المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الاعلام البديل .. صوت الناس

الأحد 05/يناير/2014 - 01:37 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. شريف درويش اللبان
شهدت شبكة الإنترنت نمواً ملحوظاً في أوائل عقد التسعينيات، وتطورت شبكة الويب العالمية، وأعطت دفعة جديدة لجميع وسائل الإعلام بأشكالها كافة، حيث جعلت خصائص التفاعلية والحالية ولا محدودية المساحة، التي أتاحتها الإنترنت من هذه الشبكة، وسيلة مثلى للنشر الإلكتروني، فضلاً عن الكُلفة المنخفضة، وسهولة التنقل عبر الحدود الجغرافية، وإمكانية توظيف عناصر الوسائط المتعددة في الوسيلة الجديدة كعناصر جاذبة للناشرين.
وقد تصاعدت أهمية الإنترنت على الصعيد الدولي من تنوع استخداماتها، وزيادة قاعدة المستخدمين لها بنسبة كبيرة. ولا تنحصر أهمية الإنترنت في مجال تبادل المعلومات وتداولها، فهي اليوم تؤدي أدواراً سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية غاية في الأهمية؛ فعلى المستوى الاجتماعي تساهم الإنترنت في تطوير الوضع الاجتماعي، وتجاوز النماذج الجاهزة والقوالب الجامدة بشكل تدريجي في العلاقات الاجتماعية دون أن يؤدي ذلك إلى اهتزاز البنية الاجتماعية أو إحداث شروخ فيها.
وفي مجال التسويق السياسي Political Marketing، أثبتت شبكة الإنترنت أنها أداة حيوية وفاعلة في الحملات الانتخابية، وظهر هذا جلياً في الحملات الانتخابية للمرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة (2008) مقارنة بانتخابات 2004. ومع تنـامي أدوات جـديدة قدمتها شبكة الويب Web 2.0 ومواقع الشبكات الاجتماعية مثل Facebook و Myspace و Youtube علاوة على البريد الإلكتروني والمدونات، استغل كل مرشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية المنصرمة التأثير المتزايد لهذه الأدوات الاتصالية الجديدة، لتصبح هذه الأدوات جسراً للتواصل بين المرشح والرأي العام الأمريكي، وهدفاً غاية في الأهمية للقائمين على الجانب الإعلامي والترويجي للحملة الانتخابية.  ولا شك باراك أوباما قد وصل إلى البيت الأبيض من خلال الاستخدام غير المسبوق لهذه الأدوات الجديدة. 

وإذا وضعنا في الاعتبار طبيعة البنية التشريعية والإعلامية والمعلوماتية لبعض المجتمعات ، يمكن أن ندرك أهمية الأدوات الاتصالية
وإذا وضعنا في الاعتبار طبيعة البنية التشريعية والإعلامية والمعلوماتية لبعض المجتمعات وما تعانيه من نقص في الحريات الأساسية، وخاصة حرية الرأي والتعبير والتواصل، يمكن أن ندرك أهمية الأدوات الاتصالية سالفة الذكر للمستخدمين في هذه المجتمعات، وخاصة صغار السن منهم، نظراً لما يعانونه من سلطة أبوية مع ضعف التنظيمات السياسية والاجتماعية القادرة على احتواء طاقاتهم وقدراتهم، وفي الوقت نفسه معاصرتهم للانفتاح الإعلامي عبر مختلف الوسائل والقنوات، مما أدى إلى زيادة الإقبال على هذه المواقع، لما توفره من فرص بديلة للتواصل والاتصال مع الآخرين سواء في بلد بعينه أو على مستوى العالم.
وهكذا، طرحت تكنولوجيات الاتصال والمعلومات مفاهيم ومداخل جديدة لم تكن موجودة من قبل، لعل أهمها أننا نعيش عصر ديمقراطية الإنترنت Internet Democracy من خلال تقديم إمكانات وقدرات جديدة للجمهور تساعده في إنتاج واكتساب المعلومات وتداولها، وتسجيل الآراء، علاوة على المشاركة المباشرة في صنع السياسة العامة، وهو ما دفع الكثير من المنظمات والأفراد إلى تبني هذا البديل الجديد من وسائل الاتصال في عملية نشر المعلومات وتداولها، وهي العملية التي أدت إلى كشف قصور وسائل الإعلام التقليدية.
إن الإنترنت بوجه عام والمواقع الاجتماعية بوجه خاص جاءت لتشكل عالماً افتراضياً جديداً يفتح الباب على مصراعيه للأفراد والجماعات والتنظيمات بمختلف أنواعها لتتنفس نسمات حرية غير مسبوقة من جانب، وإسماع صوتها للآخرين من جانب آخر، وذلك عبر مواقع عدد من الصحف الافتراضية الجديدة والمواقع الإخبارية والمنتديات والقوائم البريدية والمواقع الشخصية لبعض السياسيين ورجال الدين والأفراد العاديين.
ومن هنا، فإن ظهور الإعلام البديل متمثلاً في شبكة الإنترنت جاء كحركة ارتجاعية أو كرد فعل عنيف للواقع الاجتماعي الذي فرضته تكنولوجيا الاتصال بتوفير وسائل نشر بديلة تتمتع بدرجة عالية من الحرية وسهولة الاستخدام وانخفاض الكلفة، وذلك للتخلص من سيطرة النخب الإعلامية على وسائل الإعلام التقليدية في المجتمع، وغياب المصداقية في وسائل الإعلام التقليدية. 

ولعل هذه الحركة الارتجاعية جاءت انعكاساً لما سبق وطالب به Githin من تحرير تكنولوجيات الاتصال والمعلومات واستخدامها على المستوى الشعبي الجماهيري
ولعل هذه الحركة الارتجاعية جاءت انعكاساً لما سبق وطالب به Githin  من تحرير تكنولوجيات الاتصال والمعلومات واستخدامها على المستوى الشعبي الجماهيري، وضرورة انتهاء الاتصال في اتجاه واحد، وأن تتغير العلاقة بين المنتجين والمستهلكين للمحتوى الإعلامي، وأن يصبح من يكتب ويذيع في وسائل الإعلام الأفراد غير المهنيين، والجماعات النشطة التي تسعى جاهدة من أجل إحداث التغيير الاجتماعي المنشود.
وتعمل وسائل الإعلام البديلة على الربط بين فئات اجتماعية مختلفة تتمثل في القوى الاجتماعية والثقافية والمدافعين عن حرية الرأي والتعبير، وهكذا تقـوم هذه الوسـائل بـ:
الاهتمام بالنشر البديل الذي يتعامل مع آراء الأقليات، التعبير عن اتجاهات مناوئة للمعتقدات والأفكار السائدة والراسخة في المجتمع، تبني آراء وموضوعات لا تحظى بالقدر الكافي من اهتمام وسائل الإعلام التقليدية، ولم يتم تغطيتها بشكل موضوعي ومنظم، التصدي لهيمنة وسائل الإعلام التقليدية، المشاركة في وسائل الإعلام، حشد الدعم والتضامن ضد سياسات النظام السياسي.
الإعلام البديل .. وإشكالية المصطلح:
مصطلح "وسائل الإعلام البديلة" Alternative Media ليس من السهل تعريفه، فكلمة "بديل" يمكن أن تقوم بتوصيف المحتوى الذي تقدمه وسائل الإعلام، والذي يتم تكريسه لتناول الآراء المعارضة والقضايا والأحداث التي لا يتم تناولها أو عرضها والدفاع عنها في أية وسائل أخرى. ويتم إتاحة المحتوى عبر قنوات مختلفة بداية من المنشورات التي يتم نسخها باستخدام آلات التصوير الضوئي Photocopied flyers وانتهاءً بالمدونات Blogs، ويمكن تمييز المصادر التي يُرجع إليها للحصول على هذا المحتوى بأنها أصوات غير رسمية أو فقيرة أو أقليات وذلك من أجل الترويج للمشاركة المجتمعية Citizen Participation، والعمل المباشر Direct Action، وصنع القرار الجماعي Collective Decision-Making. وبينما يعارض البعض كيفية التمييز بدقة بين وسائل الإعلام البديلة ووسائل الإعلام السائدة Mainstream Media ويناقشون هذه الفروق بين كلا النوعين من الوسائل، إلا أنهم يرون أن هذه التفرقة قد تكون مفيدة للتعرف عليهما.
ويقترح البعض بأن منتجي المحتوى البديل Alternative Producers قد يكون لديهم توجه غير هادف للربح أو أنهم قد اختاروا ببساطة أن يصمموا محتوى بديلاً، إلا أن آراء أخرى لا تقل أهمية تشير إلى أن مثل هذه الوسائل الإعلامية قد تم تشخيصها على أنها وسائل بديلة من قبل نقاد وسائل الإعلام السائدة. ويعتقد البعض أن وسائل الإعلام البديلة يجب أن تخدم كمؤسسات لإنتاج المعلومات المضادة Counter Information ومندوبين لترويج هذه المعلومات ذات القوة المتنامية، وذلك بغرض دعم الحراك الاجتماعي والسياسي Social-Political Action، وتوصيل الحقائق والآراء.
وقد توصلت الدراسات العملية التي أجريت على جريدة ناشطة Activist Newspaper، والمراكز الإعلامية المستقلة على الإنترنت Online Independent media Centers، ومحطة إذاعة عامة، ومطبوعات إخبارية إقليمية، غير هادفة للربح، إلى أن بعض منتجي وسائل الإعلام البديلة تحركهم الدوافع نفسها ويخدمون الأهداف المثالية ذاتها.
ويعتقد أنه توجد علاقة قوية بين وسائل الإعلام البديلة والحركات والجماعات النشطة بمعنى أن وسائل الإعلام البديلة تقوم بدور مهم في تعليم وتحريك النشطاء، وأن النشطاء يشكلون قطاعاً مهماً ذا دلالة من جمهور هذه الوسائل. وعلى سبيل المثال، توضح الدراسات أن الصحافة البديلة لا تقوم فقط بتأخير الاحتجاج الاجتماعي Social Protest بشكل يؤدي إلى التعاطف، وتسلط ضواءً إيجابياً على النشطاء. 
وتذهب بعض الدراسات القليلة التي تفحص العلاقة بين الجمهور ووسائل الإعلام البديلة إلى أن أعضاء الجماعات النشطة يستخدمون وسائل إعلام بديلة أكثر ممن لا ينتمون إلى هذه الجماعات، كما أوضح البعض أيضاً أن النشطاء يستخدمون الوسائل الإعلامية السائدة Mainstream  أكثر من غير النشطاء. 

ووجد أحد الباحثين أن استخدام وسائل الإعلام السائدة يرتبط بعلاقة سلبية مع المشاركة في الاحتجاجات أو المظاهرات بالنسبة للأفراد الذين لا ينتمون إلى جماعات نشطة، وأن استخدام وسائل الإعلام البديلة قد شارك بعلاقة ارتباطية إيجابية بالمشاركة في الاحتجاجات والمظاهرات. لذا، فإن النشطاء غالباً ما يفسرون الوسائل الإعلامية المتداولة في أخبار وسائل الإعلام السائدة بأسلوب يتسم بالنقد أو المقاومة Critical or Resistant manner.
وهكذا، فإن وسائل الإعلام غير الجماهيرية Non-Mass Media والتي يُشار إليها أحياناً على أنها وسائل الإعلام الصغيرة أو البديلة أو الراديكالية أو المجتمعية أو غير السائدة Non-Mainstream تمثل تبايناً واسعاً وعريضاً في الإنتاج الثقافي الذي غالباً ما يكون مرتكزاً على مشاركة المواطن، وهي مساحة الإنتاج التي اكتسبت دعماً كبيراً في السنوات القليلة الماضية من خلال استخدام شبكة الإنترنت.
المجال العام والإعلام البديل:
إن معظم ما تدور حوله الدراسات والمناقشات هو ما أطلق عليه الألماني "جورجين هيبرماس" Jütgen Habermass في العام 1989 "المجال العام" Public Sphere، الذي يقدم أخبار وسائل الإعلام على أنها أداة للقوة السياسية والتمثيل والاعتراف الثقافي. 
وتقوم نظرية "المجال العام" على وصف وشرح عملية تشكيل الرأي العام والمؤشرات الاجتماعية والثقافية التي تساعد على تطوير الرأي العام. ويتوسط النظرية مجالات السلطة العامة والحكومة والمجال الخاص الذي قد يركز على الشئون الخاصة بالأسرة والأفراد. وقد نشأ المجال العام في المجتمعات البورجوازية الأوروبية في القرن الثامن عشر، وكانت المناقشات تدور من خلاله حول السياسات الحكومية، وفي إطاره تبلورت اتجاهات الرأي العام.
وعرف Halermas المناخ أو المجال العام بأنه مجتمع افتراضي أو خيالي ليس من الضروري التواجد في مكان معروف أو مميز، فهو يتكون، في الأساس، من مجموعة أفراد لهم سمات مشتركة يجتمعون بعضهم ببعض كجمهور، ليقوموا بوضع وتحديد احتياجات المجتمع من الدولة. ويعتبر المجال العام مصدراً لتكوين الرأي العام وهو يتطلب شرعية السلطة لتفعيل أية ديمقراطية، فهو يبرز الآراء والاتجاهات من خلال السلوكيات والحوار.
وتقوم نظرية المجال العام في بنيتها الجديدة على محاولة فهم حدود الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام الجديدة في إتاحة النقاش العام وتسهيل بلورة توافقات تعبر عن الرأي العام النشط، بحيث تكون إطاراً نظرياً متكاملاً يمكنه توضيح حدود الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام الجديدة ممثلة في المدونات والمنتديات ومجموعات النقاش في إدارة وتوجيه النقاش السياسي والاجتماعي في المجتمع من أجل تعزيز المشاركة العامة وترشيد مدخلات صناعة القرار وصولاً إلى دعم كفاءة الفعل الديمقراطي في المجتمعات عبر بلورة رأي عام يحظى بأولويات لا اختلاف عيها وتمنح الشرعية للعمليات السياسية المختلفة. ويعتمد نجاح المجال العام، وفقاً لما حدده هيبرماس على: مدى الوصول والانتشار، درجة الحكم الذاتي حيث يجب أن يكون المواطنون أحراراً ويتخلصون من السيطرة والهيمنة والإجبار، رفض الهيراركية ( التراتبية)؛ فكل فرد يشارك الآخرين على قدم المساواة، أن يكون دور القانون واضحاً وفعالاً، الفهم والثقة والوضوح في المضمون الإعلامي، وجود سياق مجتمعي ملائم.
ويرى Habermas أن المجال العام يتشكل ويتكون من خلال إتاحة ساحات ومنتديات للنقاش في القضايا السياسية تعني وتعمل على إعادة تنظيم وبلورة الآراء المعروضة بشأن القضايا وترشيحها وفق جدارتها، ووفق ما تحظى به من اهتمام عام من قبل المشاركين في النقاش. ويقسم Habermas النظام المجتمعي إلى ثلاثة أنظمة فرعية: النظام السياسي، أنظمة وظيفية كالتعليم والصحة والخدمات، والمجتمع المدني. ويعمل المجال العام على ربط حالة التفاعل بين هذه الأنظمة، وهذا المجال العام الذي يتمتع بالاستقلالية يكون قادراً على إدارة النقاش وترشيح الآراء المقدمة وتنقيتها وبلورتها لتكون في النهاية ليست مجرد آراء مطروحة، بل آراء لها أولوية وتقدير وتعبر عن حالة النقاش العام التي دارت من خلاله.
وكانت وسائل الإعلام البديلة تعاني من تدني فرص نجاحها في الوصول إلى ما وراء "الجيتو الراديكالي" Radical Ghetto، علاوة على الافتقار إلى الجمهور والحرفية المهنية والتمويل. وعلى أية حال، فقد عملت الإنترنت مؤخراً على الظهور كوسيلة إعلام بديلة أو راديكالية ولا سيما في المجال السياسي والثقافي وتستخدم بكثافة من قبل النشطاء والمنظّرين. وعلى سبيل المثال، فإن الإنترنت قد عملت على تسهيل الاتصال الدولي بين المنظمات غير الحكومية JGOs، لتسمح للمتظاهرين بالاستجابة على المستوى الدولي للأحداث المحلية والعالمية مع أنها لا تتطلب موارد كبيرة وإجراءات بيروقراطية مُعقدة.
ويدعي البعـض أن ثمة عـلاقة بين الاحتجـاجات المناهـضــة للعـــولـمـة Protests "Anti-Globalization" وطبيعة الإنترنت اللامركزية والتي تتجاوز الهيراركية التقليدية في الاتصال. وبينما يصبح من المهم أن نعي الإمكانات السياسية الراديكالية للإنترنت، فإنه يجب ألا نتغافل عن الأسباب الوجيهة التي تجعلنا نأخذ وسائل الإعلام البديلة بشكل أكثر جدية. لذا فإننا نتوقع أن العلاقة بين الاحتجاج السياسي الراديكالي والاتصال عبر الإنترنت سوف تطفو على السطح كمجال مهم من مجالات البحث الإمبريقي خلال السنوات القادمة.
ويعتبر استخدام حركة Zapatista المكسيكية مثالاً جيداً للحركات الناشطة سياسياً على شبكة الإنترنت، وقد بدأت الحركة عام 1994 مدعومة بنجاحها الجزئي في نضالها ضد الحكومة المكسيكية واتحاد التجارة الحرة في أمريكا الشمالية.
وكان للنشر المضاد  Counter-Publicity الذي اعتمدته Zapatista تأثيره على كلٍ من المجال العام في المكسيك؛ حيث تم إعداد تقارير إخبارية عن مطالب الفلاحين على شاشة التليفزيون الذي تديره الحكومة، والمجال العام العابر للدول؛ حيث جذب كفاح Zapatista الدعم من قبل الصحفيين والأكاديميين وجماعات حقوق الإنسان حول العالم. 
وهكذا فإن تكتيكات Zapatista في الاحتجاج التقليدي والنشر المضاد على الإنترنت أصبحت إلهاماً للنشطاء محدودي الموارد عبر العالم كله.
ويعد موقع MC Spotlight قصة أخرى في هذه السبيل، حيث جذب هذا الموقع انتباه بعض الصحفيين والأكاديميين. لقد أسس هذا الموقع في أوائل العام 1996 لدعم اثنين من النشطاء أُدينا في دعوى قذف رفعتها شركة "ماكدونالدز" McDonalds، واستمر الموقع أكثر بكثير من عمر المحاكمة، ليصل عدد زائريه إلى 1.5 مليون زائر كل شهر بحلول عام 2000. ويحوي الموقع 21 ألف ملف لمتطوعين من 22 دولة تغطي في مجملها أربع قارات. وقد جذب الموقع http://www.mcspotlight.org أيضاً النشر الحر من وسائل الإعلام الجماهيرية.
وقد أُسس "مركز وسائل الإعلام المستقلة" Independent Media Centre (IMC) من قبل مجموعة من نشطاء وسائل الإعلام المحليين قبل أسابيع من انعقاد المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية WTO عام 1999.
وكان هدف المركز هو إتاحة مصدر للأخبار والتحليلات عن منظمة التجارة العالمية، وهو ما يعتبر مضاداً لما رآه المركز وسائل الإعلام الموجهة Corporate-Controlled Media. وكان مصدر التفكير في إنشاء هذا المركز هو توثيق الكرنفال الذي تم تنظيمه ضد الرأسمالية في مدينة لندن في 18 يونيو 1999.
وقد اشترى "مركز وسائل الإعلام المستقلة" سيرفر الويب Web Server وقواعد البيـانات Databases، كما تمت الاستفادة من تاريـخ برامج المشاركة Shareware للإنتـرنت، ومن شـركـة كمبيــوتر صـغـيـرة، وموقـع للتشـفـير، ومسـاحة على الـويب تم التبــرع بهـــا Web Space وسعـة موجة Bandwidth. وانهالت التبرعات الأخرى الإضافية من المتبرعين وبيع أفلام الفيديو. وأتاح المركز موقعين، ووحدات لتحرير الفيديو Video-editing facilities، وشبكات كمبيوتر، وأجهزة فاكس وتليفونات لحوالي 400 متطوع. وقد تلقى موقع الويب 1.5 مليون زائر في أثناء الأسبوع الذي انعقد فيه المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية، وربما يرجع ذلك بدرجة كبيرة لربط الموقع بالصفحة الأولى لأخبار ياهو Yahoo و "وان وورلد" One World، كما استعانت وكالة "رويترز" وشبكة CNN ومحطة BBC بلقطات فيديو للمظاهرات قام بالتقاطها متطوعون بالمركز.
وقد أدى نجاح موقع سياتل Seattle إلى ازدهار الإعلام البديل على شبكة الإنترنت، وبالتالي بدأ موقع Indymedia في النمو، سواء في قوته أو احتلاله مكانة مميزة في المجال العام عالمياً. وعلى سبيل المثال، فإن موقع Indymedia الإيطالي سجل 5 مليون صفحة من الانطباعات في أثناء قمة الثمانية الكبار G8 Summit في مدينة جنوة عام 2001، وكان يمكن الوصول إلى روابط لمواقع Indymedia على مواقع الناشطين على الإنترنت. وأصبحت Indymedia نفسها قصة لوسائل الإعلام الجماهيرية في أثناء القمة عندما أغارت قوات مكافحة الشغب على مقرها. ويوجد الآن ما يزيد عن 50 موقع Indymedia على مستوى العالم. وبينما تتركز هذه المواقع في الولايات المتحدة وكندا؛ إلا أنه توجد الآن مواقع أخرى في أوروبا واستراليا والبرازيل وكولومبيا والكونغو والهند وإسرائيل والمكسيك وفلسطين.
وقد شهدت انتفاضة الأقصى استخداما مكثفاً للإنترنت من قبل النشطاء الإعلاميين لدعم كفاح الشعب الفلسطيني، حيث تدفقت المواقع الاتصالية إلى شبكة الإنترنت، ولم تكتف هذه المواقع بعرض القضية الفلسطينية على العالم ومتابعة أحداث الانتفاضة، بل شنت سلسلة من الهجمات الإلكترونية على المواقع الإسرائيلية واليهودية. ومن بين هذه المواقع، على سبيل المثال، موقع الانتفاضة الإلكترونية http://electronicintifada.net والذي بدأه أربعة ناشطين أكاديميين في فلسطين وأمريكا الشمالية والذى استهدف الجمهور العام والصحفيين والمحررين، وذلك في محاولة لتعليم الصحفيين كل ما يخص تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي والأساطير التي تروج لها وسائل الإعلام Media Myths فيما يتعلق بإسرائيل والفلسطينيين. 

وقد اتسع نطاق المواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين في مجال الدعاية والدعاية المضادة من خلال بث الصور والرسائل على شبكة الإنترنت، ونشرت مواقع الشبكة تحت عنوان "مجازر إسرائيلية" صورة الطفل الفلسطيني "محمد الدرة" الذي قُتل برصاص الإسرائيليين، في حين نشرت في المقابل صور معلمة في مستوطنة يهودية في الخليل بالضفة الغربية قُتلت في عملية فلسطينية. وذكر "باري روبن" الباحث بمركز بيجين – السادات للدراسات الاستراتيجية في إسرائيل: إنه في كل مرة يستجد فيها حدث ما، تتوافر كميات هائلة من المعلومات بشكل سريع على الإنترنت، ولم يكن ذلك ممكناً قبل عشر سنوات، أو حتى خمس سنوات.
ويقر المسئولون في السلطة الفلسطينية بتفوق المواقع الإسرائيلية، لكنهم يراهنون على مواقع المنظمات الإنسانية ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان لمواجهة هذا التفوق. ويواجه الفلسطينيون صعوبات في نقل أخبارهم لوسائل الإعلام، وقد دفع قصور الأجهزة الإعلامية الفلسطينية إلى إنشاء مركز إعلامي بدأ عمله اعتباراً من يناير 2001 لتقديم خدماته، لا سيما بواسطة الإنترنت. وقد برزت المواقع الفلسطينية الخاصة، أكثر من مواقع السلطة الفلسطينية، في هذا المجال، فكثير من الفلسطينيين نشطوا لمواجهة الدعاية الإسرائيلية، ليس فقط في الداخل بل في كل أنحاء العالم.
وإذا كنا قد أشرنا إلى نماذج لبناء المجالات العامة الافتراضية المضادة لجناح اليسار "Left-Wing" Virtual Counter-Public Spheres، فلا ينبغى أن نتجاهل بناء المجالات العامة المضادة لجناح اليمين. فمواقع الوب المحافظة Conservative Websites تعد أكبر وأكثر بروزا وأعمق رؤية على شبكة الويب العالمية مقارنة بالمواقع التي يشنها الليبراليون واليساريون، وفي حين أن المحافظين يشكلون أقلية من مستخدمي الإنترنت، إلا أنهم يهيمنون على المجموعات الإخبارية السياسية Usenet Political News Groups وغرف الدردشة السياسية لشركة أمريكا أون لاين AOL's Political Chat Rooms.
إن تصفح محتوى الوب يؤدي إلى اكتشاف آلاف المواقع اليمينية الراديكالية التي أسسها الأفراد والجماعات والذين يرون أنفسهم مستبعدين من المجال العام لوسائل الإعلام الجماهيرية ويقومون بعمليات النشر المضاد. وقد جذب الاستخدام المكثف للإنترنت من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة اهتماماً متزايداً في دولة كألمانيا، حيث التعبير عن آراء معينة قد يكون غير شرعي، وحيث يوجد زيادة واضحة في كم النشاط اليميني المتطرف؛ فقد زاد عدد مواقع الويب الخاصة باليمين من 32 موقعاً عام 1996 إلى حوالي 1300 موقع عام 2002. وقد اتخذت المحكمة الدستورية خطوات لحظر معظم المواقع المتطرفة لكن هذا أدى إلى تحول هذه الأنشطة إلى الولايات المتحدة، حيث تصبح آراء الجناح اليميني المتطرف محمية وفقاً للتعديل الأول First Amendment في للدستور الأمريكي، وحيث يحرص النازيون الجدد على دعم أصدقائهم المقيمين بألمانيا من خلال إنتاج مواقع مثيلة Mirror Sites.
ويقوم عديد من الشركات المقدمة لخدمة الإنترنت  ISPs في ألمانيا حالياً بإعاقة الوصول لمواقع اليمين المتطرف، ولكن أحزاب وجماعات اليمين المتطرف استجابوا لهذه الخطوة بتسجيل أنفسهم كمقدمي خدمة الإنترنت ISPs، كما أن عديداً من المواقع تقدم أيضاً تفاصيل حول كيفية التغلب على الإعاقة باستخدام وسائل مختلفة. وتلاحظ المحكمة الدستورية أنه يوجد 134 جماعة يمينية متطرفة في ألمانيا، ولديهم 51.400 مسجل كمؤيد نشط، يوجد من بينهم 9000 عضو مستعدون لارتكاب أفعال عنيفة.
ولعل هذا الميل إلى ارتكاب أعمال العنف يتواكب مع النمو السريع لاستخدام الإنترنت، وهناك تخوف حقيقي، وخاصة بين الشباب في المقاطعات الألمانية الجديدة، من تنامي القبول لوجهات نظر اليمين المتطرف. وعلى الرغم من أنه لا توجد دراسات إمبيريقية مفصلة عن هذه الظاهرة، لكن الواضح أنه توجد أمامنا حالة لاكتشاف العلاقة المحتملة بين استخدام الشباب للإنترنت واستخدام جماعات اليمين المتطرف للإنترنت للترويج لأيديولوجية النازية الجديدة ونمو العنف ضد الأقليات العرقية في ألمانيا، ومن بينهم الألمان من ذوي الأصول التركية على سبيل المثال.
لقد سمحت شبكة الإنترنت للجماعات الراديكالية سواء من اليسار أو اليمين بإنشاء مجالات عامة افتراضية مضادة منخفضة الكلفة مصاحبة للأشكال التنظيمية والاحتجاجية الأخرى، وذلك لأن آراء هذه الجماعات قد تم استبعادها أو تهميشها في المجال العام لوسائل الإعلام الجماهيرية.
ولا تتيح الإنترنت لمثل هذه الجماعات وسيلة للاتصال بمؤيديها فحسب، بل تتيح أيضاً إمكانية الوصول فيما وراء "الجيتو الراديكالي" "Radical Ghetto" سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. 
مستخدمو الإنترنت وإنتاج المحتوى:
يرتبط الإعلام البديل في عصر الإنترنت في جزء كبير منه بإنتاج المستخدم للمحتوى User-Generated Content، ولعل الدليل الأكبر على هذا هو قيام مجلة "تايم" الأمريكية في 26 من ديسمبر 2006 بنشر صورة على غلافها لشاشة كمبيوتر مكتوب عليها "أنت، نعم أنت" شخصية العام Personal of the Year؛ وهو الغلاف الذي يتناقض مع غلاف "تايم" الصادر في 3 من يناير 1993 والذي يحدد الكمبيوتر على أنه آلة العام Machine of the Year. ويوضح الغلاف الأقدم (1993) صورة شبح مصنوع من الورق يشبه الشخص الذي يجلس على مقعد ويحدق في بعض الرسوم الخطية على شاشة الكمبيوتر، في حين أن غلاف عام (2006) كانت شاشة الكمبيوتر تبدو على شكل مرآة تعكس صورة الشخص الجالس إليها لكي يراها بنفسه، وكان العنوان الثانوي لهذا الغلاف: "أنت تتحكم في عصر المعلومات.. مرحبا بك في عالمك" "You Control the Information Age. Welcome to your World"، وهذا على العكس من غلاف عام 1993 المعنون "الكمبيوتر يتحرك إلى الأمام".
وبغض النظر عن هذا كله، فإن الإنترنت كانت معدة وفي حالة انتظار، لكي تصبح صوت الناس، وبُنيت بشكل لا يعتمد على الهيراركية Nonhierarchical، وتقوم على بروتوكول للنقل عبر الشبكات، وهكذا وجدت عدة أسباب تفسر لماذا انتقل التحكم من الكمبيوتر إلى البشر بعد 13 عاماً من اعتماد الكمبيوتر كرفيق في كل مكان، ومن بين هذه الأسباب أن عصر الإنترنت قد ساعد في خلق معايير موحدة للبرمجيات والتنزيل والبروتوكولات الأخرى، وتصميم الواجهة Interface Design وتطبيقات البريد الإلكتروني، ولغة HTML، وعناوين الوب.. الخ. وعندما أصبحت الإنترنت وسيلة تجارية بشكل متزايد، هبطت أسعار كل من المكونات الأساسية Hardware والبرمجيات Software، وزادت سعة الموجة Bandwidth، واختفت أجهزة المودم Modems وظهرت الموجة ذات السعة الكبيرة Broadband لتصبح أكثر شيوعاً. ففي أبريل 2006، أظهر مسح أجراه Pew Internet and American Life Project أن حوالي 42% من الأمريكيين أصبح لديهم الموجة ذات السعة الكبيرة Broadband في منازلهم، وذلك ارتفاعا من نسبة 29% في العام 2005.
ومن بين الأسباب الحقيقية الأخرى التي تفسر لماذا أصبح المستخدم يتحكم في عصر المعلومات "تأثير ظاهرة التدوين Blogging. وتعد المدونات Blogs ضرباً من ضروب التكنولوجيا بمعنى أن الشكل والتصميم والروابط لها معايير موحدة وتتطلب خبرة فنية محدودة أو قد لا تتطلب أية خبرة فنية على الإطلاق من جانب المستخدم، ورغم ذلك فإن المدونات استطاعت أن تولد بعض أشكال الخطاب وتشكل مخرجات للنص. وتتيح المدونات معالم موحدة Standard Features لكيفية إدخال النص وتضمين الوصلات وكيفية تتبع المدونات الأخرى...الخ.
وهذه المعالم تجعل من المدونة أمراً بسيط الاستخدام، وهي أيضاً تستدعي إحساساً بالذات وإحساساً بالذات في علاقتها بالآخرين، وبأن هذه المدونة موجودة دوماً على الإنترنت ولكنها مرئية تماماً وعالمية ومتدفقة إذا ما قورنت بالإنترنت عام 1993.
وبناءً على ذلك، فإن التدوين يتيح بيئة ثرية يمكن النظر من خلالها إلى سيكولوجية الإنترنت، وباستخدام معالم التدوين كعدسة، فإننا نستطيع أن نرى أن عديداً من التنبؤات والنتائج التي توصلت إليها البحوث الأولى التي أجريت على الإنترنت قد أصبحت حقيقة ماثلة. ونستطيع أيضاً أن نرى أن سيكولوجية الإنترنت هي بشكل كبير نوع ما من الإحساس بالذات وبالآخرين، بالفرد والجماعة، بالشخص والسياسي.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟