المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

بين الاستمرارية والتغير: البحرين في وضع مضطرب

الأحد 29/ديسمبر/2013 - 11:50 ص
د. يسري العزباوي – مي غيث
لا شك أن مسئولية إخراج البحرين من الأزمة التي تعصف بها منذ ما يزيد على العام وعشر أشهر، تتحملها كل الأطراف المعنية، وإن كانت الدولة تتحمل القسط الأكبر من هذه المسئولية؛ لأنها هي من أوصل هذه الأزمة إلى ما هي عليه اليوم من تأزم وتعقيد، وهي من كرس تلك الملفات والقضايا المشبعة بعوامل الخطورة وعناصر الانفجار، عندما اختارت اللجوء إلى الخيار الأمني للتعاطي مع هذه الأزمة، بحيث لم يعد ينفع أو تجدي معها أي حلول جزئية أو وقتية، أو ذات أبعاد طائفية؛ لأن من شأن هذه الحلول زيادة الوضع تشوهًا وتعقيدًا .

واللافت، أن الساحة البحرينية تنشغل الآن بوجهتي نظر متضادتين، إحداهما تقول بأنه لا يمكن البدء بحوار بين السلطة والمعارضة إلا بعد أن تقوم المعارضة بوقف العنف في الشارع. وعندما تتمكن جمعيات المعارضة من الوقوف أمام العنف، وإيقاف الاحتجاجات أيضًا، فإن الحوار الذي سيفسح لها لن يكون سوى تفاهمات وتبادل وجهات نظر حول مواضيع شتى مع جمعيات تخالف المعارضة في كل شيء تقريبًا.

وجهة نظر أخرى مضادة تقول بأنه لا حوار مع السلطة إلا بعد أن تتوقف انتهاكات حقوق الإنسان التي أصبحت “,”ممنهجة بشكل واضح“,”، وأن على السلطة تنفيذ كل الإجراءات التصحيحية لإثبات حسن نيتها، وبعد ذلك يمكن الدخول معها مباشرة في مفاوضات حول المستقبل السياسي للبلاد.

وجهتا النظر مختلفتان، فإحداهما تتبناها جهات محسوبة على السلطة، والأخرى تتبناها مجموعات محسوبة على المعارضة، وهذه تزداد حدة في خطابها مع ازدياد التعقيدات والإحباطات.

وجهتا النظر متفقتان في أمر واحد، وهو أن البحرين تمر بأزمة حادة، ونحن نعتقد بأن المخرج يكمن في “,”حوار له معنى“,” يشمل السلطة والأطراف المعنية بمختلف توجهاتها المعارضة وغير المعارضة، ويفضي إلى خيارات عقلانية لتوجيه دفة الوضع السياسي نحو الأمن والاستقرار، وفي الوقت ذاته يفتح البيئة السياسية نحو آفاق رحبة تليق بالبحرين في القرن الحادي والعشرين. وإن وضع الشروط التعجيزية لن يحقق نصرًا لأحد، لا الحكومة ولا المعارضة .

البحرين.. وهبة شعبية ممتدة

على خلفية قضايا سياسية واجتماعية متفاقمة وتقاليد مديدة للمعارضة البحرينية، دفعت ثورتا مصر وتونس الشباب في هذا البلد إلى محاكاة النموذج الاحتجاجي العربي الجديد. وطالبت الشعارات التي رُفعت في هذه الاحتجاجات بإصلاح وطني دستوري نص عليه ميثاق العمل الوطني 2001، بالإضافة إلى مطالبة برفع القبضة الأمنية عن الحريات في البلد. وكما كانت عليه الحال في مصر، لا ينتمي هؤلاء الشباب في الأساس إلى أي تيار سياسي، وجرى التواصل بينهم عن طريق الإنترنت، وهم من الشيعة والسنة على السواء. وقد عبروا عن رغبة في تشكيل هيئة قيادية تمثل المواطنين من سنة وشيعة، لكن الخوف من تطور محاصصة طائفية كما في لبنان أو العراق، جعل الشباب يحجمون عن هذا الأمر، ويتركونها للانتخابات لتحدد قيادتها. وكان هناك حضور لافت للمرأة .

وفي الواقع، جاءت الدعوة إلى الانتفاضة الشعبية في البحرين يوم 14 فبراير 2011 مقصودًا، حيث تم الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني في نفس التاريخ منذ عشر سنوات، الذي توافق عليه الملك –الأمير آنذاك- حمد بن عيسى آل خليفة والمعارضة بعد أزمة سياسية طويلة امتدت لربع قرن، وتعمقت خلال عقد التسعينيات. لكن الحكم سرعان ما انقلب على الوثيقة التي تعتبر الأساس لمشروع الإصلاح الدستوري بعد عام فقط. فأقدم -في ذكرى الاستفتاء- على إصدار دستور جديد تحولت به “,”دولة“,” البحرين إلى “,”مملكة“,” البحرين التي يرأسها الملك، الذي أعطى لنفسه صلاحيات واسعة على حساب مجلس النواب .

وقد اعتبرت المعارضة أن إصدار دستور 2002 انقلابًا صريحًا على ميثاق العمل الوطني وعلى إرادة شعب البحرين، الذي وافق عليه بنسبة 98.4%، كمقدمة لاسترجاع دستور 1973، وهو الدستور الذي كافح شعب البحرين طوال ربع قرن من أجل استرداده، بعد أن كان قد علق العمل به في 26 أغسطس 1975.

وقد نص الميثاق على تعديلين فقط: الأول تغيير اسم دولة البحرين إلى مملكة البحرين، وبالتالي تغيير لقب رأس الدولة من أمير إلى ملك، ثانيًا استحداث مجلس شورى معين، للاستشارة فقط، بينما تبقى السلطتان التشريعية والرقابية بيد مجلس النواب المنتخب. وقد أعلن، وقتئذ، رئيس لجنة ميثاق العمل الوطني، وزير العدل والأوقاف، الشيخ عبد الله بن خالد الخليفة، في بيان، أن الميثاق سيكون وثيقة استرشادية، وأن الدستور سيكون هو المرجعية الأساسية.

لقد كان واضحًا للمعارضة وللشعب أن الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، الذي تولى الحكم في 6 مارس 1999، كان يريد إضفاء الشرعية على حكمه، وتجديد شرعية حكم عائلة آل خليفة. وكانت المعارضة والشعب مستعديْن لذلك مقابل الالتزام بخطة الإصلاحات الدستورية. وفي منتصف عام 2004، أطلقت عريضة شعبية تطالب الملك بالاستجابة لمطلب الإصلاح الدستوري، وتبنت جميع حركات المعارضة في برامجها السياسية والانتخابية مطلب وضع دستور عقدي للبلاد وإدخال الإصلاحات الدستورية والتشريعية والمؤسساتية في أجهزة الدولة .

واللافت، طوال الفترة من ديسمبر 2006 حتى 14 فبراير 2011 تصاعدت حركة الاحتجاجات على نظام الحكم وسياساته، خاصة الاحتجاج على مصادرة الحريات العامة، والتجنيس السياسي، والتمييز الطائفي، والاستيلاء على أموال الدولة، والفساد الممتد.

ومما لا شك فيه أن سلوك الدولة البحرينية بعد الاستقلال، عام 1971، كان معززًا للهوية الطائفية الشيعية على حساب الهوية البحرينية الجامعة؛ وذلك بسبب التمييز بين المواطنين في ظل غياب الديمقراطية وأسس المواطنة، وبسبب تحكم الدولة في مزايا الدولة الريعية التي تحتكر موارد النفط والأرض؛ ما يمكنها من المنح والحرمان، وما يجعلها عنوان اللوم الأساسي على الأوضاع الاجتماعية وغيرها .

وكان تنامي قوى اليسار والعروبة السمة الرئيسة للعمل المعارض في البحرين في حقبة ما قبل السبعينيات داخل الأوساط الشيعية والسنية على حد سواء، إلا أن فرصها تضاءلت نتيجة السجن والملاحقة اللذين واجهت الدولة بهما هذه القوى، ونتيجة تداعيات نكسة يونيو 1967.

وقد تم حل المجلس الوطني (البرلمان) في عام 1975، وملأت التنظيمات الإسلامية السنية والشيعية الفراغ الذي خلفته الحركات اليسارية في ساحة المعارضة، كما جرى في أكثر من بلد عربي، مع أخذ التفاوت الطائفي بعين الاعتبار في حالة البحرين.

ومنذ الثورة الإيرانية، عام 1979، انقسمت القوى الشيعية السياسية في البحرين إلى تيارين: تيار يطالب بإصلاحات مع احتفاظه بهويته الوطنية البحرينية وفي إطارها، وتيار ثوري متأثر بالثورة الإيرانية يطالب بإصلاحات جذرية ويرغب في أن تكون البحرين امتدادًا لإيران.

وقد توحدت الجماعات الثورية (الشيعية) في البحرين عام 1979 تحت مسمى “,”الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين“,”. وظهر التمايز على خلفية تصويت الشيعة لصالح البحرين باعتبارها بلدًا عربيًّا ومستقلاًّ، في الاستفتاء الذي أشرفت عليه “,”الأمم المتحدة“,” عام 1970. وحتى من ناحية الأصول الإثنية، التي تلعب دورًا في الثقافة السياسية في الخليج، يعتبر شيعة البحرين، بغالبيتهم الساحقة، من أصول عربية. وقد أضعفت هذه الحقيقة فرص تبني الخط الإيراني في الحركة الشعبية البحرينية. فالمكون الشيعي في البحرين مكون عربي بحريني أصيل، غير مستورد لا من إيران ولا من غيرها. كما نجد أن الكثير من أبرز رموز الحركة اليسارية والعروبية في الخليج عمومًا كانوا من شيعة البحرين .

وقد غُذي النفوذ السياسي للمعارضة الشيعية في البحرين عبر السنوات، نتيجة سياسات التمييز التي مارستها السلطة الحاكمة بحق المواطنين من أصول شيعية، ونتيجة لغياب مفهوم موحّد ومتساو ٍللمواطنة. فمن بين الوظائف العليا في البلاد، لا يشغل الشيعة، الذين يشكلون غالبية السكان (60-70%)، سوى 17% من هذه الوظائف. وما يزيد من السخط الاجتماعي، المتحول بسهولة إلى نقمة طائفية، أن نسبة البطالة في البحرين، التي حققت نجاحات اقتصادية وعلى مستوى الحريات، تبلغ 19%، وهي نسبة مرتفعة، يعاني منها شباب شيعة وسنة على السواء. وقد دفع هذا التمييز، مقترنًا بملاحظات على مستوى حقوق الإنسان، إلى زيادة الاحتقان، وهو ما حدا بالحكومة إلى محاولة تبني بعض الإصلاحات.

وقد تم إقرار ميثاق العمل الوطني الصادر في 15 فبراير 2001 الذي تضمّن مبادئ عامة للإصلاح السياسي والتحوّل الديمقراطي، وحدد نظام الحكم بـ“,”وراثي دستوري“,”، وأن الشعب مصدر السلطات الثلاث، وحصلت هذه المبادئ على تأييد 98.4%، بنسبة مشاركة وصلت إلى 90.3% من البحرينيين. وكان الإعلان عن إجراء انتخابات برلمانية في تشرين أكتوبر 2002 من أهم ثمرات هذا الميثاق، ولكن الدستور الصادر بموجبه جاء مخالفًا للمبادئ التي تضمنها؛ فقد منح صلاحيات مطلقة للملك .

وعامة، تعتبر مملكة البحرين ذات طبيعة خاصة تختلف عن حالات الثورات في الدول العربية الأخرى ودول مجلس التعاون الخليجي نفسها؛ تتمثل هذه الخصوصية في: أولًا، حيث يمكن توصيف ما حدث، ويحدث، بصورة أكبر بأنها “,”حركات احتجاجية“,”، فهي لم تتعد إلى وصف الثورة، فالثورة تعني: تغيير جذري وصياغة عقد اجتماعي جديد بين السلطة الحاكمة والمحكومين، عبر عمل شعبي واسع. وبالتالي غاب عن المشهد في البحرين سمتان أساسيتان، هما: التغيير الجذري في المجتمع، وكذلك العمل الشعبي الواسع، أي المشاركة الشعبية الواسعة. ثانيًا، اختلاف طبيعة الدولة البحرينية، حيث إنها دولة محدودة المساحة تحكمها أقلية سنية برغم وجود أغلبية شيعية تمثل ما بين 60 إلى 70% من نسيج المجتمع. ثالثًا، تتميز دولة البحرين بقلة الموارد الاقتصادية والثروات الطبيعية، فهي ليست دولة نفطية. كذلك وضعها الإقليمي يختلف؛ حيث تجاورها دولتان كبيرتان تتنازعان ولاء سكانها هما العراق وإيران، كما أنها تواجه تهديدات من قبل إحداهما، ايران، بتبعيتها لها كمحافظة رابعة عشرة .

رابعًا، وعلى الرغم من أن الشعارات التي رفعت في المظاهرات عبرت عن الوحدة البحرينية مثل “,”لا سنية ولا شيعية.. ثورة ثورة شعبية“,”، فإن أغلبهم ينتمون إلى الشيعة. خامسًا، على الرغم من ظهور حركات معارضة سنية (ظهور ائتلاف أربع جمعيات سياسية من خارج المعارضة تحت اسم “,”تجمع الوحدة الوطنية“,” برئاسة الشيخ “,”عبد اللطيف المحمود“,”)؛ فإنها لم تتوافق مع المعارضة الشيعية، إذ تمثلت رؤى هذا التجمع في إرساء دعائم دولة بحرينية حديثة مدنية، تطلق فيها الحريات، وتصان فيها الحقوق، وتظلها أحكام القانون، مع إجراء تعديلات جوهرية في الدستور، وإرساء ملكية دستورية تلائم الواقع الداخلي، فضلًا عن مطالبة الدولة بتطوير الخدمات العامة، وحل المشكلة السكانية، وزيادة الرواتب والمعاشات، ومعالجة مشكلة الفقر .

واخيرًا؛ تأثرت الاحتجاجات البحرينية بوضوح بالعامل الخارجي، وقد تبين ذلك في استدعاء قوات درع الجزيرة لوقف انتشار هذه الاحتجاجات، وكذلك المساعدات التي قدمها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي تُقدر بعشرة مليارات دولار؛ لتنفيذ مشروعات تنموية بهدف تخفيف حدة الأزمة والاحتجاجات في البحرين.

قوات درع الجزيرة.. حل مؤقت

في الأسبوع الثالث من شهر مارس 2011، أصدرت القيادة الوطنية في مملكة البحرين نداءً غير مسبوق، طلبت فيه من الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية نشر جزء من قواتها الأمنية في البحرين؛ وذلك بهدف المساعدة على مواجهة الاضطرابات الداخلية التي شهدتها البلاد، والتي كان واضحًا أن ثمة قوة إقليمية عملت على إثارتها. وجاءت استجابة العديد من حكومات دول مجلس التعاون سريعة، مع تأكيد حقيقة أن تحركاتها كانت مشروعة ومنسجمة مع السبب الأساسي لوجود قوة “,”درع الجزيرة“,”، التي أُنشئت خلال الحرب العراقية الإيرانية بين عامي 1980-1988.

كما استند طلب البحرين واستجابة الدول الأعضاء في مجلس التعاون إلى حق الدفاع الشرعي عن النفس الذي نصت عليه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وإلى الأعراف الدولية المتعلقة بالحق المشروع للدولة القومية في الحفاظ على كيانها وسيادتها. ومن المفترض أن هاتين الحقيقتين اللتين تؤكدان مشروعية ما قامت به البحرين وشقيقاتها من دول مجلس التعاون من البديهيات، ولكن العديد من المراقبين لم يروا ذلك .

لقد افتقد كثير من التعليقات الخارجية بشأن مشاركة “,”درع الجزيرة“,” في الأزمة البحرينية إلى فهم سبب تشكيل هذه القوة، والغرض منها، وطبيعة وحجم إنجازاتها قبل استخدامها مؤخرًا، في حالة البحرين. فقد كان الهدف الأساسي لقادة الدول الست، عند اتفاقهم على تأسيس هذه القوة، هو المساعدة على منع انتقال الصراع بين إيران والعراق إلى أي من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. ولهذه الغاية ركزوا على تحديد الموقع المناسب لتمركز هذه القوات. وبما أن الكويت كانت الأكثر عرضة لاحتمال مهاجمتها من جانب إيران عن طريق البر، فقد قرر قادة دول المجلس وضع قوات “,”درع الجزيرة“,” في شمال المملكة العربية السعودية على مسافة قريبة من الحدود السعودية-الكويتية في منطقة حفر الباطن .

ومنذ لحظة تأسيس قوات “,”درع الجزيرة“,” وحتى دخولها حالة من الكمون النسبي بعد نهاية الحرب الإيرانية- العراقية، وصولًا إلى تفعيل دورها مؤخرًا، كانت هذه القوات، من حيث فكرتها والوحدات التي تساهم بها القوات المسلحة في الدول الأعضاء بالمجلس فيها من حين لآخر، مرتبطة بالهدف الإستراتيجي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية المتمثل في تعزيز قدرات الردع والدفاع لدى الدول الأعضاء بغرض ضمان أمنها واستقرارها .

ولا ينبغي النظر إلى ما حدث في حالة البحرين من دون دراسة الفعالية الإستراتيجية التي أثبتتها قوات “,”درع الجزيرة“,” في مرتين سابقتين. في المرة الأولى، ساعد وجود “,”درع الجزيرة“,” على تمهيد الطريق لتحرك دولي هائل ومنسق في الدفاع عن دول المجلس خلال الحرب العراقيةالإيرانية؛ حيث عمل التحالف المكون من 27 بلدًا بشكل وثيق مع المؤسسات المعنية بالدفاع في دول مجلس التعاون، ونجح في الدفاع عن دول المجلس خلال هذه المرحلة الحرجة.

ولا يختلف اثنان على أن قوات “,”درع الجزيرة“,” كانت أحد العوامل التي ساعدت على التعجيل بوضع نهاية للحرب بين إيران والعراق. فقد ساهم وجود هذه القوات، إلى جانب حَزْم الأمانة العامة لمجلس التعاون وقادة دول المجلس الست ووزراء خارجيتها، في تحقيق نجاح إستراتيجي مزدوج لم تحقق مثله أية مجموعة عربية أخرى؛ حيث ساعدت دول مجلس التعاون في تسهيل قبول إيران والعراق لقرار وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وأزالت بذلك ما كان يشكل تهديدًا أمنيًّا كبيرًا لمخزون النفط الهائل في منطقة الخليج، الذي كان حينها، كما هو اليوم، حيويًّا للرفاه المادي لمعظم الإنسانية .

وفي المرة الثانية، وبناءً على النجاح الذي تحقق في المرة الأولى، تحالفت 28 دولة مع دول مجلس التعاون الست في الفترة 1990-1991 لصد العدوان العراقي على الكويت. ومع ذلك، فقد كان الإحساس في تلك المرة بضرورة وجود إستراتيجية دفاع موحدة لجميع دول مجلس التعاون أكثر جدية عن ذي قبل، وكان استمرار قوات “,”درع الجزيرة“,” وتطويرها عنصرًا مركزيًّا في تلك الإستراتيجية. وفي حقيقة الأمر فإن التعاون الدفاعي السابق الذي حدث أثناء الحرب الإيرانية العراقية بين دول مجلس التعاون، من جهة، وحلفائها من القوى العظمى والأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الدولي، من جهة أخرى، قد ازداد تطورًا وعمقًا .

في أعقاب النجاح الثاني الذي حققته دول مجلس التعاون، بالاعتماد على قوات “,”درع الجزيرة“,” وكبار شركائها الأجانب في مجال الدفاع، قامت دول المجلس بجهد مشترك لتقييم الدروس المستفادة من تلك التجربة. كما عملت على استكشاف إمكانيات البناء على ما حققته من نجاح. ولبلوغ تلك الغاية، وافقت الدول الأعضاء على دراسة مقترح عُماني لزيادة قدرات الدفاع والردع التي يمتلكها مجلس التعاون. وقد رأت عُمان أن يتم زيادة حجم درع الجزيرة من حده الأقصى البالغ 22,000 جندي إلى نحو 100,000 جندي؛ وهو رقم يقترب من حجم فرقة في الحرس الجمهوري العراقي .

وفي نهاية الأمر، اختارت أغلبية حكومات دول مجلس التعاون فكرة عدم زيادة عدد القوات التابعة لقيادة درع الجزيرة. وقد كان واقع القيود الديمغرافية في هذه الدول، كما ارتأت، غير مواتٍ لأي توسع كبير في حجم قوات “,”درع الجزيرة“,” ودورها في المستقبل المنظور. وعزز هذا المنطق أن كثيرين كانوا يرون أنه إذا قُدّر لهذا المقترح أن يتحقق، فليس من المرجح فقط أن يتعذر النجاح لفترة طويلة، بل يكاد يكون من المؤكد أيضًا أن الجهد نفسه سيؤخر تحقيق الهدف الأكبر المنشود، وهو: تعزيز القوات المسلحة الوطنية في كل دولة من دول المجلس وتوسيعها .

وفي ضوء ذلك، فإن هدف الدفاع الذاتي الإستراتيجي الذي يقف وراء تأسيس قوات “,”درع الجزيرة“,”، وكذلك الأحكام والشروط الخاصة باستدعائها على أساس الحاجة، كما حدث مؤخرًا في حالة البحرين، يمكن فهمها على نحو أفضل. وما ينبغي أن يكون أكثر وضوحًا أيضًا هو أن تفويض “,”درع الجزيرة“,” ما زال على ما كان عليه منذ البداية، وهو: تقديم المساعدة عندما وحيثما تستدعي الضرورة؛ بناءً على طلب حكومة واحدة أو أكثر من حكومات دول مجلس التعاون؛ من أجل حماية أو استعادة أمن الدولة العضو واستقرارها .



خريطة المعارضة البحرينية.. وتجدد مطالبها دائمًا

تتمثل أهم قوى المعارضة في البحرين في سبع حركات رئيسية، وهي: الوفاق الوطني الإسلامي (وفاق)، جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي (المنبر)، وجمعية العمل الوطني الإسلامي (أمل)، التجمع القومي الديمقراطي (تجمع)، التجمع الوطني الديمقراطي (الديمقراطي)، جمعية الإخاء الوطني (إخاء).

كما تنقسم المعارضة في البحرين إلى معارضة معترف بها رسميًّا، ومعارضة غير معترف بها. وتشمل المعارضة المعترف بها الجمعيات الأهلية، وتعمل في إطار القوانين السارية والمقيدة لحرية التنظيم والتجمع والتعبير. أما المعارضة غير المعترف بها فتشمل حركة “,”حق“,” بزعامة “,”حسن مشيمع“,”، وحركة “,”الوفاء“,” بزعامة “,”عبد الوهاب حسين“,” المحكومين حاليًّا بالسجن مدى الحياة بتهمة الدعوة للجمهورية، وحركة “,”أحرار البحرين الإسلامية“,” وزعيمها “,”د. سعيد الشهابي“,” المقيم في لندن، وكلها انشقاقات من التنظيم الإسلامي الشيعي الأم “,”جمعية الوفاق الوطني الإسلامي“,” وزعيمها الشيخ “,”علي سلمان“,”.

والجدير بالقول إن نفوذ المعارضة غير المعترف بها ينتشر بين أوساط الشباب، خصوصًا الشيعة، في ظل الفقر والتهميش لمناطقهم والبطالة المرتفعة في أوساطهم، علمًا بأن الشيعة محرومون من الانضمام إلى الجيش والأمن والمخابرات، مع بعض الاستثناءات في مناصب مدينة.

ومع تصاعد الأحداث أصبح المشهد الاحتجاجي التنظيمي مشغولًا بكتلتين رئيستين : الأولى جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، وهي التكتل الذي يمثل أكبر تجمع سياسي في البحرين، ولديه حضوره الشعبي القوي؛ فقد حاز نواب الوفاق 17 مقعدًا من أصل 40 في البرلمان البحريني في انتخابات 2006. ويقود الجمعية الشيخ علي سلمان بجانب المرجع الديني علي قاسم. وتتماثل مطالب الوفاق المعروفة مع مطالب شباب، المتمثلة في إصدار دستور جديد يجعل البحرين مملكة دستورية، وأن يكون رئيس الحكومة مسئولًا أمام البرلمان، وليس أمام الملك، وأن يكون الساسة المنتخبون هم صانعو القرار في البلد. ويتحالف مع الوفاق في هذا، “,”التجمع القومي الديمقراطي“,”، و“,”أمل“,”، والأحزاب اليسارية مثل “,”وعد“,” و“,”المنبر التقدمي الديموقراطي“,”. وهي كتل تضم أعضاء مختلفين من ليبراليين وشيعة وسنة، رجالًا ونساء، وكلهم شاركوا تحت راية الوفاق في الحراك الشبابي الأخير .

والتكتل الثاني هو “,”التحالف من أجل الجمهورية“,”، الذي تشكل في السابع من مارس 2011؛ على خلفية الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها مملكة البحرين. وكما يتبين من اسمه، يطالب التحالف بإسقاط الملَكية وحكم آل خليفة وإقامة جمهورية في البحرين، ويضم التحالف ثلاث حركات شيعية معارضة للنظام الحاكم: تيار الوفاء الإسلامي، وحركة حق، وحركة أحرار البحرين.

ولم تطالب حركة أحرار البحرين في الماضي بإسقاط حكم العائلة الملكية كما تفعل اليوم، إذ كانت مطالبها تتمحور حول الديمقراطية وتحرير المعتقلين. ولم يقتصر رفع سقف المطالب على مستوى هذه الحركة السياسية فقط، بل في أوساط الحركة الشبابية أيضًا. فبعد الأحداث الدموية ليوم 17 فبراير، وسقوط ضحايا من هؤلاء الشباب؛ تحولت الشعارات للمطالبة بإسقاط النظام والعائلة الحاكمة. وقد منع بعض الشباب أحد المعارضين السياسيين من أن يكمل حديثه عن مطلب “,”الملكية الدستورية“,” في ميدان اللؤلؤة؛ على اعتبار أن الأحداث تجاوزته .

وتميزت حركة الاحتجاج في البحرين عن مثيلاتها في المنطقة العربية كونها تستدعي إعادة تعريف نظام الحكم والمواطنة من جديد، في بلد ترسخت وتمايزت فيه أنساق عمل سياسي طائفية عبر فترة طويلة من الزمن. ويجري طرح هذه المهمات الكبرى في أجواء من انعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم من جهة، وبين المواطنين فيما بينهم من جهة أخرى، وذلك في حالة شعبية لا تتمتع بتجانس مماثل للذي كان داعمًا لثورتيْ مصر وتونس. ولا يقلل هذا الوصف من أهمية الهوية الوطنية البحرينية، ولكن من الواضح أنه جرى تسييس انتماءات أخرى .

وعلى صعيد المطالب، في 14 فبراير 2011 بلورت قوى المعارضة المعترف بها مطالبها الإصلاحية المطلوبة، على إثر مخاطبتها من قبل ولي العهد، حيث طرحت المطالب التالية: إقالة الوزارة الحالية والتي بقي رئيسها، رجل النظام القوي، الشيخ خليفة بن سلمان الخليفة، عم الملك، اثنين وأربعين عامًا في الحكم، تشكيل حكومة وفاق وطني منتخبة، انتخاب مجلس تأسيسي لوضوع دستور جديد للبلاد على قاعدة صوت واحد للناخب الواحد، وجعل البحرين دائرة واحدة، والتحقيق في قضايا القتل والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان من خلال لجنة مستقلة، والتحقيق في قضايا الفساد ونهب الأموال والأراضي واستعادتها للدولة، وإطلاق سراح جميع المحكومين في قضايا سياسية وإطلاق الحريات العامة والحق في التنظيم والتجمع والتظاهر والتعبير، وإيقاف الإعلام الرسمي التحريضي ضد الانتفاضة ووضعه تحت قيادة وطنية، على الرغم من أن إعلان هذه المطالب لم يرُق للمعارضة غير المرخصة، التي صعدت الموقف، باحتلالها الطريق السريع والمرفأ المالي ودعوتها إلى العصيان المدني، كما صعدت مطالبها باتجاه شعار إسقاط النظام. وهكذا وقعت المعارضة بين مطرقة النظام وسندان الشارع .

ومن جانبه تقدم ولي العهد بمبادرته الشهير بتاريخ 13 مارس 2011، وتضمنت ما يعرف بالنقاط السبع لتكون محاور التفاوض مع المعارضة، وهي كما يلي :

1) حكومة تعبر عن الإرادة الوطنية .

2) إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية لتكون أكثر عدلًا .

3) تعديل صلاحيات مجلس النواب ليمتلك سلطات تشريعية ورقابية أوسع .

4) التحقيق في قضايا الانتهاكات وتعويض المتضررين .

5) التحقيق في قضايا الفساد واتخاذ إجراءات مناسبة .

6) ضمان سلامة المحتجين السلميين بما في ذلك المعتصمون في دوار اللؤلؤة بشرط عدم إعاقة الحركة المرورية.

7) المصالحة الوطنية الشاملة .

وعلى الرغم من أن الدعوة استثنت قوى المعارضة غير المعترف بها، فإن وفدًا يمثل ولي العهد مبادرته إلى تحالف المعارضة المعترف بها في اجتماع رسمي في مقر الوفاق، كما اجتمع مع القيادات الدينية الشيعية ممثلة بالمجلس العلمائي الأعلى. وقد قبلت المعارضة التفاوض على أساس هذه النقاط، لكنها طالبت بضمانات خليجية أو دولية؛ لضمان تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه وآليات التنفيذ.

لكن سرعان ما أجهضت هذه المحاولة باجتياح قوات درع الجزيرة البحرين، واجتاحت قوات النظام دوار اللؤلؤة ومجمع السلمانية الطبي، والذي كان يستقبل الضحايا المصابين، وتحول بدوره إلى مركز للحركة الاحتجاجية. وأعلنت حالة الطوارئ مساء 14 مارس، وتم في ظلها تفويض القائد العام لقوة دفاع البحرين بصلاحيات الحاكم العرفي. وترتب على ذلك مقتل العشرات بالرصاص أو تحت التعذيب، واعتقال الآلاف، وسوق المئات إلى المحاكم العسكرية .

من اللافت للنظر أنه ما أن رفعت حالة الطوارئ، التي لم تستمر إلا يومين فقط، حتى بدأت المعارضة تستعيد المبادرة مرة أخرى، وتنظم صفوفها، وتعيد صياغة مطالبها، كما أنها بدأت تحظى بالدعم الغربي، في ظل تطورات جديدة، منها انسحاب جمعية التقدمي من تجمع المعارضة بسبب خلافات داخلية، ومراوحة جمعية العمل الإسلامي ما بين تجمع المعارضة المعترف بها والمعارضة غير المعترف بها واعتقال غالبية قياداتها، واعتقال معظم قيادات تيار المعارضة غير الرسمية .

وفي 12 أكتوبر 2011، طورت المعارضة وثيقة تعبر عن مشروع المعارضة للإصلاح تحت شعار (الشعب يريد إصلاح النظام)، التي عرفت باسم “,”وثيقة المنامة“,”، أعادت المعارضة فيها قبولها مناقشة المبادئ السبعة التي طرحها ولي العهد. وأعادت صياغة ما تعتبره مطالب القوى المشاركة في الحركة المطلبية التي بدأت في 14 فبراير 2011 :

أولًا: خمسة مطالب رئيسية: وهي حكومة منتخبة تمثل الإرادة الشعبية، نظام انتخابي عادل، سلطة تشريعية من غرفة واحدة منتخبة بالكامل تنفرد بكامل الصلاحيات التشريعية والرقابية، سلطة قضائية مستقلة، وأمن للجميع عبر إشراك جميع فئات المجتمع البحريني في تشكيل والانضمام إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية .

ثانيًا: يقتضي تنفيذ هذه الإصلاحات وضع دستور جديد، يعتمد بعد موافقة الأغلبية من خلال جمعية تأسيسية منتخبة وعبر استفتاء شعبي .

ثالثًا: المعالجة الفورية لقضايا التجنس السياسي، وإيقاف سياسة التميز القبلي والطائفي والسياسي واستبدالها باعتماد مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص على قاعدة المواطنة المتساوية، والتوافق على سياسة إعلامية وطنية .

رابعًا: من أجل الضغط لتحقيق هذه المطالب وكسب أكبر عدد من المواطنين يتوجب الاستمرار في تبني الأسلوب السلمي في المعارضة، والحراك الشعبي عبر المسيرات والاعتصامات والمظاهرات، والحراك الإعلامي، وتفاوض المعارضة مع السلطة، ورصد الانتهاكات وتوثيقها ومخاطبة الجهات الدولية .

خامسًا: رؤية لبحرين المستقبل، تتضمن دولة ديمقراطية متقدمة في ظل الملكية الدستورية وترسيخ قيم الديمقراطية وممارستها، تحقيق مصالح أبناء البحرين كافة دون تمييز، إيقاف كافة الانتهاكات ضد العمالة الأجنبية، ترسيخ وتطوير العلاقات في إطار مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ترسيخ وتعزيز العلاقات مع الدول الديمقراطية الصديقة، تطوير المناخ الاقتصادي القائم على اقتصاد السوق والعدالة الاجتماعية، وأخيرًا، التطلع لتكون البحرين دولة ديمقراطية على طريق تونس ومصر، وتمثل الدول الديمقراطية العريقة .

سادسًا: الطريق إلى الحل، بعد فشل محاولات إخضاع الشعب وإسكات صوته، والحوار الشكلي الحكومي - الحكومي، يظل الحوار الجاد من أجل التحول الديمقراطي انطلاقًا إلى المبادئ السبعة لولي العهد والمبادئ التي أعلنتها المعارضة هو الحل، مع عدم استبعاد أي مكون سياسي ومجتمعي حقيقي من الحوار .

سابعًا: دور المجتمع الدولي، سيتجلى دور المجتمع الدولي في تشجيع الإصلاحيين والمعتدلين في السلطة، وإقصاء المتطرفين من المشهد السياسي، وفي دعم المعارضة الوطنية، ودعم الحل التفاوضي، ومن ثم في دعم الاقتصاد البحريني.

وقد اختتم الوثيقة بالقول: “,”إن الإصلاح في البحرين هو لصالح الاستقرار في الخليج، وإسهام في التحول الديمقراطي لكل العرب“,”. وترى المعارضة في وثيقة المنامة مدخلًا إلى القاعدة التي ستبني عليها الإصلاحات الدستورية، وتنطلق منها، باقي الإصلاحات الشاملة والجذرية الأخرى مثل إقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة تمثل الإرادة الوطنية، وإقرار دستور جديد، يعيد توزيع الصلاحيات والاختصاصات، بحيث يصبح الملك ملكًا دستوريًّا يملك ولا يحكم، وهو رمز وحدة البلاد، وهو رأس السلطة وليس رئيس السلطات، ذاته مصونة ما دام لا يتدخل في تسيير شئون الحكم .



السيناريوهات المستقبلية للاحتجاجات في البحرين

ومع اعترفنا الكامل بخصوصية الحالة البحرينية في الربيع العربي إلا أن مطالب المعارضة تظل مشروعة دائمًا، طالما لم يتحقق منها الحد الأدنى اللازم للعيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، وفي ظل تحقيق دولة القانون والمواطنة، وبدون محاولات الاستقواء بالخارج لقمع المعارضة من ناحية، أو قيام المعارضة باستجداء الخارج للضغط على الحكومة أو النظام الداخلي.

ومن خلال استعرضنا لتطور الأوضاع، وخصوصيتها، في البحرين عن مثيلاتها العربية، يمكن رصد ثلاثة سيناريوهات مستقبلية هم :

السيناريو الأول: قيام وتصاعد الاحتجاجات إلى حد يصعب فيه على النظام التعامل معها. حيث يعتمد هذا السيناريو على ما يعرف في العلوم السياسية بـ “,”نظرية المباريات الصفرية“,”، التي يريد من خلالها كل طرف أن يكسب كل شيء، ولا يحقق للطرف الآخر أي مطلب؛ مما يؤدي إلى فقدان الثقة بين الطرفين، ومن ثم استخدام كل طرف كل الأدوات التي يمتلكها لمحاولة إنهاء الصراع لصالحه.

فمن ناحية ستقوم المعارضة بالنزول إلى الشارع بكل قوة، مستخدمة في ذلك الشباب لمواجهة، ليس فقط القوات الحكومية والأمن العام، ولكن ربما لمهاجمة بعض المنشآت الحيوية في البلاد. كما سوف تصعد المعارضة في مطالبها إلى حد “,”رحيل النظام“,”، كما حدث في مصر وتونس واليمن، وتصدير المشهد على اعتبار أنه مشهد وأحداث عنف طائفي .

أما على الجانب الرسمي، فلن ترضخ الحكومة والملك أو حتى النزول إلى مطالب المعارضة؛ حتى لا تخرج من المشهد منتصرة فتضعفه هو في المستقبل، بل على العكس سيزيد النظام من تصلبه وتعنته تجاه مطالب المعارضة، ومن ثم سيقوم ليس فقط بإعلان حالة الطوارئ في البلاد والقبض على رموز المعارضة مرة أخرى، ولكن سيكون هناك استدعاء لقوات درع الجزيرة مرة أخرى لمجابهة الوضع القلق وإيران التي تعبث أيديها بالداخل البحرين.

السيناريو الثاني، يتمثل في بقاء الوضع كما هو عليه، حيث تهدأ الأوضاع في بعض الأوقات ثم تنفجر في أوقات أخرى. وأعتقد هنا بأن الاحتجاجات ستنشأ كرد فعل على أية خطوات تتخذها الحكومة أو الملك، حيث تظل الفجوة أو الهوة واسعة بين مطالب المعارضة والإصلاحات الجديدة.

وفي ظل هذا السيناريو سيعتمد النظام على تكتيكات سياسية معينة؛ من قبيل اختراق المعارضة، أو العمل على تفريق وحدتها من خلال اختراقها من الداخل، من خلال الاستجابة البسيطة أو التدرج في تحقيق بعض مطالبها.

وعلى الجانب الآخر، فسوف تقوم المعارضة بمحاولات مستمرة بالمزيد من المطالب عن طريق اللجوء إلى قوة الشارع، الذي تستند إليه من خلال تحريك وتنظيمات مسيرات معارضة للنظام .

السيناريو الثالث: يقوم على الاحتواء، وسيتحقق ذلك من خلال التخلص نهائيًّا من مسألة الاحتجاجات؛ من خلال قيام النظام بتلبية مطالب المعارضة وتقديم حزمة من الإصلاحات الدستورية والسياسية التي وردت في “,”وثيقة المنامة“,”، وإشراك المعارضة في الحكم وكافة مؤسسات الدولة السياسية والأمنية والعسكرية. وعلى الجانب الثاني، تقوم المعارضة بطرح مشروع إصلاحي وطني حقيقي، ليس برنامجًا مطلبيًّا لتحقيق بعض المكاسب الطائفية أو الفئوية، وأن تتوقف عن تشوية صورة النظام في الخارج، أو الاستقواء ببعض الأنظمة المشتركة معها في المذهبي الديني.

والخلاصة، أن السيناريوهات الثلاثة مرتبطة بعضها بعضًا، وتقع جميعًا على خط مستقيم واحد، إلا أن السيناريو الثاني هو الأقرب للواقع في ظل حالة فقدان الثقة بين الطرفين من جانب، واستقواء جميع الأطراف بالعالم الخارجي من جانب آخر. ولكي تكون الانطلاقة صحيحة وسليمة، فإن البحرين مطالبة باتخاذ العديد من الخطوات، أولها: أن تتزحزح الدولة عن مواقفها المتصلبة وتتجه إلى المصالحة مع شعبها، بدل أن تقمعه بالقوة لأنه خرج إلى الشارع مطالبًا بالإصلاح والمشاركة السياسية، ردًا على تلك العقود التي عانى خلالها من الإقصاء والتهميش والحرمان السياسي والاجتماعي. والخطوة الثانية: وقف سياسة الانتقام أو “,”الحقد“,” كموجه للسياسات والقرارات وما أفرزته من تداعيات.



المـراجع:

- محمود القصاب، صحيفة الوسط البحرينية، العدد 3679 ، 3 أكتوبر 2012.

- منصور الجمري، صحيفة الوسط البحرينية، العدد 3756، 19 ديسمبر 2012.

- عبد النبي العكري، الحركات الاحتجاجية والإصلاح الدستوري في البحرين، أوراق المتابعة السياسية، مبادرة الإصلاح العربي، مايو 2012

- جون ديوك أنتوني، “,” درع الجزيرة“,”: قوة فعالة لأمن الخليج، مركز الإمارات للبحوث والدراسات، 13 يونيو 2011.

- -Kenneth Katzman, Bahrain: Reform, Security, and U.S. Policy, CRS Report for Congress, Nov. 6, 2012.

http://www.alsharq.com/ArticleDetails.aspx?AID=214896&CatID=82&Title=%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%

- http://acpss.ahramdigital.org.eg/News.aspx?Serial=66

- http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=719017&eid=7887

- محمد نعمان جلال، النظام السياسي في مملكة البحرين: الإصلاح في إطار الهوية، البحرين، مركز البحرين للدراسات والبحوث المنامة، الطبعة الثانية، 2007.

- جمال خاشقجي، المعارضة البحرينية.. بين الثابت والمتحول، جريدة الحياة، ع18138، ا ديسمبر 2012، ص9.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟