المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد المزيني
محمد المزيني

أميركا الإسلامية

الأربعاء 03/ديسمبر/2014 - 10:58 ص

كنا إلى وقت قريب جداً نصاب بالحساسية المفرطة، والضغينة المقيتة من (الإسلام الأميركي)، لما تتعبأ به هذه العبارة من معان ودلالات ذات أبعاد سياسية عميقة، وكأنها تهمة خبيثة ندفعها عنا ونتبرأ منها براءة الذئب من دم يوسف، كان ذاك يوم جاهد الأميركيون لتشكيل الميليشيات الجهادية في أفغانستان، ودربوا المقاتلين بعدما ألبسوهم قميص المجاهد، وأقنعوا الناس بكل الوسائل أنهم ماضون إلى جنات الخلد لا محالة، والهدف استراتيجي لا يصب إلا في خزائن المصالح الأميركية المرسلة، التي لا يمكن أن تحدث إلا بالقضاء المبرم على الاتحاد السوفياتي، الذي أنهك قواه في حربه الباردة معه، لذلك اتخذ الحرب بالوكالة وسيلة ناجزة لتحقيق هذا الهدف، الذي سيسقط الجدار الصلد، لينطلق في آفاق رحبة من التحكمات السياسية.

وكنا نقول إن الأرض أرضنا بحكم الانتماء العقدي، والحرب حربنا بحكم الأمر الرباني بالجهاد، والشهداء شهداؤنا بحكم أنهم قاتلوا تحت لواء الإسلام، الذي انقسم على نفسه إلى أكثر من إسلام قبيل حسم المعركة وعقبها، وتناحر الفرقاء، وشهدت الأرض عمليات تصفيات متنوعة ومتعددة، وفي النهاية وبعيد القضاء المبرم على إسلام القاعدة، ظل لواء الإسلام الأميركي شامخاً، وجيء بمن يحكم البلاد ويدير شؤون العباد من خارج هذه الميليشيات، بإسلام جديد صمم على مقاس الحذاء الأميركي القادر على «دعس» كل شيء بقرار ناجز من الإدارة الأميركية، وعلى الدول المرتبطة معها بمصالح من نوع «ما» الوقوف معها عدة وعتاداً، لتفتح صفحات قاتمة على العالم العربي، وتحل به النكسات المتلاحقة، لم تتوقف فيها شلالات الدماء حتى اليوم، واللعبة المنفرطة من زمام التحكم لا تزال تعثُ في الأرض فساداً، وكأنها قط تشظت من بين أيديهم، وقد لا يعنيهم هذا الإيغال في الدموية شيئاً ما دام يحدث بعيداً عن الشعب الأميركي غير المعني مباشرة بكل ما يحدث خارج نطاق اهتماماته ومصالحه الشخصية، وقد تكفي إشارة واحدة لكل ما يحدث مثل عالم متخلف حكومات فاسدة متسلطة لتصف واقع الحال العربي، من دون إدراك حقيقة وهوية الصراع والتطاحن، الذي لم يكن ليحدث بمعزل عن استراتيجيات الإدارة الأميركية في تعاطيها مع أزمات الصراع الخاصة بها، الإسلام الأميركي وصراعه على رقعة الشرق الأوسط لا يتعاطى مع خصائص التكوينات المتنوعة في العالم العربي بوعي كامل، ولا يحذرون في تعاملهم معها من مغبة إشعال المنطقة برمتها بنيران الطائفية، التي ما إن تتقد حتى تقذف بلهبها مشعلة قلوب الطوائف تجاه بعضها بعضاً، قد يفهم الأميركيون جيداً معنى اللعب على الأرض المحروقة، لكنهم بخبرتهم الضئيلة في الشرق الوسط لا يجيدون اللعب على القلوب المحروقة، حتى لكأنك تنظر إلى السياسات الأميركية في المنطقة إلى أنها ضرب من العبث الصبياني، فقد عوَّلت على السنة كثيراً في مراهنة خاسرة في أفغانستان، فجاءت النتيجة بتبعات انتقامية لم تهدأ وتيرتها حتى اليوم، ثم راهنت لإعادة الأمن والاستقرار في المنطقة على الشيعة فجاءت النتيجة عكسية تماماً، إذ مورست عمليات تصفيات مذهبية إقصائية ضد السنة، كما فعل المالكي في عصره الأغبر؛ ضنًّا منه أنه بذلك سيكسب بولائه الأميركي المفرط ودَّهم، من خلال إدارة قمعية لسنة العراق، انتقاماً من الأجنحة السنية المتطرفة في معادلة الإسلام الأميركي منذ الـ11 من سبتمبر وما تلاها، مروراً بلجم جنوح القاعدة في الفلوجة، وانتهاء بتكوينات «داعش» التي أقضت مضجع المالكي، المتسبب الأول والرئيس في إحداث رد فعل عنيف مضاد أخفق بامتياز في القضاء عليها، وهو ما استتبع لاحقاً وببطء يثير الشبهات والظنون في تدخل أميركي مباشر، تتحمل تبعاته المادية والمعنوية دول الجوار، المتضررة من التنظيم الداعشي، اليوم يتأكد للملأ التخلي الأميركي عن القيم الديموقراطية، التي حاولوا ما وسعهم الجهد للإعلان عنها في خطاباتهم السياسية المركزة على الشرق الوسط، الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو. بوش عراب هذه الحرب الأول أكد عقب أحداث الـ11 من أيلول (سبتمبر) سعي أميركا الحثيث من أجل إرساء الديمقراطية في العالم -وتحديداً في الشرق الأوسط-، بينما عينه الأخرى -لم تزغ حقيقة- على ثروات المنطقة النفطية، ومع ذلك لم يقم الأميركيون بأدنى خطوة ديموقراطية مدعومة بقيم أخلاقية؛ للحد من عنجهية المالكي واستبداده وتسلطه، بل تركوا الحبل على الغارب؛ لأنه كان في نظرهم الرجل المناسب في المكان المناسب في الزمن المناسب، حتى استفحل العداء، وقدحت شرارة الطائفية بصورتها الجلية، التي فجرت مكنونات الصدور وفاض قيحها.

اليوم تعود سياسة التجحفل الأميركي الإسلامي، وتعلن عزمها لتشكيل قوات سنية قوامها 100 ألف مقاتل في المناطق السنية، كما ستقوم الدولة الديموقراطية الأميركية بتسليح البيشمركة الكردية، من دون المرور ببغداد، هذا التجاهل والتعدي على قيم الديموقراطية، هو ذاته من منح المستبدين حرية قمع شعوبهم، تحت غطاء ديموقراطية لا تصفه سوى الخطابات الأميركية وتسويق الواجهات البراقة، بينما الواقع يؤكد خلاف ذلك.

لقد أثبتت التجارب أن لدى الأميركيين المرونة لفعل كل شيء، بقرار يصوت عليه الكونغرس، لدخول أي معركة -طبعاً بعد احتساب التكاليف- وتحديد من سيدفعها، والأرباح الصافية منها، لكنهم لا يهتمون كثيراً فيما بعد (الأكشن) -أي- عقب العبث بالأوراق، وتقطيع الأصابع التي كانت تمسك بها، كيف ستسقط؟ ومن سيمسك بها ويبدأ اللعب من جديد؟ كل هذا لا يهم، فلكل معركة تكتيكاتها الخاصة، وفوائدها الجمة أيضاً. نقلا عن الحياة

* كاتب وروائي سعودي.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟