حيث أن التعليم والبحث العلمي يمثلان قاطرة التقدم والتنمية في العصر المعرفي وقوته الدافعة الرامية الي انتقال الدول الي اقتصاد المعرفة, فإن دستور(2013) يجب أن يتضمن رؤية حديثة ـ غير تقليدية ـ لمنظومة التعليم المصرية تسمح بالتصدي بشكل صريح ـ لاختلالاتها الهيكلية وأدائها المتواضع بفعل غياب استراتيجيات التطوير من جهة,
وعدم الاستقرار السياسي والأمني الراهن, من جهة أخري, وأخيرا, يتعين الأخذ في الاعتبار بما يتسم به مناخ التعليم بالألفية الثالثة من تغيرات غير مسبوقة في بنيته الأساسية وهيكله التنظيمي وآليات عمله بفعل كونه أحد أدوات نشر المعارف وتطويرها.
وفي ظل الحوار الراهن حول مواد التعليم بدستور(2013) وما أضافه في هذا الشأن ونظرا لمحدودية هذه المواد بدستور(1971), سأسعي في هذا المقال الي التعرف علي رؤية الوثيقة المعدلة للدستور في(2013) فيما يخص قضايا التعليم ومقارنتها بدستور(2012) من خلال النقاط التالية:
1ـ حدد دستور(2013) بمادته رقم(19) ـ للمرة الأولي في الدساتير المصرية ـ الهدف الرئيسي لمنظومة التعليم في بناء الشخصية المصرية والحفاظ علي الهوية الوطنية كتوجه عام من المرغوب تبنيه من مؤسسات التعليم المصرية.
2ـ أكدت المادة(71) من دستور(2012) علي ضرورة تمكين النشء والشباب من المشاركة السياسية الفاعلة, وهو ما يعد مطلبا أساسيا ـ لم يركز عليه دستور(2013) من المفروض أن تسهم في تحقيقه مؤسسات التعليم الوطنية بهدف تحقيق التنمية السياسية للشباب وتعظيم مشاركتهم في العمل العام.
3ـ تؤكد المادة(19) بدستور(2013) أن أحد أهداف التعليم ومهامه الرئيسية يكمن في تأصيل المنهج العلمي في التفكير وتنمية المواهب, وهو توجه ـ يظهر للمرة الأولي بالدساتير المصرية ـ ليعكس احتياج أسواق العمل ومناخ العلم والمعرفة الراهن الي خريج قادر علي البحث والتطوير من ناحية, ومكتسب لعدد من المهارات الشخصية والاجتماعية من ناحية أخري.
4ـ للمرة الاولي في دساتير مصر, يخصص دستور(2013) مادة تكفل دعم المعلمين وأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم( مادة22) وهذه الكفالة لا تركز علي رعاية حقوقهم المادية والأدبية فقط, بل تمتد أيضا لتشمل تنمية قدراتهم العلمية ومهاراتهم المهنية.
5ـ برغم تأكيد وثائق الدستور للأعوام(2012 و1971) علي ضرورة سعي مؤسسات التعليم الي تحقيق الربط بينها وبين حاجات المجتمع والانتاج, فقد اختفي هذا التوجه في دستور(2013).
وهو أمر يتعين تفسيره نظرا للقصور الذي تعانيه منظومة التعليم المصرية فيما يخص اعداد الخريج الملائم لأسواق العمل الديناميكية بالعصر المعرفي.
6ـ نظرا للدور المتزايد للتعليم العالي في مواكبة عصر الثورة المعرفية بالالفية الثالثة, فقد خصص دستور(2013) المادة(21) للتأكيد علي سماته المرغوبة والتزام الدولة تجاهه, حيث أكد الدستور علي تشجيع الجامعات الأهلية التي لا تستهدف الي الربح وضمان جودة الجامعات الخاصة والأهلية وتنمية كوادرها الأكاديمية وضرورة تخصيص نسبة كافية من عوائدها لتطوير العملية التعليمية والبحثية بها, ويعد تناول الجامعات بالمادة(21) من دستور(2013) من الأمور التي يتعين الاشادة بها من قبل خبراء التعليم نظرا لنجاحها في الأخذ في الاعتبار بالسمات الهيكلية الخاصة لمنظومة التعليم العالي المصرية.
7ـ في المواد من(19) الي(21) التي تتناول حق المواطن في التعليم, يؤكد دستور(2013) علي ضرورة توفير خدمات التعليم وفقا لمعايير الجودة العالمية وبرغم التأكيد علي عنصر الجودة في التعليم بدستور(2012), فقد ربط دستور(2013) معايير الجودة بالمستوي العالمي للأداء التعليمي.
8 ــ تعد مخصصات الدولة لدعم التعليم من أهم اضافات دستوري(2013 و2012) بالمقارنة بدستور(1971), بيد أن دستور(2013) حدد ـ للمرة الأولي نسبا رقمية لنصيب الانفاق علي التعليم والبحث العلمي في الناتج القومي الاجمالي, وقد استخدم كل من دستور(2013) و(2012) الناتج القومي الاجمالي كمرجعية لمعدلات الانفاق برغم استخدام معظم دول العالم للناتج المحلي الاجمالي في هذا الصدد, وهو أمر يحتاج الي تبرير.
9ـ تفيد الدراسات المستقبلية في مجال اقتصاديات العمل أن الاسواق الانتاجية ستتطلب قوة عمل أكثر تعليما وتأهليا ومهارة مهنية, وقد انعكست هذه الرؤية في دستور(2013) من خلال امتداد التعليم الالزامي حتي نهاية المرحلة الثانوية او ما يعادلها, وبرغم الاعباء التي يضيفها هذا التوجه علي ميزانية الدولة فانه يمثل احد السياسات الهامة الرامية الي تنمية الموارد البشرية المصرية ودعم مواءمتها لاسواق العمل.
10ـ في ظل تراجع اداء التعليم الفني في مصر وتدني مساهمته كأحد عناصر الانتاج الرئيسية في القطاع الصناعي والخدمي علي حد سواء تصدي كل من دستور(2012) و(2013) وللمرة الاولي لضرورة الاهتمام به وتطويره باستمرار, بيد أن دستور(2013) قد أضاف ـ مقارنة بدستور(2012) الحاجة الي مواءمته لمعايير الجودة العالمية وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل.
نخلص مما سبق, أنه برغم الاضافات العامة في مجال التعليم ـ بدستور(2012) الرامية الي تحسين جودة منظومة التعليم والنص علي استقلال جامعاتها ومراكزها البحثية واعادة صياغة الدور التخطيطي والاشرافي للدولة علي الجامعات وتخصيص نسبة كافية من الناتج القومي للانفاق علي أنشطتها العلمية, فقد جاء دستور(2013) أكثر تفصيلا لدور التعليم في عصر الثورة المعرفية باعتباره قاطرة للتنمية والتقدم.
وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق