنظيم المتشدد". أما لوران فابيوس فتحدث عن أمله في أن تتحرك دول المنطقة كافة، ومن ضمنها إيران، إضافة إلى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن معا ضد "داعش" ولم تختلف رؤية الرئيس الفرنسي عن ذلك كثيرًا، حيث أعلن أن بلاد ستقترح قريبًا عقد مؤتمر حول "الأمن في العراق" ومحاربة تنظيم "داعش" معتبرًا أن الوضع الدولي اليوم هو "الأخطر منذ عام 2001"، واستخدم هولاند عبارة "الإستراتيجية الشاملة" التي أطلقها الرئيس الأمريكي باراك أوباما حين أمر بشن ضربات جوية ضد "داعش" في شمال العراق حيث إقليم كردستان العراق.

الواضح من هذه التصريحات أنها ليست جادة بما فيه الكفاية، فهي من ناحية تدرك استحالة تكوين تحالف بضم الأطراف الإقليمية التي تحدث عنها وبالتحديد: السعودية ومصر من ناحية وقطر وتركيا من ناحية ثانية وإيران من ناحية ثالثة، فالجمع بين هذه الأطراف الثلاثة في حاجة إلى معجزة كبرى لتعارض المصالح بين هذه الأطراف. فتركيا داعم لوجستي وتدريبي وتسليحي لـ "داعش" وهي طرف مستفيد كثيرًا من "حالة داعش" الراهنة. فهي مستفيدة من قرارات للاتحاد الأوربي تتيح للمنظمات الإرهابية بيع النفط السوري في حقول المناطق التي تسيطر عليها خاصة حقل دير الزور وغيره تحت حجة دعم المعارضة السورية، وتشكل الأسواق التركية المنفذ الرئيسي لتسويق هذا النفط الذي تحصل عليه تركيا بسعر 10 دولارات لبرميل النفط. كما أن تركيا باتت صاحبة مصلحة، بعد فشل وانكسار إستراتيجيتها مع سوريا ومصر والسعودية وسقوط رهان تحالفها مع الإخوان، إن تدعم التحالف مع التنظيمات المتطرفة مثل "داعش" و"النصرة" للإبقاء على نفسها رقما صعبًا في معادلة التوازن الإقليمي، دون خشية من آثار سلبية على تقسيم العراق أو سوريا ونشوء "دولة الخلافة" في الموصل، حيث ترى أنها ستكون المنفذ الوحيد لهذه الدولة مع العالم الخارجي.

وفي ذات الوقت من الصعب تصور تعاون مصري ـ سعودي ـ إماراتي مع إيران ضمن سياسة أو إستراتيجية مواجهة الإرهاب دون التوصل إلى حل مسبق للأزمة السورية، وبالتحديد لمستقبل ودور الرئيس بشار الأسد في النظام السوري الجديد في ظل قناعة مفادها؛ أن لا أمل في هزيمة "داعش" ما لم يتم تدمير القواعد الخلفية لهذا التنظيم في سوريا، ولا إمكانية للتخلص من "داعش" في سوريا دون تعامل وتعاون مباشر مع النظام السوري.

والحديث عن إيران وسوريا يفتح الطريق حتمًا نحو الحديث عن الدور الروسي، والحديث عن الدور الروسي يمتد مباشرة إلى الدور الأمريكي وغموضه بل وارتباكه بين تصريحات الرئيس باراك أوباما التي تتناقض تمامًا مع الممارسات العملية الأمريكية ومع تصريحات لوزير الخارجية جون كيري.

 

ديفيد كاميرون: "ثمة ضرورة لأن تتعاون بريطانيا مع دول مثل السعودية وقطر ومصر وتركيا وحتى مع إيران لمواجهة قطر التنظيم المتشدد"

أولا: العقبة السورية

اعترف الرئيس أوباما، في مؤتمر صحفى بالبيت الأبيض (29/8/2014) إن بلاده لا تملك إستراتيجية حتى الآن لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" لكنه تحدث عن أنه يعمل على خطة عسكرية ودبلوماسية في آن واحد للتغلب على "داعش"، موضحًا أن الأمر "لن يكون سريعًا ولا سهلًا" وفي ذات الوقت أوضح أنه ليس على الولايات المتحدة أن تختار بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد وبين مقاتلي "الدولة الإسلامية" كاشفًا أن واشنطن "ستواصل دعم المعارضة المعتدلة، لأنه لابد من تقديم بديل يتجاوز الأسد والدولة الإسلامية".

أوباما يقول ذلك في الوقت الذي جرى فيه تسليم معلومات عسكرية مهمة وإحداثيات إثبات لمواقع قوات "داعش" في شمال سوريا للجهات السورية المعنية عبر روسيا أو عبر إيران أو عبر الدولتين، وإن القوات السورية استفادت كثيرًا من هذه المعلومات في توجيه ضربات قاتلة ودقيقة لمواقع "داعش". تعاون وراءه ما وراءه من تفاعلات خفية تحمل مضامين متناقضة.

هذه التفاعلات لم يستفد النظام السوري منها عسكريًا فقط، لكنه سعى لتوظيفها سياسيًا في اتجاه تنشيط تأسيس تحالف إقليمي دولي للحرب ضد "داعش" وأخواتها ولكن بالشروط السورية، وفي مقدمتها أن يكون النظام السوري طرفًا معترفًا به دوليًا وشريكًا فاعلًا، وأن تكون روسيا على رأس هذا التحالف الدولي الذي لا ينبغي أن يكون مهيمنًا عليه من الولايات المتحدة.

ففي مؤتمر صحفي أعقب الضربات الجوية السورية لقواعد "داعش" في شمال سوريا، عقد وزير الخارجية السوري وليد المعلم مؤتمرًا صحفيًا أبدى فيه استعداد حكومته للتعاون إقليميًا ودوليًا لتطبيق القرار 2170 الصادر عن مجلس الأمن بشأن مواجهته تنظيم الدولة الإسلامية: (داعش) في محاولة منه لاستغلال التطورات السياسية والأمنية الجديدة على الأرض لفك عزلة النظام وإعادة تأهيله سياسيًا، حيث شدد على أن التعاون الأمني سيكون مشروطًا بـ "احترام السيادة السورية" وأن حكومته يجب أن تكون "مركز هذا الائتلاف الدولي: لمحاربة إرهاب "داعش"، ملمحًا إلى استعداد دمشق لاستقبال قوات دولية لمقاتلة التنظيم، موضحًا أن "الغارات الجوية لا تكفي ولا يمكن أن يحاربوه بالمناظير" حسب تعبيره.

ما الدور الأمريكي على هذا التوجه السوري المدعوم روسيا، وفق ما جاء على لسان سيرجي لافروف، وزير خارجية روسيا، الذي أعلن دعم روسيا لقرار واشنطن استهداف "داعش" في العراق وسوريا، لكنه شدد على أن الحكومات الغربية عليها أن تعمل مع السلطات السورية للتصدي لمسلحي التنظيم. وقال إن الأمريكيين والأوربيين بدأوا الآن يعترفون بالحقيقة التي كانوا يقرون بها في أحاديثهم الخاصة، وهي أن الخطر الأساسي على المنطقة وعلى مصالح الغرب، لا يتمثل في نظام الرئيس بشار الأسد، وإنما في احتمال استيلاء الإرهابيين على السلطة في سوريا ودول أخرى بالمنطقة".

إيران هي الأخرى تدعم هذا التوجه، والسؤال المهم بهذا الخصوص هو: هل إن سياسة" الضرورات تبيح المحظورات" التي اتبعتها واشنطن في التعاون مع طهران لحل معضلة أو أزمة نوري المالكي في العراق، والدور الإيراني المهم في إزاحة المالكي يمكن أن يمتد إلى تفاهمات أمريكية – سورية للقضاء على خطر "داعش".

السؤال يجب أن يلقى إجابة أمريكية في ظل ما ورد على لسان وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، يوم السبت الماضي في مقال نشره بصحيفة نيويورك تايمز، حيث دعا إلى تأسيس تحالف عالمي واسع من أجل مكافحة الإبادة التي يقوم بها "داعش" في سوريا وشمال العراق. كان التركيز الأمريكي في السابق يقتصر على ضرورة محاربة "داعش" في العراق، دون إشارة إلى سوريا التي انتقل منها "داعش" إلى العراق. لكن أهم ما جاء في هذا المقال هو تركيز جون كيري على أن يكون هذا التحالف الذي يريده بقيادة أمريكية" وأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يُعد خطة شاملة لدحر "داعش" وأنه سيقترح إستراتيجية بهذا الخصوص خلال قمة لمجلس الأمن الدولي الذي ستتولى الولايات المتحدة رئاسته في سبتمبر / أيلول/ الجاري.

حديث كيري يختلف عمّا قاله أوباما، لكنه لم يختلف في غموضه عن تصريحات الأوربيين في تأسيس تحالف يبقى مفتوحًا لـ "الراغبين" دون تحديد واضح في محاولة للقفز على العقبات المهمة، وفي مقدمتها العقبة السورية، وتباعد المصالح بين الأطراف الإقليمية وغموض النيات الأمريكية.

اعترف الرئيس أوباما إن بلاده لا تملك إستراتيجية حتى الآن لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية"، موضحًا أن الأمر "لن يكون سريعًا ولا سهلًا"

ثانيا: واقع إقليمي جديد

الواضح الآن أن البيئة الدولية خاصة الأمريكية والأوربية ما زالت مترددة في أمرين معًا، أولهما التردد بشن حرب حقيقية ضد قوات "داعش" ضمن إطار تحالف دولي على غرار التحالف الذي تشكل عامي 1990-1991 لتحرر الكويت من الاحتلال العراقي، وأن القرار ما زال محصورًا في ضربات جوية أمريكية دون تجاوز هذا الإطار المحدود، وثانيهما التردد في الدخول في تنسيق جاد مع النظام السوري لخوض حرب حقيقية ضد "داعش" والمنظمات الإرهابية الأخرى خشية أن يؤدي ذلك إلى اعتراف بشرعية نظامأمريكية فى ظل ما ورد على ل الأسد.

هناك اتجاه أمريكي يطرح حلًا لهذه المعضلة بخوض واشنطن الحرب ضد "داعش" بأسلوب "المقاولة"، أي بطريق غير مباشر عن طريق استئجار شركات قادرة على توفير عناصر مساعدة أمنية ومستشارين في العراق وسوريا، حسب ما نقلته قناة "سكاي نيوز" الأمريكية من أن وزارة الدفاع الأمريكية تستعد لتجنيد عناصر ومستشارين أمنية وقالت، يبدو أن أوباما استبعد إرسال قوات برية مجددًا إلى العراق، لكن في مواجهة تنامي خطر تنظيم "داعش" يبدو أن البنتاجون يبحث عن طريقة لإرسال الجنود عبر الباب الخلفي".

الأوربيون هم أيضًا رغم قناعتهم بصعوبة إيقاف تهديد "داعش" إذا لم يستهدف وجوده في سوريا أيضًا، لكن العداوة مع نظام الرئيس بشار الأسد، والحرص على إسقاطه، لا يزالان عنوانًا رئيسيًا للسياسة الخارجية الأوربية، مدفوعة بالموقفين الفرنسي والبريطاني بشكل أساسي، والتأكيد على أن العداء ضد "داعش" لم يغير شيئًا من الموقف الأوربي ضد نظام بشار الأسد.

هكذا تبدو البيئة الدولية مغلقة أمام أي أفق لتجاوز العقبة السورية، لكن ربما تكون البيئة الإقليمية حُبلى برؤية جنينية لحل هذه المعضلة في ظل تنامي قناعة لدى أطراف عربية وإقليمية بـ "السباحة ضد التيار" والأخذ بقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات".

هذه الرؤية بدأت خليجية ـ خليجية، وتتطور لتصبح خليجية إيرانية، وربما يؤدي دخول أطراف أخرى في المعادلة خاصة مصر وروسيا إلى إيجاد مخرج للعقبة السورية.

خط البداية جاء مع انعقاد الدورة 132 لمجلس وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي (30 أغسطس الفائق) حيث جرى تجميد الخلافات بين كل من السعودية والإمارات والبحرين مع دولة قطر، على أساس من الاتفاق على الالتزامات المطلوبة من كل من الدول الأعضاء لتحقيق التنسيق السياسي المشترك، ضمن إدراك بأن الأمر يحتاج إلى فترة زمنية لتنفيذ الالتزامات". وبقيَ أمر عودة سفراء الدول الثلاث إلى الدوحة معلقًا أو مؤجلًا، والسبب في عدم حسم الخلاف مع قطر يرجع إلى التوافق بين الدول الست أعضاء المجلس على إدراك أن الخطر الأكبر في الخليج أصبح الجماعات والمنظمات الإرهابية" ولم يعد عنوان الإخوان المسلمين هو العنوان الأكبر" حيث تراجع خطر الدعم القطري للإخوان أمام أولوية وخطورة مواجهة المنظمات الإرهابية التكفيرية بدعم من قطر، وتوحيد الموقف الخليجي ضد هذا الخطر.

هذا التطور لم يأت من فراغ بل سبقته جهود واسعة وتحركات نشطة لا تقل أهمية. فيوم الأربعاء (27 أغسطس الفائت) هبط وفد سعودي رفيع المستوى يضم وزيري الخارجية والداخلية ورئيس المخابرات السعودية في الدوحة في زيارة لقطر، وصفت بأنها "الفرصة الأخيرة" التي تمنحها السعودية لقطر "كي تغرد من داخل السرب وليس من خارجه، وأن تعمل ضمن منظومة دول مجلس التعاون.

التحرك الثاني جاء على مستوى العلاقات الإيرانية ـ السعودية، فالخطر الإرهابي المتصاعد فرض على الرياض وطهران ضرورة الإسراع في تجاوز عقبات التنسيق بين البلدين. فالدعوة غير المباشرة التي كان قد وجهها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، لنظيره الإيراني محمد جواد ظريف، لحضور اجتماعات دورة لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، واستقبلتها طهران بفتور تحت حجة أنها ليست دعوة لزيارة السعودية زيارة رسمية بل لحضور اجتماع لوزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي، تجاوزتها طهران وأرسلت نائب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان لزيارة السعودية واللقاء مع الأمير سعود الفيصل. ويبدو أن هذه الزيارة كانت ناجحة وحفزت وزير الخارجية الإيراني مع جواد ظريف لإعلان استعداده لزيارة السعودية خلال مؤتمر صحفي جمعه مع نظيره الفنلندي قال فيه إن "إيران ترغب في إقامة علاقات حسنة مع دول الجوار، وإن السعودية من أهم دول الجوار، وبلد مهم على صعيد العالم الإسلامي، ويحظى بدور ونفوذ واسعين، مشيرًا إلى أن زيارة نائبه عبد اللهيان للرياض ولقاءه مع وزير الخارجية السعودي "شهدت مباحثات إيجابية وبنظرة مستقبلية، ونأمل أن تمهد هذه المباحثات الأرضية للتعاون الثنائي"، موضحًا أن البلدين لديهما مصالح مشتركة ويواجهان من أخطارًا مشتركة، وأن التطرف والعنف والإرهاب من أهم الأخطار التي تواجه العالم الإسلامي، والتي تهدد مصالح جميع الدول في المنطقة بما فيها إيران والسعودية، وعلينا أن نواجه هذه الأخطار كقوة واحدة".

المعنى واضح، لكن تجدر الإشارة إلى أن نائب وزير الخارجية الإيراني عندما زار الرياض انتقل منها مباشرة إلى دمشق، وبعدها جاءت تصريحات محمد جواد ظريف، والسؤال يبقى: إلى أي مدى سيكون هناك أمل في تقارب سعودي ـ إيراني؟ وإلى أي مدى يمكن أن يؤدي مثل هذا التقارب إلى إيجاد مخرج للقضية السورية، والذي بدونه سيبقى الحديث عن تحالف دولي ـ إقليمي لمحاربة الإرهاب في العراق حديثًا عبثيًا.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟