وزارة الخارجية السعودية مقصرة في عمل توازن بين حجم المملكة الإستراتيجي والسياسي والاقتصادي والمكانة التي يجب أن تتبوأها، وبين مدى تفاعلها مع ما يجري حول العالم من أنشطة لم تعد تقتصر على الجانب السياسي والديبلوماسي، لكنها تصب في المصلحة الاستراتيجية للسعودية. ونعني هنا عدد السعوديين الذين يعملون في المنظمات الدولية والقارية والإقليمية التي يندر أن تجد فيها من الجنسية السعودية وهذا ناجم عن كسل في منظومة التخطيط الاستراتيجي لدى القيادات الفاعلة في الوزارة.
تأتي هذه المقالة بعد مقابلة أجرتها «الحياة» قبل أسبوع تقريباً مع مساعد وزير الخارجية الأمير خالد بن سعود، تحدث فيها عن بعض نشاطات الوزارة، ولأن الأمير خالد نشط وفطن فليسمح لنا أن نقول إن الوزارة لا تزال تفتقر إلى رؤية استراتيجية؛ لكي تؤدي الخارجية السعودية عملها على الشكل الصحيح، ليس كجهة توظيف فحسب، بل كجهة حكومية تضطلع بتنفيذ السياسة الخارجية السعودية وتسويق القيم والمبادئ السعودية على يد أبنائها عبر خطة خمسية أو عشرية متكاملة. ولاسيما بعد المتغيرات المتلاحقة في العلاقات الدولية والإقليمية والمكانة التي تتبوأها السعودية حالياً، مع ما يُسوَّق عن السعودية من سلبيات.
تنفيذ السياسة الخارجية لأي دولة يتأتى من أربعة محاور: الأول: جهاز الوزارة ويشمل الموظفين كافة في الوزارة والسفارات ومندوبيها. الثاني: المواطنون العاملون في المنظمات الدولية والإقليمية. الثالث: المشاركة الفعالة في الندوات والملتقيات الدولية. الرابع: الحضور الإعلامي المكثف في الوسائل الإعلامية كافة. منظومة الأمم المتحدة، على سبيل المثال، تتكون من ٦ أجهزة رئيسة مثل: الجمعية العامة، مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مجلس الوصاية، محكمة العدل، والأمانة العامة. إضافة إلى أكثر من ٧٥ جهازاً آخر يعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، مثل المنظمات المتخصصة، والبرامج والصناديق، ومعاهد البحوث والتدريب، والهيئات الفرعية لمجلس الأمن، والهيئات الفرعية للجمعية العامة، اللجان التقنية، واللجان الإقليمية، والإدارات والمكاتب، وأيضاً المنظمات ذات الصلة مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية. فأين حضور السعوديون في كل ذلك؟
وهنا، نقترح على «الخارجية» خطة من ٧ نقاط: الأولى: عمل رؤية إستراتيجية للخارجية السعودية وخطة تنفيذية حتى عام ٢٠٣٠، تحدد الغاية والأهداف وتعرف المصالح السعودية وأولوياتها: الإستراتيجية والحيوية والحساسة والهامشية، مع مراجعة دورية لتلك الإستراتيجية كل أربع إلى خمس سنوات. الثانية: ترقية المعهد الديبلوماسي إلى أكاديمية وتوسيع نشاطاته أفقياً وعمودياً. الثالثة: حجز 10 آلاف مقعد لابتعاث فئة عمرية بين ٢٢و٢٥ من الجنسين للماجستير ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للسنوات الخمس المقبلة.
الرابعة: ترشيح تلك الكفاءات الوطنية الشابة للعمل في جهاز الوزارة وكل المكاتب الدولية والقارية والإقليمية المتخصصة للأمم المتحدة وغيرها. الخامسة: تشجيع إنشاء مراكز الدراسات والأبحاث ومراكز التفكير الإستراتيجي في الداخل السعودي. السادسة: إقامة المنتديات والملتقيات في الفكر السياسي والاستراتيجي في الداخل والمشاركة الفعالة في الخارج ودعم ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. السابعة: إنشاء وحدة تواصل مع الكتاب والباحثين والإعلاميين على غرار «تشاتهام هاوس»؛ لشرح توجهات السياسة السعودية في لقاءات أسبوعية أو شهرية أو دورية.
أخيراً، السعودية دولة كبرى إقليمياً، ولها حضور دولي وعالمي في مجالات عدة، كما أنها تدفع حصتها كاملة وأكثر في كل تلك المنظمات، ولها اليد العليا والطولى في المساهمات المالية، لكن الإبقاء على الحال كما هي سيؤدي إلى أمرين: الأول، إرهاق وإجهاد للمعنيين القلائل بدءاً بالوزير مروراً بالسفير وانتهاءً بالمندوبين في المنظمات الفاعلة. الثاني: غلبة صوت القلة المضاد والحاقد، وصمت أصوات الكثرة لجهلهم بحقيقة القيم والمبادئ السعودية؛ بسبب انعدام للحضور الفعال.
ختاماً، نجزم بأننا في السعودية لسنا برميل نفط فقط، كما نؤكد، أننا كدولة ومجتمع لسنا مجموعة «وهابية» أو حفنة من «السلفية الجهادية» أو خلايا «إرهابية»، بل نحن أمة فتية تتطلع إلى حياة كريمة بمثل عليا وقيم إنسانية، لكن قدرنا كان غياب شبه كامل عن حضور فعلي وفعال في المحافل الدولية، ففي عالم اليوم المحكوم بالصوت والصورة لم تعد النيات الطيبة كافية. ولذا بات لزاماً على المعنيين بالخارجية السعودية أن ينفضوا غبار الكسل وأن يضعوا السعودية حيث يجب أن تكون. نقلا عن الحياة