لم يكن الليبيون ـ جميعهم ـ وهم يقتطعون من قوتهم اليومي، لدعم الجزائريين فى ثورتهم ضد الاحتلال الفرنسى دون انتظار لجزاء أو شكر، حتى أن بعضهم كانت تفيض عيناه من الدمع حين لا يجد ما يجود به
ولاهم يجعلون من بلادهم عمقاّ إستراتيجيا فى مواجهة المشروع الاستعمارى لو انتصر ـ مثلما هى الحال اليوم ــ لقضى على الدولة الليبية، ولاهم يجمعون بين رفاق السلاح بعد انتصار الثورة الجزائرية والتحضير لقيام دولتهم فى مؤتمر طرابلس المنعقد فى الثالث من يونيو 1962، الذى منه ترسَّخت مشروعية الدولة الجزائرية، وتعمَّقت رؤيتها، وشُرّعت نصوصها، يتوقَّعون أنهم بعد عقود سيواجهون مصيرهم الدموى الراهن.وبعيدا عن حسابات السلطات الجزائرية، منذ أن بدأت الانتفاضة الليبية، وإلى غاية الآن، فإن الدولة الجزائرية بمعناها العام (نخبها، مؤسساتها الأمنية والعسكرية، قطاع واسع من الشعب)، تدرك أنها لن تكون بعيدة عن الأحداث الجارية فى ليبيا، ولذلك كان مثيرا للدهشة، سير الحكومة الجزائرية على نفس المنهج السابق فى سياستها الخارجية، والقائم على قاعدة» عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول»، ونظرا للتطبيق الخاطئ لهذه القاعدة بخصوص ليبيا، فقد تدخّلت قوى خارجية بالقوة العسكرية من ذلك حلف الناتو وتركيا وقطر وغيرها من الدول الأخرى، وكانت النتيجة غرق ليبيا فى بحور من الدماء، ويلوح فى الأفق تقسيمها إلى دويلات متحاربة، خاصة بعد أن قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم مشروعية الانتخابات السابقة و ما نتج عنها من مجلس منتخب، ومن حكومة تم الاعتراف بها من معظم دول العالم.
مهما يكن، فإن ليبيا فى حاجة إلى الدعم من كل الدول الصديقة والشقيقة، وخاصة من الجزائر، لا لوجود حدود مشتركة فقط، ولا لأواصر القرابة والروابط الدموية فحسب، ولاحتى للمصالح المشتركة أو تلك التى كانت قائمة بين الدولتين، ولكن لأن على الجزائر دين لمصلحة ليبيا يجب أن يسدد، وفد حان وقته، إن لم يكن كله فعلى الأقل جزء منه.
تسديد الدين من الجزائرلا يعنى التدخل العسكرى كما تريد فرنسا وبعض دول الناتو ـ لدعم فريق على حساب آخر، ولا لتصفية الحسابات مع جماعات إرهابية ليبية ساهمت فى زعزعة استقرار الجزائر فى الماضى القريب، تماما كما هى اليوم تدمر الدولة وتهلك الحرث والنسل فى ليبيا، ولكن بجمع كل الفرقاء الليبيين فى الجزائر لتقريب وجهات النظر، ومحاولة الوصول إلى حل سلمى يحقق الحد الأدنى من التوافق. أعلم أن الجزائر تحاول بصمت، وبعيدا عن الأضواء، القيام بدور من أجل إخراج ليبيا من أزمتها، غير أنها تواجه بعوائق جمة، يمكن ذكر ثلاثة منهاعلى سبيل المثال وليس الحصر.
عائق أول: يظهر فى موقف أطراف فاعلة وشخصيات سياسية تمردت عن القذافى والتحقت بالانتفاضة، كانت ترى الجزائرمؤيدة للنظام القائم، وتبنًّت موقفا عدائيا تجاهها، بما فى ذلك شخصيات كانت على صلة حميمة بالسلطات الجزائرية.
عائق ثان تٌواجهه الجزائر كلما سعت لإخراج ليبيا من أزمتها، ويتمثل فى تربص القوى الدولية بها، خاصة تلك التى تسعى جاهدة لتقسيم ليبيا فى مرحلة أولى ثم الجزائر فى مرحلة ثانية، وبعدهما مصر فى مرحلة ثالثة، وتلك القوى تكرس الوضع الراهن من خلال طرح استراتيجية أمنية بعيدة المدى تقوم على خطة توفير» الأمن المناطقي»،.
عائق ثالث، يحول دون قيام الجزائر بدورها تجاه ليبيا، ويكمن فى رفض جماعات الإسلام السياسي، خاصة الإرهابية منها لأى إسهام جزائري، لسببين، أولهما: اعتقاد تلك الجماعات بأن الجزائر، وبعد تجربتها الدموية مع الإسلاميين، لا تسمح بوصولهم إلى السلطة، وثانيهما: منطق الثأر الذى يحكم العلاقات بين الطرفين، لذلك سيكون من الصعب على الجزائر تجميع القوى المتصارعة فى ليبيا، والتوفيق بينها.
تلك الصعوبات وغيرها، يجهلها كثير من الإخوة الليبيين، لذا على الجزائر أن تعلن موقفها المستتر للشعب الليبى وللتاريخ أيضا، لعلها تصحح الصورة التى رسمت فى أذهان كثير من الليبين، بما فى ذلك عناصر النخبة، حتى إن بعضهم تجاوز مرحلة اللوم والعتاب إلى الكراهية، وخلال السنوات الثلاث الماضية قابلت عددا من المثقفين الليبيين، وقرأت كتابات آخرين منهم، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانوا ساخطين على الموقف الجزائرى تجاه ما أعتبروه ثورة ضد النظام السابق، فكيف سيكون موقفهم اليوم وبلادهم تتمزق، والجزائر تبدو لهم متفرجة على مشهد دموى لمأساة تكرر كل يوم؟! نقلا عن الأهرام
كاتب وصحفى جزائرى