المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
وليد محمود عبدالناصر
وليد محمود عبدالناصر

عن «دبلوماسية العلوم والتكنولوجيا»

الإثنين 24/نوفمبر/2014 - 11:35 ص

نشأت الدبلوماسية بمعناها التقليدى منذ قرون بعيدة، اختلف المؤرخون فى تحديد بدايتها على وجه قاطع،  أو فى تبيان فى أى سياق حضارى نشأت، إلا أنه من الثابت أنها ارتبطت بمرحلة مبكرة من التنظيم الاجتماعى لحياة البشر ومن التفاعل فيما بين المجتمعات المختلفة، وما أفرزه تطور المجتمعات الإنسانية من مؤسسات سياسية تمارس الحكم فى مجتمعها لتنظيم أوجه الحياة به ثم تتواصل مع مؤسسات سياسية تمارس الحكم فى مجتمعات أخرى مجاورة فى البداية ثم أبعد جغرافيا بعد ذلك.

إلا أن الدبلوماسية بمعناها التقليدى مرت بدورها بتطورات وشهدت إضافات على مدى القرون، وإن اتسع تعريفها بشكل متزايد خلال النصف الثانى من القرن العشرين ثم السنوات المنصرمة من القرن الحادى والعشرين على وجه الخصوص. فقد عرف العالم عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية مفهوم «دبلوماسية التنمية» ذات التركيز على توظيف العلاقات الخارجية للمساعدة فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالداخل، وإن بدأ هذا النوع من الدبلوماسية فى بلدان أوروبا، فإنه سرعان ما انتقل إلى بلدان العالم الثالث بعد حصولها على الاستقلال، ثم ظهرت لاحقا أشكال متنوعة ومتعددة من الدبلوماسية، فكانت هناك «دبلوماسية الثقافة»، والتى ارتبطت بنشأة وانتشار وتوسع تعريف مفهوم «القوة الناعمة»، ومن بعدها «القوة الذكية»، وجاء من روافدها «دبلوماسية الرياضة»، ونذكر من تفريعاتها «دبلوماسية تنس الطاولة» بين الولايات المتحدة والصين الشعبية فى بداية السبعينيات من القرن العشرين، وهناك كذلك «دبلوماسية الفنون» وغيرها.

ومن أنواع الدبلوماسية التى تفرعت أيضا عن «دبلوماسية الثقافة» فى السنوات الماضية «دبلوماسية العلوم والتكنولوجيا»، وهى نوع من الدبلوماسية تعمل فى اتجاهين، فهى أولاً تسعى لكى توظف تطورات نظم التعليم ومناهجه، خاصة فى مراحل التعليم الجامعي، وكذا أحدث نتائج البحث العلمى ومعطيات أنشطة التطوير التكنولوجي، خارج حدودها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية والتنموية من جهة، وهى ثانيا تحاول جاهدة توظيف ما قد يكون متوافرا لديها من مؤسسات تعليمية وقدرات علمية وبنية تحتية بحثية وتكنولوجية لكسب تأثير خارجى من خلال آليات متعددة، منها تقديم المنح الدراسية والبحثية لطلاب من دول أخري، للدراسة والبحث فى جامعات ومراكز أبحاث الدولة المضيفة.

وعلى الصعيد الفعلي، وحتى قبل إطلاق تعبير «دبلوماسية العلوم والتكنولوجيا» على ما تقدم من تحرك ونشاط، فقد مارست مصر «دبلوماسية العلوم والتكنولوجيا» فى الاتجاهين اللذين أشرنا إليهما فيما تقدم، فمن جهة، وفرت مصر من خلال جامعاتها، سواء الحكومية أو جامعة الأزهر، الكثير من المنح والفرص الدراسية لطلاب من بلدان عربية وافريقية وإسلامية، كما وفرت أيضا فرصا لباحثين من تلك البلدان فى مراكز البحوث المصرية، وقد استمر ذلك بدرجة مرتفعة من الكفاءة، ربما إلى نهاية عقد السبعينيات، أو حتى مطلع عقد الثمانينيات من القرن العشرين، حين بدا واضحا، وإن بشكل تدريجي، أن مشكلات الأوضاع التعليمية داخل مصر نفسها، وما يشكو منه الطلاب وأولياء أمورهم وخبراء التعليم بات يؤثر سلبا على جاذبية نموذجها التعليمى لطلاب وباحثين ومؤسسات من الخارج.

ونسترجع هنا أن مصر دخلت فى عام 2007 ما أطلق عليه آنذاك عقد التعاون العلمى والتكنولوجى مع العالم، والذى تضمن فى عامه الثانى عاما للتعاون العلمى والتكنولوجى مع اليابان، كان لى آنذاك شرف لعب دور فيه بالتنسيق مع عدد من وزارات ومؤسسات وجامعات ومراكز أبحاث مصر آنذاك، وهو عام شهد نقطة انطلاق لمفاوضات أدت إلى التوقيع فى مارس 2009 على اتفاقية إنشاء الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا، ثم افتتاح هذه الجامعة رسميا بموقعها فى مدينة برج العرب الجديدة، فى يونيو 2010، وهى أول جامعة يابانية تقام خارج اليابان، كما أنها مفتوحة للطلاب العرب والأفارقة وليس فقط للطلاب المصريين، كنموذج للتعاون الثلاثي، كما أدت فعاليات نفس العام نفسه إلى التوقيع فى يونيو 2010 على اتفاق للتعاون العلمى والتكنولوجى بين مصر واليابان، كان معلقا فى مرحلة التفاوض على مدى سنوات مضت، وتضمنت فعاليات ذلك العام تنظيم أول مؤتمر مشترك للأبحاث العلمية بين مصر واليابان، استضافته جامعة واسيدا بطوكيو. وقد منح عام التعاون العلمى والتكنولوجى بين مصر واليابان دفعة غير مسبوقة لاتفاقيات التعاون البحثى والتبادل للطلاب وأعضاء هيئة التدريس والباحثين بين الجامعات ومراكز الأبحاث المصرية ومثيلاتها اليابانية.

كان ذلك العام مجرد مثال لمجالات يمكن أن تستفيد فيها مصر من «دبلوماسية العلوم والتكنولوجيا»، كما أنه بالتأكيد توجد العديد من النماذج والأمثلة الأخري، سواء فى اتجاه استفادة مصر من التعاون العلمى والتكنولوجى مع دول أكثر تقدما فى هذه المجالات، أو فى اتجاه توظيف مصر لقدراتها التعليمية والعلمية والبحثية والتكنولوجية كأدوات لكسب التأثير الخارجي، سواء فى الأقاليم الجغرافية والسياسية التى تنتمى مصر إليها، أو على الصعيد الدولى ككل.

 نقلاً عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟