مؤخراً، أطلقت الصين مبادرتها لبناء حزام اقتصادى، بهدف تحقيق التنمية المشتركة للدول المطلة على طريق الحرير القديم، ومنها بعض الدول العربية.
ويثير مصطلح "طريق الحرير" فى الأذهان، صورة القوافل المثقلة بالسلع النادرة، تحملها من الصين إلى العالم الغربى. وقد تلازم هذا الانطباع مع كلمة "الحرير"، وحواسم السلعة التى ارتبطت بمواطن إنتاجها الأول فى الصين.
و يجدر ذكره، أن هذا الطريق يمثل سردية رائجة فى أدب الخيال العلمى، منذ ابتدعه الجغرافى الألمانى "فون ريختوفن"، ليجذب الانتباه إلى وجود علاقات تجارية قديمة بين الصين والإمبراطورية الرومانية، ولم يكن الحرير غير إحدى السلع الكثيرة التى جرى تداولها على طول السكك العديدة التى تتقاطع عبر الرقصة الآسيوية الأوروبية الفسيحة.
ويغطى النطاق الزمنى لهذا الطريق حوالى ألفى سنة، ما بين عام (124) قبل الميلاد، وعام (127) بعده، ويضم مسافات كبيرة وأقاليم، تتراوح من تركستان الشرقية إلى الهند وآسيا الوسطى وسوريا وبيزنطة وروما، ويجتاز مناطق شاسعة ومهجورة فى آسيا والأناضول وجنوب شرق أوروبا، علاوة على الأراضى التى تقع إلى الشمال من بحر الخرز وإيران.
وهذه المساحة الهائلة، جعلته يرتبط بشعوب وقبائل قديمة، منها الشيشان والساكا والآفار والقرغيز والتتار والمغول والصينيين وأهل البعث، إضافة إلى الإغريق والبيزنطيين والرومان، وتواصلت معه ديانات عديدة، منها الزرادشفية والمانوية والبوذية والكونفوشية والداوية واليهودية والمسيحية النسطورية والإسلام.
وتشير البحوث المقدمة حول هذا الطريق، أن قوافل التجارة به كانت تصحبها فرق من الراقصين والبهلوانات والممثلين والموسيقيين، ممن يقدمون فنوناً فى التمثيل الإيمائى، كمحاولة للتغلب على صعوبات التعدد اللغوى للشعوب والقبائل التى يمرّ بها.
وبهذا الفحوى، مثل الطريق، بجانب التبادلات التجارية، معبراً ثقافياً ولغوياً بين شعوب الشرق والغرب، وهو ما توضحه الكلمات الكثيرة الدخيلة، التى انتقلت على طوله من أحد الأطراف إلى الطرف الآخر، وخصوصاً تلك الكلمات التى تتصل بتجارة المنسوجات.
ولعل هذا كله، كان أمام هيئة اليونسكو، حين تبنت منذ نهاية القرن الماضى، مشروعاً يستهدف دراسة التبادل الثقافى بين الشرق والغرب، فى محاولة لإيجاد مسارات جديدة للحوار بينها.
والآن، تجيئ الصين لتحرث هذا المشهد كله، خاصة مع تصاعد وانتشار نطاق نشاطها الاقتصادى خارجها، وبالذات ما يتعلق بتنمية منطقة تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجى، وإنشائها لبنوك استثمار عديدة مع بعض الدول الأخرى، وهو ما يفسر أسباب تبنّيها لإحياء طريق الحرير القديم، واعتباره إحدى محددات سياستها الخارجية.