أشار الكثير من التقارير والمصادر الإعلامية والاستخباراتية إلى تورط حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا في دعم الكتائب الإسلامية المتطرفة التي قاتلت النظام السوري. بل ثمة مراقبون يؤكدون أن تركيا هي التي غيرت وجهة بندقية هذه الكتائب التكفيرية من التصويب نحو نظام الأسد إلى مقاتلة عناصر حزب العمال الكردستاني والموالين له في المناطق الكردية السورية، بالتوازي مع مقاتلة الجهات التي تعارض أو تتحفظ على الدور التركي في المعارضة السياسية والعسكرية السورية. وعليه، أثناء الحديث عن العوامل والأسباب والدوافع والظروف الداخلية والخارجية التي أدت إلى ظهور وانتعاش الأخونة ضمن الثورة السورية، وانزلاقها نحو الدعشنة، إن جاز التعبير، لا يمكن مطلقاً تجاهل أو القفز فوق الدور التركي في ذلك، بحجة أن تركيا «تأوي ما يزيد على مليون نازح سوري، وقدمت للمعارضة السورية كذا وكذا... وهي فوق النقد والشبهة، وبعيدة من استثمار الوضع السوري في خدمة مصالحها»! ذلك أن الدول هي بمن يحكمها وبمصالحهم، وليست جمعيات خيرية، تقدم خدماتها ابتغاء مرضاة الله وحسب.
ونتيجة الضغوط الداخلية والخارجية على أنقرة، لحضها على نفض يديها من دعم «داعش» و «النصرة» لوجستياً، وتسهيل تمرير أو وصول العناصر المتطرفة إلى سورية، عبر الحدود التركية، والكف عن معالجة جرحى هذه الكتائب في المستشفيات التركية... استجابت تركيا لهذه الضغوط، وقللت من حجم دعمها لهذه التنظيمات التكفيرية، ما اعتبره «داعش» بمثابة خيانة، لذا، قام باختطاف وأسر البعثة الديبلوماسية التركية في الموصل، في حزيران (يونيو) الماضي، كرهائن، بغية استخدامهم ورقة ضغط على أنقرة، وقت الحاجة. مقصد الكلام أنه ما زالت هنالك قنوات ارتباط بين الحكومة التركية و»داعش» على رغم نفي المسؤولين الأتراك. وليس هنا مكمن العيب، كونه ناجماً عن دواعٍ أمنية أو سياسية. وهذا من طبائع الأمور لدى الدول التي تنظر إلى نفسها كقوة إقليمية، وتحاول أن تمسك بالكثير من الخيوط والأوراق في حلبة الصراع على المصالح، من دون أن ننسى أن أنقرة، وعلى طول فترة صراعها مع حزب العمال الكردستاني، حافظت على وجود قنوات الاتصال به، سواء في شكل مباشر أو غير مباشر، حتى قبل اختطاف واعتقال زعيمه عبدالله أوجلان عام 1999، حيث سقط رأس الحزب في الحضن التركي، وعبره بقي جسد الكردستاني تحت السيطرة.
لا يُحسد الأتراك على حرج موقفهم من التحالف الذي تريد الإدارة الأميركية تشكيله ضد «داعش». إذ لم ينجح وزير الخارجية الأميركي جون كيري في إقناعهم بالانضمام الى هذا التحالف، في شكل قوي ومباشر، والسماح باستخدام أراضيهم ومجالهم الجوي لضرب «داعش». وجه الحرج التركي، يمكن تخليصه بالتالي:
أولاً، الرهائن الأتراك ما زالوا بيد «داعش»، ولم تنجح الحكومة التركية في الافراج عنهم، على رغم التطمينات التي قدمها داوود أوغلو للرأي العام التركي، حين كان وزيراً للخارجية. وعليه، فالمشاركة العلنية في التحالف هو بمثابة إطلاق نار تركي على الرهائن الأتراك.
ثانياً، رفضت الحكومة التركية عام 2003 التدخل الأميركي في العراق، ضد نظام صدام حسين، بحجة الدفاع عن سيادة الدول وأن العراق دولة مسلمة جارة...! وقبول مشاركتها في التدخل الأميركي في سورية والعراق عام 2014، سيضرب صدقيتها، المشتبه بها، في الصميم!
ثالثاً، المشاركة في هكذا تحالف، سيشعل التيارات والعناصر الدينية المتطرفة في تركيا، ضد الحكومة التركية (الإسلامية).
رابعاً: المرحلة التي سبقت وصول زعيم حزب العدالة والتنمية السابق رجب طيب اردوغان لرئاسة الجمهورية، كانت صاخبة بالتراشق والمزايدات السياسية بين أردوغان وحليفه السابق، الداعية الاسلامي فتح الله غولن. وكان أردوغان يتهم الأخير بأنه أداة في يد واشنطن، تحركه اميركا ضد تركيا، بهدف النيل من نهوضها الاقتصادي والسياسي ومصالحها في المنطقة. وإذا دخلت أنقرة في تحالف مع أميركا ضد «داعش» تكون بذلك قدمت خدمة كبيرة لغولن، كي يفتح النار مجدداً على حكومة العدالة والتنمية، وأردوغان وأوغلو.
تركيا مضطرة لأن تكون في هذا التحالف، ولو من خلف الكواليس، لئلا تكرر خطأ 2003. ولن يقتصر دورها على دعم المعارضة السورية المعتدلة، طبقاً لما صرح به المسؤولون الأتراك والأميركيون، بل سيتعدى ذلك إلى أمور أخرى، لن يصار إلى الكشف عنها، نزولاً عند الرغبة التركية. ولربما رفضت واشنطن «منح» رأس غولن، ثمناً لدخول أنقرة في هذا التحالف، أو العكس. ما هو مفروغ منه ان تركيا تنظر الآن إلى خطر «داعش» على أنه أكبر من المخاطر التي كان يشكلها العمال الكردستاني سابقاً على أمن واستقرار تركيا. وفي حال وصلت التسوية السلمية بين تركيا والكردستاني إلى اتفاق نهائي، فليس من الغرابة أو الاستبعاد أن تستخدم أنقرة قوة العسكرية الضاربة للكردستاني، في سورية والعراق، في مواجهة «داعش» ومخاطر تمددها. وفي المحصلة، ستحاول تركيا أن تتجاوز غلالها من الحرب على «داعش» الحيز المحلي - الداخلي، وحتى الإقليمي أيضاً، لتصل إلى تحقيق مكاسب دولية.
نقلاً عن الحياة