المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. حمدي عبد الرحمن
د. حمدي عبد الرحمن

مصر وتحولات الإرهاب فى غرب إفريقيا

الأربعاء 19/نوفمبر/2014 - 10:48 ص

لقد كانت مصر عبر التاريخ منارة اشعاع ثقافيا ومركز اتصال وتواصل مع غرب إفريقيا.وتفيد المصادر أن الأزهر الشريف خصص رواقا من أروقته التعليمية لأبناء هذه المنطقة عرف باسم «رواق البرنوية».

بل أن أهل كانم وبورنو أقاموا مدرسة لهم فى الفسطاط تسمى مدرسة «ابن رشيق» لتدريس الفقه المالكى ولتكون نزلا يقيم فيه حجاج سلطنة بورنو. والأكثر من ذلك فان بعضا من تجار كانم أقاموا فى مصر واتخذوا من مدينة «قوص» فى صعيدها مركزا لتجارتهم. يؤكد ذلك من حيث المعنى والدلالة أن مصر لا تملك ترف الاستغناء عن ظهيرها الاستراتيجى فى الغرب الأفريقى.

وتواجه منطقة غرب إفريقيا اليوم أخطر أزمتين فى تاريخها يؤثران على مسارات نهضتها التنموية: الخطر الأول،هو انتشار فيروس الايبولا والثانى هو وباء الارهاب الذى تبثه جماعة بوكوحرام وغيرها من الجماعات التكفيرية المتطرفة. وعلى الرغم من التداعيات الخطيرة لمرض الايبولا الذى يهلك الحرث والنسل فانه لايرتبط بطائفة أو معتقد كما هو الحال بالنسبة للارهاب، وهو ما يعنى امكانية محاصرته والتغلب عليه تماما كما فعلت نيجيريا. يعنى ذلك أن وباء الفكر يعد أشد خطرا وفتكا من وباء الجسد.لقد أظهر شريط الفيديو الذى بثته بوكو حرام مؤخرا تحولا كبيرا فى فكر وحركة الجماعة الارهابية وعلاقتها بالدولة النيجيرية. إذ يبدو واضحا أن الجماعة انتقلت إلى طور التمكين وبناء الامارة. لقد ظهر أميرها أبوبكر شيكاو خطيبا للجمعة مرتديا لأول مرة زى الأئمة التقليدى ، وهو ما يعيد إلى الذاكرة مشهد زعيم داعش أبوبكر البغدادى حينما وقف خطيبا فى أحد مساجد الموصل.

واللافت للانتباه هنا أن خطبة زعيم بوكوحرام التى جاءت فى معظمها باللغة العربية أكدت قوة وسيطرة الجماعة على دولة الخلافة الاسلامية المزعومة فى مدينة جوزا بولاية بورنو فى الشمال النيجيري. ومن جهة أخرى أكد خطاب بوكو حرام الجديد مفهوم الأممية الاسلامية وارتباطه بدولة الخلافة الداعشية فى العراق وبلاد الشام . واذا كان التوكيد على شرعنة وتبرير قتل المخالفين ليس جديدا فى خطاب هذه الجماعة فان الجديد هو الاعلان عن الاسم المفضل لأعضائها وهو : «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد». وربما يساعدنا ذلك على فهم القواسم المشتركة التى أضحت تميز عولمة حركات السلفية الجهادية فى كل مكان.

ولاشك أن إعادة فهم الظاهرة الارهابية الجديدة فى غرب إفريقيا تساعدنا على استخلاص الدروس والعبر لبناء استراتيجية متكاملة لمواجهة امتداداتها فى مصر والشمال الإفريقى.إذ يتعين بداءة التمييز بين الارهاب السياسى والارهاب الذى يقوم على اسناد دينى. فالتوظيف السياسى للدين يجعل من العنف السياسى لدى الحركات الأصولية المتطرفة وسيلة مقدسة للوصول الى حتميات الهية يؤمنون بها.والمثير هنا أن الاحساس بالاغتراب الفكرى لدى أعضاء هذه الحركات واستخدامها خطابا ديماجوجيا يؤكد على مفردات من قبيل «الكفار» و«أبناء الشيطان» يصبح مسوغا لاستخدام العنف والقتل بلا رحمة ويفصل الجانى عن المجنى عليه شعوريا.

وانطلاقا من خبرة الأصولية الجهادية المتطرفة فى غرب إفريقيا نستطيع أن نشير إلى مصادر ثلاثة تفضى إلى العنف الديني: أولها فكرة الخلاص من المجتمع الفاسد انطلاقا من رؤية مثالية تذكرنا بأفكار السهروردى فى كتاباته عن « المظهر الأعظم» والذى يفسره المتصوفة بالانسان الكامل. هناك دائما دعوة للخلاص والخروج من هذا العالم. والطريف أن فكرة الخلاص تلك استخدمتها أدبيات جيش الرب للمقاومة فى أوغندا استنادا إلى فهم معين للتقاليد المسيحية. أما المصدر الثانى للتطرف الدينى فهو يتمثل فى مفهوم الجماعة المختارة أو تلك التى تعتقد أنها ناجية ، ولعل ذلك يبرر مظاهر عدم التسامح مع الجماعات الأخري. فقد قامت بوكو حرام باغتيال أمير جوزا المسلم وأحرقت عددا من المساجد. ويتمثل المصدر الثالث فى الهوس الدينى بفكرة معينة والتى تدفع إلى تطوير مباديء دينية بديلة من أجل التبرير واضفاء الشرعية. وعلى سبيل المثال فان فكرة الخلافة وعدم موالاة الكفار كان لها دائما مكانة محورية فى الفكر السياسى والدينى السائد فى غرب إفريقيا منذ القرن التاسع عشر.

واذا كانت الحلول الأمنية والعسكرية تعد حاسمة ولازمة لمواجهة مظاهر العنف المسلح للحركات التكفيرية فان ما يمكن أن نسميه «الاقتراب الناعم»يعد الأنسب لتجفيف منابع التطرف والتعصب على المدى الطويل. وعلى سبيل المثال يمثل اصلاح التعليم واعادة النظر فى الخطاب الدينى السائد أولوية قصوى عند الحديث عن أى استراتيجية متكاملة لمحاربة الارهاب. لقد أسهمت الفتاوى الدينية التحريضية بدور مباشر فى إثارة نوازع العنف والتخريب فى أنحاء مختلفة من العالم. يمكن أن نذكر فى هذا السياق بفتوى الامام الخمينى عام 1989 الداعية إلى اغتيال الكاتب البريطانى سلمان رشدى صاحب رواية آيات شيطانية ، وفتوى الشيخ عمر عبدالرحمن التى مهدت لمحاولة تدمير أحد أبراج التجارة الأمريكية عام 1993. ولعل هذا الخطاب المتشدد والفتاوى التحريضية هو ما يضفى طابعا شرعيا وتبريريا لأعمال العنف المستندة على الدين. لقد لوحظ أن معظم أعمال العنف فى المدن النيجيرية خلال السنوات العشرة الأخيرة تحدث فى أعقاب صلاة الجمعة ، وهو ما يعنى وظيفية لغة التحريض فى المساجد واستخدامها كأداة لبث الكراهية فى نفوس المصلين تجاه أصحاب العقائد الأخرى أو ضد الدولة العلمانية «الكافرة» على حد زعمهم.

 

وتظهر القواسم المشتركة بين الظاهرة الارهابية فى مصر وغرب إفريقيا أهمية تبنى هذا الاقتراب الناعم فى مواجهة مظاهر التطرف غير العنيف.فالروايات والأيديولوجيات التى تروج لها الجماعات والحركات التكفيرية ترفض دائما مفاهيم الدولة الوطنية والعلاقة مع الآخرغير المسلم. وتعبر هذه الآراء عن جهل وتفسير خاطىء وملتو للنصوص الدينية. ولعل ذلك يستدعى أهمية الحوار الفكرى وإعادة تأسيس مناهج التعليم لتكرس قيم المواطنة والانتماء، وتؤكد على تدريس التفكير النقدى وإعمال قواعد المنطق العلمي. على أن جهود مكافحة التطرف والارهاب لن يكتب لها النجاح دون مشاركة مجتمعية فعالة من خلال مؤسسات المجتمع المدنى التى يتوقع منها أن تقوم بحملة دبلوماسية شعبية من أجل نشر روح التسامح الدينى وتعزيز استخدام الخطاب المعتدل والتعليم كوسيلة للتصدى للتطرف الفكرى.

ولايخفى أن القيادة المصرية تدرك أهمية دورها فى تبنى ونشرهذا الاقتراب الناعم من خلال قدراتها ومؤسساتها العتيدة حيث أرسل الأزهر فى سبتمبر 2014 أول قوافله الدعوية لمكافحة التطرف الفكرى فى بلدان غرب إفريقيا .إنها مسئولية مشتركة لمواجهة خطر الارهاب الذى يصيب الفكر فيصبح أشد فتكا من خطر فيروس الايبولا الذى يصيب الجسد. نقلا عن الأهرام

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟