المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

تحالفات جديدة: أبعاد العلاقات المصرية – القبرصية – اليونانية

السبت 22/نوفمبر/2014 - 11:10 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
شريف شعبان مبروك

ظلَّت علاقات مصر مع اليونان وقبرص لسنوات طويلة فاعلة، وظل التعاون خلال تلك السنوات كاملًا، ثم جاءت سنوات التراجع التي وضعنا 99٪ من أوراق اللعبة في يد أمريكا، وأهدرنا كل علاقاتنا بدول العالم، من روسيا والصين والهند، إلى إفريقيا ودول المتوسط، ولكن في ظل التحولات الإستراتيجية الراهنة تسير تحركات السياسة الخارجية المصرية في اتجاهات مختلفة وتجاه أطراف محددة، فبعد أن استعادت مصر بالثورة استقلالها الحقيقي، وعادت لتقيم علاقاتها على أساس التكافؤ وتحقيق المصالح والشراكة الإستراتيجية المشتركة، وما أكثر هذه المصالح التي يمكن أن تتحقَّق بالتعاون مع اليونان وقبرص، وهذا التعاون ليس موجَّهًا ضد أحد، ولكنه يستهدف الحفاظ على الحقوق ومنع أي انتهاكات لها أو سطو عليها.

وتنبع أهمية الشراكة الإستراتيجية التي دشنت أخيرًا بين مصر وقبرص واليونان، حيث يجمع الأطراف الثلاثة قاسم مشترك في التوجهات يمكن على أساسه تدشين ركائز حقيقية قابلة للظهور في صورة سياسات عملية، برزت مؤشراتها الأولى في "إعلان القاهرة" الذي ركز على محاور أربعة، تتمثل في الأمن والتنمية والاستقرار والمكانة، تمهد لنمط من التعاون الإقليمي "الناشئ"، ويستفيد من آليات مواجهة تعثر تجربة "الاتحاد من أجل المتوسط" منذ سنوات، وتتمثل القاعدة التي يتم الارتكاز عليها في التأكيد على أن كل طرف يعرف مصالحه، ويتحرك وفقا لما يدركه، في سياق التفكير بجدية في "توازن المصالح"، بين الدول الثلاث إزاء مشكلة داخلية أو علاقة خارجية أو دولة مجاورة أو تحولات "غير مرئية"، تعد مصلحة أو تمثل تهديدًا(1).

ومن ناحية أخرى، فإن التعاون المشترك، يرمي في "أجندته الضمنية" إلى مواجهة التصعيد التركي مع الدول الثلاث، سياسيًا وأمنيًا مع مصر، واقتصاديًا وعسكريًا مع "قبرص اليونانية"، بما يجعل هذه القمة أقرب ما تكون لـ "قمة استباقية" تضمن مصالح أطرافها في مواجهة أية تهديدات محتملة أيا كان مصدرها(2)، خاصة بعد أن دخلت المواجهة الدولية مع تركيا، التي تبلورت في القاهرة بعد توقيع مصر وقبرص واليونان "إعلان القاهرة"، مرحلة "التهديد بالحرب"، بإعلان أنقرة تفويض الحكومة التركية قواتها البحرية بتطبيق قواعد الاشتباكات، لمواجهة التوتر المتزايد بين الدول الساحلية التي تشمل تركيا وقبرص اليونانية ومصر، بسبب مشروعات التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط(3).

كما ينبغي الالتفات إلى أن إسرائيل التي تسعى للسطو على حقوق الغير في غاز البحر المتوسط، قد استبقت لقاء القاهرة بتحذير قبرص وتوجيه التهديدات بشأن ترسيم الحدود البحرية التي تريد إسرائيل أن تحددها على هواها ودون التزام بالمواثيق الدولية، وبالتعدي على حقوق الآخرين، خاصة وأن "القمة الثلاثية" بين رؤساء مصر واليونان وقبرص تترقبها إسرائيل عن كثب بعد صعود العلاقات القبرصية - المصرية إلى أعلى المستويات، خاصة بعد إعلان نيقوسيا عن قرب التوصل إلى اتفاق حول غاز البحر المتوسط التي تشارك إسرائيل في السيطرة عليه بمنطقة أفروديت القبرصية. ومن هنا تأتى أهمية الرسالة التي بعث بها "إعلان القاهرة" بهذا الشأن لكل الأطراف، وفى مقدمتها تركيا وإسرائيل(4).

ترتبط مصر وقبرص بعلاقات متميزة، وتاريخية ساعد في تعزيزها القرب الجغرافي والتناغم الحضاري والثقافي بين الشعبين

أولا- الأبعاد السياسية في العلاقات المصرية – القبرصية - اليونانية

تُعد القمة الثلاثية من المراحل المهمة للسياسة الخارجية المصرية، حيث تجمع مصر مع اليونان علاقات ذات طابع خاص، وتعود تاريخ العلاقات المصرية - اليونانية إلى ما قبل الميلاد بنحو 300 عام، لذلك فهي من أقدم العلاقات بين بلدين في العالم، ولعبت الجغرافيا دورًا مهمًا في تأسيس هذه العلاقات وتطورها على مر التاريخ، وحرص البلدان على استمرارها في أفضل صورة لمصلحتهما المشتركة(5).

وفيما ترتبط مصر مع قبرص بعلاقات قوية ومتميزة، فكانت مصر من أوائل الدول التي سارعت بالاعتراف بالجمهورية القبرصية وتبادلت العلاقات الدبلوماسية معها منذ عام 1960، وترتبط مصر وقبرص بعلاقات متميزة، وتاريخية ساعد في تعزيزها القرب الجغرافي والتناغم الحضاري والثقافي بين الشعبين، كما أن هناك تنسيقًا مستمرًا بين البلدين على المستوى السياسي في إطار الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأخيرًا في إطار مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط(6).

وتمر العلاقات بين الدول الثلاث في كل المجالات بمرحلة من التقارب الشديد، حيث شهدت خلال الفترة الأخيرة حراكًا سياسيًا غير مسبوق، ففي 25 سبتمبر 2014 شارك وزير الخارجية سامح شكري على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، في اجتماع آلية المشاورات الثلاثية مع وزيري خارجية كل من اليونان وقبرص والتي تعقد اجتماعاتها بشكل دوري بهدف دعم العلاقات الثنائية وتعزيز التشاور المشترك بين الدول الثلاث حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك وبما يحقق مصالحها المشتركة، واتفق الوزراء الثلاثة على تطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات بما يحقق مصالح الشعوب وتعزيز التشاور والزيارات المتبادلة على أعلى مستوى، وبناءً عليه تم عقد قمة ثلاثية في القاهرة لرؤساء مصر واليونان وقبرص وعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي في قبرص والذي تم خلاله الإعداد للقمة(7).

وفي 20 يناير 2014، قام الرئيس السابق عدلي منصور بزيارة لليونان، أجرى خلالها مباحثات مع الرئيس اليوناني كارلوس بابولياس، ورئيس الوزراء أندونيس ساماراس، وأكدت المباحثات على التقارب الكبير بين البلدين، بشأن العديد من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، الأمر الذي يجسد أواصر الصداقة الممتدة بين الشعبين عبر تاريخهما الطويل، وكذلك الدفع بالتعاون في إطار الاتحاد من أجل المتوسط، بالإضافة إلى العمل على تعميق العلاقات الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي، الذي تتولى اليونان رئاسته الدورية حاليا، وصولا لحصول مصر على وضعية متقدمة في إطار الشراكة مع الاتحاد(8).

كما شهدت قبرص تبادلا للزيارات لدعم وتوطيد العلاقات بين البلدين ففي 23 من سبتمبر 2014 استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي بنيويورك نيكوس أنستاسيادس رئيس جمهورية قبرص، على هامش أعمال الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وأشاد الرئيس القبرصي بالموقف المصري إزاء المشكلة القبرصية في منظمة التعاون الإسلامي، مؤكدًا على عمق العلاقات المصرية - القبرصية، سواء على الصعيد الثنائي، أو من خلال المواقف القبرصية المؤيدة لمصر في إطار الاتحاد الأوروبي، وأصدر الرئيسان بيانًا مشتركًا عقب اللقاء تضمن، تأكيد قبرص على دعمها لخارطة المستقبل التي أقرها الشعب المصري، وتوافق رؤى الجانبين على أهمية تعاون القوى المعتدلة للتعامل مع التحديات الإقليمية، والقضاء على الإرهاب(9).

بلغ حجم الاستثمارات اليونانية في مصر نحو 3 مليارات دولار، لتحتل بذلك المركز الرابع بين دول الاتحاد الأوروبي من حيث الاستثمار في مصر

ثانيا- الأبعاد الاقتصادية في العلاقات المصرية – القبرصية - اليونانية

يعتبر الجانب الاقتصادي من أهم المجالات التي ناقشتها القمة الثلاثية، حيث تجمع مصر واليونان علاقات اقتصادية قوية وتزداد باستمرار، فالشركات اليونانية لم تنسحب من مصر خلال أحداث ثورة يناير 2011، وما تلاها من أحداث، ولم تتأثر بالأحداث وكذلك بالأزمة الاقتصادية التي شهدتها اليونان(10).

هذا في حين بلغ حجم الاستثمارات اليونانية في مصر نحو 3 مليارات دولار، لتحتل بذلك المركز الرابع بين دول الاتحاد الأوروبي من حيث الاستثمار في مصر، وبلغ عدد المشروعات الاستثمارية اليونانية 104 مشروعات، تتوزع في عدد من القطاعات الإنتاجية والخدمية، من أبرزها الصناعات الكيماوية، وصناعة النسيج، ومواد البناء، وصناعة الأغذية، والخدمات التجارية والاستشارية، و مشروعات النقل والخدمات العامة(11).

كما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال النصف الأول من عام 2014 نحو 1.3 مليار دولار، بنسبة زيادة قدرها 79٪ مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2013، ومن المتوقع أن يصل حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 3 مليارات دولار بنهاية العام الجاري(12).

في المقابل، تحتل مصر المركز السادس بين شركاء اليونان على مستوى العالم، نظرًا لزيادة صادراتها بنحو 150%، فيما زادت الصادرات اليونانية إلى مصر بنحو 41% مقارنة بالعام 2013، فقد كانت تحتل المركز التاسع، وهو ما يوضح أن مصر تمثل الشريك الاقتصادي الأهم لليونان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا(13).

وفي ذات السياق، ترتبط مصر وقبرص بعلاقات متميزة، وتاريخية ساعد في تعزيزها القرب الجغرافي والتناغم الحضاري والثقافي بين الشعبين، كما أن هناك تنسيقًا مستمرًا بين البلدين على المستوى السياسي في إطار الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأخيرًا في إطار مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط(14).

وعلى الجانب الاقتصادي فحجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ خلال عام 2013 نحو 67.5 مليون يورو، وهو الأمر الذي يتطلب المزيد من التنسيق والتعاون لزيادة حجم التجارة والاستثمار المشترك، ويصل إجمالي عدد الشركات القبرصية المستثمرة في مصر نحو 140 شركة، ويجب العمل على تفعيل مجلس الأعمال المشترك بين الجانبين، ويجري حاليًا الانتهاء من تشكيل الجانب المصري بالمجلس، حيث سيلعب دورًا كبيرًا ومؤثرًا في فتح مجالات عديدة للتعاون المشترك بين الشركات المصرية ونظيرتها القبرصية، خاصة في المشروعات التنموية والمقاولات والبنية التحتية وتدوير المخلفات والطاقة وتجارة التجزئة(15).

كما يجري العمل حاليًا على ترجمة ما تم الاتفاق عليه خلال كل من القمة الثنائية بين رئيس الجمهورية ورئيس وزراء اليونان، والقمة الثلاثية مع رئيس جمهورية قبرص إلى نتائج ملموسة تسهم في توسيع وتعميق التعاون في مقدمتها مراجعة الأطر التعاقدية لمختلف جوانب العلاقات الاقتصادية والتجارية، مع ربط الموانئ بين البلدين لتكون اليونان بمثابة بوابة للصادرات المصرية إلى دول وسط وشرق أوروبا وغرب البلقان، وتكثيف مشاركة الشركات اليونانية في تنمية محور قناة السويس والساحل الشمالي، خاصة وأن الأسابيع الماضية شهدت تكثيفًا للتواصل بين مؤسسات الأعمال في البلدين وتدشين مجلس رجال الأعمال المشترك، والذى ينتظر عقد الدورة الأولى له بالقاهرة خلال الأسبوع الأول من ديسمبر 2014(16).

وفي مجال السياحة، أعادت اليونان تشغيل رحلات الطيران إلى مصر مع بداية العام الجاري، وهو ما يعكس ثقة السائح اليوناني في استقرار الأوضاع في مصر، حيث يرتبط المواطن اليوناني بأواصر متعددة مع مصر أهمها تاريخ الجالية اليونانية بمختلف المدن خلال القرنين الماضيين، بالإضافة إلى البعد الديني المتمثل في تواجد البطريركية اليونانية بالإسكندرية ودير سانت كاترين بجنوب سيناء(17).

وقد قعت كل من مصر واليونان وقبرص في نهاية أكتوبر 2014، على مذكرة تفاهم مشتركة في مجال التعاون السياحي، وذلك في اطار رغبة الهيئات الخاصة بتنشيط السياحة في الدول الثلاث على التعاون الوثيق فيما بينها في المجال السياحي، إدراكًا من الأهمية التي تمثلها السياحة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وبموجب هذه الاتفاقية، تتفق الدول الثلاث على تبادل المعلومات والنشرات والإحصائيات والمواد الدعائية السياحية، وتبادل الاشتراك في المعارض والمهرجانات والمناسبات السياحية التي تقام في الدول الثلاث، إلى جانب تشجيع وكالات السفر والسياحة على تنظيم برامج سياحية تضم الدول الثلاث وتوجه تلك البرامج للأسواق البعيدة، ودفع فكرة إنشاء مجلس تعاون سياحي بين الغرف السياحية في الدول الثلاث، بالإضافة إلى تشجيع تقديم مزيد من التسهيلات في إجراءات الدخول لزيادة الحركة السياحية بين الدول الثلاث(18).

كما شملت الاتفاقية تبادل زيارات المسئولين والصحافيين السياحيين وممثلي وسائل الأعلام المختلفة للتعرف على الأنماط السياحية الجديدة، وخاصة تبادل المعلومات والخبرات في مجال التدريب السياحي والفندقي وتشجيع تبادل المنح الدراسية في مجال السياحة والفندقة والاستفادة من الخبرة المميزة لكل دولة، وفي مجال الاستثمار السياحي اتفقت الدول الثلاث على تبادل الخبرات والمعلومات في مجالات فرص الاستثمار والتخطيط السياحي بالمناطق السياحية الجديدة، مشيرين إلى كيفية تشييد المارينا على الشواطئ، وتبادل الخبرات حول الحوافز والتسهيلات والضمانات التي تقدم إلى المستثمرين في مجال الاستثمار السياحي(19).

ثالثا- الأبعاد النفطية في العلاقات المصرية – القبرصية - اليونانية

أكد "إعلان القاهرة" على أن الدول الثلاث الموقعة عليه عازمة على توطيد التعاون فيما بينها لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه الاستقرار والأمن والرفاهية في منطقة شرق المتوسط، حيث أن أهم هذه التحديات تتمثل في عدم التوصل لتسوية الصراع العربي - الإسرائيلي، وانتشار المعتقدات القائمة على الإقصاء والتطرف والطائفية، والإرهاب والعنف المدفوع بمذاهب أيديولوجية، وأشار الإعلان أيضًا إلى أن هذه التحديات لا تهدد فقط السلام الدولي والإقليمي، وتعيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية فحسب، وإنما أيضا تهدد مفهوم الدولة ذاته وتنشر الفوضى والدمار، كما شدد الإعلان أيضا على ضرورة أن تكون الاكتشافات الضخمة من الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط حافزًا لتشجيع التعاون الإقليمي، وليست باعثًا على الصراع والتوتر بين دول المنطقة، كما أكد الإعلان ضرورة التوصل السريع لترسيم الحدود البحرية بين دول المنطقة استنادًا إلى معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار، مطالبا تركيا بضرورة اِحترام الحقوق السيادية وولاية جمهورية قبرص على منطقتها الاقتصادية الخالصة(20).

ومن هذا المنطلق، يُعد "إعلان القاهرة" محاولة لإقامة تحالف بين الدول الثلاث ضد التوسع غير المحمود للأتراك في مناطق الغاز القبرصي بالبحر المتوسط، حيث تتجه الإرادة المصرية  من جهة، إلى تضييق الخناق على تركيا في محور البحر المتوسط، بعد أن أغلقت عليها التواصل المباشر مع دول الخليج بإلغائها اتفاقية "الرورو" مع تركيا لتمنع مرور الشاحنات والسفن التركية المتجهة إلى دول الخليج عبر أراضيها، وهي بذلك الإجراء والتحالف الجديد مع قبرص واليونان يمكنها أن تضمن اتفاقًا واضحًا لترسيم المناطق الاقتصادية الخاصة بالمياه الإقليمية خاصة بين مصر وقبرص للاستفادة من الموارد الطبيعية في تلك المناطق، خاصة آبار الغاز الطبيعي المكتشفة هناك، بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الدول الثلاث أدوات كثيرة لعقاب أنقرة على تطاولها، وأن مصر تمتلك أيضا ورقة أرمينيا إلى جانب اليونان وقبرص في الرد على مواقف تركيا، وكذلك هناك ورقة حزب العمال الكردستاني، ولكن مصر تفضل عدم الانخراط في الرد على الاستفزازات التركية إلا بشكل عملي(21).

ومن جهة أخرى، ترسل مصر بإشارات أخرى إلى تعقد البيئة السياسية والاستراتيجية لتطوير وتصدير الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، خاصة أن إسرائيل تتجه، استنادًا إلى قوتها العسكرية والدعم الأمريكي لها، إلى الاستحواذ على حقوق لبنان وفلسطين في الغاز المكتشف، كما أن استمرار حالة الحرب السائدة في علاقة تل أبيب مع لبنان وسوريا، وعدم وجود ترسيم معترف به دوليا للحدود البحرية الإسرائيلية مع مصر ولبنان وبالطبع فلسطين المحتلة يضع علامات استفهام كبرى حول التعاون الإقليمي بشان هذه الاكتشافات، فإذا ما أضيف إلى ذلك النزاع المزمن بين تركيا وجمهورية قبرص حول مسألة قبرص الشمالية، وعدم الاستقرار وانتشار الأعمال الإرهابية في سوريا والعراق وليبيا ومصر(22).

ومن ناحية ثالثة، يجب أن نتفهم جيدًا توجهات وترتيبات الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي المستقبلية إزاء "خريطة الطاقة لشرق المتوسط"، خاصة في ضوء أن إيصال الغاز في الشرق المتوسطي إلى الأسواق الأوروبية، جزء مهم في محاولة واشنطن فك اعتماد أوروبا تدريجيًا على صادرات الغاز الروسي، حيث تتبنى الإدارة الأمريكية في الوقت الحالي عددًا من المحاولات التفاوضية بين دول شرق المتوسط، وهو ما أكد عليه نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن، بشأن مواضيع شرق أوسطية عدة في خطاب له في 2 أكتوبر 2014 في جامعة هارفرد، عن دور تركيا في تطوير تحالف بين مصر وإسرائيل وقبرص واليونان حول "خريطة الطاقة لشرق المتوسط"، وأشار إلى اهتمامه بالمسألة القبرصية منذ فترة حين كان عضوًا في مجلس الشيوخ لولاية "ديلاوير" نظرًا إلى العدد الكبير للسكان من اصل يوناني في ولايته(23).

وتطرق بايدن إلى ثلاثة متغيرات أساسية في شرق المتوسط: حلف طاقوي إقليمي جديد يشمل مصر وإسرائيل وقبرص وتركيا واليونان، لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر تشييد أنابيب إلى تركيا واليونان، ومن ثم دول السوق الأوروبية، ثم التوصل إلى حل للمشكلة القبرصية من خلال توحيد الجزيرة على أساس إدارتين منفصلتين (يونانية وتركية)، والإشارة إلى استعداد الرئيس التركي أردوغان للقبول بتوحيدها على رغم اعتراضات الجيش على هذه الخطوة، فقد انتهت الأخطار التي دعت إلى احتلال الجزء الشمالي من الجزيرة عام 1974، بخاصة المخاوف من تهديد اليونان للمصالح التركية في الجزيرة، وإمكان التوصل إلى حلول وسطية إيجابية تتجاوز المخاوف القديمة، وأخيرًا، اهتمام أردوغان بتطوير مصادر الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، لحاجة تركيا الاقتصادية(24).

واعتبر بايدن أن إيصال الغاز الشرق المتوسطي إلى الأسواق الأوروبية، جزء مهم في محاولة واشنطن فك اعتماد أوروبا تدريجيًا على صادرات الغاز الروسي، وقال: أولًا: تتفهم تركيا تمامًا أن ليس من مصلحتها بعد الآن وجود جنودها في قبرص. احتلت تركيا الجزء الشمالي من الجزيرة في 1974 لاعتقاد في حينه بأن اليونان كانت وراء الانقلاب العسكري القبرصي للإضرار بالمصالح التركية في قبرص. ثانيًا: انفصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن الطرف الأساسي الذي لديه مصلحة في استمرار الاحتلال وهو الجيش. ثالثًا: التزم بالاجتماع معي في أنقرة لدرس إمكان تحقيق أمرين، أولهما الوصول إلى حل يقول انه سيوافق عليه، أي جزيرة لمجتمعين ومنطقتين إداريتين (bi-communal bi-zonal island)، وثانيهما أنه بدأ يشعر، أن هناك مصلحة كبرى لتركيا في الاستفادة من الغاز في شرق المتوسط، ما سيحرر تركيا واليونان من الاعتماد على استيراد الغاز الروسي عبر الأنابيب، فهذه هي الطريقة التي تستعمل فيها روسيا هذا المورد كسلاح.

كما أصبح من الواضح أيضًا، أن القبارصة اليونانيين سيفكرون مليًا بخطورة الاعتماد على خط أنابيب لتصدير الغاز يمر عبر الأراضي التركية، لأنه سيكون تحت رحمة انقره في احترام رسوم الترانزيت أو السماح بالإمدادات للوصول إلى السوق الأوروبية، آخذين في الاعتبار العلاقات التاريخية المتأزمة بين نيقوسيا وأنقرة. ولا تشجعها على ذلك التجربة الصعبة لتصدير الغاز الروسي عبر أوكرانيا، أو تصدير الغاز العراقي من إقليم كردستان إلى ميناء جيهان التركي عبر خط الأنابيب العراقي- التركي، كما يفترض أيضًا أن يشكل تصدير الغاز المصري والإسرائيلي مع الغاز القبرصي في الأنبوب ذاته، رادعًا لأنقرة في منع الصادرات أو في زيادة تعرفة الترانزيت، لكن تجاربها الأخيرة مع إسرائيل، خصوصًا أثناء عدوانها على غزة، أدى إلى توتير العلاقات بين البلدين، كما أن انحياز انقره إلى حركة الإخوان المسلمين أغضب مصر(25).

ومن ثم، يصبح من الضروري قيام المسئولين في الدول المصدرة الثلاث بالتفكير جديًا في أخطار عبور صادراتهم الغازية عبر تركيا التي أصبحت عنصرًا أساسًا في مشكلات الشرق الأوسط، قبل اتخاذ قرار حول هذه المخططات نظرًا إلى تكاليف تشييد الأنابيب، وأهم من ذلك، الاعتماد الكبير للاقتصاد على ريع الغاز. وستدرس الدول المصدرة ضمانات قد تقدمها لها أنقرة في الالتزام بالاتفاقات، والالتزامات الأمريكية في ضمانها، إذا كانت واشنطن مستعدة لذلك(26).

يُعد "إعلان القاهرة" محاولة لإقامة تحالف بين الدول الثلاث ضد التوسع غير المحمود للأتراك في مناطق الغاز القبرصي بالبحر المتوسط

رابعا- مستقبل العلاقات المصرية - اليونانية - القبرصية

تحفل الصحافة اليونانية بمقالات وتحليلات عن تطور العلاقات بين اليونان وقبرص من جهة ومصر من جهة أخرى، وتتطرق تلك المقالات إلى التطور اللافت للنظر في هذا الجانب، خصوصًا أن العلاقات المصرية مع "الجارة" تركيا في تدهور وتوتر مستمرين، وكانت الصحافة اليونانية شهدت النوعية ذاتها من المقالات مع التقارب اليوناني - الإسرائيلي الذي بدأ في عام 2010، بآمال واسعة في تعاون اقتصادي يخرج اليونان من أزمتها، وبعد أربع سنوات من تلك البداية، لا يبدو أن هذه الاتفاقات نُفذت إلا في المجالين العسكري والأمني، ما يهمّ الجانب الإسرائيلي تحديدًا.

وعلى رغم التطور اللافت في العلاقات التركية - اليونانية مع استلام "حزب العدالة والتنمية" التركي الحكم في أنقرة على المستويين السياسي والاقتصادي، لا يزال المسئولون اليونانيون منزعجين من مواقف أنقرة تجاه المسألة القبرصية، وتسعى أثينا إلى التحالف مع أي دولة في المنطقة للوقوف في وجه تركيا، ويبدو أنها وجدت مبتغاها في القاهرة اللاعب المهم في المنطقة، والكلمة الأكثر استعمالًا في هذا المجال هي الاستقرار، بمعنى أن التحالف الجديد سيساهم في جلب الاستقرار للمنطقة، وبالتالي هناك ضمان للمصالح الاقتصادية.

وفي هذا المجال، عُقد أخيرًا أكثر من اجتماع للتنسيق بين مسئولي الدول الثلاث في الأمم المتحدة، وكان في مقدمة المواضيع الغاز الطبيعي والحدود البحرية لكل بلد، ويُتوقع أن تكون الخطوة المقبلة محاولة تحديد المنطقة الاقتصادية الخاصة بالبلاد المذكورة، ولو كان الموقف التركي سيشكل عائقًا نظريًا لهذه العملية، هذا بجانب أن مسئولي البلدان الثلاث، يدرسون إمكان ربط مخزون قبرص من الغاز الطبيعي بمحطات في مصر، وكانت القاهرة وقعت اتفاقًا مع قبرص لاستغلال مشترك لمخزون الهيدروكربونات الواقع على الحدود البحرية بين البلدين.

هذا في حين أن وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء اليوناني إيفانغيلوس فينيزيلوس في ختام لقاء الأطراف الثلاثة نهاية سبتمبر 2014، أكد على أن "لدينا أجندة غنية جدًا هي مواضيع الطاقة وتطبيق قانون البحر والأزمات الراهنة"، معلنًا عن "عقد قمة على مستوى الوزراء في نيقوسيا قريبًا واجتماع قمة في القاهرة في أقرب فرصة"، ولفت النظر إلى مؤشرات إيجابية جدًا صدرت من الجانب المصري في شأن تحديد الحدود البحرية بين البلدين، وهو مقتنع بتطبيق قانون البحار.

وبناءً على ذلك أصبح من أهم المسائل والأهداف الاقتصادية المحتملة لهذا التحالف والتي يمكن تعاون الأطراف الثلاثة فيها، هي(27):  

-       أولًا: الازدواج الضريبي وترتيب أوضاع اليد العاملة المصرية في قبرص واليونان، وفي المقابل تسهيل أوضاع الجالية اليونانية في مصر.

-       ثانيًا: تسهيل نقل الاستثمارات والأموال بين الطرفين والتعاون في مجال البحث العلمي، ومحاربة الهجرة غير الشرعية التي يأتي جزء منها من مصر وليبيا، كما ستستفيد القاهرة في مجال استيراد التقنيات الزراعية والصناعات الغذائية،

-       ثالثًا: تريد مصر إعادة التفاوض مع قبرص واليونان، هو تحديد المنطقة الاقتصادية الخاصة بين الدول الثلاث، والتعاون في استغلال الثروات البحرية الموجودة فيها، حيث إن هذا التعاون، سيخرج القاهرة من حرج التعاون مع إسرائيل في قضية استغلال الثروات الطبيعية في المنطقة البحرية، خاصة بعد أن حصلت مفاوضات في شأن المنطقة الاقتصادية الخاصة وأحست القاهرة أنها قدمت تنازلات، لذا ترغب في إعادة التفاوض بشأنها.

-       رابعًا: ستستفيد مصر من التحالف في تطور حركة السياحة، فيما ستكون الفوائد متكافئة في مجال الاستيراد والتصدير، وفي مجال الغاز الطبيعي ستكون ثمة استفادة سياسية لليونان وقبرص، تكمن في انضمام مصر إلى جانبهما، وهي قوة لا يستهان بها في شرق المتوسط في مقابل تركيا.

-       خامسًا: أن ما ينقص الأطراف الثلاثة هو المال الاستثماري لاستغلال الثروات الطبيعية في المنطقة البحرية، وهو ما يمكن القاهرة تعويضه من خلال استقطاب أموال خليجية للاستثمار في هذا المجال، خصوصًا مع متانة العلاقات المصرية مع الإمارات والمملكة العربية السعودية حاليًا.

-       سادسًا: استفادة مصارف يونانية من العمل في مصر، مثل مصرف "بيريوس" الذي يعمل فيها منذ أكثر من عشر سنوات، خاصة بعد أن حقق المصرف فوائد في مصر أكثر من فوائده في اليونان، نتيجة الإعفاءات الضريبية التي تقدمها القاهرة لتشجيع الاستثمارات الأجنبية.

من المرجح أن يفضى التعاون المصري - اليوناني - القبرصي سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي إلى تعميق البعد الأمني في العلاقات، خصوصا أن ثمة تعاونًا عسكريًا مصريًا - يونانيًا آخذًا في التصاعد، كما أن العلاقات في شقها الاقتصادي ستكون الركيزة الدافعة لتوثيق العلاقات في مختلف المجالات(28).

وأخيرًا، يشكل عبور أنابيب عبر دول مجاورة، خطرًا على سلامة الإمدادات، والتجارب الشرق أوسطية مليئة بالتجارب السلبية، بحيث توقف تشييدها، فهل محاولة أمريكا تأسيس تحالفات جديدة، كفيلة بغض النظر عن الأخطار المحتملة؟ وما الضمانات، بخاصة على ضوء التجربة الأوكرانية؟ وهل تستطيع كميات الغاز الشرق الأوسطية المحدودة، التعويض عن الإمدادات الروسية ؟ وهل ستوافق أوروبا على الاعتماد على غاز من منطقة غير مستقرة؟

المراجع

(1) - محمد عز العرب، تحولات محسوبة: أبعاد تطوير الشراكة الإستراتيجية بين مصــر وقبـرص واليونــان، جريدة الأهرام، 11 نوفمبر 2014.

(2)- محمد عبد القادر خليل، قمة استباقية لضمان المصالح الاقتصادية، جريدة الأهرام، 11 نوفمبر 2014.

(3) - مصر واليونان وقبرص في جبهة واحدة أمام مسوحات تركيا عن الغاز، جريدة الحياة، ٢٩ أكتوبر ٢٠١٤.

(4) - جلال عارف، إعلان القاهرة.. إنذار لتركيا وإسرائيل، جريدة التحرير، 11 نوفمبر 2014.

(5) - العلاقات المصرية - اليونانية، موقع الهيئة العامة للاستعلامات، 9 نوفمبر 2014.

(6) - العلاقات المصرية - اليونانية، موقع الهيئة العامة للاستعلامات، 9 نوفمبر 2014.

(7) - زعيما قبرص واليونان يبحثان مع السيسي التعاون في مجال الطاقة، جريدة القدس العربي، 7 نوفمبر 2014.

(8)- اجتماع ثلاثي بين وزراء خارجية مصر واليونان وقبرص الرومية في نيقوسيا، جريدة القدس العربي، 29 أكتوبر 2014.

(9) - تشكيل جبهة مصرية قبرصية يونانية لمواجهة الإرهاب والتطرف، جريدة الشرق الأوسط، 8 نوفمبر 2014.

(10) - العلاقات المصرية - اليونانية، موقع الهيئة العامة للاستعلامات، 9 نوفمبر 2014.

(11) - القمة المصرية القبرصية اليونانية.. مرحلة جديدة ومهمة للسياسة المصرية، شبكة الإعلام العربية (محيط)، 7 نوفمبر 2014.

(12) - زعيما قبرص واليونان يبحثان مع الرئيس المصري التعاون في الطاقة، جريدة الشرق الأوسط، 8 نوفمبر 2014.

(13) - القمة المصرية القبرصية اليونانية.. مرحلة جديدة ومهمة للسياسة المصرية، مصدر سابق.

(14) - العلاقات المصرية - القبرصية، موقع الهيئة العامة للاستعلامات، 9 نوفمبر 2014.

(15) - القمة المصرية القبرصية اليونانية.. مرحلة جديدة ومهمة للسياسة المصرية، مصدر سابق.

(16)- محمد العجرودي، القمة جاءت تتويجا لحالة الزخم فى العلاقات بين مصر واليونان وقبرص، جريدة الأهرام، 10 نوفمبر 2014.

(17) - العلاقات المصرية - اليونانية، موقع الهيئة العامة للاستعلامات، 9 نوفمبر 2014.

(18) - عبد الستار بركات، توقيع اتفاقية للتعاون والتبادل السياحي بين مصر واليونان وقبرص، جريدة الشرق الأوسط، 31 أكتوبر 2014.

(19) - نفس المصدر.

(20) - د. أحمد قنديل، مبادرة ثلاثية لاستقرار دول الشرق متوسطية، جريدة الأهرام، 11 نوفمبر 2014.

(21) - يوسف أيوب، مصر وقبرص واليونان.. وعدوهم أردوغان، جريدة اليوم السابع، 12 نوفمبر 2014.

(22) - د. أحمد قنديل، مبادرة ثلاثية لاستقرار دول الشرق متوسطية، جريدة الأهرام، 11 نوفمبر 2014.

(23) - وليد خدوري، جيوسياسة غاز شرق المتوسط، جريدة الحياة، ٢١ سبتمبر ٢٠١٤.

(24 )- وليد خدوري، تصوّر أمريكي لصادرات الغاز من شرق المتوسط، جريدة الحياة، 12 أكتوبر 2014.

(25) - د. عمرو عبد السميع، مصر واليونان وقبرص، جريدة الأهرام، 10 نوفمبر 2014.

(26) - وليد خدوري، تصوّر أمريكي لصادرات الغاز من شرق المتوسط، جريدة الحياة، 12 أكتوبر 2014.

(27) - تحالف نفطي يوناني - قبرصي – مصري، جريدة الحياة، ٢٢ أكتوبر ٢٠١٤.

(28) - محمد عبد القادر خليل، قمة استباقية لضمان المصالح الاقتصادية، جريدة الأهرام، 11 نوفمبر 2014.

 

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟