المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد الأشهب
محمد الأشهب

المصالحات والتعاون

الإثنين 24/نوفمبر/2014 - 11:17 ص

عندما يهب نسيم المصالحة على الخليج، تهتز لها سواكن في غيرها من بقاع جغرافية الخلافات العربية، حتى أبعد نقطة. وليس مثل المنطقة المغاربية أكثر معاناة من الفرقة والتصدع، إلى درجة أن أجيال ما بعد الاستقلال في دول الشمال الأفريقي، لم يكتب لها أن تلامس الوفاق والوئام في علاقات الدول مع بعضها.

الأخطر أن ركام الخلافات لا يشمل الأنظمة السياسية التي لم تعد أمامها مبررات تسوغ التناقض والصدام، في ظل هيمنة العولمة واقتصاد السوق وتلاشي الحواجز الإيديولوجية. وإنما يطاول قطع جسور التواصل والتفاعل بين الشعوب. وما تقدمه الحالة الفريدة في سريان مفعول إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر دليل إضافي على انفلات السيطرة على زمام الأمور، وإن دفعت الشعوب ثمنها.

إذا جاز قياس أقدم الخلافات العربية – العربية بالعقود وفجوات التباعد التي تزيد اتساعاً مع مرور الزمن، فإن واقع العلاقات المغربية – الجزائرية يعتبر من أقدم الأزمات التي استعصت على الحل. ولا يلوح في الأفق ما يمني النفس بأن هذه الحالة في طريقها إلى الحلحلة والاحتواء. بل نقيض ذلك يمكن التوقع أنها سائرة في الاتجاه الذي لا مخرج في نهايته، كونها ذات وجوه ومسارات متشابكة.

ما إن يصار إلى بحث أزمة أو ملف من بين ركام القضايا العالقة، حتى تطفو إشكالات أكثر تعقيداً، تبدأ من نزاع الصحراء وتصل إلى الموقف من التنسيق في الحرب على الإرهاب مروراً بحزمة أشواك تدمي الأقدام وتمنعها من السير سوياً في الاتجاه الصحيح. وقد يكون الضجر من استمرار هكذا حالة قيد التحركات التي توخت عبر مبادرات ومساع حميدة معاودة الجارين المغربي والجزائري إلى دائرة الحوار، من دون جدوى. وما دامت قاعدة تقبل الوساطات غائبة يصعب جذب الطرفين إلى تفاهمات إنهاء الحذر وعدم الثقة.

مع أن الغيرة ليست سلوكاً سياسياً، فقد تمكنت من أفئدة المغاربيين، وهم يعاينون نضج تجارب عربية وأوروبية، ليس على مستوى تكريس المصالحات فحسب، بل في نطاق توجهات استراتيجية فرضتها ضرورات التطور والانسجام مع التحولات الجارية. فقد اقتبسوا من منظومة مجلس التعاون الخليجي خيارها الذي يمضي، على رغم بعض الهزات، وتملكهم شعور بالإحباط وخيبة الأمل، وهم يرقبون التطورات على الضفة الشمالية للبحر المتوسط في صورة الاتحاد الأوروبي. لكنهم لم يفعلوا شيئاً للحاق بالقطارين الخليجي والأوروبي. ولم يتفقوا على الحد الأدنى من الوفاق الذي يعطي معنى للدور المغاربي الذي تآكل على مستويات عدة.

لا تنقص الشمال الأفريقي معطيات تحتم الانسجام، وتستند إلى روابط تاريخية وتفاعلات حضارية وفضاء جغرافي شاسع وموارد متكاملة. فقد سبقوا الاتحاد الأوروبي في استشعار الضرورات الوحدوية، لكن الوعي بقيمة الزمن ومواصلة الجهود، كان أقل من ضغوط الاستسلام لواقع التفرقة والتشرذم. وإذ يمزج الشعور بحفظ ماء الوجه بالعناد، تصبح السباحة ضد التيار سياسة قائمة الذات، على رغم تعارضها وقيم الأخوة ومبادئ حسن الجوار.

لا يبدو الواقع المغاربي مشجعاً، لناحية طرح مبادرة وفاقية، فثمة استحقاقات أكبر تستأثر بالاهتمام، في مقدمها العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه في ليبيا الغارقة في مستنقع الانفلات والفوضى والاضطرابات. والتونسيون الذين جربوا في زخم الثورة جذب الجارين المغربي والجزائري إلى مربع التفاهم منشغلون بترتيبات البيت الداخلي. فيما الموريتانيون عالقون بين حساسيات مفرطة، إن هم التفتوا إلى الرباط أو الجزائر، من دون إبداء رغبة مشتركة في الذهاب إلى المصالحة.

الأوروبيون أيضاً سئموا من استمرار التنافر، فقد كانوا في وقت سابق معنيين بانفراد مفاوضاتهم مع كل دولة مغاربية على حدة، إلا أن التطورات الأمنية والانكماش الاقتصادي وظهور جنوب البحر المتوسط كملاذ استثمارات وتجارة، دفعهم إلى تغليب خيار الانفراج في العلاقات، أقله لجهة تنسيق الجهود في الحرب على الإرهاب والتصدي للهجرة غير المشروعة والحد من المخاطر المقبلة من الساحل جنوب الصحراء. ويبقى أن الدول الخليجية أقرب إلى رمي حبال الإغاثة في اتجاه المنطقة المغاربية، وإن لم تصدر عن أصحابها نداءات النجدة. فالحالة بلغت حداً لا يطاق من التنافر والعناد. وطالما أن قطار المصالحة يمضي في موعده المناسب، فلا أقل من أن يتوقف قليلاً عند السكة المغاربية. قد يصعد إليه جميع الركاب الواثقين في وصوله إلى محطة الوئام والتفاهم، وقد يتردد آخرون. ولا عذر لمن أخلف موعد الانطلاق هذه المرة.

يبقى أن على البلدين الجارين إبداء قدر من الاستعداد والإرادة في الانتقال إلى المحطة المقبلة. ولا أحد يجبر على اختيار الطريق والرفيق في النهاية.

نقلاً عن الحياة

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟