المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ ضياء الدين القوصي
د‏.‏ ضياء الدين القوصي

سد النهضة الإثيوبي واللغز السوداني

السبت 04/يناير/2014 - 11:47 ص
حيرت تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير عن سد النهضة الاثيوبي معظم المراقبين والمحللين خصوصا خلال الأسابيع القليلة الماضية التي تسارعت فيها وتيرة اجتماعات خبراء ووزراء المياه والطاقة في دول النيل الشرقي‏:‏ أثيوبيا والسودان ومصر‏-‏ ففي أحد التصريحات التي أدلي بها الرئيس أفاد بأن السودان يساند اثيوبيا في إنشاء سد النهضة‏.‏
في تصريح سابق للاجتماع الذي عقد بالخرطوم يوم8 ديسمبر الماضي أطلق الرئيس أحد هذه التصريحات الساخنة التي يقول فيها إن في سد النهضة الخير ـ كل الخير ـ لكل من أثيوبيا والسودان ومصر- والذي أفهمه وتفهمه الأصول المتعارف عليها أن يصرح الرئيس بأن السد سيأتي بالخير العميم إلي أثيوبيا, ولولا ذلك ما تكبدت تكاليف وأعباء إنشائه وما يمكن فهمه أيضا أن يصرح الرئيس بأن في السد خيرا للسودان لا لأن هذه العبارة صحيحة ولكن لأنه هو رئيس البلاد وله أن يقرر إن كان إنشاء السد في صالح البلاد أم ضد مصالحها أما أن يتصدي الرئيس ويقف أمام اعتراضات المسئولين المصريين علي إنشاء السد والتي لم تنشأ بأي حال من الأحوال من فراغ وإنما نشأت من اجتماعات استغرقت العديد من السنين وحضرها خبراء ووزراء سودانيون وإثيوبيون ودوليون وانتهت جميعها إلي أن للسد بعض المزايا التي يمكن أن يستفيد منها السودان الشقيق أهمها الحصول علي الطاقة ولكن هذه الطاقة قد تصل إلي السودان فلا تجد من يستخدمها لأن إمكانات انهيار السد كبيرة نتيجة عدم اهتمام إثيوبيا بعمل البحوث الضرورية في موقع إنشاء السد للتأكد من صلاحية التربة وعدم وجود فوالق وعدم حدوث هزات أرضية أو زلازل بعد الانتهاء من ملء الخزان الذي تبلغ حمولته74 مليار طن من الماء فوق قشرة أرضية هشة قابلة للانكسار.
ليس هذا فقط بل وأن ما يراه البعض ميزة بالنسبة للسودان وهو احتجاز الطمي علي الهضبة الإثيوبية وعدم تصديره إلي السدود السودانية يراه الآخرون عيبا لأنه يحرم هذه الأراضي من الخصوبة التي فقدتها الأراضي المصرية بعد إنشاء السد العالي إلا أن مصر تمكنت من الاستعاضة عن الطمي المتراكم أمام السد العالي بما لا يقل عن عشرة ملايين طن من الأسمدة الأزوتية التي أنشأت لإنتاجها العديد من المصانع وتستورد أيضا البعض منها من خارج البلاد بالعملات الصعبة ـ كذلك يري البعض أن ملء خزان سد النهضة بطريقة غير منظمة لا تراعي فيها حقوق الآخرين قد يؤدي إلي حرمان السودان من الحصة التي يحصل عليها في الوقت الحاضر لعدد من السنين لا يعلمها إلا الله ويري البعض أيضا أن تأخر أو تقدم أو زيادة أو نقصان معدل الهطول المطري علي الأراضي الأثيوبية نتيجة التغيرات المناخية التي يتوقعها الجميع سيكون لها تأثير سلبي بالغ علي الايراد الطبيعي للسودان من نهر النيل- إذن فإن الرئيس السوداني عندما صرح بأن سد النهضة فيه خير السودان لم يكن في حقيقة الأمر يعرف الحقيقة كاملة أو علي الأقل لم تنقل له الصورة الصحيحة عن تأثير السد علي الأوضاع المائية في السودان الشقيق.
الغريب في الموضوع أن الرئيس لم يكتف بالإدلاء بهذه التصريحات قبل الاجتماع الأخير مباشرة وإنما تفضل بعزل وزير المياه والطاقة السابق المهندس أسامة عبدالله وعين بدلا منه الوزير الجديد المهندس معتز يوسف الذي تسلم هذا الملف البالغ التعقيد اليوم ودخل في اليوم التالي اجتماعا واجه فيه اختلافات عميقة بين الجانب الإثيوبي والفريق المصري الذي طلب بالحاح أن يتوقف العمل في السد لمدة ستة أشهر فقط تتم خلالها المفاوضات وتجري خلالها البحوث والدراسات التي أفادت بأن إجراءات إنشاء السد لم تتم وفقا للمعايير والمواصفات الدولية وأن العديد من التصميمات يحتاج إلي تعديل ومراجعة وأن بعض الأجزاء الرئيسية لم يتم تصميمه أصلا وأن الاسناد تم بالأمر المباشر إلي مقاول مغمور لم ينفذ مثل هذه الأعمال الكبري من قبل وأن المشهد كله لا ينبئ بأن بناء السد سيتم دون حدوث كوارث وعلي فرض أن الله سلم وتم إنشاء السد دون مفاجآت فإن مصر تصر علي أن تعرف كيف سيتأثر أيرادها المائي بذلك وتريد أن تتأكد أن الحصة التي تحصل عليها بشكل دائم خلال ما يزيد علي الخمسين عاما لن تنقص خصوصا وأن البلاد تعاني من عجز خطير في الميزانية المائية لا يقل عن عشرة مليارات من الأمتار المكعبة من المياه سنويا وأن زيادة هذا العجز الذي تتغلب عليه مصر بتكرار وإعادة استخدام المياه حتي أن كل متر مكعب من الماء يعاد استخدامه من مرتين إلي ثلاث مرات في الوقت الحاضر ومن الطبيعي أن يتسبب ذلك في مشاكل بيئية وصحية هائلة- إذن مصر لا تتحمل أي عجز إضافي في الميزانية المائية بل إنها في حقيقة الأمر تحتاج إلي كميات إضافية من المياه تسمح بها طبيعة حوض النيل الذي تعاني دول المنابع فيه تخمة مائية تصل إلي ضرورة إنشاء شبكات صرف في أراضيها.
من هنا كان من الضروري أن يصل إلي علم السودان الشقيق أن المخاوف المصرية من سد النهضة هائلة فما بالكم إذا كان في الجعبة مع سد النهضة ثلاثة سدود كبري وعظيمة أخري هي كارادوبي وماندايا وبيكوأبو ليس هذا فقط, بل إن هناك سدودا ينوي السودان الشقيق إقامتها بالإضافة إلي ما لا يقل عن عشرة ملايين من الأفدنة تتجه إثيوبيا والسودان إلي تحويلها من الزراعة المطرية إلي الزراعة المروية وكل ذلك علي حساب الحصة التي تحصل عليها مصر في الوقت الحاضر والتي يريد الجميع منازعتها فيها ظنا من البعض بأن المصريين مشغولون بثورتهم وأن البلاد أمامها بعض الوقت لتتعافي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا والذي لا يدركه الكثيرون أن قضية الأمن المائي في مصر لا يدخل فيها إلا اعتبار واحد هو أن الحقوق التاريخية للبلاد في مياه النيل خط أحمر لا يمكن تجاوزه وأن الاقتسام المنصف والعادل للمياه في حوض النيل يميل إلي أن تحصل البلاد علي الحصة التي تحصل عليها الآن وربما أكثر منها وأن قاعدة منع الضرر التي تقرها القوانين والأعراف الدولية تعتبر أن التسبب في اقتطاع فدان واحد من الإنتاج لسبب أو لآخر جريمة إنسانية لأنها تحرم من يزرع هذا الفدان من مصدر رزقه وأرزاق من يعول وتحرم البلاد من تحقيق أقل قدر من الأمن الغذائي الذي تصبو إلي الوصول إليه.. أليس كذلك؟

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟