المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏بهجت قرني
د‏.‏بهجت قرني

هل كانت تستاهل؟

الثلاثاء 04/فبراير/2014 - 10:54 ص
أقتبس هذا التساؤل كما سمعته مرارا وتكرارا باللغة الدارجة والذي يعبر بنوع التشكك ناحية الثورة والربيع العربي‏,‏ ويغزو العقول أكثر مع بداية الحملة الرئاسية‏,‏ وبالرغم من أن البعض قد يعبر عنه بطريقة أكثر ذكاء وشياكة‏,‏ فإنه أيضا السؤال الذي سيحدد بطريقة مباشرة أم لا ـ إتجاهات التصويت في الانتخابات الرئاسية القادمة‏.‏
ولذلك يجب مواجهته لأنه يعكس أيضا الفجوة بين معظم أعضاء النخبة الثقافية وغالبية الشارعين المصري والعربي. والسؤال يعكس حالة الإحباط والفوضي التي يشعر بها هذان الشارعان تجاه الربيع العربي في مقتبل عامه الرابع.
جزء من هذا الإحباط يعود إلي سقف التوقعات المرتفع للغاية مع نجاح الثورة وحدوث التغيير, كأن تنحي مبارك مثلا أو بن علي أو القذافي يحل كل المشاكل وفورا, من سوء التعليم الي أزمة المرور والصرف الصحي, وبالتالي عندما لاتجد هذه المشاكل حلا بل تسوء في بعض الأحيان, يحدث الإحباط وخيبة الأمل وقد يشعر البعض بالحنين الي النظام القديم الذي يتذكرونه في هذه الحالة علي أنه فترة استقرار, وحتي أمان وليس فترة ظلم وفساد وعدوان.
تزداد خيبة الأمل هذه عندما تستمر الفوضي, ليس فقط فوضي القوي السياسية الرئيسية التي تتنازع فيما بينها, وحتي تغير من مواقفها وتحالفاتها بالسرعة التي يغير الفرد قميصه في الجو الحار, ولكن أيضا ذيوع فوضي أعمق تؤدي الي الحيرة والالتباس, خاصة عندما يصرح اسم معروف بأن ثورة25 يناير هي مؤامرة دولية للنيل من مصر, بل يذهب البعض لتأكيد أن شباب الثورة ماهم إلا عملاء مدفوعو الأجر من الخارج. وهو بالطبع من أنسب الأساليب لتدعيم فكر مضاد للتغيير, بل ثورة مضادة.
ولكن المتوجهين بالسؤال هل كانت تستاهل؟ ليسوا كلهم من الفلول أو سيئ النية أو حتي قليلي الوعي الذين يربطون السياسة عادة بكل ماهي سلبي وألاعيب. هناك جزء كبير من الشارعين المصري والعربي يواجه بالتكاليف التي نتجت عن الثورة, أي تكاليف باهظة بالنسبة للنتائج المتحققة حتي الآن.
والحقيقة أن معظم الأرقام عن مصر في السنوات الثلاث الماضية سلبية, سواء من ناحية ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم, أو معدلات البطالة التي كانت من أهم أسباب الثورة المباشرة, كما أثبت ذلك إشعال الشاب التونسي النار في نفسه, أو تكدس المصريين من حاملي الشهادات الجامعية علي المقاهي وفي الشارع دون عمل, وانخفاض أعداد السائحين, وبالطبع انخفاض الاحتياطي النقدي أكثر من النصف واضطرار الحكومة لاستجداء المساعدة من دول الخليج وغيرها. تؤكد كل هذا أرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
الصورة في دول عربية أخري أسوأ, حيث انهارت السلطة كاملة في ليبيا لتحل محلها الميليشيات والنزاعات القبلية, وتبلغ الخسارة أقصاها في سوريا. حيث يقول تقرير أخير من الإسكوا( منظمة غرب آسيا الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة) إن هذا البلد تراجع حتي الآن37 عاما من التنمية بسبب الحرب الدائرة فيه, ومع كل سنة تستمر الأزمة تتراجع سوريا ثماني سنوات الي الخلف في المؤشرات الاقتصادية والتنموية, ويعني كل يوم إضافي في هذه الأزمة خسارة159 مليون دولار من الناتج المحلي, فضلا عن التسرب المدرسي البالغ38 في المئة ووصول البطالة إلي42 في المئة. بل تزداد الحالة السورية سوءا لأن البديل لنظام الأسد الدموي يبدو إشكاليا أيضا, بسبب وجود مايربو علي سبعة آلاف مقاتل من1600 جماعة جهادية ينتمون الي نحو خمسين دولة, حسب تصريحات جيمس كابر, مدير وكالة المخابرات الوطنية الأمريكية في الكونجرس.
قد تكون هناك بعض المبالغات في التقديرات هنا وهناك ولكن الاتجاه العام في تكاليف الربيع العربي لايمكن تجاهلها, ولذلك يجب مواجهة الشارعين المصري, والعربي في تساؤلاتهما, ولاتقتصر هذه الإجابات علي الكلام النظري عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. فبالرغم من أنها أساسية, فإنها ليست حاليا هي الأولوية القصوي لهذا الشارع فهو تسيطر عليه موضوعات معيشية آنية, مثل المتاعب الاقتصادية والاجتماعية المباشرة التي تمس حياته اليومية: مثل مستوي المرتبات والأسعار, أو انقطاع المياه أو الكهرباء, أو الامان في الشارع.
ولذلك فإن نجاح قوي التغيير ومرشحها الرئاسي يرتبط بكيفية ربط المطالب الديمقراطية بطريقة واضحة وصريحة بالقضاء مثلا علي الفساد الذي يرتبط مباشرة بفجوة الأجور والسرقة والذي يسمح لأقلية بامتصاص دماء الأغلبية أو بعدم الشفافية التي تسمح للمحسوبية والواسطة بتمكين الفرد غير المناسب من كبري الوظائف, أو بالتوريث علي مستويات عدة, وإخراس الإعلام حتي لاتظهر الحقائق إلا عندما تقوم الكارثة. باختصار من الضروري ربط الديمقراطية السياسية بأساسها الاجتماعي والاقتصادي وكيفية استخدامها لمواجهة النواحي المعيشية الأساسية.
نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟