المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
طارق الهاشمي
طارق الهاشمي

الرئيس فؤاد معصوم في السعودية

الخميس 13/نوفمبر/2014 - 10:28 ص

هذه هي الزيارة الأولى لشخصية عراقية تتقلد أعلى منصب في الدولة تزور الرياض بعد انتخابات عام 2014 وتشكيل حكومة حيدر العبادي. ولا شك أن الجميع يعول على نتائج هذه الزيارة وإن كان كل طرف ينظر إلى الموضوع من زاويته الخاصة بعد أن أحدثت السياسات الخاطئة لنوري المالكي والنفوذ غير المسبوق لإيران في العراق انقساماً مجتمعياً حاداً وصل حتى الاحتراب والتهجير والقتل على الهوية بين مكونات الشعب العراقي، والمهم ليس ما سيطرح ويناقش بل تنفيذ ما يتفق عليه أو يتم التعهد به.

عام 2006 منحت السعودية فرصة ذهبية لنوري المالكي كي ينجح في إدارة العراق وفي لقاء ضمه مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز استمع المالكي بعناية إلى نصائحه وتعهد بأنه سيتصرف باعتباره رئيس وزراء لجميع العراقيين ولن يفرق بين مكون وآخر وبالطبع لن يعادي طرفاً على طرف كما أنه لن يسمح بتمدد دول الجوار... لكن المالكي نكل بجميع ما تعهد به وكذب، وهو ما أثار حفيظة الملك عبدالله الذي نظر إلى موقفه وكأنه خذله شخصياً وانعكس ذلك بشكل قطيعة أو ما يمكن تسميته سياسة الباب المغلق حيث رفضت المملكة أي شكل من أشكال التواصل مع نوري المالكي كما رفضت جميع الوساطات لاستقباله أو التعامل معه وانعكس ذلك سلباً على العلاقات الثنائية بين البلدين.

وظف نوري المالكي هذه المقاطعة للتنكيل بالعراقيين من العرب السنّة وأجج المشاعر الطائفية في الإساءة للمملكة واتهمها بدعم الإرهاب في العراق. وعلى رغم العداء والتشهير والتجريح من جانب واحد فان المملكة اختارت عدم الرد. وكان لي رأي في تلك السياسة ولم أقتنع بجدواها وانتهزت فرصة دعوتي للقاء خادم الحرمين الشريفين على انفراد في قصر الجنادرية في نيسان (أبريل) عام 2010 بعد الانتخابات حيث قررت أن أطرح الموضوع عليه واستمع إلى وجهة نظره وحاولت كمبادرة مني لاعتبارات كثيرة لكني لم أستطع أن أزحزحه عن موقفه قيد أنملة وأسقط في يدي عندما نادى أحد الأمراء المعنيين بملف العراق  بينما كنت أحاول جاهداً إقناعه بوجهة نظري وخاطبه قائلاً: أمير... اشرح للسيد النائب تجربتنا مع المالكي، ماذا قدم لنا خطياً، بماذا تعهد، وماذا أنجز ... كيف كذب علينا؟ وبعد أن أنهى الأمير شهادته خاطبني خادم الحرمين قائلاً: لقد منحنا المالكي فرصة ذهبية لكن هو من أضاعها، لقد تعهدت المملكة بتقديم كل وسائل الدعم للعراق من دون شروط بل مقابل أن ينجح العراق، ولن ينجح حتى ينعم الجميع بخيراته من دون تمييز أو تفضيل، ولهذا طالما كان المالكي في الحكم فان موقف المملكة لن يتغير... أصبت بالذهول ووصلت محاولتي في تشجيع المملكة بالمبادرة إلى طائف عراقي على ضوء الطائف اللبناني إلى طريق مسدود واضطررت أن انتقل إلى موضوع آخر لم أسمع منه خلال هذا اللقاء إلا خيراً، وكان يتحدث وينصح ويذكر بلغة الوطني العراقي الحريص والغيور على وحدة شعب يتلون عرقياً ودينياً ومذهبياً، حتى خاطبته قائلاً:

طويل العمر كنت أتمنى أن يسمع المالكي ومن يتهمون السعودية بأنها وراء جميع متاعب العراق هذا الكلام الجميل لعلهم يتوارون خجلاً ويعيدون النظر بقناعاتهم وحساباتهم.

تجربة ينبغي أن تبقى في الذاكرة بالنسبة لصانع القرار السياسي في العراق في أي محاولة مستقبلية تستهدف إحياء العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين. فهناك اليوم أكثر من مشترك يجمع البلدين، بالطبع مع وجود خلافات في جوانب أخرى. والمهم أن نركز على المشتركات مهما كانت محدودة ونبني عليها مشتركات أخرى ونعمل على تضييق دائرة الخلاف بمرور الوقت حتى ينعم البلدان بعلاقات متميزة ولا أعتقد أن ذلك أمر مستحيل.

زيارة فؤاد معصوم للسعودية ضرورية، ولا بد أنه يحمل معه ملفات يركز عليها الجانب العراقي كالحرب على الإرهاب وأنبوب النفط العراقي السعودي واستعجال إعادة فتح السفارة السعودية في بغداد، وفي الوقت نفسه لا بد أن يعرج على أسباب الخلاف بين الإقليم والمركز على تقاسم الثروة النفطية والغاز، إلى جانب ذلك سوف يطمئن خادم الحرمين الشريفين إلى أن حكومة حيدر العبادي عازمة على المصالحة الوطنية وإصلاح ما أفسده نوري المالكي وخصوصاً في ما يتعلق بإنصاف العرب السنّة بعد أن تعرضوا وما زالوا إلى حملات منظمة من تطهير طائفي لم يسبق أن شهده العراق الحديث.

 

مقابل ذلك لا أعتقد أن المملكة وباستثناء المطالبة بتسليم المحتجزين السعوديين المتهمين بالإرهاب ستفرض شروطاً أو مطالب لكنها ستتحدث عن أمنيات ورغبات تصب في صالح أمن واستقرار العراق، ووحدة شعبه وأرضه والحفاظ على هويته ومنع التدخل في شؤونه وإقامة دولة مؤسسات ونظام. وبالطبع فالسعودية كغيرها من الدول العربية تشعر بالحساسية والحرج البالغ عندما ينفلت حبل الأمن وتصبح الهيمنة لميليشيات مؤدلجة مذهبياً وموجهة خارجياً، أو عندما تصبح الدولة العربية حكراً على طائفة ووبالاً ونقمة على طائفة أو طوائف أخرى، أو عندما تفرّط الدولة بالأمن القومي العربي وتفتح أراضيها للغير للتخريب والتآمر.

لكن من خلال التجربة وعلى قدر ما يتعلق الأمر بالعلاقات مع السعودية فانه ليس المهم ما يناقش أو ما يتفق عليه بل تنفيذ ما يتفق عليه على أرض الواقع، وهنا كان مقتل العلاقة مع نوري المالكي الذي تعهد ونكل، وهو ما ينبغي أن يدركه العبادي منذ البداية. إن العرب جميعاً ومنهم السعودية يتطلعون إلى عراق لكل العراقيين وإلى حكومة جامعة، وهو الأمل والحلم الذي يراود الجميع والذي لم يتحقق حتى الآن على رغم الوعود والتعهدات التي قطعها المالكي على نفسه عشية تشكيل حكومته واعتاد أن يكررها العبادي وآخرها قبل يومين على لسان الناطق باسم حكومته.

حاجة السعودية للعراق ليست كحاجته الماسة إليها، وعلى العبادي أن لا يضيع مزيداً من الفرص بل أن يتحرك بسرعة داخلياً في برنامج الإصلاح والتغيير إذا كان قد اختار صدقاً وكان عازماً وجاداً على إخراج العراق من عزلته، متفهماً أن مقبولية العراق عربياً مرهونة بمقبولية حكومته وطنياً وشعبياً. نقلا عن الحياة

* نائب الرئيس العراقي السابق

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟