المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

محاولة للفهم: القصر والديوان .. الدور السياسي للقبيلة في اليمن (3-3)

الثلاثاء 28/أكتوبر/2014 - 10:25 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د.أحمد موسى بدوي

لم نكد ننهي الجزء الثاني من المقال، حتى تكشّفت حقائق جديدة حول تمدد الحوثيين غير المبرر، وغير المفهوم، في المحافظات اليمينية، بتحالفها مع عدو الأمس، علي عبد اللـه صالح، مع أن كليهما لديه مآرب وأهداف متناقضة مع الطرف الآخر، يستغلان بعضهما بعضًا من أجل إنفاذ ثأر سياسي سابق، ويبدو أن اليمن تتجاذبه ثلاث قوى، علي عبد اللـه وظهيره القبلي، طرف أول، والحوثيون كقوة ممثلة للطائفة الزيدية في الداخل، وكحليف ممكن للدولة الإيرانية، طرف ثان، وأخيرًا قوة الحراك الجنوبي، الذي يرغب أكثر من أي وقت مضى في الانفصال عن الشمال، واستعادة الدولة الجنوبية، ثلاث قوى، ليس من بينها قوة غالبة، بسبب أن الصراع القبلي والسياسي والطائفي مجدول في ضفيرة واحدة. والحقيقة أن قراءتنا للدراسة موضوع هذه المقالات قدمت لنا العديد من الأدوات لفهم هذا المشهد، وفي هذا المقال نستكمل مراجعة بقية فصولها.

يصف عادل الشرجبي، حالة الديمقراطية في اليمن، بالعصبوية، فالقبيلة عدوة الديمقراطية، والعصبية عدوة المواطنة، فالديمقراطية، لا تنبت أوتترعرع إلا في بيئة تؤمن بالمساواة التامة بين المو

خامسا: الديمقراطية و العصبوية في اليمن

بدقة يصف عادل الشرجبي، حالة الديمقراطية في اليمن، بالعصبوية، فالقبيلة عدوة الديمقراطية، والعصبية عدوة المواطنة، فالديمقراطية، لا تنبت أوتترعرع إلا في بيئة تؤمن بالمساواة التامة بين المواطنين بلا تمييز من أي نوع، ولابد أن يكون امتدادها متسقًا ومتزامنًا في أربعة مجالات، (1) تطوير المنظومة التشريعية على أسس ديمقراطية، (2) إصلاح مؤسسات الدولة، (3) إضعاف التنظيمات الاجتماعية وتعزيز المنظمات المدنية، (4) تعزيز ثقافة المساواة، التعددية، والاعتراف بالآخر، والحوار، وحل المشكلات بطرق قانونية وسلمية.

ويرصد الباحث عملية التحول الديمقراطي المزعوم، منذ الوحدة في عام 1990، حيث يذهب إلى أن التطور الذي لحق بالجانب الدستوري، تم إهماله، أو تعطيله أو ازدراؤه عبر الممارسات السياسية والاجتماعية والثقافية منذ ذلك الحين، فلم يجن المواطن من هذه الخطوة التأسيسية، سوى إعادة تكريس التمييز على نطاق واسع ليشمل: التمييز بين الذكور والإناث، بين الأقارب والأباعد، عدم الاعتراف بالآخر، حل الخلافات بالقوة، التعصب وعدم التسامح، خضوع الفرد لإرادة الجماعة القبلية، وبالجملة فإن هناك تواطؤًا أكيدًا على الدستور، بين المؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية، ما جعل التشريعات المتوالدة من الدستور، يعطل بعضها بعضا، الأمر الذي أدى إلى وجود أزمة بنيوية عميقة في عملية التحول الديمقراطي.

قبل الوحدة (1962-1990) شكل شيوخ القبائل نخبة أصولية، ترفض الديمقراطية بدعوى عدم ملاءمتها لخصوصية المجتمع اليمني، وتناقضها مع تراث الشعب اليمني الديني والاجتماعي، وطالبوا بالشورى عوضا عنها، والحقيقة أن مفهوم الشورى الذي ينظر له دائما في الأدبيات العربية، على أنه مفهوم إسلامي، هو في الأصل مفهوم قبلي، لتنظيم السلطة السياسية. ورفض الديمقراطية والمطالبة بالشورى، يرجع في الحقيقة إلى أن الديمقراطية تقوم على المواطنة المتساوية، وإشراك الجميع في الشأن العام، وفي عمليات صنع القرار، أما الشورى فتقوم على تمثيل التنظيمات القبلية من خلال شيوخها. وقد نصت الدساتير الصادرة في اليمن الشمالي قبل 1990، على تأسيس مجلس للشورى، وفي دستور 1970 نص على تجريم التعددية الحزبية.

هذه الحاضنة الاجتماعية والثقافية والسياسية للعصبوية، كانت تقف حجر عثرة دائم أمام أي تطور في الحياة السياسية اليمنية، ولم يكن أمام الإصلاحيين في اليمن من أبناء الطبقة الوسطى، سوى الإذعان لقوة القبيلة التقليدية، خصوصًا، وأن الأخيرة تسيطر بشيوخها، وأبناء شيوخها على مفاصل الدولة في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فأينما يوجه الإصلاحي نظره في جنبات الدولة بغية الإصلاح يجد من ينتظره متربصا لإحباط عمله. ولم تستطع الأحزاب بعد الوحدة التحرر من أسر العصبوية القبلية، سواء الحزب الحاكم أو التجمع اليمني للإصلاح (لسان حال الإخوان المسلمين)، فقد كانت كل الأحزاب اليمنية مسرحا لاستعراض قوة القبائل، ولم تكن مسرحا لعرض الرؤى والبرامج السياسية والتنموية.

والملاحظ أن كل التعديلات الدستورية، كانت تمنح قوة إضافية للقبيلة ولا تأخذ منها، وذلك بعد أن تحالفت القبائل الكبيرة مع الحزب الحاكم، والبعض منها تحالف مع الإخوان المسلمين، فجرى بسبب هذه التحالفات الجديدة صياغات دستورية جديدة لنفس الأفكار العصبوية التقليدية، فعلى سبيل المثال، في تعديل دستور 1994، نصت مادة على أن" النساء شقائق الرجال لهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تقره الشريعة" وهذا النص يُقَيد نصا في دستور الوحدة، كان يكفل حرية العمل السياسي للمرأة، وبهذا التعديل، يمكن استخدام صيغة "ما تقره الشريعة"، كصيغة مراوغة، تستخدم بتعسف من قبل القوى القبلية والدينية المحافظة للحيلولة دون ممارسة المرأة لحقوقها السياسية، بل يتخطى ذلك ليطال حقها في التعليم والعمل. وبالجملة فإن الباحث يذهب إلى أن عملية التحول الديمقراطي، تحولت إلى مجرد فكرة مشوهة، وإلى بنية مشيدة من برلمانات وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني، ولكنها مؤسسات خربة تسكنها قوى تقليدية مقاومة للديمقراطية، ونجحت القبيلة في أن تظل المنظومة القيمية المرجعية للنخب التي تعاقبت على حكم اليمن. ويلفت الشرجبي الانتباه إلى أن هذا الفضاء العصبوي، فضلا عن أنه يحول دون التحول الديمقراطي، فإنه يمنع في ذات الوقت مشايخ القبائل من تولي منصب رئيس الدولة، نتيجة التنافس والتصارع القائمين بين القبائل، ما يجعل مشايخ القبائل يلعبون دور صانع الرؤساء اليمنيين، وغالبا ما يكون الاختيار بين أشخاص منضوية في الأصل تحت لواء شيخ من مشايخ القبائل الكبيرة. وبالتالي فإنهم يمنحون تبعيتهم للرئيس الجديد في العلن، ما دام هو في الحقيقة تابعا لهم في الخفاء.

أن مفهوم الشورى الذي ينظر له دائما في الأدبيات العربية، على أنه مفهوم إسلامي، هو في الأصل مفهوم قبلي، لتنظيم السلطة السياسية

سادسا: حرية المرأة في مجتمع القهر

المجتمع اليمني في حقيقة الأمر قيّد حرية نصف أفراده (المرأة)، وزج بالنصف الآخر في أتون صراعات تتأجج في كل وقت وحين. وتشير الدراسة إلى المرأة اليمنية هي من أكثر الفئات الاجتماعية تهميشا في المجتمع اليمني، كانت لوقت قريب محرومة من ممارسة حقوقها السياسية، والقبيلة فاعل رئيسي في غمط حقوق المرأة من كل الجوانب، فالفتاة اليمنية، مقيدة الحركة، تقع تحت الوصاية الدائمة للجماعة، ومن حق الجماعة أن تسمح لها بالتعليم، وتمنع هذا الحق في أي لحظة دون إبداء الأسباب، والجماعة هي التي تقرر أو بالأحرى تفرض على المرأة شريكها في الحياة، ثم يكون حقها في العمل مرهونًا بوليّها، دون أن تناله في الواقع، فلا يزال المجتمع القبلي، يعتبر المرأة العاملة موصومة اجتماعيا، وتمتد الوصمة لتطال محارمها، وبسبب ذلك، يحرص اليمنيون على تسريب الفتيات من التعليم، حتى لا تطالب بعد تخرجها بحقها في العمل، وبالفعل فإن اليمن تأتي في مقدمة دول العالم من حيث ارتفاع معدل الأمية بين الإناث. وبالجملة فإن المرأة اليمنية في مجتمع القهر هذا، وفي مثل هذا السياق لابد وأنها تعاني من الظلم، والإقصاء والتهميش.

كانت كل الأحزاب اليمنية مسرحا لاستعراض قوة القبائل، ولم تكن مسرحا لعرض الرؤى والبرامج السياسية والتنموية.

خاتمة وإطلالة على الوضع الراهن

على أية حال، وبعد الانتهاء من مراجعة دراسة عادل الشرجبي، يتضح للقارئ، أن القبيلة في اليمن تمارس على أرض الواقع، سلطة أقوى من سلطة الدولة. والعرف القبلي فوق القانون وقبله. وأن النظم الحاكمة في اليمن منذ الاستقلال عملت على تكريس هذا الواقع المتناقض والمكبل للحداثة، إلى أن استقرت العلاقة بين القبيلة والنظام، في صورتها التكاملية النفعية، بحيث تتنازل السلطة المركزية عن جُلِ اختصاصاتها للقبيلة، ويتحول المشايخ إلى ممثلين للدولة، وتجري عليهم الرواتب أو الإتاوات لكسب ولائهم، ومكنتهم الدولة من السيطرة على المجالس التشريعية، ومفاصل الدولة برمتها. وفي نهاية المطاف، تتحول آلة الدولة، إلى آلة معطلة بلا فاعلية، فالقبيلة هي التي تتولى إدارة الأمور في حقيقة الأمر.

ولم يتحقق من هذه العلاقة التكاملية النفعية، سوى الفقر والجهل والمرض، تضرب كبد الشعب اليمني، ولم يسلم المواطن اليمني، سليل الحضارة، وأصل العرب القحطانية والعدنانية، من كل صور التمييز القبلي، والتهميش السياسي، والإقصاء الاجتماعي، يضاف إلى ذلك راهنا، حمى الصراعات الدينية، مدعومة إقليميا، محتمية بالجغرافيا اليمنية الصعبة، وموظفة للعصبية القبلية، فاكتملت أركان عدم الاستقرار، السلاح في أيدي القبائل، والدولة رخوة، أو غير موجودة، والمال والدين في أيدي أمراء الجماعات الدينية.

وبناء علي ذلك، فإن ربيع اليمن مختلف كل الاختلاف، عن الربيع العربي، فقد كان اليمن يعيش بالفعل حالة شديدة من الاحتقان والتجاذب السياسي الحاد، تمتد إلى سنوات سابقة على الثورة اليمنية، لعل من أبرزها: (1) حركة الحوثيين في الشمال، خاصة بعد مقتل حسين الحوثي (الأب الروحي للجماعة) في عام 2004، على يد القوات اليمنية، واتخذت قضية الحوثيين في اليمن، منحى إقليميًا، وعقائديًا، وقبليًا، ما جعلها تمثل مشكلة مستعصية ومزمنة، والإبطاء في معالجتها، خطأ كبير وقع فيه نظام ما بعد الثورة (2) حركة الاحتجاج الشعبي في جنوب اليمن المستمر منذ عام 2007، والذي عرف بــ "الحراك الجنوبي"، والتي كانت تطالب، بالمساواة تحت سقف القانون، وبتغيير في العلاقات بين شمال اليمن وجنوبه، في إطار الوحدة، والآن يطالب هذا الحراك بالانفصال تماما عن اليمن الشمالي.

من خلال العرض السابق، لا نستطيع أن نتلمس دورًا بارزًا للإصلاحيين في مستقبل الثورة اليمنية، وإن شئنا الدقة، فإن الشباب اليمني المتعلم، لا يملك القدرة على التغيير، بحكم ضآلة الحجم الكلي للطبقة الوسطى.

ومن الواضح أن النظام الحالي، لم يتمكن من وضع البلاد على الطريق الصحيح، واليمن اليوم في مسيس الحاجة إلى تحول ديمقراطي حقيقي، لا يمكن التكهن بحدوثه في المستقبل القريب، بسبب الدور الرجعي الذي تقوم به القبيلة اليمنية. فهل يمكن أن تحدث المعجزة، ويستطيع اليمن أن يتحرر من أسر العصبية القبلية، وظلامية الفكر الديني المتطرف. لو حدث ذلك فإن اليمن بما يملكه من إمكانات هائلة ومهدرة في مجالات التجارة الدولية، والسياحة العالمية، والزراعة النوعية، يمكن أن يتعافى، ويسترد لقبه مضافا إليه "اليمن الديمقراطي السعيد".

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟