المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏بهجت قرني
د‏.‏بهجت قرني

عودة التاريخ.. السيسى فى موسكو

الثلاثاء 18/فبراير/2014 - 10:31 ص
تتعدد الزيارات فى الفترة الأخيرة بين القاهرة وموسكو، فهذه هى الزيارة الثانية لوزير الخارجية نبيل فهمى فى أقل من شهرين، ثم يأتى هذه المرة فى الأسبوع الماضى بصحبة وزير الدفاع، المشير عبدالفتاح السيسي، كما أن الملاحظ أن مقابلات السيسى لم تقتصر على زميله وزير الدفاع الروسي، بل قابل أيضا الرجل القوى فى روسيا، رئيس الجمهورية فلاديمير بوتين، ومن الملاحظ أيضا أن بوتين يدرك ـ بعكس الصورة الرسمية ـ أن السيسى سيرشح نفسه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأعلن ترحيبه بهذه الخطوة.
لم تسهب أجهزة الإعلام الوطنية ـ المصرية أو الروسيةـ فى إعطاء التفاصيل داخل كواليس الاجتماعات، أو حتى عن الاتفاقات ومشروعات المستقبل، ولو حتى بصورة عامة، وبالرغم من الإعلان عن صفقة أسلحة، فالواضح أن الهدف السياسى أقوى بكثير من الهدف العسكري، إذا كان الفصل بين السياسى والعسكرى ممكنا، كما كان الحال عندما بدأت العلاقات ـ السوفيتية بكثافة منذ ستين عاما، ويتفق كل المؤرخين ـ مصريين وعربا وأجانب ـ على أن عام 1955 كان فاصلا فى هذه العلاقات.
وفى الواقع فى علاقات مصر الدولية عموما، كان الضباط الأحرار، وحتى عبدالناصر، فى بداية عهدهم، لم تكن لهم خبرة سياسية كبيرة، خاصة فى العلاقات الدولية، انحصرت تجربة عبدالناصر أساسا فى مؤتمر باندونج بإندونيسيا فى أبريل 1955، أو مؤتمرات القمة الأفروآسيوية، التى شهدت مولد مفهوم عدم الانحياز، فى هذه الفترة كان عبدالناصر فى حرب سياسية مع الدول الغربية بسبب إصرارها على انضمام مصر إلى سلسلة الأحلاف الغربية لمحاصرة واحتواء الاتحاد السوفيتي، وكانت بداية هذا الاحتواء فى منطقة الشرق الأوسط «حلف بغداد» الذى استدرج العراق بالإضافة إلى باكستان فى الشرق، وتركيا فى الغرب.
كانت باكستان عضوا فى حلف جنوب شرق آسيا، أما تركيا فكانت ـ ولاتزال ـ عضوا فى حلف الأطلنطي، وبالتالى كان حلف بغداد حلقة الوصل بين هذين الحلفين الكبيرين لإحكام الحصار حول الاتحاد السوفيتي، واحتواء الكتلة الاشتراكية أو الشيوعية التى يرأسها فى شرق أوروبا.
ارتكز مفهوم عبدالناصر السياسى على أن الأحلاف العسكرية ما هى إلا صورة أخرى للاستعمار، ألم تكن معاهدة سنة 1936 التى قننت احتلال بريطانيا لمنطقة القناة، تسمى «معاهدة تحالف بين مصر وبريطانيا العظمي»، لذلك قاوم انضمام مصر إلى هذا الحلف، وبدأت الدول الغربية وحلفاؤها فى الشرق الأوسط (العراق، وتركيا، وإيران) فى معاقبته، وكان أحد أوجه هذا العقاب منع السلاح عن مصر، فى وقت كان الغرب يحتكر توريد هذا السلاح، ولتعرية موقف عبدالناصر أكثر وأكثر، وإظهار عجزه، قامت القوات الإسرائيلية بالهجوم على الحدود المصرية، وقتل عدد كبير من الجنود والضباط فى فبراير سنة 1955، وكان عبدالناصر فى موقف صعب للغاية، لأن هذا الهجوم الإسرائيلى المباغت أظهر ضعف الجيش المصري، وشكك فى تحقيق المبدأ الثانى من المبادئ الستة التى أعلنها الضباط الأحرار، كميثاق أولي، وهدف أساسي: تكوين جيش وطنى قوي، أصبحت مصر الثورة محاصرة ومهددة، ولم تكن أمام عبدالناصر اختيارات كثيرة، وفى هذه الأثناء جاء مؤتمر باندونج.
أصر عبدالناصر على عدم دعوة إسرائيل إلى هذا المؤتمر رغم وجودها جغرافيا فى المنطقة الأفروآسيوية، ثم قابل عبدالناصر زعماء ذا تاريخ طويل فى الكفاح ضد الاستعمار الغربي: نهرو زعيم الهند، وسوكارنو رئيس إندونيسيا، وشوين لاى رئيس وزراء الصين آنذاك، وكان كل من نهرو وسوكارنو يقاومان أيضا زرع الأحلاف العسكرية فى دول العالم الثالث، لذلك شعر عبدالناصر بأنه ليس بمفرده ومعزولا، ودعمت هذه الصحبة من مقاومته الأحلاف الغربية، ثم عند لقائه بالزعيم الصيني، اشتكى إليه من الحصار الاقتصادى الذى تواجهه مصر، خاصة عدم شراء محصولها الرئيسى (القطن)، ويورد هيكل تعاطف شوين لاى وقوله: إنه إذا أعلنت الحكومة الصينية أن على كل مواطن أن يقوم بتطويل سرواله نصف سنتيمتر فقط، فإنه يستطيع شراء كل محصول القطن المصري، لكن الأهم من ذلك كان منع السلاح عن مصر، ومن هنا التوسط لاستيراد السلاح من الاتحاد السوفيتى كان طريق صفقة الأسلحة المصرية ـ التشيكية فى سبتمبر سنة 1955.
وتدعمت العلاقات المصرية ـ السوفيتية من بناء السد العالي، إلى حرب أكتوبر سنة 1973، وبالرغم من أن السادات غير توجه مصر من الاعتماد على الاتحاد السوفيتى إلى التقرب من الغرب، وحتى التعاون الوثيق مع واشطن، فإنه اعترف بأن «نصر أكتوبر» كان بفضل السلاح السوفيتي.
مع زيارة السيسى موسكو الأسبوع الماضي، وتوثق العلاقات المصرية ـ الروسية، هل يعيد التاريخ نفسه؟ الأهم فى السياسة المصرية ألا تعتمد اعتمادا كبيرا وأحاديا على أى عاصمة أجنبية، موسكو أو واشنطن أو غيرهما، الهدف هو تطوير البدائل المختلفة، لكى تحتفظ مصر بحرية الحركة داخليا وخارجيا، وتستطيع مقاومة الضغوط مها يكن مصدرها، فهذا هو معنى الاستقلال، وكرامة الوطن.
جريدة الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟