خطاب الرئيس الفلسطيني بين الرد الإسرائيلي والانحياز الأميركي
أثار خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس امام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة 26-9-2014 حفيظة الإدارة الأميركية وأسرائيل معاً. حيث أكد الرئيس الفلسطيني في خطابه على إصرار الفلسطينيين على إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وعلى كامل الأراضي التي تم احتلالها في العام 1967، ومن دون ذلك لن تكون هناك مفاوضات. ولم يتوقف عند الحد المذكور، بل شنّ هجومًا على إسرائيل، وقال «إنها تكرّس العنصرية والتمييز، وتمارس جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني.» وأكد أنه «لا يمكن القضاء على الإرهاب من دون تجفيف منابعه التي تتمثل في الاحتلال الإسرائيلي».
وحول مستقبل المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي، أكد الرئيس الفلسطيني أنه «لا يمكن العودة الى مفاوضات غير محددة بجدول زمني ونتائجها محددة سلفًا»، وأشار إلى ما تعرض له قطاع غزة من مجزرة ودمار غير مسبوقين، داعياً «المجتمع الدولي إلى أن يمنع نكبة جديدة في فلسطين». هذا في وقت أشار فيه الى استمرار المقاومة في وجه العدوان. ولم تغب قضية إعادة إعمار غزة عن حديث أبو مازن، الذي ألقى بمسؤولية الخراب في غزة على الاحتلال الإسرائيلي، وأكد أن من ارتكبوا المجازر ضد الفلسطينيين لن يفلتوا من العقاب.
ويرى متابعون ان خطاب الرئيس الفلسطيني استند بشكل رئيسي الى المصالحة الوطنية الفلسطينية باعتبارها نقطة ارتكاز لتحقيق إقامة دولة فلسطين المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967، واستمرار بناء مؤسسات الدولة المحصّنة بحقوق الإنسان، وصون الحريات وحرية المرأة، والمستندة إلى سيادة القانون، والسيادة الواحدة، والسلاح الشرعي الواحد. اللافت أن الرئيس الفلسطيني لم يكشف في الخطاب عن الخطوات التي يعتزم القيام بها في حال فشل مشروع القرار العربي الذي يتمحور حول ضرورة انسحاب اسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وفق جدول زمني محدد، لكنه كان قد توعّد في وقت سابق في اجتماع للقيادة الفلسطينية بأنه في حال إجهاض مشروع القرار فإنه لا خيار سوى التوجه الى المحكمة الدولية.
تبعاً لما جاء في خطاب الرئيس الفلسطيني، سارعت الإدارة الأميركية الى انتقاده بشدة، حيث وصفت الناطقة بلسان وزارة الخارجية الأميركية جين بساكي خطاب الرئيس الفلسطيني بأنه «مهين» ويضرّ بجهود السلام ومرفوض. ولهذا عبرت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان صدر يوم الأحد 28-9-2014، عن «أسفها ودهشتها واستيائها من تصريحات الناطقة باسم الخارجية الأميركية، والتي أدلت بها تعقيباً على خطاب الرئيس الفلسطيني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة». واعتبرت إن مثل هذه التصريحات المدافعة عن الجرائم الإسرائيلية إنما تضرّ بأميركا على مستوى العالم وبإمكانية أن تبقى راعية غير منحازة لعملية السلام».
ورأت الوزارة «أن هذه التصريحات تؤكد مرةً أخرى أن الولايات المتحدة الأميركية تضع نفسها محامية للدفاع عن إسرائيل بشكل أوتوماتيكي، حتى لو كانت إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، قد ارتكبت جرائم متنوعة كما حدث مؤخراً في قطاع غزة قد ترتقي وفق قول مؤسسات دولية تعنى بحقوق الإنسان إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية». واعتبرت «أن مثل هذه التصريحات في الدفاع المستميت عن جرائم إسرائيل هي التي توّلد تلك الأجواء المعادية لأميركا في المنطقة وفي العالم».
في الاتجاه الإسرائيلي، ثمة مواقف مشتركة من خطاب الرئيس الفلسطيني، حيث شكّل بالنسبة الى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وأقطاب اليمين المتطرف، نقطة التقاء مستحدثة لجهة ترسيخ خطابهم القائل بعدم وجود شريك فلسطيني للمفاوضات، وقد كان رد الفعل الإسرائيلي متوقعاً، بخاصة في ظل مطالبة الرئيس الفلسطيني في خطابه بملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين. ويلاحظ متابعون ان هناك توجهات في الإعلام الإسرائيلي لدعم خطاب اليمين حول عدم وجود شريك فلسطيني، وفي هذا السياق اعتبر المحلل الإسرائيلي برنيع أنّ أبو مازن «توقف عن كونه شريكاً للسلام منذ شباط (فبراير) الماضي، عندما أبلغ الأميركيين أنّه يئس من التوصل الى اتفاق سلام وليس أمامه سوى خيارين: إما العودة للإرهاب، وهو ما يرفضه كلياً، أو شنّ حرب ديبلوماسية عبر الأمم المتحدة، وهو ما يقوم به الآن، رغم أنف الولايات المتحدة».
بشكل عام وصف الإعلام الإسرائيلي الخطاب بأنه هجوم غير مسبوق على إسرائيل، ولهذا رأى رون برايمن في صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من الحكومة، وجوب أن يكون دأب نتانياهو وحكومته خدمة الحلم الصهيوني لا السلام المتوهّم وإنشاء دولة فلسطينية في قلب البلاد، وفق تعبيره. أما شمعون شيفر فاعتبر في صحيفة «يديعوت احرونوت» أنه مع وجود بديل مثل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» خالد مشعل، وإسماعيل هنية نائب رئيس مكتبها السياسي فليس لإسرائيل بديل أفضل منه، في إشارة إلى الرئيس عباس.
ويبقى القول إنه في ظل الانحياز الأميركي إلى إسرائيل، وإدانة الأخيرة لما جاء في خطاب الرئيس الفلسطيني في الأمم المتحدة، فإن مشروع القرار العربي الذي ستقدمه المجموعة العربية، والداعي الى انسحاب اسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وفق جدول زمني محدد سيصطدم بكل تأكيد بالفيتو الأميركي لإسقاطه، الأمر الذي يتطلب دعماً عربياً بغية انضمام فلسطين الى مزيد من المنظمات الدولية، وبذلك يمكن ان ينجح الفلسطينيون في معركة لها أبعاد قانونية وسياسية وديبلوماسية. نقلا عن الحياة
* كاتب فلسطيني