المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

جبهة الضمير.. ما لها وما عليها

الأحد 29/ديسمبر/2013 - 12:22 م
إعداد: وحدة البحوث والدراسات
مما لا شك فيه أن مليونيات الثورة المتتالية أتت بالعديد من المكتسبات لا يمكن إنكارها، على أن كثرة تلك المليونيات منذ أغسطس 2011 حتى الآن، رغم أنها حافظت على الرخم الثوري وأبقت على الحماس متقدًا، فإنها أفضت في النهاية إلى التقليل من شأن المطالب التي ترفعها الثورة، وكذلك فتور التعاطف الجماهيري مع الثورة، خاصة أن بعض تلك المليونيات أدت في بعض الأحيان إلى التحرش بين المتظاهرين وقوات الجيش، لكن يبقى التشرزم بين قوى الثورة في الميدان -نتيجة أولويات القوى السياسية المختلفة- هو العامل الأبرز، الذي جعل الكثيرين يخافون على تآكل تلك الثورة من قبل أبنائها، بعد أن صمدت طويلاً أمام الضغوط الخارجية التي وحدتها، والممثلة بالأساس في النظام البائد وأعوانه خارج مصر.

وبعبارة أخرى: إن التظاهر في ميدان التحرير وغيره من الميادين، رغم المكاسب الكبيرة التي حققها، فإن تلك المكاسب تركزت على الأشهر الأولى من الثورة، وما لبثت أن تحولت فيما بعد، ليس فقط إلى وسيلة لرفع المطالب ذات الطابع السياسي لكل فصيل، بل إنها نقلت عدوى التظاهر إلى القطاعات الخدمية؛ حيث انتشرت المطالب الفئوية في مختلف ربوع الجمهورية، وزادت حركة الاعتصامات، والإضرابات عن العمل، وقطع الطرق بين المحافظات، إلى الحد الذي أصبحت معه الحياة في الدولة والمجتمع لا تنذر فقط بالشلل التام لمؤسسات الدولة، بل وأيضًا إلى الفوضى والوصول لحافة الإفلاس الاقتصادي؛ كنتيجة منطقية لضعف عجلة الإنتاج، وغياب الاستثمارات، وارتفاع معدلات البطالة.

وقد خفت حدة تلك الظروف والأوضاع في الربع الأول من عام 2012؛ ما أدى إلى حدوث بعض الوفورات المالية في رصيد مصر من الاحتياطي النقدي الدولاري في أبريل 2012، لكن دون الخلاص من أزمات أصبحت مشتعلة يوميًّا في خدمات غاز البوتجاز والسولار والبنزين والأسمدة ومياه الري. وقد تواكب كل ما سبق مع استعادة الأمن نسبيًّا في الشارع؛ بالحد من الجرائم الاجتماعية، ورفع حالة الطوارئ بشكل كامل اعتبارًا من الأول من يونيو 2012، وهي الحالة التي كان مقررًا العمل بها دون انقطاع منذ أكتوبر 1981. جدير بالذكر أن العمل بتلك الحالة قد ألغاها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ما عدا ما هو منها في مواجهة البلطجة، وذلك عشية الاحتفال السنوي الأول بثورة 25 يناير.

وفي الذكرى الثانية للثورة، تجددت المطالب الرئيسية مرة أخرى؛ حيث لم يحقق الرئيس المنتخب –بعد سبعة أشهر من توليه السلطة- شيئًا يذكر. ولكن اللافت هنا أن الشباب بدأ يلجأ بعد يأس من عدم تحقيق مطالبه إلى الميل نحو العنف.

وبناءً عليه، هبت الكثير من المبادرات لاحتواء هذه الموجة العنيفة من الثورة، من قبل الأزهر، والشباب أنفسهم، ومبادرة حزب النور، ومؤخرًا ظهر فجأة ما يعرف باسم “,”جبهة الضمير“,”. مما لا شك فيه أنه يحمد لأي مجموعة من أبناء الوطن محاولة رأب الصدع بين الشباب والسلطة، خاصة في ظل زيادة حالة الانشقاق والصراع السياسي، وانسداد الأفق والشرايين السياسية لدى مؤسسة الرئاسة. والمؤكد الآن أن جماعة الإخوان المسلمين والدكتور مرسي يمارسون، ويطبقون، المثل المصري الشهير: “,”وِدن من طين وودن من عجين“,”، والشباب الذي فجر الثورة وساند الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية بمشروعها (النهضة) في واد ثوري آخر.

وبدون الدخول في تفاصيل أكثر من ذلك عن أسباب أو توصيف المشكلة، فإن هناك مجموعة من الملاحظات الشكلية والموضوعية على ما يسمى بـ“,”جبهة الضمير“,”. فمن حيث الملاحظات الشكلية:

أولاً: المسمى نفسه: حيث تم استخدام مسمى قريب جدًّا لـ“,”جبهة الإنقاذ“,”؛ وهو ما يوحي بأن هناك محاولة متعمدة لتشتيت ذهن المواطنين في المواقف والقرارات التي تتخذها كلا الجبهتين، وإذا جاز التعبير استقطاع جزء من الجماهير المتعاطفة مع جبهة الإنقاذ من خلال تقديم خطاب بديل استعطافي يعلي من قيمة الأمن والاستقرار، كما حدث في الانتخابات والاستفتاءات السابقة.

ثانيًا: مكونات جبهة الضمير: تتضمن في طياتها أغلب الشخصيات التي تم اختيارها في الجمعية التأسيسية، والتي وضعت الدستور بمواده الخلافية، هذا من جانب. من جانب آخر، أغلب هذه الشخصيات أعضاء في مجلس الشورى، والذين تم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية، ومن ناحية ثالثة، هم أعضاء الحوار الوطني السابق -والجديد- الذي فشل ولم يتوصل إلى حل المشكلة السياسية برمتها، ولم يُعتد بنتائجه من قبل حزب الحرية والعدالة، وقد اتضح ذلك مع قانون الانتخابات، والذي رفضه حزب الحرية والعدالة، وأكد بأنه غير ملزم بنتائجه.

ثالثًا: غياب الشباب في الجبهة: فالواضح للعيان، والمدقق في الأسماء الموقعة على بيان الجبهة لن يجد فيها أيًّا من شباب الثورة، أو حتى من الائتلافات الشبابية التي تشكلت بعد الثورة.

رابعًا: الأحزاب المشاركة: ما عدا الحرية والعدالة، هي أحزاب هامشية لا وجود لها في الشارع، وغير ممثلة في البرلمان. فعلى سبيل المثال، حزب غد الثورة، كان ممثلاً في الانتخابات الأخيرة بمقعد واحد فقط في مجلس الشعب، فكيف يمكن القول بأنه يعبر عن الشباب أو عن قطاع عريض من الناس في الشارع؟

خامسًا: عدم وجود أحزاب سلفية مؤثرة: مثل حزب النور أو الوطن.

سادسًا: الاتجاه إلى عسكرة المجال العام في مصر: فقد عاب الكثير من هؤلاء على “,”جبهة الانقاذ“,” هذا الاسم؛ لما له من مدلول عسكري معين، أو أن مصر أصبحت دولة فاشلة، وكانت في احتراب أو اقتتال داخلي.

سابعًا: الوقت: فقد تأخرت هذه المبادرة كثيرًا، ولن تستطيع أن تنجز ما فشلت فيه مؤسسات عريقة يكن لها الجميع الاحترام والثقة، مثل الأزهر.

وبغض النظر عن الملاحظات الشكلية السابقة، فيبقى المضمون هو الأهم، ويلاحظ هنا ما يلي:

أولاً: ربما تكون هذه المبادرة محاولة من السلطة وحزبها للنيل من “,”جبهة الإنقاذ“,”، من خلال بديل مشابه، يتخذ مواقف تبدو ظاهرية ضد السلطة، ولكن جوهرها مع السلطة وتخدّم عليها، خاصة أن أغلب هذه الشخصيات أصبحت مرتبطة بعملية صنع القرار بشكل مباشر وغير مباشر.

ثانيًا: هدف المبادرة هو وقف حمام الدم والعنف، وهذا شيء يحمد لها، فلماذا لم تقم هذه الشخصيات بالاتصال -وهم على صلة وثيقة بمؤسسة الرئاسة وأعضاء في الحوار الوطني الأول والثاني- بالرئيس، ومحاولة إقناعه بالاستجابة إلى بعض مطالب الشباب، كبادرة حسن نيه منه للاتجاه نحو الحل لجميع مشاكل المرحلة الانتقالية؟

ثالثًا: حمل بيانها عبارات تحمل شبه الإدانة لغيرها من رموز المعارضة، فقد جاء في البيان التأسيسي: “,”... من هنا جاءت الحاجة إلى تكوين جبهة مصرية تدافع عن حق المصريين في الحياة، وعن حق مصر الثورة في أن تخطو في طريق التقدم والتطور وكسر الطوق المفروض عليها؛ كي تخرج من الضعف والفقر والتخلف والتبعية التي فرضت عليها طويلاً إلى حيث الاستقلال والتحرر من كل تبعية واستغلال، بما يهيئها لانطلاقة حضارية تحقق لكل مواطنيها الحرية والكرامة والعدالة والرفاه“,”.

رابعًا: الثقة في الجبهة.. كيف ستكون جبهة معارضة وطنية خالصة وضد السلطة، وفي نفس الوقت بها عدد من قيادات الحزب الحاكم، وعدد آخر مما يعرف باسم “,”أحزاب الموالاة“,”، فمن أين ستتوفر البيئة السياسية والمجتمعية لتحقيق أهدافها؟

خامسًا: ادعت الجبهة بأنها تسعى لأن تكون ممثلة لكل ألوان الطيف السياسي والثقافي والاجتماعي في هذه المرحلة، وتحمل شعارًا رئيسيًّا هو “,”ضد الدم وضد العنف“,”،.. وهي إذ تؤمن بأحقية كل طرف أو فصيل سياسي في مصر أن يصارع من أجل الفوز بقيادة البلاد، فإنها تكرس جهدها وطاقتها لأن يدور الصراع بأدوات سياسية متحضرة، ووفقًا لقوانين وقواعد محترمة، تسهم في تقديم إرادة البقاء على نزعات الفناء والانتحار.. وقد نسي الجميع بأن من أصدر الإعلان الدستوري الذي قسّم مصر هو الرئيس، وأن من لم يلتزم بنتائج الحوار الوطني هو حزب الرئيس!!

سادسًا: تعتبر هذه الجبهة نفسها نواة لكتلة ضمير وطني تدافع عن استمرارية الثورة، وعن حق المصريين في الحرية والكرامة والعدالة والرفاه؛ ومن هنا فهي ليست حزبًا سياسيًّا، وإن كان من بين أعضائها ممثلون لأحزاب قائمة، ستكون أولويتها الأولى في هذه المرحلة الحفاظ على الدم المصري والدفاع عنه ضد دعوات إهداره وإراقته في أتون صراع على السلطة يهدد بالإجهاز على عوامل بقاء الأمة المصرية، وسترفع هذه الجبهة صوتها ضد كل من يحاول استثمار دماء المصريين طلبًا لمكاسب حزبية أو شخصية ضيقة، وستجهر بالمعارضة والاحتجاج في وجه السلطة إذا رأت منها انحرافًا عن أهداف الثورة أو خروجًا عن المسار الذي يريده المصريون؛ وصولاً إلى واقع أفضل ومستقبل أرقى.

وتسعى هذه الجبهة إلى التواجد بين أوساط المجتمع المصري، تمزج أحلامه وتطلعاته وتعبر عنها وتتبناها في مواقفها؛ لتعلن تلك المواقف بقوة، دون مهادنة أو مجاملة لسلطة، ودون خضوع لمزايدات أو تأثر بضغوط أصحاب الأصوات العالية.

إن المطلوب من جبهة الضمير أن تحاول الإجابة على كل التساؤلات والاستفسارات السابقة، بالإضافة إلى الإجابة على تساؤل مهم يتمثل في: كيف تكون نواة لضمير وطني ضد السلطة وبها عدد من أعضاء من مستشاري الرئيس السابقين والحاليين؟

والخلاصة، مطلوب من “,”جبهة الضمير“,” أن تقدم حلولاً واقية جديدة للخروج من الأزمة، ملزمة في ذات الوقت للسلطة الحاكمة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟