المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

قيد التشكل: الأبعاد المحتملة للدور الأمني لمصر في منطقة الخليج

السبت 08/نوفمبر/2014 - 01:17 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. إيمان رجب *

تمر العلاقات بين مصر ودول الخليج، خلال الفترة الحالية، بعملية "إعادة تشكل" جديدة، ستحدد طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في تعزيز أمن دول الخليج خلال المرحلة المقبلة. وتتأثر هذه العملية بصورة كبيرة بالضغوط التي تواجهها حاليًّا كل من مصر ودول الخليج بدرجات متفاوتة على أمنها الوطني، سواءً أكانت ضغوطًا داخليةً تتعلق بنشاط جماعة الإخوان المسلمين، أو التيارات الليبرالية، أو ضغوطًا خارجيةً ناتجة عن تزايد نشاط الجماعات الإرهابية والمتطرفة العابرة للحدود في المنطقة، وهو ما يبرر الحديث المتكرر في الدوائر المصرية، وبعض الدوائر الخليجية عن دور مصري "محتمل" في تعزيز قدرات دول الخليج في مواجهة مصادر التهديد المختلفة.

ويمكن القول إن عملية إعادة التشكل هذه يحكمها، من ناحية، التغير الحادث في النخبة الحاكمة في مصر في الفترة التالية على ثورة 30 يونيو 2013. فالنخبة الجديدة لها تصورات وطنية خاصة بمصالح مصر، وبدورها الخارجي، وبنمط علاقاتها مع دول الخليج، فضلًا عن غيرها من الدول، مع تبنيها تصورات خاصة بلعب مصر دور ما في ضمان أمن الخليج طالما طُلِب إليها ذلك، وهو ما عبَّر عنه حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطاب تنصيبه عن أن "أمن الخليج العربى هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى"1، وتأكيده خلال لقائه وفد الكونجرس الأمريكي برئاسة رئيس لجنة الخدمات العسكرية هوارد ماكيون في 2 سبتمبر 2014 على "أن أي ترتيبات في المنطقة يتعين أن تأخذ بعين الاعتبار الشواغل الأمنية لمصر ولدول الخليج العربي على حدٍّ سواء"2.

الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطاب تنصيبه أن "أمن الخليج العربى هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى"

كما يعبر عن ذلك حرص مصر، وفق تعبير وزير خارجية مصر السابق نبيل فهمي، على وضع "مصالح الأصدقاء" في الاعتبار، عند التفكير في تفعيل العلاقات مع إيران، والتي صارت قيدًا على نشاط السياسة الخارجية المصرية3.

ومن ناحية ثانية، يحكم التغير الحادث حاليًّا في العلاقات بين مصر ودول الخليج، تغير توقعات expectations دوائر صنع القرار في دول الخليج حول ما يمكن أن تقوم به مصر لضمان أمنها الوطني، لاسيما بعد تحول تصوراتها بدرجات متفاوتة حول مصادر تهديد أمنها، وطبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر حاليًّا في مواجهة هذه التهديدات، على نحو جعل مصر تعد -في دوائر كثيرة لصنع القرار في الخليج- أحد أدوات تعزيز هذا الأمن وليس تهديده، كما كان الوضع في فترة حكم الإخوان المسلمين في مصر.

استتبع هذا التحول في التصورات تحولًا في السياسات والأدوار التي تلعبها دول الخليج، حيث اتجهت قطر للتخلي عن دورها الداعم للتغيير في اتجاه تبني دور الدولة التي تسعى للحفاظ على الوضع القائم، والذي يهدف لضمان استمرار نفوذ الإخوان في ليبيا وتونس بصورة رئيسة، مما تسبب في توتر علاقاتها مع عدد من الدول الخليجية، فضلًا عن مصر، بينما اتجهت الإمارات والسعودية، ومعها مصر والأردن، لتبني دور الدول الساعية لتغيير الوضع تدريجيًّا على نحو يضمن تقليص نفوذ جماعة الإخوان والقوى الموالية لها في الجوار المحيط بها، سواءً باليمن أو سوريا أو العراق أو ليبيا.

وفي هذا الإطار، يمكن تحديد ثلاثة أبعاد للدور الذي يمكن أن تلعبه مصر خلال الفترة المقبلة في القضايا المرتبطة بأمن دول الخليج، باستثناء قطر التي لا تزال العلاقات معها تخرج عن النظام العام المميز لعلاقات مصر مع دول الخليج الأخرى، وعمان التي تحكم العلاقات بينها ومصر طابع خاص. وبالتالي هذه الأبعاد الثلاثة تتعلق بما هو سائد من تصورات في الدوائر الأكاديمية والسياسية في كل من السعودية والإمارات والكويت والبحرين من ناحية، وفي مصر من ناحية ثانية حول ذلك الدور.

1-    عدم تكرار صيغة "إعلان دمشق"

رغم حديث الرئيس السيسي أثناء حملته الانتخابية4، ثم في خطاب تنصيبه كرئيس للجمهورية، عن استعداده لإرسال قوات مصرية لحماية أي دولة عربية، بما في ذلك دول الخليج، في حال تعرض الأمن القومي العربي لما أسماه "تهديد حقيقي"، وأن "نُستدعَى"، أي أن يتم طلب ذلك من مصر، وتأكيده على أن عملية الإرسال هي "مسافة السكة"، في إشارة إلى إمكانية إرسال قوات مصرية إلى أية دولة، إلا أن تعقيدات القرار المصري تفيد بصعوبة اتخاذ قرار إرسال قوات برية في الظروف العادية لمنطقة الخليج أو لأية دولة أخرى، أو تكرار صيغة إعلان دمشق 6 مارس 1991 الذي أرسلت مصر وفقًا له عدد قوات بلغ -وفق تقديرات- 3000 جندي مصري، وأرسلت سوريا حوالي 3000 جندي سوري إلى منطقة الخليج، لتعمل كنواة لقوات سلام عربية5.

فمن ناحية، لا تزال مصر تعاني من تعقيدات المرحلة الانتقالية، وتكتسب قضية إعادة بناء الاقتصاد واستعادة الأمن الداخلي أهمية كبيرة.

مستوى التعاون العسكري بين مصر وكل من السعودية والإمارات والبحرين وربما الكويت، سيرتبط بعمليات بناء القدرات من خلال المناورات المشتركة

ومن ناحية ثانية، تختلف الظروف السائدة حاليًّا في المنطقة عن تلك التي سادت في الفترة التالية على حرب تحرير الكويت والتي سمحت بتبلور صيغة 6+2 التي عبَّر عنها إعلان دمشق، حيث نجحت دول الخليج في الفترة التالية على هذه الحرب في تطوير قدراتها العسكرية بالاعتماد على الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وفي تعزيز قدراتها من خلال المناورات المشتركة التي تُنظَّم بصورة منتظمة مع عدة دول غربية.

وإذا كانت في فترة حرب تحرير الكويت لم تكن لدى هذه الدول خبرات حرب سابقة عليها، فإنها قامت بعد تلك الحرب بالمشاركة في حرب 2003 في العراق، ثم في عملية إسقاط القذافي 62011، وفي العلميات العسكرية ضد القوات الإسلامية المعادية لخليفة حفتر في ليبيا في 2014، وفي العمليات العسكرية ضد داعش في العراق وسوريا خلال سبتمبر من نفس العام7.

من ناحية ثالثة، تختلف طبيعة التهديدات الخارجية التي تواجهها دول الخليج في المرحلة الحالية عن تلك التي كانت سائدة في فترة التسعينيات. فحاليًّا تختلف دول الخليج في تصوراتها حول مصادر تهديدها الخارجي، حيث ترى قطر -وربما الإمارات- أن مصدر التهديد الخارجي الأول بالنسبة لها هو السعودية ثم إيران، في حين ترى السعودية والبحرين أن مصدر التهديد الأول لها هو إيران ثم العراق واليمن، ويحتل العراق ثم إيران الأولوية في حالة الكويت، كما أن طبيعة التهديد الذي تفرضه إيران، على سبيل المثال، على هذه الدول بدرجات متفاوتة قد اختلف، وهو مرتبط بنشر التشيع وبالسيطرة على الاقتصادات الوطنية أكثر من ارتباطه باحتلال عسكري كما في حالة غزو العراق للكويت في 1990.

إلى جانب ذلك، أصبحت مصادر تهديد أمن الخليج، ترتبط بالتوجهات السياسية لبعض دول الخليج، كما في حالة قطر، حيث تعد سياساتها الداعمة "للتغيير الفجائي غير التدريجي" مصدر تهديد بدرجات متفاوتة لأمن عدد من دول المنطقة.

وبالتالي، يمكن القول إن مستوى التعاون العسكري بين مصر وكلٍّ من السعودية والإمارات والبحرين وربما الكويت سيرتبط بعمليات بناء القدرات من خلال المناورات المشتركة، وهو ما احتفظت به مصر بالفعل مع السعودية منذ فترة طويلة بما في ذلك فترة حكم الإخوان، حيث تم تنفيذ مناورات تبوك-3 في مايو 82013، والمناورات البحرية مرجان- 13 في 25 يونيو 2013. واستأنفت مصر هذا النوع من المناورات مع البحرين من خلال مناورة الإنزال الجوي في أبريل 92014، ومع الإمارات من خلال المناورات الجوية زايد-1 في فبراير 102014.

وكذلك قد تلعب مصر دور في  مجال نقل الخبرات في مجال التجنيد، لاسيما في ظل اتجاه عدة دول خليجية لتبني قوانين تلزم مواطنيها بالخدمة العسكرية في قواتها المسلحة، وذلك إلى جانب التنسيق في عمليات عسكرية مشتركة تُنفَّذ ضد مصادر تهديد خارجية بالاعتماد على القوات الجوية التي تتفوق فيها دول الخليج شأنها شأن مصر.

2-    التحول إلى شريك "مرن"

يكشف اهتمام دول الخليج -وتحديدًا السعودية والإمارات والكويت والبحرين، بمصر بعد ثورة 30 يونيو، كما تشير لذلك التصريحات الرسمية للقيادات الخليجية، وما ينشر من مقالات وأعمدة رأي في الصحف المحلية الخليجية، فضلًا عن حجم الدعم المالي الذي قدمته الإمارات والسعودية والكويت والبحرين لمصر بعد زوال حكم الإخوان والذي بلغ 12 مليار دولار، وذلك مقارنةً بمساعدات بلغت قيمتها 8.2 مليارات دولار أعلنت وزيرة التعاون الدولي السابقة فايزة أبو النجا عن تعهد دول الخليج بتقديمها لمصر بعد ثورة 25 يناير، وتعثر تقديمها لأسباب سياسية- عن تخلي هذه الدول عن التصورات التي سادت لديها خلال فترة حكم الإخوان لمصر (يونيو 2012- يوليو 2013) بأن مصر مصدر تهديد لأمنها، حيث كان ثَمَّة تيار في هذه الدول يتعامل مع مصر، وغيرها من دول الثورات، على أنها مصدر تهديد، وأنه لا بد من الحذر عند التعامل معها. وكانت هناك تخوفات مما أسماه أحد كتاب الأعمدة في جريدة البيان "الأجندة المصرية/ الإخوانية" التي قد تُفرَض على دول الخليج11.
التحول الحادث حالياً في تصورات دول الخليج لدور مصر، هو في اتجاه التعامل مع مصر على أنها "شريك" مرن لدول الخليج الأربعة التي ساندت مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013

ويمكن تفسير ذلك التخوف بعاملين. يتمثل الأول في أن دول الخليج كانت تدرك، وبدرجات متفاوتة، أنها ليست بعيدة عن عملية التغيير التي تمر بها المنطقة بفعل الثورات الشعبية، وأنها ستتأثر بدرجة أو بأخرى بما يجري في دول الثورات، خاصة في مصر، من خلال انتقال ثورات قد تكون "مُشوَّهة" إليها. ولعل البحرين وعمان مثالان على ذلك، حيث شهدت كلٌّ منهما احتجاجات خلال فبراير 2011، رفعت فيها شعارات شبيهة بتلك التي استخدمت في ثورة يناير بمصر، وارتبطت المسألة حينها بحجم التأثر وبتوقيته.

فهذه الدول باتت أكثر عرضة للتأثر vulnerable بالتغيير من أي وقت مضى. ونتيجة لذلك أصبح أمن الأسر الحاكمة وشرعية نظامها هو الأولوية رقم واحد؛ باعتباره مرتبطًا ببقاء النظم في هذه الدول، وأحيانًا ببقاء هذه الدول ذاتها.

وينصرف العامل الثاني إلى أنه لم تكن مخاوف دول الخليج مرتبطة بانتقال الثورة إليها في صورة مظاهرات واحتجاجات فقط، وإنما أيضًا بتأثرها بنتائج الثورات في كل من مصر وتونس التي أسفرت عن سيطرة الإخوان المسلمين تحديدًا، وغيرها من قوى الإسلام السياسي، على مفاصل السلطة هناك؛ نتيجة تأثير ما يسمى "أثر الانتشار" spillover effect، حيث كان هناك تخوف من تحول إخوان مصر وتونس إلى مصدر إلهام لقوى الإخوان في هذه الدول، خاصة في ظل وجود ارتباطات تاريخية ودينية تجمع إخوان الخليج بإخوان مصر تحديدًا12.

ويرتبط جوهر هذا التخوف باحتمال تحول الإخوان إلى "محرك" لعملية التغيير السياسي في دول الخليج، وليس مجرد قوى تجني ثمار التغيير كما حدث في دول الثورات.

ولعل هذه التصورات كانت مسئولة، إلى جانب السياسات التي اتبعها نظام الإخوان في مصر، عن تحول العلاقات بين مصر والإمارات إلى علاقات "متأزمة"، واكتسابها طابع الشراكة في حالة قطر، وغلبة علاقات "الاحتواء" على العلاقات بين مصر والسعودية (والبحرين)، وتفضيل كل من الكويت وعمان إدارة علاقاتها مع مصر وفق منطق إدارة الأعمال كالمعتاد13doing business as usual.

بيد أن التحول الحادث حاليًّا في تصورات دول الخليج لدور مصر هو في اتجاه التعامل مع مصر على أنها "شريك" مرن tactical partner لدول الخليج الأربعة التي ساندت مصر بعد ثورة 30 يونيو، وهي الإمارات والسعودية والبحرين وبدرجة أقل الكويت، في مواجهة أية تهديدات خارجية مشتركة قد تتطلب تحركًا عسكريًّا بصورة ما، وهذا ما تكشف عنه مشاركة مصر والإمارات والسعودية في العمليات الجوية ضد التيارات الإسلامية في ليبيا منذ 25 أغسطس 142014 .

ويرجع ذلك إلى ضخامة حجم القوات المسلحة المصرية، حيث يصل عدد الجنود العاملين في القوات المسلحة، وفق تقرير Military Balance للعام 2013، إلى 438500 ألف جندي، موزعةً بين قوات برية وبحرية وجوية، وقوات احتياط قدَّرها التقرير بحوالي 479 ألفًا15، بينما يبلغ إجمالي الجنود العاملين في جيوش دول الخليج الست مجتمعة نحو 347400 جندي16. وكذلك تمتع هذه القوات بخبرة قتالية ليس في مجال الحروب النظامية فقط، وإنما في مجال محاربة الجماعات الإرهابية أيضًا.

وترجع الطبيعة المرنة لهذه الشراكة، من حيث ارتباطها بقضايا محددة، وعدم اكتسابها طابعًا مؤسسيًّا، لوجود خلافات بين الجانبين حول عدد من القضايا الإقليمية الأخرى التي لا يزال يتم إدارتها في إطار الخلاف، دون أن يؤدي ذلك إلى توتر معلن بين الجانبين. لكن تظل مشكلة هذا النمط من الشراكة مرتبطة بأنها قد تؤثر على مصر لتغيير سياساتها تجاه تلك القضايا أكثر من ضغطها على دول الخليج الأخرى لتغيير سياساتها، على نحو قد يمثِّل مشكلة لمصر، لا سيما في ظل تأكيدها على "استقلال" قرار السياسية الخارجية، وهو ما يتوقف في كل الأحوال على أوراق الضغط التي يمتلكها كلا الجانبين.

إلى جانب ذلك، يسيطر على دول الخليج، باستثناء قطر وعمان، تصور بأنَّ تحقُّق أمن مصر الداخلي مرتبط باستقرار الوضع الحالي في مصر، وعدم السماح بحدوث نكسة أو تراجع فيه لصالح الإخوان المسلمين، أو لصالح توسع نفوذ القوى الليبرالية، أي الحفاظ على الوضع الحالي، حيث تشير خبرة الفترة التالية على ثورة 25 يناير إلى أن قدرة مصر على تصدير الثورة إلى دول الجوار تفوق قدرتها على عكس هذا التأثير reverse.
ترجع الطبيعة المرنة للشراكة المصرية الخليجية، من حيث ارتباطها بقضايا محددة، وعدم اكتسابها طابع مؤسسي، لوجود خلافات بين الجانبين، حول عدد من القضايا الإقليمية الأخرى

فعلى سبيل المثال، انتقل نموذج ميدان التحرير إلى صنعاء والبحرين وليبيا وسوريا وحتى العراق، لكن سقوط حكم الإخوان في مصر لم يُسقِط بالتبعية حكم الإخوان في تونس المجاورة، أو في ليبيا. وهذا التصور تتم مناقشته بصورة متكررة في العديد من أعمدة الرأي في الصحف المحسوبة على النظم في هذه الدول، فضلاً عن انعكاسه على السياسات التي تتبعها هذه الدول في مواجهة مصر خاصة الاقتصادية منها، وتوظيفها لشبكة علاقاتها الخارجية دعما لشرعية النظام المصري على المستوى الدولي.

3-    مصر ليست "شرطي" المنطقة

ظل دور مصر في التعامل مع أمن الخليج مرتبطًا بمصادر التهديد الخارجية التي شغلت هذه الدول منذ الحرب العراقية- الإيرانية، والتي تتمثل في احتمالات تعرضها لهجوم من إيران بسبب ميولها التوسعية بعد ثورتها الإسلامية، والعراق بعد احتلاله الكويت عام 1990؛ وذلك بسبب ضخامة حجم الجيش المصري الذي يفوق من حيث عدده جيوش دول الخليج حينها، مع تمتعه بالخبرة القتالية الكافية، حيث كان الجيش المصري حينها قد خاض خمس حروب من قبل، على حين لم تخض جيوش الخليج أية حرب.

لكن تزايد أهمية مصادر التهديد الداخلية لأمن هذه الدول وتنوعها، وتزايد أهميتها بالنسبة لها مقارنة بمصادر التهديد الخارجية لأمنها، يجعل الحديث عن دور مصري في حماية أمن الخليج يثير تساؤلات حول توقعات هذه الدول لطبيعة هذا الدور في مواجهة التهديدات الداخلية. ورغم أنه لا توجد مناقشات معلنة لهذه القضية، إلا أنه يمكن الإشارة إلى ثلاثة أمور:

الأول هو أن الممارسات العملية تفيد بأن إيجاد دور مصري سيكون في كل تهديد على حدة، مع أولوية تهديدين: أولهما، يتعلق بمواجهة تمدد نفوذ جماعة الإخوان المسلمين، لا سيما في الدول التي تتعامل معها كمصدر تهديد مثل الإمارات والسعودية التي يمكن أن تعتمد على مصر في مجال المعلومات. وثانيهما، يتعلق بمكافحة الفكر المتطرف.

فتاريخيًّا هناك ثلاث مدارس دينية في الخليج، هي الباكستانية والسعودية والمصرية، والمدرسة المصرية- الأزهرية هي الأكثر اعتدالًا. ولعل هذا يفسر حرص هذه الدول على دعم الأزهر ماليًّا، وتأكيد دوره في مكافحة الفكر المتطرف خلال المرحلة الحالية.

ومن ناحية أخرى، يرتبط انتشار التطرف في الخليج، وانتشار أفكار الإسلام السياسي بتأثير القيادات المصرية منذ القرن العشرين، لا سيما الذين انتقلوا للعيش في دول الخليج لأسباب اقتصادية أو سياسية. وفي هذا السياق تأتي أهمية حديث السيسي عن أنه "مخطئ من يقدِّر أن مواجهة الإرهاب تكمن فقط في البعد الأمني لها، وإن كان هذا البعد مهمًّا ومحوريًّا، إلا أنه يجب أن يتم بالتوازي معه تنفيذ عدة إجراءات على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي؛ فبدلا من إنفاق أموال طائلة في الحرب العسكرية على الإرهاب، فإنه ينبغي أن تأتي المواجهة الأمنية على التوازي مع جهود لمساعدة الدول المعتدلة في المنطقة لتقوية اقتصادها، وتعظيم قدراتها لتوفير المسكن والمأكل والحياة اللائقة لمواطنيها".

ويتعلق الأمر الثاني بدور مصر كـمعزز accelerator ضد أيٍّ من مصادر التهديد الداخلي. ولعل هذا يفسر وجود قناعات في الدوائر الأكاديمية والسياسية في الخليج بأن استقرار مصر على النحو السابق بيانه سيؤثر بالإيجاب على استقرار دول الخليج، وبالتالي الحديث عن دور خليجي في تأمين مصر من الداخل.

توازنات القوى في المنطقة، تميل لصالح تعزيز الدور القيادي للسعودية باعتبارها هي مركز الثقل في الشرق الأوسط، في مواجهة الدور الايراني الفعلي الممارس حالياً في المنطقة

وينصرف الأمر الثالث إلى أن توازنات القوى في المنطقة تميل لصالح تعزيز الدور القيادي للسعودية باعتبارها هي مركز الثقل في الشرق الأوسط، في مواجهة الدور الايراني الفعلي الممارس حاليًّا في المنطقة، وفي مواجهة الدور المتوقع أن تمارسه طهران في حال توصلها لاتفاق الصفقة مع الولايات المتحدة والدول الغربية. وهذا الوضع يجعل الحديث عن أي دور مصري يكون في إطار تعزيز القيادة السعودية في المنطقة في مواجهة أي تمدد للدور الإيراني، وليس في إطار التنافس معها، فمصر لن تلعب دور شرطي المنطقة.

بعبارة أخرى، محاولات الولايات المتحدة لتعزيز الوضع الإقليمي لمصر بحيث تكون هي صاحبة القوة العسكرية، والسعودية هي صاحبة القوة المالية، في محاولة لإعادة إنتاج صيغة سياسة العمودين التي اتبعتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر والتي ارتكزت على إيران القوية عسكريا والسعودية الغنية ماليًّا، لا تتلاءم مع الوضع الحالي في المنطقة.

 

تقع هذه الأبعاد الثلاثة للدور الأمني لمصر في منطقة الخليج في إطار ما هو متوقع في ضوء المناقشات التي تدور حاليًّا في الدوائر الأكاديمية والسياسية في مصر ودول الخليج، والتي من المتوقع أن تستقر خلال الفترة المقبلة لتكون المحدد لدور مصر في تلك المنطقة. ويبدو أن مستوى التوقعات الخاصة بدول الخليج، لاسيما الإمارات والسعودية، حول ما يمكن أن تقوم به مصر في مواجهة مصادر التهديد لأمنها يكاد يكون مرتفعًا على نحو قد يمثِّل "قيدًا" على توجهات الحكم الجديد في مصر، وطبيعة السياسات الخارجية التي يمكن أن يتبعها تجاه قضايا تعد مهمة بالنسبة لهذه الدول، خاصة فيما يتعلق بتحقيق أمنها الوطني، ومن ثَمَّ طبيعة الدور الذي يمكن أن تمارسه.


* باحث متخصص في شئون الخليج، وحدة الدراسات الأمنية والاستراتيجية،

  مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

المراجع

[1] انظر نص  خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسي أثناء تنصيبه كما نشر على موقع صحيفة اليوم السابع 9 يونيو 2014.

http://www.youm7.com/story/2014/6/9/%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%8a%d8%af%d9%8a%d9%88_%d9%86%d9%86%d8%b4%d8%b1_%d9%86%d8%b5_%d8%ae%d8%b7%d8%a7%d8%a8_%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a6%d9%8a%d8%b3_%d8%a8%d8%ad%d9%81%d9%84_%d8%aa%d9%86%d8%b5%d9%8a%d8%a8%d9%87%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%b3%d9%89_%d9%84%d9%86_%d8%a3%d8%b3%d9%85%d8%ad_%d8%a8%d9%82%d9%8a%d8%a7%d8%af/1713855#.VCbGgfmSz3M

2 الشرق الأوسط، 3 سبتمبر 2014.

3 كلمة وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي في لقائه مع الأكاديميين المصريين، الذي نظمته وزارة الخارجية المصرية بالتعاون مع مجلة السياسة الدولية، القاهرة، 22 ديسمبر 2013.

4 "السيسي: حماية الأمن العربي والخليجي.. "مسافة السكة""، العربية نت، 20 مايو 2014:

http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/egypt/2014/05/20/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC%D9%8A-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D8%A9-.html

 

5 انتهى التزام مصر وسوريا ودول الخليج الست بهذا الإعلان في صيف 1992 بسبب خلافات حول مستقبل هذه القوات، ونتيجة الضغوط التي مثلها الرفض الإيراني لوجود هذه القوات على دول الخليج. انظر:

Mary E. Morris," New Political Realities and the Gulf :Egypt, Syria, and Jordan", PROJECT AIR FORCE-Arroyo Center, RAND, 1993, pp.12-15.

6 " Arab states play limited role in battle against Muammar Gaddafi's regime", The Guardian, May 22, 2011.

7 " US and allies strike ISIL targets in Syria", Al-Jazeera, September 23, 2014: 

http://www.aljazeera.com/news/middleeast/2014/09/us-begins-bombing-isil-positions-syria-201492313622252650.html

8  Yasmine Farouk,"More than Money: Post-Mubarak EgyptSaudi Arabia, and the Gulf",GRC GULF PAPER, April 2014, pp.2-4.

9 "Basic Liaison2014: Bahrain Air Force Joint Drill launched", April 27, 2014, Bahrain News Agency

10 Egypt-Emirates military maneuvers kick off", Egypt Independent, Feb 28, 2014

11  انظر على سبيل المثال: محمد بن هويدن ، " رئيس مصر الجديد ودول الخليج"، البيان، 1 يوليو 2012

12 ناقش هذا التخوف العديد من أعمدة الرأي التي نشرت في الصحف الخليجية المحلية، انظر على سبيل المثال: محمد خلفان الصوافي، "الاصلاحيون المزيفون!"، الاتحاد، 1 أغسطس 2012. وذلك إلى جانب التصريحات التي أصدرها الفريق ضاحي خلفان، قائد شرطة دبي حينها، بعد فوز محمد مرسي برئاسة مصر، والتي نشرهاعلى حسابه على موقع تويتر. 

13 Eman Ragab , "A Formative Stage: Relations between GCC and North African Countries after the Arab Spring", in: Silvia Colombo et la, "The GCC in the Mediterranean in Light of the Arab Spring", Mediterranean Paper Series 2012, Istituto Affari Internazionali IAI -Rome and  the German Marshall Fund of the United States, pp.14-18.

 

14 " Egypt and UAE strike Islamist militias in Libya", The Washington Post,August 25, 2014

15 James Hackett (ed.), The Military Balance Annual Report,  The Military Balance 2013. International Institute for Strategic Studies IISS, March 2013, p.374.

16 Ibid.,pp.388-407.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟