ما الذى يطويه مستقبل الفرانكفونية؟ سؤال لافت، يجيئ مع انعقاد الدورة الخمسة عشر لقمتها هذه الأيام في السنغال.
لقد ظهرت المنظمة الفرانكفونية، وتم إعلانها رسمياً عام 1970 كمروع فرنسى، رآه ديجول حال تبلوره معادلاً لمنظمة الكومنولث البريطانية المعتمدة على رابطة الجنيه الاسترلينى، فيما تعتمد الفرانكفونية على اللغة الفرنسية، كمنظمة ثقافية تجمع الدول الناطقة بهذه اللغة.
ويشى مشهدها الراهن بضعف تأثيراتها ووزنها السياسى، من كونها لا تحتل موقعاً متقدماً في مجريات السياسة العالمية، بالنظر إلى أن طموحها لا يناسب إمكانياتها، وهو ما يبدو في عجزها، على سبيل المثال، أن يكون لها دور فاعل في آية تسوية بلبنان، وعدم إسهامها في حل العديد من المشكلات التى واجهت القارة الأفريقية، بدليل وقوفها مكتوفة الأيدى بإزاء مذابح الهوتو والتوتسى في بوروندى ورواندا.
ويشار هنا، أنها بدأت في الأساس كمنظمة ثقافية تجمع الدول الناطقة بالفرنسية، كوعاء يتم فيه اختبار العلاقات الدولية التى لا يسيطر عليها منطق السوق، أو التى لا تتأثر بموازين القوى العسكرية أو التكنولوجية. ومع شعورها بالقلق من تصاعد النفوذ الأمريكى، تغير أفق انشغالاتها مع التحولات الطارئة في سقوط الاتحاد السوفيتى إلى منظمة سياسية، تقوم على محاولة تمثيل التعددية الثقافية واللغوية بإزاء الثقافة الأمريكية.
وفى محاولة لتحقيق حلمها، باشرت التحرك على الصعيدين المحلى والخارجى: محلياً بتوسيع باب المنح الجامعية للطلاب المنتمين لدولها، والتوسع في البحوث العلمية، وإنشاء مؤسسات وجوائز أدبية.
وعلى المستوى الخارجى، تولت دعم وتنمية اللغة الفرنسية بين أعضائها، بإنشاء مؤسسات مثل اللجنة العليا للدفاع عن اللغة الفرنسية ونشرها عام 1966، والمجلس الدولى للغة الفرنسية، وجمعية الجامعات الناطقة كليا أو جزئياً بالفرنسية عام 1961، والمنظمة الدولية للبرلمانيين الناطقين بالفرنسية عام 1967، إضافة إلى أنشطة إعلامية وتربوية وأكاديمية (إذاعة مونت كارلو، المركز الدولى للدراسات التربوية، دار نشر القرن الأفريقى في جيبوتى، الجامعة الدولية للغة الفرنسية في الإسكندرية، معهد العالم العربى، مجلة عربيات..)، ناهينا عن محاولات لإحياء ما يطلق عليه "الآداب الفرانكفونية"، التى لا تقتصر على الأدب الفرنسى وحده، وإنما أيضاً تلك الآداب التى تتخذ من الأدب الفرنسى نموذجاً مرجعياً، والتى ساهم كتاب عرب في تأسيس حضور لهذه الآداب (عبد الكبير الخطيبى، صلاح ستيتية، الطاهر بن جلون، أمين معلوف، آسيا جبار، جورج شحادة، موسى ولدابنو، فخرى عبد النور..).
وربما لهذا، تنشغل القمة الفرانكفونية الحالية في داكار بقضتين أساسيتين: الإرهاب ومرض الإيبولا، على ذلك يساعد على إطالة عمرها.
ويظل السؤال ماثلاً: هل أننا بإزاء مشروع طوباوى، أم تراها كولونيالية فرنسية ثانية، تتخذ من حوار الثقافات غطاء لمطامحها ومطامعها؟.