المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

هل تقضي العملية "سيناء" على السلفية الجهادية في شبه الجزيرة؟

الأحد 29/ديسمبر/2013 - 11:43 ص
بسام صلاح
أثارت العملية نسر -التي سميت فيما بعد بالعملية سيناء- التي قامت بها القوات المسلحة في سيناء على أثر الهجوم الذي أودى بحياة 16 جنديًّا وضابطًا مصريًّا أسئلة عديدة بشأن: أهدافها الحقيقية، وحجم القوات المسلحة المستخدمة فيها، وتوقيت تنفيذها وما ارتبط به من توتر واضطراب في عملية صنع القرار الداخلي في ضوء الصراع بين الرئيس مرسي والمجلس الأعلى للقوات المسلحة وعلى وجه التحديد المشير ورئيس الأركان. ويبدو أن هذا القدر من عدم الوضوح في الظروف الموضوعية التي أحاطت بالعملية هو ما انعكس على التباين حول تقييم مدى نجاحها أو إخفاقها، وهو الأمر الذي يشوبه العديد من الالتباسات. وحتى الآن ربما لا يستطيع أحد أن يعرف الهدف الأولي للعملية وما إذا كانت قد استهدفت إنهاء وجود السلفية الجهادية في سيناء، أم كان لها أهداف أخرى غير واضحة، أو غير معلنة ؟

جا ء ت العملية نسر بعد حادثة مقتل 16 جنديًّا مصريًّا على الحدود مع إسرائيل في 5 أغسطس 2012، وهي الحادثة التي مثلت ذروة الفوضى الأمنية خلال عام ونصف بعد ثورة 25 يناير، وهو ما أجبر الدولة على أخذ التهديدات الأمنية القادمة من سيناء على محمل الجد، وكان تحرك الدولة لتنفيذ العملية محاولة للسيطرة على الأوضاع الأمنية المنفلتة واستعادة قدرة الدولة في سيناء. هنا نطرح كشف حساب حول العملية ونتائجها في ضوء الأهداف المفترضة التي لم يعلن عنها صانع القرار المصري صراحة.

ملابسات قرار العملية نسر:

شكل مقتل الجنود المصريين على الحدود تحديًا أمام النظام الجديد الذي كان يسعى في ذلك الوقت لتعزيز مكانته وإثبات قدرته على التعامل مع مثل هذه المواقف. خرج الرئيس في خطاب مقتضب بعد اجتماعه بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة يؤكد فيه أن دماء الجنود المصريين لن تذهب هدرًا وأن القوات المسلحة قادرة على الوصول لمرتكبي الحادث ومعاقبتهم، وهو ما أعاد الرئيس تأكيده في اليوم التالي أثناء زيارته لرفح، والتي بدأت العملية نسر بعدها بيوم واحد. وإلى حد ما فإن حديث الرئيس عن الانتقام من منفذي العملية كان مشكوكًا فيه في ذلك الوقت، حيث كان ما يزال رئيسًا بصلاحيات منقوصة وفقًا للإعلان الدستوري المكمل الصادر في 17 يونيو 2012.
وفقًا لنص الإعلان الدستوري المكمل

مادة 53 مكررًا: يختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتشكيل القائم وقت العمل بهذا الإعلان الدستوري بتقرير كل ما يتعلق بشئون القوات المسلحة وتعيين قادتها ومد خدمتهم، ويكون لرئيسه حتى إقرار الدستور الجديد جميع السلطات المقررة في القوانين واللوائح للقائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع .

مادة 53 مكررًا 1 : يعلن رئيس الجمهورية الحرب بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة .

مادة 53 مكررًا 2 : يجوز لرئيس الجمهورية في حال حدوث اضطرابات داخل البلاد تستوجب تدخل القوات المسلحة وبعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة إصدار قرار باشتراك القوات المسلحة في مهام حفظ الأمن والمنشآت الحيوية بالدولة . .


كانت نصوص الإعلان الدستوري المكمل واضحة من ناحية أن موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لازمة وضرورية قبل بدء أي تحرك، وقد برز التوتر في العلاقة بين مؤسسة الرئاسة والمؤس س ة العسكرية بشكل واضح في الاستجابة للمذبحة والتعاطي معها.

من جانبها، بدأت القوات المسلحة بالفعل إرسال آليات عسكرية لسيناء قبل أن تصدر بيانًا مقتضبًا في 8 أغسطس في أقل من 24 ساعة بعد بداية العمليات يؤكد أن “,” القوات تمكنت من تنفيذ المهام بنجاح“,”، وفي مساء اليوم نفسه نشرت مختلف وسائل الإعلام خبرًا يفيد بمقتل 20 مسلحًا في غارات على أوكار الإرهابيين. وخلال الأيام التالية ولمدة أكثر من أسبوع كان خبر مقتل إرهابيين والقبض عليهم في عمليات عسكرية بسيناء يتردد في جميع وسائل الإعلام، وهو ما لم يتأكد بشهادة أهالي سيناء وبالأرقام المعلنة على لسان المتحدث الرسمي للقوات المسلحة.
نص البيان:

“,”بدأت اعتبارًا من مساء الثلاثاء السابع من أغسطس 2012 عناصر من القوات المسلحة ووزارة الداخلية تعاونها طائرات القوات الجوية خطة استعادة الاستقرار والسيطرة الأمنية في ملاحقة واستهداف العناصر الإرهابية والمسلحة في سيناء. وقد تمكنت القوات من تنفيذ المهام بنجاح تام وستستمر القوات المسلحة باستكمال تنفيذ المخطط، وتناشد القوات المسلحة قبائل وأهالي سيناء التعاون لاستعادة الحالة الأمنية“,”.


ومن جانبه، كان الرئيس مرسي يتابع العمليات ويحصل على تقارير عن نتائجها باعتباره القائد الأعلى، ولكنه لم يكن يتدخل على الأرض بتوجيهات حقيقية. ثم اتجهت مؤسسة الرئاسة للتعامل بشكل مختلف. فقام الرئيس مرسي بإقالة مدير المخابرات، وعدد من مساعدي وزير الداخلية بالإضافة لمحافظ شمال سيناء، وطلب من المشير طنطاوي تعيين قائد جديد للشرطة العسكرية بدلاً من اللواء حمدي بدين، بطريقة ظهرت كمحاولة لإثبات قدرته والتجاوب مع مشاعر الغضب الشعبي. وهو ما رافقه إعلان جماعة الإخوان المسلمين نزولها للتظاهر تأييدًا لقرارات الرئيس، كجزء من الترويج والدعاية له، في وقت كان يحضر فيه لقراراته اللاحقة التي تخلص بها من قيادات المؤسسة العسكرية، وأصدر إ علانً ا دستوريًّ ا جديدً ا يسترد به صلاحياته كاملة. و أعلن في خطابه في نفس اليوم بمناسبة ليلة القدر أن العملية نسر مستمرة ولن تتوقف قبل القبض على الجناة وتطهير سيناء، وأكد أنه يقود العملية بنفسه.

وفيما يبدو أن قرار بدء العملية نسر اتخذ قبل توافر المعلومات الكافية حول منفذي الهجوم وأماكنهم وانتماءاتهم (وهى المعلومات التي لم تتوفر حتى الآن) بالإضافة إلى أن العلاقة الملتبسة بين المجلس العسكري والرئيس ألقت بظلالها على القرار والعملية برمتها.

انسحاب أم إعادة انتشار؟

استمرت العملية نسر بعد إمساك الرئيس مرسي بزمام الأمور لفترة وجيزة ومنذ نهاية أغسطس ثار الحديث حول توقف العملية وانسحاب القوات المصرية، ولكن القوات المسلحة نفت أكثر من مرة أن يكون ما حدث هو توقف للعملية، وأسمته إعادة انتشار بغرض التمكن من أداء مهامها بشكل أفضل، وحتى الآن ما زالت الدولة تؤكد رسميًّا استمرار العملية، وكان آخر تأكيد ما صدر عن رئيس الوزراء هشام قنديل في اجتماعه برجال أعمال في طابا في 29 سبتمبر، حين أكد أن العملية مستمرة وأنها لم ولن تتوقف حتى تطهير سيناء.

ولكن بالتزامن مع العملية العسكرية بدأ الرئيس في تبني اتجاه جديد للتعامل مع الوضع في سيناء، ففي 25 أغسطس أرسل وفدًا رئاسيًّا من 15 شخصًا، في زيارة سرية لسيناء حيث أُخطرت غرفة العمليات بمعبر رفح البري بقيام وفد رئاسي بزيارة للمعبر. ولكن حين وصلت سيارات الوفد إلى قرب مدينة الشيخ زويد قامت بالاتجاه يسارًا إلى داخل قرى مدينة الشيخ زويد، بدلاً من التوجه إلى معبر رفح البرى يمينًا. وبعد 4 ساعات ظهرت سيارات الرئاسة مرة أخرى على طريق “,”الشيخ زويد - العريش“,”، وعادت إلى مدينة العريش ثم أخذت طريقها إلى القاهرة .

في 27 أغسطس نشرت صحيفة “,”المصري اليوم“,” تقريرا التقت فيه بالشيخ حمدين أبو فيصل وهو قاض عرفي وواحد من أهم قيادات أهل السنة والجماعة بمدينة الشيخ زويد، ممن حضروا المفاوضات بين الوفد والقيادات الجهادية، وأكد أن وفد الرئاسة وصل إلى مدينة الشيخ زويد، ولم ترافقه أي حراسة أمنية، وعقد اللقاء بالجورة بمدينة الشيخ زويد في ظل تكتم إعلامي للزيارة، وكان على رأس الوفد الشيخ مجدي محمد سالم، القيادي البارز في تنظيم الجهاد، زعيم تنظيم «طلائع الفتح»، ونزار غراب، النائب السابق في مجلس الشعب، محامى تنظيم الجهاد، والشيخ محمد سمير عبيد. وأشار إلى أن الوفد أعطى تطمينات للحركات الإسلامية في سيناء حول استعداد الرئاسة للتحاور بشأن مخاوف أبناء الحركة الإسلامية في المنطقة، ومناقشة هموم أبناء سيناء، ووعد الرئاسة بلقاءات دورية بهم. وأضاف أن الوفد تلقى من الحاضرين من أبناء سيناء، الذين وصل عددهم لأكثر من 50 شخصًا، تقارير حول ما حدث من تجاوزات أمنية بالعملية «نسر»، وقال: قدمنا عددًا من المقترحات التي تحفظ الأمن في سيناء، وطالبنا ببعض الحقوق لأبناء سيناء في الدستور الجديد“,”.

المبعوث الرئاسي/ محمود غزلاني/ حذر الجيش المصري من تورا بورا

لم تتضح مدى انعكاسات مفاوضات الوفد الرئاسي على العملية العسكرية، وظل الجدل حول (التوقف – إعادة الانتشار) قائمًا إلى أن بدأت حدة العمليات تخفت بشكل واضح بنهاية شهر أغسطس، وانسحب العديد من الآليات العسكرية من المنطقة (ج)، وأعادت انتشارها غربًا في المنطقتين (أ) و(ب)، وفى 8 سبتمبر 2012 خرج المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة ليعلن نتائج العملية نسر، والتي تمثلت في: قتل 32 شخصًا والقبض على 38 من العناصر المشتبه بهم، وضبط عدد من الأسلحة والذخائر الحديثة، وطائرات بنظام التشغيل عن بعد، فضلاً عن ألغام مضادة للطائرات، وقواذف “,”آر بي جيه“,”، وقواعد هاون، كما تمت مصادرة 20 سيارة تستخدمها العناصر الإجرامية.

وأشار المتحدث الرسمي للقوات المسلحة إلى أن العملية “,”سيناء“,” تم تنفيذها على مرحلتين: المرحلة الأولى في الفترة من 7 إلى 30 أغسطس الماضي، واستهدفت تعزيز الإمكانيات الشرطية والدفع بالتعزيزات العسكرية بغرب القناة في منطقتي «ب ، ج»، وتكثيف التأمين للأهداف الحيوية في رفح والشيخ زويد والعريش ، بهدف السيطرة عليها، وكل ذلك تم بدعم من القوات الجوية والبحرية، مع اتخاذ الإجراءات الأمنية لتدمير الأنفاق، وتم تنفيذ عمليات مداهمات ضد العناصر الإجرامية، كما أوضح أنه إلى جانب ذلك بدأت الشرطة العمل في مراكزها، وإعادة انتشارها، طبقًا لمتطلبات المرحلة نفسه“,”. ولفت المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة إلى أن المرحلة الثانية بدأت من 31 أغسطس ومستمرة حتى القضاء على البؤر الإجرامية بسيناء“,” .

وإلى حد كبير فإن هذه النتائج التي تستند إلى الأرقام والإحصاءات لها أهميتها في ضوء عدم إعلان القوات المسلحة هدفًا إجرائيًا وعملياتيًّا واضحًا للعملية، وهي تشير إلى نجاحات على الأرض، لكنها لا تشير إلى الأهداف الحقيقية أو النهائية التي استهدفتها القوات المسلحة والتي تمكن من مقارنتها بما تحقق. وذلك يشير إلى إمكان النظر إلى الأهداف التي تحققت وفقا لأكثر من منظور، فطبقًا للبعض قد تبدو النتائج هزيلة مقارنةً بالأوضاع هناك، فمقتل 32 من المسلحين والقبض على 38 هي نسبة لا تذكر إذا ما قورنت بأعداد المجموعات المسلحة الموجودة بسيناء والتي تتراوح تقديراتها بين 2500 و7000 فردًا، ففي ضوء ذلك قد لا يكون لهذه الخسائر تأثير كبير على قوة هذه المجموعات وقدرتها. ولكن من وجهة نظر أخرى فإن تقييم العملية ليس بناء على نجاحها بمؤشرات إحصائية أو مؤشرات نوعية، ولكن القرار بالعملية بحد ذاته أهم من تقدير محدودية أو عظم الأهداف والنتائج التي حققتها.

أسباب (التوقف - إعادة الانتشار):

لا أحد يستطيع أن يجزم بطبيعة وجود القوات المسلحة الآن على الأرض ونواياها تجاه الوضع في سيناء، في ضوء تناقض الروايات والتصريحات الرسمية وغير الرسمية بين الإعلان عن توقف العملية واستمرارها، ولكن المؤكد أن (التوقف– إعادة الانتشار) حدث بالفعل، و أن الأسباب وراء هذا القرار لم تكن عسكرية بالأساس، والشاهد على ذلك أنه حتى وقت كتابة هذه السطور لم يتم تنفيذ أهداف العملية بشكل كامل، وما زالت المجموعات المسلحة موجودة، والأوضاع الأمنية ما زالت هشة، كما أن الهجمات على الحدود المصرية الإسرائيلية لم تتوقف. وكان آخرها في 21 سبتمبر حين قامت مجموعة مسلحة مكونة من 3 أشخاص بالهجوم على قوة تابعة للجيش الإسرائيلي، كانت تؤمن العمل في بناء السياج الحدودي. وهو ما يؤكد أن المجموعات المسلحة ما زالت موجودة وقادرة على تنفيذ عملياتها.

وبالتأكيد سيكون لقرار وقف العمليات أو إعادة انتشار القوات تداعيات على الأوضاع في سيناء. كما أن السياق الذي اتخذ فيه هذا القرار هو سياق تفاوضي، أي أن الانسحاب لم يكن بعد هزيمة الجماعات المسلحة أو فرض أمر واقع على الأرض، وقد تبدو هذه النتيجة سلبية، لكنها مطمئنة إلى حد ما إذا كان قرار التفاوض -ووقف العمليات من بعده- بداية لسلسلة إجراءات في اتجاه حل شامل لقضايا سيناء بالتعاون مع أهلها وحل ملف الجهاديين كجزء من الحل الأكبر لسيناء. ولكن حتى الآن تبدو الأوضاع الأمنية أكثر هشاشة، وتبدو مصالح أهالي سيناء والدولة متباعدة، كما تبدو المجموعات المسلحة أكثر قوة وثقة بقدراتها وأكثر عزمًا على تنفيذ أهدافها التي لا تفتأ تؤكد عليها في كل بيان. وهو ما ينذر بكارثة إذا استمرت الأوضاع بهذا الشكل.

ما بعد العملية نسر:

من المهم إدراك أن مستقبل سيناء يتشكل الآن، ومن ثم يتعين على الدولة المصرية البدء فورًا في إعادة رسم العلاقة مع سيناء من منظور وطني أشمل، وليس فقط استنادًا إلى الآلة الأمنية أو العسكرية. وفي ضوء ذلك يمكن تصور أربعة سيناريوهات للوضع الأمني في سيناء خلال السنوات القادمة تتمثل فيما يلي:

أولاً: نجاح المسار التفاوضي: في هذا السيناريو يفترض أن تستمر الدولة في المسار التفاوضي الراهن من خلال شيوخ القبائل السيناوية، أو من خلال وسطاء وقادة من بعض التنظيمات الجهادية في مصر ذات النفوذ والطاعة على تنظيمات السلفية في سيناء. وضمن هذا السيناريو يفترض أن تصل الدولة مع الجماعات المسلحة إلى أطر حاكمة لطبيعة العلاقة في ظل ارتباطات الدولة المصرية بمعاهدة السلام مع إسرائيل. ولكن من المهم لهذا المسار ألا يتوقف عند حدود هدف تجنب المزيد من المواجهات، وإنما أن يكون في ضوء إطار وخطة أشمل للدولة المصرية، لأنه ليس ثمة ما يمنع من تكرار التهديد الأمني في سيناء وفق ظروف وأوضاع أخرى. ومن ثم ينبغي أن يستند المسار التفاوضي إلى إقرار المجموعات المسلحة بإلقاء السلاح والاقتناع بالنضال والعمل المدني من خلال أجهزة الدولة . لذلك فإن الوساطة مع المجموعات المسلحة لا يجب أن يقتصر على إقرارها بالدولة ثم تركها دون حسم مسألة حمل السلاح وإبقائها على حالها، كما أن الوساطة يجب أن تتم باسم الدولة ومن خلالها وليس لحساب عناصر قيادية لها تأثير على هذه الجماعات –على نحو ما طرح الدكتور محمد الظواهري زعيم تنظيم الدعوة الجهادية الإسلامية، أو على نحو ما اقترح من إرسال لجنة من الأزهر الشريف، وإنما ينبغي الاعتماد على حلول مستمرة.

ثانيًا: استمرار العملية العسكرية: بين الدولة وبين المجموعات الجهادية المسلحة وعدم قدرة أي من الطرفين على حسم الموقف على الأرض، وربما تتصاعد المواجهات إلى درجة تنفيذ المجموعات المسلحة تهديدها وضرب أهداف خارج سيناء كقناة السويس ومديريات الأمن في مدن كالقاهرة وغيرها من المدن ....، وهو أمر ورد في تهديداتها المتكررة، وتوقعته مصادر أمنية متعددة. وسيؤدي ذلك إلى زيادة رقعة المواجهة وارتفاع تكلفتها أكثر. وهو ما ينذر بموجة إرهابية جديدة قد تكون أكثر شراسة من سابقتها في التسعينيات. ويساعد على ذلك أن العديد من عناصر المجموعات المسلحة في سيناء هم من تنظيمات جهادية مختلفة قدمت إلى سيناء بعد محاصرتهم في المدن المركزية، أو هربًا من الملاحقات الأمنية والأحكام القضائية، وكثير منهم ممن أفرج عنه بعد ثورة 25 يناير، أو هرب قبل تنفيذ الأحكام القضائية كاملة، وليسوا من أبناء سيناء وإنما من محافظات مصر المختلفة، ولديهم خبرات سابقة وعلاقات مع المنتمين لتنظيماتهم في المدن المصرية، وقد يصب في هذا الإطار أيضًا اقتراح البعض بتسليح قبائل سيناء، وهو أمر يمكن أن يجعل من سيناء ساحة لمواجهات تعزلها تمامًا عن جسد الدولة المصرية.

ثالثًا: سيناريو الإمارة أو الإمارات الإسلامية: ربما تشعر المجموعات المسلحة في سيناء بقوتها الآن وبقدرتها على التمرد والخروج على سلطان الدولة، بعد إعادة انتشار القوات المسلحة وانسحابها من المنطقة (ج)، وهو ما ينذر بتنامي قوتهم وزيادة تحديهم للدولة، ومع استمرار ذلك قد يتعزز سيناريو احتمال اعتبار المجموعات المسلحة سيناء إمارة إسلامية أو قد تنشأ مجموعات منفصلة تعلن أكثر من إمارة. ولكن هذا السيناريو يعتمد على استمرار تجاهل الدولة لمطالب واحتياجات أهالي سيناء، واستمرار التهميش والتعامل الأمني الفظ مع الأوضاع في شبه الجزيرة. كما أن هذا السيناريو سوف يتوقف بالأساس على الوضع الداخلي للدولة المصرية بشكل عام خلال السنوات المقبلة، فكلما ازدادت الضغوط على المركز كلما اكتسبت المناطق الحدودية قدرة أكبر على الخروج على سلطان الدولة. كما يرتبط هذا السيناريو أيضا بافتقاد الدولة لرؤية وطنية بخصوص سيناء، واستمرار التجارة الغير المشروعة والاتجار في البشر، واضطراب الأوضاع في غزة. وفي ظل هذا السيناريو أيضًا يمكن تصور الإعلان عن قيام إمارات إسلامية افتراضية على كيانات وأجزاء من غزو وسيناء بين السلفية الجهادية على الجانبين.

رابعًا: الانهيار الأمني ودولنة سيناء: في ظل هذا السيناريو يمكن تصور انهيار أشمل في الوضع الأمني في سيناء، بحيث تتفجر آليات للتعاون والتنسيق العسكري أكثر بين المجموعات المسلحة على الجانبين المصري والفلسطيني في المقاومة ضد إسرائيل بهدف إحراج حكومة محمد مرسي وحكومة حماس على حد سواء، وهو أسلوب طالما هدفت إليه تلك المجموعات المسلحة، مع عجز القوات المسلحة على الحسم، وانفصال العمليات في سيناء عن منظومة الدولة المصرية، بحيث يشيع في سيناء عرف تعقب الإرهابيين على نحو ما حدث في جنوب لبنان، وشروع إسرائيل في بناء مناطق آمنة أو حزام داخل الشريط الحدودي للمنطقة (ج)، وهو ما يعني خروج سيناء عن سيطرة الدولة المصرية وبدء شيوع نمط آخر للتعامل فيها على خلاف الأعوام الثلاثين الماضية منذ إبرام كامب ديفيد. يساعد على ذلك إذا فشل الجانبان المصري والإسرائيلي في الاتفاق على تعديل بعض بنود الاتفاقية على نحو يسمح للقوات المصرية بمزيد من الانتشار والفاعلية.

خامسًا: تغليب المشروع الوطني: سوف يكون ذلك في حالة تعامل الدولة بشكل مختلف مع الوضع في سيناء وإعادة النظر إلى البشر والمكان، وتغيير النظرة إلى سيناء كمساحة من الأرض ذات أهمية إستراتيجية للأمن المصري فقط، وإدراك أن أهل سيناء لهم كامل الحقوق مثل كل مصري آخر، وربما يكون قرار الحكومة المصرية تمليك أهالي سيناء لأراضيهم خطوة هامة في هذا الاتجاه لإثبات حسن نوايا الدولة، ويجب أن يترافق مع ذلك بناء مشاريع تنموية تستوعب العاطلين من أبناء المدن والبلدات السيناوية وغيرهم من باقي أنحاء مصر، وهو ما سيربط سيناء اقتصاديًا بالدولة المصرية ويقضي شيئًا فشيئًا على الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة المنتشرة بسيناء الآن.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟