تنظيم ما يعرف باسم «الدولة الإسلامية»، وعلى رغم استمرار تعرضه للقصف ولغارات التحالف الدولي، يبدو أنه يعيش أكثر أيامه ازدهاراً. فإلى جانب استمراره في التقدم الميداني، فإن الظروف الحالية قد أتاحت له مكاسب لم يكن يحلم بتحقيقها، وأهمها ما يتعلق بكسب المزيد من الأنصار والمقاتلين، وحصوله على بيعات نوعية ذات أهمية كبرى للتنظيم، سواء من الداخل السوري أم من الخارج، حتى أصبح العديد من المتخرجين من مختلف مدارس الإرهاب وتنظيمات الجهاد العالمية باختلاف انتماءاتها، يقاتلون اليوم تحت لوائه، وأصبحت فروع تنظيم القاعدة في ظل ذلك تعيش مرحلة تخبط وتناقض، وأصبح تنظيم القاعدة المركزي فاقداً السيطرة على تنظيماته وفروعه.
فتنظيم فرع القاعدة في جزيرة العرب الذي يتخذ اليمن مقراً له، هو أكثر فروع القاعدة صلة بالتنظيم المركزي، والأشد تمسكاً برؤية وإستراتيجية زعيمها أسامة بن لادن، كان ينتهج منذ بداية صراع القاعدة ودولة البغدادي، سياسة النأي بالنفس والحياد، ومع بدء غارات التحالف الدولي، كان موقف القاعدة الأم هو الصمت والتجاهل إلا أن ذلك الموقف لم يمنع فرع القاعدة في اليمن أن يصدر في البداية بياناً ملتبساً وغامضاً، كان ظاهره الدعوة للتوحد والوقوف ضد الحملة العسكرية، ولكن القارئ لما بين السطور يتلمس تضمنه انتقادات غير مباشرة لـ«داعش».
ثم عاد أخيراً وفي ظل تطورات وتمدد دولة البغدادي في ظل الغارات الجوية إلى إصدار بيان جديد يعتبر خطوة نوعية، إذ أعلن فيه بصراحة تامة موقفه من ثلاثة أمور لها دلالات عدة، أولها: رفض وصف دولة داعش بالخوارج وأنهم ليسوا كذلك، على رغم أن الظواهري هو نفسه من سمّاهم أحفاد الخوارج، ثانياً: تحريم المشاركة في قتالهم، بدعوى أنهم خوارج، والنصرة فرع القاعدة في سورية هي على رأس من دعا إلى استمرارية قتال «داعش» بشرط عدم الانضمام إلى التحالف الدولي، ثالثاً: وصفهم والتعبير في البيان بأنهم «إخواننا»، ونفي كونهم خوارج، هو وصف يتضمن مفاهيم شرعية تلغي مبررات وحجج قتالهم من «النصرة» وغيرها. موقف يعد خطوة استباقية من التنظيم من حصول أية انشقاقات داخلية، ولاسيما في المرحلة الراهنة.
إعلان وموقف قاعدة اليمن تزامنت معه سلسلة من المواقف الأخرى المؤيدة والمبايعة لداعش، من تنظيمات وفصائل من داخل سورية، إذ أعلن راشد طكو القائد العام لتنظيم جيش الشام، الذي أعلن أيضاً حله بعد انشقاق لواء داود أقوى الفصائل العسكرية في هذا التنظيم ومبايعته «داعش»؛ لامتصاص غضب الكتائب الثورية من خيانة وجريمة قائد لواء داود تجاههم، وإبعاداً لشبهة الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية عن نفسه وعن جيش الشام، أعلن أخيراً وصوله إلى الرقة ومبايعته للتنظيم.
أما جبهة أنصار الدين ذات الهوى والتوجه القاعدي، التي تشكلت من أربعة فصائل من المقاتلين الأجانب والمهاجرين وهي: حركة شام الإسلام، وجيش المهاجرين والأنصار -وهما حركتان أضافتهما الولايات المتحدة إلى قائمة الإرهاب- والكتيبة الخضراء، وحركة فجر الشام الإسلامية، فقد وصل الأمير العام لـ«الكتيبة الخضراء» السعودي عمر سيف والمسؤول الشرعي العام لـ«جيش المهاجرين والأنصار» السعودي أبو عزام النجدي إلى أحد مقار تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في ريف حمص وبصحبتهما «المسؤول الشرعي العام للكتيبة الخضراء» أبو عبدالرحمن النجدي، ومعهم مجموعة من المقاتلين والقياديين والشرعيين، وأعلنوا مبايعتهم لدولة البغدادي.
وتبعهم بعد ذلك سلمان العرجاني (أبوحفص الجزراوي) شرعي حركة «شام الإسلام»، أحد أشد أعداء الدولة السابقين، والذي أعلن توبته من كل تغريدة طعن فيها بتنظيم داعش، واعتذاره للخليفة البغدادي، وعلى رغم من أن الكتيبة الخضراء أعلنت في حسابها على «تويتر» أنها لا تزال مبايعة لجيش المهاجرين والأنصار، إلا أن خطورة انتقال سيف والنجدي إلى «داعش» ومن معهم من مجموعة الشرعيين والمقاتلين هو في حجم تأثيرهما في قناعات الكثير من المقاتلين الأجانب، ولاسيما السعوديين منهم، وتشجيعهم على الاقتداء بهما، لما يحظيان به من احترام في صفوف هؤلاء، نتيجة وقوف كل من «الكتيبة الخضراء» و«جيش المهاجرين والأنصار» على الحياد في القتال بين الفصائل المتقاتلة مع بعضها طوال الفترة الماضية.
يذكر أن «الكتيبة الخضراء» تأسست من مقاتلين معظمهم سعوديون، بقيادة أميرها السابق فهد السناني ممن آثروا اعتزال «الخلاف» بين «جبهة النصرة» و«داعش»، في أعقاب اندلاع الخلافات بينهما في أبريل (نيسان) 2013، وقد اشتهرت الكتيبة الخضراء باحتوائها على نسبة كبيرة من الانتحاريين والانغماسيين، وأنها تضم مجموعات من أكثر المقاتلين خبرة في القتال العسكري، وسبق لها تنفيذ واقتحام عدد من مستودعات ومخازن سلاح الجيش السوري عبر عمليات انتحارية.
أما جبهة النصرة، فإن مسلسل خسائرها وتخلي عدد من أنصارها ومقاتليها واللحاق بركب تنظيم دولة داعش لا يزال في الاستمرار، حيث تلقت أخيراً صفعة من قاضي الجبهة القيادي بالتيار السلفي «الجهادي» الأردني والمتحدث باسمه، الدكتور سعد الحنيطي بإعلانه «مبايعة» تنظيم الدولة الإسلامية عبر صفحته الشخصية في «تويتر» بقوله: «الحمد لله وحده أنا اليوم في أرض الخلافة حيث لا حكم إلا لله عز وجل»، وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عشرة عناصر من جبهة النصرة من الأمراء والشرعيين، أربعة منهم من جنسيات غير سورية، ممن كانوا في الأراضي التركية، قد عادوا أخيراً، ودخلوا إلى الأراضي السورية، وانضموا إلى صفوف «داعش»، ولن يقف مسلسل المؤيدين والأنصار للدولة الإسلامية عند هذا الحد، فكثير من الخبراء يرون أن «داعش» ستشهد تدفق المزيد من الانضمامات في المرحلة المقبلة، سواء من الداخل أم الخارج، طالما أن سياسة التحالف الدولي والإستراتيجية الأميركية هي أقرب إلى كونها سياسة ارتجالية برؤية ضبابية، تفتقر بصورة رئيسية إلى أهداف سياسية موحدة تجاه النظام السوري المتسبب في وجود «داعش». نقلا عن الحياة