المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ جلال أمين
د‏.‏ جلال أمين

ماذا فعل «الربيع العربى» بالتنمية العربية؟

الإثنين 01/ديسمبر/2014 - 10:45 ص

عندما قامت الثورات العربية المعروفة باسم «الربيع العربى»، منذ نحو أربع سنوات كانت البلاد العربية بعيدة عن تحقيق أهدافها الاقتصادية التى كنا نتبناها منذ خمسين أو ستين عاما،

 وتتلخص فى رفع معدلات النمو الاقتصادى، وتصحيح هيكل الانتاج لمصلحة الصناعة التحويلية، وتحقيق درجة معقولة من العدالة فى توزيع الدخل، ودرجة معقولة أيضا من التعاون أو الاندماج بين الاقتصادات العربية بل إنه فيما يتعلق بالهدف الأخير، كانت الاقتصادات العربية عندما قامت هذه الثورات، أبعد بعضها عن بعض عما كانت منذ خمسين عاما، حتى صار شعار الوحدة الاقتصادية العربية أقرب إلى الحلم القديم، منه إلى الأمل القابل للتحقيق.

ولكن نلاحظ أيضا أن الشعارات التى رفعتها هذه الثورات الأخيرة، وكذلك الاجراءات التى اتخذها الحكام الجدد الذين جاءوا فى أعقابها، لم تتضمن التعبير عن هدفين مهمين وثيقى الصلة بالتنمية العربية:

الأول: هو تحقيق هذا التقارب أو الاندماج الاقتصادى بين البلاد العربية، والثانى: تحرير الاقتصاد الوطنى من الآثار السلبية لرأس المال الأجنبى والشركات الدولية على العكس من ذلك، مثلا فى تطور الأحداث خلال السنوات الأربع الماضية.

أولا: تزايد قوة الحركات ذات الانتماء الدينى لا القومى.

وثانيا: تبنى مواقف مرحبة بالاعتماد على القروض والمعونات والاستثمارات الأجنبية لتمويل مشروعات التنمية الجديدة، دون التأكيد على ضرورة تجنب ما عانينا منه فى الماضى من انتاج غير منضبط، ورضوخ زائد على الحد لإرادة مقدمى القروض والمعونات وأصحاب الاستثمارات الأجنبية.

لقد كان من الممكن أن تثير الثورات العربية الأخيرة الآمال فى إمكان وضع حد لمحنة التنمية العربية عن طريق تبنى سياسات أكثر اعتمادا على القرارات الوطنية، وأكثر استعدادا لحماية الصناعات المحلية، وأقل توجها إلى الخارج، سواء فى تلبية مطالب الاستهلاك أو فى زيادة معدلات الاستثمار، وكذلك أكثر اقبالا على زيادة درجة التقارب، أو الاندماج بين الاقتصادات العربية، ولكن لم تبد أى بادرة طوال الأعوام الأربعة الماضية، تشجع على الاعتقاد بأننا نسير فى أى من هذين الاتجاهين.

لابد أن تعود الذاكرة إلى ما كان يحدث فى البلاد العربية منذ ستين عاما، أى فى النصف الثانى من خمسينيات القرن الماضى. فبمجرد قيام حكومة الثورة فى مصر بتأميم قناة السويس فى 1956، بدأت هذه الحكومة فى رفع شعارات الاستقلال الاقتصادى والاعتماد على النفس، كما بدأت فى الوقت نفسه فى رفع شعارات الوحدة العربية، اقتصاديا وسياسيا، لم تمض شهور قليلة بعد هذا حتى قامت ثورة فى لبنان، وشبه ثورة فى الأردن، وثالثة فى العراق، وكلها كانت رفع شعارات التحرر من سيطرة الغرب وشعارات التوحد العربى، ثم سرعان ما أعلن فى 1958 قيام الجمهورية العربية المتحدة، لتنضم مصر وسوريا على أمل أن يتلو ذلك انضمام دولة عربية بعد أخرى.

ما الذى حدث للعرب بالضبط، خلال الخمسين عاما الماضية ليجعلهم، ليسوا فقط عاجزين عن تحقيق هذه الآمال فى التخلص من التبعية والتقارب بعضهم من بعض، بل ويبدون أحيانا وكأنهم أصبحوا عاجزين حتى عن التطلع إلى شىء أفضل مما هم فيه، أو كأنهم قد فقدوا الذاكرة لدرجة نسوا معها ما الذى كانوا يريدون تحقيقه منذ خمسين أو ستين عاما؟

إن البعض يقول إننا فى حاجة إلى ثورات جديدة، ولكن أميل إلى الاعتقاد بأننا أحوج إلى استعادة الذاكرة وبذل جهد لإعادة ترتيب الأولويات، أملا فى أن نكتشف ما الذى ضاع منا بالضبط، وما الذى مازلنا بحاجة اليه، رغم كل ما حدث من تغيرات فى بلادنا وفى العالم الأوسع على السواء بعبارة أخرى نحن فى حاجة ماسة إلى إعادة تحديد الأهداف، أو على الأقل إلى إعادة صياغتها بما يتماشى مع ظروفنا وظروف العالم الحالية. وهذا يعنى الحاجة إلى جهد فكرى فى المقام الأول.

إنى مثل كثيرين غيرى، لم أفقد الأمل بعد فمهما تكن عوامل الشعور بالاحباط التى أصابتنا بها أحداث الأعوام الأربعة الماضية، فقد كشفت هذه الثورات الأخيرة عن تقدم فاق أكثر التوقعات تفاؤلا، فى قوة المجتمع المدنى، خاصة بين الشباب العربى، بما فى ذلك إسهام المرأة والفتاة العربية فى العمل العام. إن من الشيق أن نلاحظ أن نفس العوامل التى كان لها آثار سلبية على التنمية العربية (والتى أشرت اليها فى المقالين السابقين) وأعنى على الأخص ارتفاع معدل العولمة، اسهمت أيضا فى إحداث هذا التطور الايجابى المتمثل فى نمو قوة المجتمع المدنى، وزيادة إقبال الشباب العربى، ذكورا وإناثا على الإسهام فى العمل العام، إن هذه الفترة الجديدة التى نمت بسبب ارتفاع معدل العولمة (وعلى الأخص سهولة انتقال المعلومات والأفكار)، قد تعمل هى نفسها على ترشيد آثار العولمة والتقليص من سلبياتها.

قد لا يبدو هذا الأثر الايجابى واضحا الآن، ولكن ليس من قبيل الإغراق فى التفاؤل أن نتوقع نموه مع مرور الوقت.

نحن لا نأمل فى إيقاف مسار العولمة، فالراجح أنه تيار يستحيل إيقافه. إن تاريخ العولمة يكاد يكون هو تاريخ الحضارة الإنسانية نفسها، والقوى الدافعة له وثيقة الصلة بالطبيعة البشرية، وبحاجات دفينة فى الإنسان.

ولكن هذا لا ينفى أن تيار العولمة يمكن ترشيده وتوجيهه فى اتجاه دون آخر. لقد اتخذت العولمة فى التاريخ صورة استعمار دولة لأخرى، كما اتخذت صورة انتقال المعرفة ووسائل تطوير الانتاج من مكان لآخر. إن العولمة نفسها قد تكون حتمية تاريخية ولكن الصورة التى تتخذها قد تخضع بدرجة أكبر جدا للإرادة الإنسانية. نقلا عن الأهرام

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟