توجهت في الماضي بالنصيحة إلي السيد أفيجور ليبرمان وزير خارجية إسرائيل المتطرف الذي دعا ذات يوم إلي تدمير السد العالي لكي يتأدب المصريون وينصاعوا إلي التوجهات الصهيونية الاستيطانية التوسعية العنصرية الكئيبة وقلت يومها إنه إذا حدث وانهار السد العالي فلن يجد المصريون بديلا عن التوجه شرقا بالملايين كتلك التي خرجت
يومي25 يناير و30 يونيو وأن هذا الطوفان من البشر سيجتاح فلسطين المحتلة وسيتم بالفعل الالقاء بالصهاينة الذين فشلت الحكومات العربية المتتالية في تأديبهم وردعهم- سيتم الالقاء بهم جميعا في البحر في مشهد يماثل إغراق فرعون وجنوده ونجاة نبي الله موسي ومن معه.
وأري الآن أسلوب التعنت الاسرائيلي ينتقل إلي مصر من الجنوب حيث استمالت اثيوبيا السودان( الشقيق) بدعوي تسهيل حصوله علي مصدر رخيص للطاقة بعد أن فقد بتروله باستغنائه عن جنوب السودان الذي انفصل عنه وأيضا لسبب آخر هو ترك المجال مفتوحا له بإنشاء أي سدود قد يحتاج أو لا يحتاج إليها الآن وفي المستقبل وعمل كل ما يضغط علي مصر.
ومن الواضح أن كل ما تفعله اثيوبيا والسودان منفردين أو متحدين يفت في عضد البلاد ويهدد أمنها ووحدتها- لهذا فإنه ولكل هؤلاء نقول إنكم لا تعرفون مصر حق المعرفة ذلك لأن المعدن المصري من السهل أن يكمن ويستكين إلي حين ولكنه لا يستمر كذلك عندما يحس بالخطر أو يلمح المساس بالكرامة- ثم إننا لسنا أمام كيانات راسخة وعتية يمكن أن نقف أمامها حيري خشية بأسها وقوتها وعنفوانها- ولكن الثقافة المصرية الصبور تدعو دائما إلي استنزاف كل الوسائل والسبل اللائقة بالأصدقاء والأشقاء احتراما للجوار والأخوة والمحبة ورغبة في كبح جماح الأفكار المتعنتة والتصرفات الخشنة قبل الاتجاه إلي الثورة والفوران والرد الذي قد يعصف بالجميع كما الأعاصير والبراكين والزلازل.
أضيف هنا أن مصر تعلم جيدا أن اثيوبيا لديها أغلبية من الفقراء الذين يحتاجون إلي كل قطرة ماء وإلي كل مصدر من الطاقة ينير بيوتهم ويفتح لهم أبواب الرزق وهو أمر متاح في ظل الإمكانيات الموجودة ولا يستطيع أحد أن يناقش حق البلاد في رفع مستوي معيشة الشعوب ونشر الرخاء بينهم وإرضائهم- إلا أن هذا الحق المكفول لابد أن يراعي حقوق الآخرين لأنه إذا انعكس تبادل المنفعة إلي حصول طرف علي المنفعة مقابل حصول الطرف الآخر علي خسارة في معادلة صفرية هنا تصبح المقاربة برمتها فاسدة لا تصلح للتطبيق ولا ينتج عنها إلا المشاكل والعثرات والنكبات علي الطرفين علي حد سواء يعلم الجميع أيضا أن اثيوبيا كيان هش فهي دولة حبيسة ليس لها مخرج إلي العالم سوي عبر دول الجوار وأنها تعاني الصراعات والنزاعات القبلية والعرقية والدينية والمذهبية داخليا والصراعات مع الدول المجاورة خارجيا.
وهنا أتوجه للأشقاء والأصدقاء في اثيوبيا والسودان بالنصيحة ألا يغلقوا أبواب المفاوضات بالرفض المستمر لمقترحات الجانب المصري والتعنت والعناد والرعونة والرغبة في التسويف والمراوغة انتظارا لاستكمال بناء السد الذي لن يكتمل لأن كل المؤشرات تفيد بأن ما تم الحصول عليه من أموال من الاكتتاب العام ضئيل وأن ما تقدمه الموازنة الاثيوبية من المبالغ قليل وأن ما تفضل بتقديمه السادة المانحون والمقرضون قد توقف عندما علموا أن الفوائد الاثيوبية ربما يقابلها مصائب وكوارث مصرية. إذن يعلم الجميع أن التمويل مشكلة وأن الإعلان بين الحين والآخر باكتمال البناء بنسب مئوية متقدمة ليس بالضرورة حقيقيا علي الأرض حتي لو كان واقعيا علي الورق.
سألني الكثيرون ماذا تعمل مصر الآن وقد أوصدت اثيوبيا أمامها كل أبواب الحوار والتواصل وأقول إن مصر بلد كبير لا يمكن أن يعدم الوسائل التي تمكنه من حل أكثر المشاكل صعوبة وأشدها وعورة كما أحب أن أضيف أن مصر ستظل وتستمر في معاملة اثيوبيا والسودان كدولتين أولاهما صديقة والثانية شقيقة ومن هنا فإن مصر سترصد وبشكل يومي ودقيق( وأظن أن ذلك يحدث الآن) تقدم سير الأعمال في سد النهضة فإذا بدا ما يشير إلي أن تنفيذ الأعمال تعوقه أسباب فنية أو تمويلية فإن ذلك قد يفيد أن فترة التنفيذ قد تمتد إلي سنوات طوال ربما تغير فيها أفراد أو أعيد تشكيل نظم أما إذا كان التنفيذ يتم حسب برامج محددة وبشكل واضح ومتسارع فلهذا المقام مقال آخر مختلف- كذلك يمكن رصد التقدم اليومي لسير الأعمال في بناء السد عن طريق الموقع الالكتروني لشركة المقاولات المسند إليها تنفيذ هذه الأعمال وهي الشركة الإيطالية ساليني كونستركتوري وربما كانت مراقبة مثل هذه التفاصيل بمثابة المصباح الذي يضيء ليكشف عن مواطن القوة وأسباب الضعف ومصادر التهديد وإمكانات الكشف عن فرص قد تكون مختبئة داخل أكوام المشكلات وعلامات الاستفهام.
أما من ناحية طاولة المفاوضات فالرأي هنا أنه إذا كان الخبراء والوزراء قد أخفقوا في الوصول إلي اتفاق فمن الممكن الإرتقاء بالمستوي والارتفاع إلي درجة الرؤساء ورؤساء الحكومات وربما كان التفكير في المطالبة بعقد اجتماع لرؤساء دول الحوض لبحث الموضوع علي مستوي أوسع ومن الضروري أن يسبق مثل هذه الإجتماعات نشاط دبلوماسي واسع لشرح وجهة نظر مصر وعرض ما وصلت إليه المفاوضات مع اثيوبيا والسودان من عناد وتعنت وتعسف وتصلب ورعونة واستهتار ولا بأس من التلويح والتلميح والتصريح بأن مصر ليست علي استعداد لأن تفقد مترا مكعبا واحدا من حصتها المائية المقررة مهما تكن النتائج- وعلي فرض صعوبة عقد اجتماعات الرؤساء لأي سبب من الأسباب فإن مسار المفاوضات يمكن أن يتعدل بشكل سريع باستدعاء وسيط من الدول التي نعلم أن لها علاقة جيدة بجميع الأطراف وعرض الأمر عليها ومطالبتها بالتدخل من باب الوساطة والمساعي الحميدة والتوفيق بين الطرفين ونرشح بقوة لهذه المهمة دولا مثل الصين واليابان والهند وروسيا الاتحادية وكل ما نقوم به في هذه المرحلة قد يمهد لمرحلة مقبلة ويكون قاعدة للانطلاق منها إلي تدخلات أخري نترك الحديث عنها لحين الحاجة إليها والله الموفق والمستعان.
نقلا عن الأهرام