المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

نحو الدولة: الاعتراف البرلماني الأوربي بدولة فلسطين

الأحد 07/ديسمبر/2014 - 10:16 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمود عبد اللـه

لقد بُذلت جهود وطنية فلسطينية كبيرة من أجل التحرر، والخروج من قبضة الاحتلال الصهيوني. وكان بداية هذه الجهود هو الإعلان عن استقلال دولة فلسطين يوم 15 نوفمبر 1988 في مدينة الجزائر في دورة استثنائية في المنفى من المجلس الوطني الفلسطيني. واستند هذا العمل على قرار الجمعية العامة رقم 181 المؤرخ يوم 29 نوفمبر 1947، الذي نص على إنهاء وتقسيم الانتداب البريطاني إلى دولتين. وقامت مجموعة من البلدان بالاعتراف على الفور بهذا الإعلان، وبحلول نهاية العام كانت أكثر من 80 دولة قد اعترفت بالدولة المعلنة. وفي فبراير 1989 في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وبحضور ممثل منظمة التحرير الفلسطينية، أقر المجلس علنا باعتراف 94 دولة. وكجزء من محاولة لتسوية الجارية بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقعت اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في سبتمبر 1993، وقامت السلطة الوطنية الفلسطينية لإدارة حكم ذاتي مؤقت في الأراضي الفلسطينية. وأصرت إسرائيل على السيطرة العسكرية الفعلية على الأراضي حتى في المناطق التي تقع رسميًا في ظل حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية. واعتبارًا من 30 أكتوبر 2014، وصل عدد الدول التي تعترف بفلسطين رسمياً إلى 135 دولة. ولا تعترف إسرائيل والعديد من الدول الغربية الأخرى بوجود دولة فلسطينية مستقلة، واتخذت موقفًا بأنه لا يمكن إنشاء هذه الدولة إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية. وكانت القضايا الرئيسية التي تعرقل الاتفاق هي، الحدود، الأمن، حقوق المياه، وضع القدس وحرية الوصول إلى الأماكن الدينية، التوسع الاستيطاني الإسرائيلي المستمر، والجوانب القانونية المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين بما في ذلك حق العودة.

شهدت سنة 2014 حركة اعترافات رمزية كبيرة من قبل مختلف البرلمانات الأوربية، وبدأت بذلك السويد، وكان ذلك اعترافًا رسميًا من قبل الحكومة في 30 أكتوبر 2014 لتكون أول دولة أوربية تقوم بذلك، ثم تلتها الاعترافات الرمزية أولا من مجلس العموم البريطاني ثم تبعه مجلس النواب الإسباني وبعدها جمعية إيرلندا، وأخيرا الجمعية الوطنية الفرنسية.

وصل عدد الدول التي تعترف بفلسطين رسميًا في 30 أكتوبر 2014 إلى 135 دولة.

أولا- الوجه القانوني للاعتراف

الاعتراف بالدولة هو التسليم من جانب الدول القائمة بوجود هذه الدولة وقبولها كعضو في الجماعة الدولية، وهو إجراء مستقل عن نشأة الدولة، وتكمن أهمية في أن الدولة لا تتمكن من ممارسة سيادتها في مواجهة الدول الأخرى ومباشرة حقوقها داخل الجماعة الدولية إلا إذا اعترفت هذه الجماعة بوجودها. وقد عرّفه معهد القانون الدولي مسألة الاعتراف بدولة ما بأنه "عمل تقر بمقتضاه دولة أو مجموعة من الدول بتنظيم سياسي في إقليم معين قادر على الوفاء بالتزاماته وفقًا لقواعد القانون الدولي". ولا يجوز الاعتراف بالدولة إلا إذا استوفت جميع عناصرها وتهيأت لها سُبل الوجود كدولة. وعن طبيعة الاعتراف فهناك من يقول إن الدولة تصبح شخصًا دوليًا عن طريق الاعتراف فقط، أي أن هذا الاعتراف يخلق الشخصية الدولية للدولة الجديدة وهو الذي يُعطيها صفة العضوية في الجماعة الدولية، وبدون هذا الاعتراف لا تكون لأعمالها أي صحة أو نفاذ قانوني، ويذهب إلى هذا الرأي أنصار "نظرية الاعتراف المنشئ" وهناك نظرية أخرى بهذا الصدد تسمى "نظرية الاعتراف الكاشف" ومفادها أن اعتراف الدول لا قيمة له من الناحية الواقعية إذا لم تتوافر لدى الدولة محل الاعتراف جميع عناصر الدولة، وهذه النظرية التي أخذ بها معهد القانون الدولي في دورته المنعقدة في بروكسل عام 1938، والعديد من قرارات محكمة العدل الدولية.

عرف معهد القانون الدولي الاعتراف بالدولة بأنه "عمل تقر بمقتضاه دولة أو مجموعة من الدول بتنظيم سياسي في إقليم معين قادر على الوفاء بالتزاماته وفقًا لقواعد القانون الدولي"

1-   المؤيدون

صوّت المشرعون الفرنسيون بالموافقة على الاعتراف بفلسطين كدولة في إجراء رمزي لن يؤثر على الفور على موقف فرنسا الدبلوماسي لكنه يظهر تزايد ضيق صدر أوربا إزاء تعثر عملية السلام. وحصل الاقتراح ـ الذي يحاكي إجراءات مماثلة في بريطانيا وإسبانيا وإيرلندا ـ على تأييد 339 صوتا مقابل 151. وفي حين تعترف معظم الدول النامية بفلسطين كدولة، لا تعترف بها معظم دول أوربا الغربية وتدعم الموقف الإسرائيلي الأمريكي الذي يرى أن قيام دولة فلسطينية مستقلة يجب أن يتم خلال المفاوضات مع إسرائيل. لكن الدول الأوروبية تشعر بخيبة أمل متزايدة تجاه إسرائيل التي تواصل بناء المستوطنات على الأراضي التي يريدها الفلسطينيون لدولتهم منذ انهيار آخر جولة من المحادثات التي ترعاها الولايات المتحدة في إبريل. ويقول الفلسطينيون إن المفاوضات فشلت ولا خيار أمامهم سوى مواصلة الدفع من جانب واحد باتجاه إقامة دولة. وعارضت إسرائيل بشدة مثل هذه التحركات. ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التصويت الفرنسي بأنه "خطأ جسيم". والخطوة الفرنسية التي أثارها الحزب الاشتراكي الحاكم وتدعمها الأحزاب اليسارية وبعض المحافظين تطالب الحكومة "باستخدام الاعتراف بدولة فلسطينية بهدف حل الصراع بشكل نهائي". وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس للبرلمان، إن الحكومة ليست ملزمة بالتصويت. لكنه قال إن الوضع الراهن غير مقبول وإن فرنسا ستعترف بالدولة الفلسطينية دون تسوية عن طريق التفاوض إذا فشلت الجولة الأخيرة من المحادثات. ودعم فابيوس إطارا زمنيا لمدة عامين لاستئناف واختتام المفاوضات وقال إن باريس تعمل لاستصدار قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يقضي باستئناف المفاوضات واختتامها في غضون عامين. وقال فابيوس "إذا فشل هذا المسعى الأخير في التوصل إلى حل عن طريق التفاوض فسيكون لزاما على فرنسا أن تقوم بما يلزم للاعتراف دون تأخير بالدولة الفلسطينية". وأظهر استطلاع رأي أجري في الآونة الأخيرة أن ما يربو على 60 % من الفرنسيين يدعمون إقامة الدولة الفلسطينية.

وقد أدى هذا إلى أن يعقد البرلمان الأوربي ببروكسل جلسة نقاش حول إمكانية الاعتراف بدولة فلسطين، بحضور فيدريكا موجيريني، منسقة السياسة الخارجية بالاتحاد، وذلك على هامش جلسات البرلمان الأوربي المقررة في ستراسبورج بجنوب فرنسا.

ومن المقرر أن يصوّت أعضاء المؤسسة التشريعية الأعلى في الاتحاد الأوربي على مشروع قرار حول هذا الموضوع في اليوم التالي للنقاش. ويتضمن مشروع القرار كيفية التحرك الأوربي في التعامل مع التطورات الأخيرة المتعلقة بعملية السلام في الشرق الأوسط، خصوصا في ظل تحرك بعض الدول الأعضاء بشكل منفرد بخصوص مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والمواقف التي اتخذتها بعض البرلمانات الوطنية بالتصويت لصالح دولة فلسطينية، مثلما تحقق في السويد وإسبانيا، كما أنه من المنتظر أن يتكرر الموقف في دول أخرى.

والواقع أن هذه الدافعية تقف من ورائها الأحزاب اليسارية. وموقف هذه الأحزاب ليس وليد اللحظة، فقد قامت الكتلة اليسارية في البرلمان الأوربي في يوليو الماضي برفع أعلام فلسطين مدونين عليها عبارات "أدينوا العقاب الجماعي"، و"أنهوا احتلال فلسطين"، و"لا للعدوان العسكري الإسرائيلي" و"العدالة للفلسطينيين وأطفالهم"، وذلك في إطار التنديد الدولي للتصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة، وكثيرا ما يخرج يساريي العالم في تظاهرات وفاعليات مؤيدة للحقوق العربية فى فلسطين، والعراق، انتفاضات الربيع العربي. فاليساري هنا يمثل تيارا فكريا يسعى لتغيير المجتمع إلى حالة أكثر مساواة بين أفراده، ونشأ اليسار في العالم العربي في سياقات التحرر من الاستعمار، وتعد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والحركة الديمقراطية لتحرير فلسطين من الأحزاب اليسارية.

وفي السياق البريطاني، قال النائب السابق في مجلس العموم البريطاني، والناشط المعروف في الدفاع عن القضية الفلسطينية، مارتن لينتون: إن تصويت البرلمان البريطاني بقرار غير ملزم يطلب الاعتراف بدولة فلسطين "يمثل انعكاسًا للتغير الكبير الذي طرأ على الرأي العام في البلاد"، مؤكدًا أن "مثل هذا القرار لم يكن ليمرره البرلمان لو عرض عليه قبل عامين أو ثلاثة من الآن". وفسر لينتون الذي كان رئيسًا للجنة أصدقاء فلسطين في حزب العمال البريطاني أسباب التغير الكبير في الرأي العام ببريطانيا كون مردها في الدرجة الأولى الانتهاكات الإسرائيلية اليومية ومن بينها حرق طفل في القدس، وإقامة مزيد من المستوطنات والحرب على غزة، لافتًا النظر إلى أن "نواب البرلمان البريطاني كانوا هدفًا لحملات العلاقات العامة الإسرائيلية طوال الأربعين عامًا الماضية" والتي لم تعد الآن تنجح في تمرير الخديعة الإسرائيلية. ويطالب الناشط البريطاني المعروف السلطة الفلسطينية بالانضمام فوراً إلى المحكمة الجنائية الدولية "لأن وقت حساب الإسرائيليين على جرائمهم قد حان"، على حد تعبيره، داعيًا في الوقت ذاته البريطانيين العرب إلى التكتل والاندماج بالسياسة من أجل خدمة قضيتهم".

وفي الأخير، حاولت إسرائيل وتحاول في كل مرة التقليل من شأن هذا الاعتراف متعللة بأنه رمزي،حيث تعرضت جميع القرارات السابقة لاستهجان وتحذير من الحكومة الإسرائيلية من الاعتراف المبكر على حد وصفها  بالدولة الفلسطينية، مؤكدة أن يقوض عملية السلام في المنطقة، ويوجه رسالة خاطئة للقيادة الفلسطينية بأنه يمكنها تجنب اتخاذ التضحيات المطلوبة من أجل انجاز اتفاق سلام دائم مع إسرائيل، ومن وجهة نظر تل أبيب فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب أن يتم فقط نتيجة لمفاوضات السلام.

صوّت المشرّعون الفرنسيون بالموافقة كدولة في إجراء رمزي لن يؤثر على الفور على موقف فرنسا الدبلوماسي لكنه يظهر تزايد ضيق صدر أوربا إزاء تعثر عملية السلام.

2- المعارضون

والواقع أن ساحة الرفض للاعتراف بالدولة الفلسطينية لا تزال تثير القلق، خاصة وأن الدول الرافضة من أهم الدول في الساحة الأوربية، ولها وزنها السياسي في إقرار القرار السياسي الأوروبي. فعلى الرغم من أن الأهمية التي يحظى بها تحريك البرلمان البريطاني لتوصية بالاعتراف، لا تزال بعض الدول تقف حجرة عثرة، انطلاقا من تصور مثالي عن أن يأتي ذلك من واقع القبول الإسرائيلي والتفاوض. وكان من بين الدول الرافضة، هي دولة هولندا، حيث أشار الوزير الهولندي إلى أن "الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الوقت الحالي غير ملائم في ظل عدم استئناف المفاوضات بين الجانبين"، وألمح إلى أن الاشتراكيين الديمقراطيين في البرلمان الهولندي "لا يعارضون اتخاذ خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية على غرار ما حدث في السويد، ولكن لا توجد أغلبية في الوقت الحالي داخل البرلمان لتساند هذا التوجه". واختتم الوزير الهولندي أقواله بأن الاتحاد الأوربي لا بد أن يكون له دور أكبر في عملية السلام التي توقفت، وفي نفس الوقت فإن الحكومة الهولندية تؤكد على رغبتها في الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

وربما تعتبر ألمانيا من الأهم الأطراف المعارضة، وتحتاج لمزيد من الجهود لإقناعها بضرورة الاعتراف، وأهميته في تحريك عملية السلام وصياغتها. فمن جهتها، انتقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الاعتراف الرسمي للسويد، العضو في الاتحاد الأوربي، بدولة فلسطين. وقالت ميركل عقب لقائها برئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل في برلين إنها ترى أن الاعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية لن يدفعنا في طريق حل الدولتين. وذكرت أنه من الأفضل التركيز على مساعي السلام والمضي قدما في المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين. كان رفض ألمانيا تحديدا الاعتراف بفلسطين مثيرا للتساؤلات، خاصة وأن التاريخ الألماني الإسرائيلي مليء بالإشكاليات، بسبب "الهولوكست" التي لا يزال حولها الكثير من التساؤلات والغموض حتى الآن. إن موقع "دويتشا فيلة" الألماني يقول إن الدولتين شهدتا الكثير من التوترات بسبب المحرقة، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق بين ألمانيا وممثلي ضحايا المحرقة النازية لدفع تعويضات في لوكسمبورج عام 1952، وعلى الرغم من أن تلك التعويضات أثارت جدلا كبيرا فإنها أسست مرحلة جديدة في العلاقات بين ألمانيا ودولة إسرائيل، ونمت العلاقات الألمانية الإسرائيلية بشكل وثيق منذ 50 عاما، وتعتبر ألمانيا الآن هي الشريك التجاري الأوربي الأهم بالنسبة لإسرائيل. وعلى الرغم من التزام ألمانيا بأمن إسرائيل، فإنها في نفس الوقت تدعم حل الدولتين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهي واحدة من الداعمين الرئيسيين للسلطة الفلسطينية.

وفي عام 2013، بلغ مجموع المدفوعات الألمانية للفلسطينيين 150 مليون يورو، كما سعت الحكومة الألمانية من قبل لتقديم مساهمات في هذه القضية من خلال مفاوضات حول صفقات دفاعية مع إسرائيل نظير تقديمها بعض التنازلات في عملية السلام؛ أو الإفراج عن أموال الضرائب المجمدة للسلطة الفلسطينية لديها.

ومن جانبها تحدثت مجلة "دير شبيجل" الألمانية بأن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، زار إسرائيل لبحث صفقة السفن الحربية التي تقدمها شركة مقرها في شمال ألمانيا، وتبلغ قيمة الصفقة نحو مليار يورو، تدفع منها ألمانيا 300 مليون يورو. وحتى الآن لم تؤكد الحكومة الألمانية أو تنكر الصفقة، وإذا تم تأكيدها، ستكون دعامة كبيرة للعلاقة الخاصة بين ألمانيا وإسرائيل.

وقال موقع إخباري إنجليزي: إن صادرات الدفاع الألمانية لإسرائيل ليست جديدة، وهذه ليست المرة الأولى التي تحصل فيها إسرائيل على خصم كبير من أموال دافعي الضرائب الألمان. ففي سبتمبر عام 2014، تسلمت إسرائيل ستة غواصات دولفين ألمانية الصنع، وسيتم تسليم الباقي بحلول عام 2017. وفي هذه الصفقة أيضا، غطت ألمانيا ثلث تكلفة الغواصات، بعد إهداء إسرائيل غواصتين ودفع نصف تكاليف الثالثة. وفي ميزانية الحكومة يتم سرد هذه التخفيضات "كمساهمة لشراء أنظمة الدفاع لإسرائيل"، على الرغم من أن زبائن آخرين مثل المملكة العربية السعودية وقطر والجزائر، لا يحصلون على مثل هذه الخصومات.

كذلك يرى المراقبون أن ألمانيا تعتبر شريكا تجاريا مهما ومحترما للعديد من الدول العربية، لكن ما تقدمه لإسرائيل شكل من أشكال المقايضة، لتحقيق طموحات برلين في أن تكون طرفا فاعلا في الشرق الأوسط، فقد تضررت سمعة ألمانيا في المنطقة بسبب سياستها الانعزالية تجاه التدخل في ليبيا عام 2011، كما أنها ليس تمتلك نفس التجربة والعمق الدبلوماسي، والاستخباراتي والعلاقات العسكرية في المنطقة مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. 

لذلك علمت الحكومة الألمانية أن تحقيق طموحها في التمتع بعلاقات خارجية أكثر نشاطا في الشرق الأوسط، يبدأ من خلال السعي إلى دور أكثر نشاطا في عملية السلام، التي ستكون بلا شك موضع ترحيب من قبل الولايات المتحدة، وشركاء ألمانيا في أوربا والدول العربية في الشرق الوسط، ولكن دون المساس بالعلاقات الألمانية الإسرائيلية.

مارتن لينتون: "إن تصويت البرلمان البريطاني بقرار غير ملزم يطلب الاعتراف بدولة فلسطين "يمثل انعكاسًا للتغير الكبير الذي طرأ على الرأي العام في البلاد".

ثانيا- محاولات مستقبلية أوربية

كذلك يوجد محاولات أخرى في الجانب الأوربي لمواصلة المسار، حيث قدمت ماريا فامفاكينو، النائب عن حزب العمال الأسترالي، مسودة قرار في البرلمان الأسترالي تطالب فيها الحكومة الأسترالية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفي كلمة لها في البرلمان الأسترالي بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وبمناسبة اختيار عام 2014 ليكون عام التضامن مع الشعب الفلسطيني، قالت فامفاكينو إن الوقت قد حان ليعترف البرلمان الأسترالي بدولة فلسطين، وأن تصوت أستراليا بـ "نعم" في الأمم المتحدة لصالح الدولة الفلسطينية. يذكر أن فامفاكينو هي نائب في حزب العمال الأسترالي عن منطقة كولويل في ولاية فيكتوريا، وهي مؤسسة ورئيسة تكتل "أصدقاء فلسطين في البرلمان الأسترالي". وقالت في نص كلمتها: أريد أن أذكر البرلمان أنه قد مرت 67 عاما منذ قرار تقسيم فلسطين، ولا يزال الاحتلال مستمرا حتى اليوم، احتلال مناف لكل القوانين الدولية والأعراف الأخلاقية، وذو آثار مدمرة جلية. لقد آن لهذا الاحتلال أن ينتهي. وآن لأستراليا- انطلاقا من هذا البرلمان- أن تعترف بدولة فلسطين بالتصويت بـ "نعم" في الأمم المتحدة لصالح دولة فلسطين، وهو ما يؤيده 57% من الأستراليين.

وعلى الجانب الدنماركي يصوت البرلمان فى يناير المقبل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفقا لصحيفة (الأوبزرفر) البريطانية، وأشارت الصحيفة ـ في سياق تقرير أوردته على موقعها الإلكتروني ـ إلى أن رئيسة وزراء الدنمارك هيلى تورنينج شميت ووزير الدفاع نيكولاى فامين يعارضان هذه الخطوة، وقد أعلنا بالفعل نيتهما معارضتها. وذكرت الصحيفة أن هولجر كيه نيلسن عضو البرلمان الدانماركى وأحد داعمي خطوة التصويت قال "إن فرصتنا تمرير مشروع القانون ضئيلة". وفى حال رفض البرلمان الدنماركى مشروع القانون سيكون أول برلمان أوروبى يرفض الاعتراف بفلسطين بعد أن اعترفت السويد وإسبانيا بالدولة الفلسطينية بحدود عام 1967 لكنها اشترطت أن يتم ذلك عبر المفاوضات. ويتوقع أن يجرَى التصويت بهذا الشأن فى البرلمان الفرنسي مطلع الشهر المقبل.

كما تتهيأ الحكومة البلجيكية لأن تكون من بين دول الاتحاد الأوربي، التي تعترف بفلسطين دولة ضمن حدود 67 بما في ذلك القدس الشرقية، وذلك عقب فترة قصيرة من الاعتراف السويدي. ووفقًا لما أوردته وكالة الأنباء الرسمية فقد توافقت أربعة أحزاب تشكل الائتلاف الحكومي في بلجيكا على اقتراح قرار على البرلمان البلجيكي يقضي بالاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة، وذلك حسب ما أوردت صحيفة "لو سوار" نقلا عن متحدث باسم ائتلاف الأحزاب الأربعة الذي صرح بـأن "داخل الائتلاف الحكومي، هناك اتفاق سياسي على الاعتراف بفلسطين كدولة. وستطلب الأحزاب الأربعة من البرلمان البلجيكي دعوة الحكومة البلجيكية إلى للاعتراف بفلسطين كدولة، حسب ما أفاد به الناطق باسم ائتلاف الأحزاب المتفقة على مشروع القرار. والأحزاب الأربعة صاحبة مبادرة مشروع قرار الاعتراف البلجيكي بفلسطين هي التحالف الفلمنكي الجديد، والحركة الإصلاحية والحزب الليبرالي الديمقراطي الفلمنكي والحزب الديمقراطي المسيحي. وبحسب "لو سوار"، فإن البرلمان البلجيكي سيلحق بنظيره الفرنسي ويعترف بالدولة الفلسطينية، والذي سيسمح بعد ذلك للحكومة البلجيكية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، كما حدث مع الحكومة السويدية والتي كانت الدولة الأولى في أوربا التي تعترف بالدولة الفلسطينية.

ثالثا- معوقات أساسية

على الرغم من الأهمية التي يتمتع بها من يجري من سعي البرلمانات الأوربية للقبول بدولة فلسطين، فإن هناك ثمة معوقات أساسية تحول دون التوصل لحل حقيقي للقضية الفلسطينية، تقر به جميع الأطراف:

أولها، انحياز الجانب الأمريكي إلى جانب إسرائيل على حساب الدماء والمصالح الفلسطينية، عبر الممارسة السياسية والدعاية الإعلامية المضادة للعرب والفلسطينيين، وعدم دفعها لعجلة السلام، بما يؤدي لمفاوضات عادلة، ترضي الطرف الفلسطيني المحتل.

وثانيها، ضعف الصف الفلسطيني وانقسامه، وهو العقبة/ الحل، فقد يدفع الاعتراف الأوربي إلى ولادة حل داخلي، يؤدي إلى الصلح بين الغريمين، لكن هذا الأمل يقوّضه حالة الصراع الناشبة بسبب من عدم وجود علاقات صحية بين الجانب المصري وجانب حركة حماس، حيث ترى القيادة المصرية تدخلا من الجانب الحمساوي في الشأن المصري عبر الأنفاق، ومحاولتها فرض أجندتها على الواقع المصري.

وثالثها صعوبة توفر شروط قيام الدولة الفلسطينية دون اللجوء لضغط دولي قوي للقبول بقيام الدولة من الجانب الأمريكي والإسرائيلي، وربما يكون الحل بأن يأتي الاعتراف من الجانب الأمريكي هو الحل، بفرض الوجود الفلسطيني، ما لم يُفرَض ذلك بالقوة، وهو أصعب الحلول.    

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟