المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. عبد العليم محمد
د. عبد العليم محمد

إسرائيل والبحث عن الشرعية تحت الأرض

السبت 15/نوفمبر/2014 - 10:45 ص

تواصل إسرائيل انتهاكاتها فى القدس وفى المسجد الأقصى بصفة خاصة، وتمثل هذه الانتهاكات - رغم فداحتها - الجزء الطافى من جبل الجليد من الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة منذ سنوات عديدة فى المسجد الأقصى والحرم القدسى، فهى - أى هذه الانتهاكات - هى الجزء المرئى،

 بينما هناك ما هو أعظم وأخطر من الانتهاكات التى تتم فى عمق الأرض وأساسات المسجد الأقصى، والتى تتمثل فى الأنفاق التى تقوم إسرائيل بحفرها تحت المسجد الأقصى بزعم البحث عن الهيكل المزعوم.

عمليات حفر الأنفاق التى تقوم بها إسرائيل تحت المسجد الأقصى تتواصل منذ سنوات عديدة وتشارك فيه هيئات يهودية وإسرائيلية مختلفة تحت رعاية السلطات الإسرائيلية، والهدف من هذه العمليات هو البحث عن آثار يهودية تمنح إسرائيل الزعم بأن الصلة بينهم وبين الأراضى الفلسطينية التى يحتلونها صلة تاريخية وحقيقية وتدعم موقفها التفاوضى وتسوغ مشروعها الاستعمارى فى أرض فلسطين.

تبحث الدول عادة عن الشرعية والسيادة عبر المسالك والقنوات المعروفة فى العلاقات الدولية، تبادل العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، وتبادل المصالح والمنافع وقبل كل ذلك التوافق مع قواعد القانون الدولى واحترام معايير حقوق الإنسان، فى حين أن إسرائيل ولعلمها أن الشرعية التى حصلت عليها حتى الآن لاتزال موضع جدل من الناحية القانونية والأخلاقية نظراً لانتهاكها المستمر للمبادئ القانونية والأخلاقية، فهى تسعى عبر عمليات التنقيب والأنفاق والحفر تحت أساسات المسجد الأقصى للبحث عن الشرعية فى باطن الأرض وتحتها، والهدف الإسرائيلى الكائن فى الوعى واللاوعى هو تدعيم الشرعية القائمة على القوة والأمر الواقع بأسانيد وذرائع تاريخية مستخرجة من باطن الأرض الفلسطينية ومن تحت جدران وأساسات المسجد الأقصى لكى تزعم أن الصلة بفلسطين قوية وعميقة وتعود لآلاف السنين.

وبرغم كل هذه الأعمال والتنقيبات فإن حصادها من منظور الأهداف الإسرائيلية ووفقاً للكثير من علماء الأركيولوجيا والآثار ذوى المصداقية والثقة، كان هزيلاً، إذ لم تثبت بعد تلك الصلة المزعومة بين اليهود وبين الأرض الفلسطينية والمسجد الأقصى، ولم تظهر بعد أى آثار يمكنها تأكيد وجود الهيكل اليهودى الجارى البحث عنه.

فى حين أنه يثبت ووفق هؤلاء العلماء أنه كلما تعمق الإسرائيليون فى البحث عن آثارهم فى باطن الأرض وتحت جدران المسجد الأقصى وجدوا ما يثبت هوية هذه الأرض الفلسطينية والعربية والإسلامية ويثبت نسب هذه الأرض إلى الكنعانيين والمسلمين والمسيحيين الذين عاشوا فى أرض فلسطين حقبا طويلة من الزمن، فى حين أن مملكة اليهود التاريخية فى هذه الأرض لم تدم طويلاً، إذ سرعان ما انهارت وتفرق سكانها فى مختلف الأصقاع والبقاع، بل ولم يتمكنوا من التجمع مرة ثانية فى مملكتهم التى انزوت وطوتها صفحات التاريخ، والأمر الثابت تاريخياً أن وجود اليهود فى هذه البقعة من الأرض «فلسطين» كان وجوداً عابراً وطارئاً واستثنائياً مقارنة بوجود القبائل العربية والمسلمين واستمرار وجودهم إلى حد أنه يصعب نزع بصماتهم فى التاريخ الموغل فى القدم لهذه الأرض.

الهدف الإسرائيلى من عمليات الاعتداء والتنقيب والحفر تحت المسجد الأقصى يتمثل فى إقامة الصلة بين حاضر إسرائيل وماضيها المزعوم فى المنطقة، باعتبار أن التاريخ أحد مسوغات الشرعية والمشروعية التى تتمتع بمصداقية لا تتوافر حالياً لإسرائيل لاستناد شرعيتها على القوة والغطرسة والأمر الواقع، تهدف إسرائيل إلى البحث عن عمق تاريخى لها فى الأرض التى استعمرتها بعد أن اكتشفت طيلة هذه العقود أن شرعيتها غير مكتملة ومنقوصة ومطعون فيها تاريخياً، وأن جميع السبل التقليدية للحصول على الشرعية والاعتراف والسيادة ستظل كذلك غير كافية مادامت لا تدعمها الوقائع التاريخية.

وبالإضافة إلى ذلك فإن هدف إسرائيل الثانى من وراء تخريب الأقصى والتنقيب فى أسفل جدرانه يتمثل فى إثبات صلة النسب المزعومة بين يهود إسرائيل والعبرانيين القدامى الذين أقاموا فى هذه الأرض بعض الوقت، وتلك لعمرى أسطورة جديدة تضاف إلى قائمة الأساطير المؤسسة للدولة الصهيونية، وتتمثل هذه الأسطورة الجديدة فى القول بأن اليهود عرق نقى لم يختلط بالأعراق الأخرى وظل محافظاً على نقائه العرقى طيلة هذه القرون، وذلك يخالف كل ما أجمعت عليه الدراسات والبحوث التاريخية حول اختلاط الأعراق والسلالات البشرية عبر الهجرات الطوعية والقسرية والتداخل والتفاعل بين البشر، وانطبق ذلك على اليهود كما انطبق على غيرهم من الأقوام والممالك والشعوب ولا يوجد أى استثناء فى ذلك التاريخ لأى جماعة بشرية يخول لها القول بإنها نقية عنصرياً وعرقياً، ويزداد هذا الأمر وضوحاً بمعرفة طبيعة الهجرات التى شكلت إسرائيل الحالية وأصولها الجغرافية والعرقية.

إن هذا البحث الإسرائيلى عن الشرعية تحت وفى باطن الأرض لن يجدى نفعاً ولا يمكن أن يشكل بديلاً عن الاعتراف الإسرائيلى بمشروعية الحقوق الفلسطينية فى حدها الأدنى، أى الدولة فى حدود الأراضى التى احتلت عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية وحل مشكلة اللاجئين، فبهذا الطريق وحده تستكمل إسرائيل رحلة البحث عن الشرعية بدلاً من الهروب من الواقع والغوص فى باطن الأرض.

قد تستطيع إسرائيل مؤقتاً - وباستخدام القوة والنفوذ لدى الدوائر الإعلامية والاستراتيجية والسياسية الغربية التشويش على الصوت والرواية الفلسطينية لوقائع الصراع العربى - الإسرائيلى، ولكنها لا تستطيع فى الحال أو الاستقبال إسكات صوت التاريخ الفلسطينى والعربى فى أرض فلسطين، ومع ذلك فإن إسرائيل تواصل مسيرة الهروب إلى الأمام وترفض التسليم بحقوق الشعب الفلسطينى وتغوص فى باطن الأرض بحثاً عن تاريخ فقد ملامحه منذ زمن طويل. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟